هل يستفيد الأردن من سدوده المائية؟

سد الموجب في محافظة مادبا. تصوير خليل مزرعاوي، أ ف ب.

هل يستفيد الأردن من سدوده المائية؟

الأربعاء 14 تموز 2021

هذا التقرير جزء من ملف خاص أنتجته حبر حول أزمة المياه في الأردن. لقراءة بقية مواد الملف اضغط/ي هنا.

في معادلة المياه في الأردن اليوم، تشكّل المياه السطحية رافدًا أساسيًا، إذ إنها، وإضافة إلى المياه الجوفية، توفر قرابة مليار متر مكعب من أصل مليار و400 مليون متر مكعب تحتاجها البلاد سنويًا، بحسب رئيس اللجنة الوطنية لسلامة السدود التابعة لوزارة المياه، الدكتور رضوان وشاح. وتعتبر السدود الطريقة المثلى لتخزين المياه السطحية من الفيضانات والجريان الأساسي للأودية، بحسب الموازنة المائية الصادرة عن وزارة المياه والري.[1] 

لكن النقاش يدور بين الحين والآخر حول أهمية السدود في عملية الحصاد المائي، وإن كانت السدود هي الوسيلة الأمثل حقًا، أم أن هناك طرقًا أخرى للحصاد المائي يمكن أن تكون أجدى وأقل تكلفة، في ظل واقع السدود المائية في الأردن اليوم.

بين العامين 1958 و1966 أنشئت قناة الملك عبدالله، وهي قناة مائية تمتد 110 كم شرقيّ نهر الأردن، من الأغوار الشمالية وحتى الشونة الجنوبية قرب البحر الميت، وجاء إنشاؤها للاستفادة من مياه نهر اليرموك وروافد الأودية الجانبية للقناة. لحق إنشاء القناة مباشرةً بناء سدّيْ وادي زقلاب والكفرين عام 1967 كأوّل سدود المملكة. وقد وصل عدد السدود اليوم 14 سدًا، تقع جميعها في الأودية التي تصب في حوض وادي الأردن وحوض البحر الميت.[2] وفيما تستخدم معظم السدود للري، إلّا أن ثلاثة منها تستخدم لمياه الشرب. ورغم أن السعة التصميمية لهذه السدود تؤهّلها لاستيعاب حوالي 338 مليون متر مكعب، إلّا أنها هذا العام لم تخزّن إلّا 30.66% من سعتها.

جاء بناء السدود بحسب وشاح للاستفادة من تدفق مياه الأمطار في الأودية، في بلد يحتل المرتبة 172 من أصل 180 دولة في معدل هطول الأمطار، بحسب بيانات البنك الدولي، يضيع غالبيتها في التبخر. فإضافة إلى الشح المطري، تعاني البلاد معضلة معدلات التبخر العالية، والذي قد تصل كميته لما يقارب 93% من الهطول السنوي.[3]

كميات قليلة، وجودة متفاوتة

نظريًا، يبلغ مجموع سعة السدود الرئيسية والصغيرة أكثر 350 مليون متر مكعب، لكن على أرض الواقع، فإن ما يُخزّن ويجمّع في هذه السدود أقل من ذلك بكثير، مثلما حدث عام 2019،[4] حين كان مجموع المخزّن نهاية العام في السدود جميعها هو 103.6 مليون متر مكعب من أصل 336.4 مليونًا من سعة السدود في حينها، أي أقل من ثلث السعة.

ويعزو وزير المياه والري السابق موسى الجمعاني عدم امتلاء السدود إلى أسباب تخص كل سد على حدة؛ فسدّ الوحدة يعتمد على مياه نهر اليرموك القليلة، وسد الوالة نوعية الرسوبيات المتراكمة فيه تقارب 10% من سعة السد التخزينية.

