أثارت أزمة النفايات في لبنان جدلًا واسعًا حول أهميّة قطاع معالجة النفايات الصلبة، وهو القطاع شبه المعدوم في الوطن العربي. وأثبتت الأزمة أنّ البيئة ليست بمعزل عن منظومات الدولة العامة، فهي جزء لا يتجزأ من تركيبة المجتمع السياسي والاجتماعي والاقتصادي. فقد أوجد غياب عامل النظافة لبضعة أيام فراغًا أكبر من الفراغ السياسي الذي أوجده شغور منصب الرئاسة في لبنان لأكثر من عام.
ورغم أن أزمة النفايات في لبنان، المستمرة منذ قرابة شهرين، تطورت وأخذت منحىً سياسيًا بالدرجة الأولى، إلا أنها فتحت الباب أمام السؤال حول السياسات المتعلقة بالنفايات في العالم العربي بشكل عام، ومدى خطورة التهاون في معالجتها.
إنتاج النفايات
من بين 15 دولة عربية مختارة، تّحقّق اليمن أدنى إنتاج على مستوى الفرد في عام 2013. أمّا الإمارات العربيّة المُتحدّة فتُمّثّل الإنتاج الأعلى.
ثمانية من هذه البلدان يقّل إنتاج الفرد فيها للنفايات عن الكيلوغرام الواحد في اليوم، من بينها الأردن، ومصر، وفلسطين. بينما تتصدر القائمة الإمارات والكويت وقطر، أعلاها الإمارات التي يصل إنتاج الفرد من النفايات فيها إلى 2.2 كغ/لليوم، وهي نسبة تتعدى نسب دول متقدّمة مثل ألمانيا (1.69كغ/اليوم) والسويد (1.25 كغ/اليوم).
وبحسب تقرير أصدره البنك الدوليّ عام 2012، فقد كان معدّل إنتاج الفرد للنفايات في العالم عام 2002، 0.64 كغ/لليوم. أمّا في 2012، فارتفع ل 1.2 كغ/لليوم ومن المتوقع أن يستمر بالتزايد ليصل إلى 1.42 كغم/لليوم في 2025.
المصادر: سويب نت، بيئة، طاقة (2011-2013)
المصادر: سويب نت، بيئة، طاقة (2011-2013)
المُعالجة
ينص قانون حفظ الطّاقة الشهير على استحالة فناء أو استحداث المادّة، بالتالي فإنّ مصير النفايات الصلبة، مُنحصر في احتمالين فقط لا غير، تقررهما طريقة المعالجة: إمّا الاستفادة منها بإعادة استخدامها أو بتحويلها إلى طاقة بديلة، أو تكديسها بشكل يتركها غير مستغلة أو يسمح لها بالتحول إلى مواد تهدد حياة الإنسان.
بينما تستغلّ دول مثل ألمانيا 100% من نفاياتها إمّا عن طريق إعادة تدويرها أو تحويلها إلى طاقة، تلجأ معظم الدول العربيّة إلى طمر مُخلّفاتها أو رميها في مكبات، ما يشكّل خطرًا بيئيًّا يؤثر سلبًا على المياه الجوفيّة، ونقاء الهواء. وبالرغم من أنّ هنالك مطامر مُبطنة آمنة ومُتطوّرة أكثر من غيرها، إلّا أنّ هذه الوسيلة أصبحت رجعيّة مقارنة بالبدائل المطروحة التي تستعيد الطاقة بدلًا من التّخلّص منها، كالحرق المتطوّر (incineration)، والتخمير اللاهوائي (anaerobic digestion) والتّغويز (gasificaiton)، فضلًا عن إعادة التدوير والاستخدام.
الخريطة التفاعلية أدناه توضح نسبة إعادة التدوير من مجمل إنتاج النفايات في عدد من دول العالم (بالمئة).
المصدر: Waste Atlas
رغم أنّ معظم الدول العربيّة تستخدم المطامر والمكبات لتتخلّص من نفاياتها، إلّا أنّ صغر المساحة في بعض الدول كالبحرين وقطر، دفع إلى التفكير ببدائل لا تستهلك مساحات شاسعة، كالتدوير، خاصة أنّ