وقد شهدت مشاريع إنشاء بعض هذه السدود جدلًا حول جدواها والأهداف البيئية والتنموية منها، من ذلك إنشاء سد الكرامة في وادي المالحة شديد الملوحة عام 1997. وصلت النقاشات ذروتها مع إعادة تقييم الجدوى منه بعد تسعة أعوام على إنشائه، والفشل حتى حينها في جمع المياه لملء السد، بالإضافة إلى رصد نسب ملوحة عالية، وهو ما أدى إلى أن تتآكل بعض معدّات الضخ، والأهم فقدان كميات كبيرة من المياه في باطن الأرض. يتضح ذلك اليوم في التقرير السنوي لسلطة وادي الأردن، عام 2020، الذي يقول إن مجموع ما دخل للسد هو أربعة ملايين متر مكعب فقط، وتم الاستفادة من مليون وربع منها، من أصل 55 مليونًا هي القدرة التخزينية للسد. ومع نسب الملوحة العالية، تعتبر هذه المياه، في كثير من الأحيان، غير صالحة دون معالجة، حتى للزراعة بحسب أستاذة المياه والبيئة في جامعة آل البيت سرى الحراحشة. أمّا سد الملك طلال فيشير وشاح إلى وجود خلل إداري في عمليات تنظيفه وفتحه وإغلاقه، «وطبعًا أي خلل هون بأدي لتشكيل رواسب وتأثير على نوعية المياه لقدام» يقول وشاح.

جاء بناء السدود للاستفادة من تدفق مياه الأمطار في الأودية، في بلد يحتل المرتبة 172 من أصل 180 دولة في معدل هطول الأمطار، يضيع غالبيتها في التبخر.

تأكيدًا لذلك، تقول الحراحشة، التي تشرف على رسالة بحثية عن جودة مياه سد الملك طلال، إن النتائج الأولية تشير إلى أنه لا يمكن الاستفادة إلّا من 30% من مياه السد، بسبب تراكم الرسوبيات وتشبّعها بالعناصر والأملاح، «المجرى الواصل لسد الملك طلال كان ينضخّ فيه مياه عادمة ومياه الخربة السمرا»، وهو ما أثر بنظر الحراحشة على قدرة السلطات على استعمال مياه سد الملك طلال لأغراض الشرب دون تدخّل لمعالجتها أو تحليتها.

لكن وزير المياه الأسبق موسى الجمعاني يعتقد أن هناك مبالغة بالتقديرات، حيث أنه وحتى عام 2010 كانت كمية الرواسب لا تتجاوز 3.5 مليون متر مكعب من مجمل سعة السد البالغة 75 مليونًا، مع ذلك، فإنه يرى أن المشكلة الرئيسية تكمن في أن بوابات السد هي في أسفله «فالمي بتكون مشبعة ومحتاجة معالجة».

من مجمل السدود في الأردن، هناك ثلاثة منها تعتبر مياهها صالحة للشرب بشكل مباشر، وهي سدود الوحدة والوالة والموجب، يعود ذلك بحسب الحراحشة إلى طبيعة المياه المجمّعة ونسب الملوحة وأرضية مجرى المياه أيضًا. ويوضح الجمعاني أن الهدف من إنشاء سدّي الكرك (2014) وبن حمّاد (2015) كان الرغبة بتخصيصهما لاحتياجات شركة البوتاس، بدلًا من الحصص التي كانت الشركة تأخذها من سد الموجب، وبالتالي «سد الموجب بصير استخدامه بالكامل للشرب»، يقول الجمعاني.

تعتقد الحراحشة أن منظومة التخطيط للسدود في الأردن قد شابها خلل في التخطيط منذ البداية، فترى أن مناطق في إربد وعمّان، مثل بيادر وادي السير، كانت تاريخيًا مجاري للمياه وذات نسب هطول جيّدة، بالتالي كانت لتشكّل فرصة مناسبة لوضع سدود صغيرة أو حفائر وبرك على أقل تقدير، لجمع المياه، إلّا أن البناء على أراضيها جعل مجاري المياه تتحوّل عن مجراها الطبيعي «وما تم استغلالها»، تقول الحراحشة.

حلول في الأفق؟

تقدّم خطة العمل الوطنية للنمو الأخضر (2021 – 2025) الصادرة عن وزارة البيئة، تصوّرًا لإنشاء ثلاثة سدودٍ جديدة[5] بكلفة 69 مليون دولار، واحد في الكرك، واثنان في الطفيلة، بسعة تقديرية تبلغ 5.84 مليون متر مكعب.

وفي الاستراتيجية الوطنية للمياه (2016 – 2025)، وُضعت تصوّرات لزيادة السعة الاستيعابية للسدود من 325 مليون متر مكعب عام 2014، إلى أكثر من 400 مليون عام 2025،[6] وذلك عبر توسعات للسدود كسد الوالة الذي تمّ الانتهاء من توسعته من 8.2 مليون متر مكعب إلى 25 مليونًا، بالإضافة إلى مخططات لإنشاء وتأهيل عدد من السدود المتوسطة والصغيرة، في محافظات الجنوب؛ العقبة والطفيلة والكرك.

بلغت كميات المياه المعالجة لعام 2019 حوالي 178.2 مليون متر مكعب. ومعالجة المياه، بحسب الحراحشة، أحد الحلول التي تعطي للوزارة هامشًا للموازنة بين الكميّات المخصصة للري والزراعة، وتلك المخصصة للشرب والاستخدام المنزلي. وتأخذ الحراحشة ما يحصل في المفرق مثالًا، فتقول إن الزراعة في المفرق في جزء منها قائمة على السحب من المياه الجوفية الصالحة للشرب، فيما يمكن، لو تم التوسع بمعالجة المياه، أن تقدّم الدولة للمزارعين مياه سدود معالجة، كي يستعملوها للري.

لتحسين الحصاد المائي، تلجأ وزارة المياه إلى ما يعرف بالسدود الصحراوية والحفائر والبرك المائية. وحتى العام 2017 وُجِد في الأردن حوالي 63 سدًا صحراويًا بطاقة تخزينية تصل إلى 96.5 مليون متر مكعب، و65 بركة تستطيع تجميع 300 ألفًا، وأكثر من 245 حفيرة بسعة تخزينية تتجاوز 22 مليونًا.[7] تشرح الحراحشة أن الغرض من هذه الحفائر والبرك هو استغلال الأمطار والدفقات المفاجئة، تحديدًا في الأماكن المفتوحة والصحارى.

رغم ضآلة ما تخزّنه الحفائر والسدود الصحراوية، إلّا أنها حل مهم، خاصة وأن نسبة التبخر في الحفائر منخفضة، يقول الجمعاني. وترى الحراحشة ضرورة التوسّع في خيارات السدود الصغيرة والحفائر والبرك في مختلف مناطق المملكة، وتحديدًا في مناطق الجنوب والشرق التي لا تشهد كميّات هطول كبيرة يمكن تخزينها بكميّات يستوعبها سد كبير أو أساسي، وترى أن هذا مفيد للتقليل من كميات المياه الضائعة، كما أنه يتيح استغلال التدفقات الفجائية.

بالإضافة إلى بناء سدود وحفائر ومحطات معالجة في كل جغرافيا مناسبة، يقترح رضوان وشاح اللجوء لمسار «السدود الفردي» أيضًا، بتشجيع الأفراد على إنشاء آبار تجميع لمياه الأمطار في مناطق سكنهم، «ممكن بيوت عمان تجمع مي بما يعادل سد صغير»، وهو ما يرد ذكره كمشروع على الصعيد الوطني للحصاد المائي المنزلي، ويتوقّع أن يوفّر سبعة ملايين متر مكعب.[8] 

يوضح الجمعاني أنه ومنذ عام 1991 رُسمت مخططات لإنشاء 1500 سد وحفيرة صحراوية على امتداد أراضي المملكة، لكن المشروعَ توقّف بسبب نقص التمويل. ورغم اعتقاده أن السدود بأشكالها حلٌ ناجعٌ للوضع المائي في الأردن، إلّا أن الجمعاني لا يرى بديلًا عن المضي قدمًا بتحلية مياه البحر من جهة، وإصلاح البنية التحتية للتخلص من مشكلة الفاقد.

فيما يقول وشاح مختتمًا: «نحن اليوم لا نملك ترف الاختيار، وعلينا أن نباشر في كل مشروع ممكن».

  • الهوامش

    [1] وزارة المياه والري، الموازنة المائية، 2019.

    [2] وزارة المياه والري، الكتاب السنوي (2018 – 2019)، ص 86.

    [3] وزارة المياه والري، الموازنة المائية، 2019، ص 8.

    [4]وزارة المياه والري، وزارة المياه والري، الموازنة المائية، 2019، ص 9.

    [5] خطة العمل الوطنية، ص 54.

    [6] خطة العمل الوطنية، ص 73.

    [7] الكتاب السنوي للمياه، السنة المائية 2018-2019.

    [8] الاستراتيجية الوطنية للمياه (2016 – 2025)، ص 23.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية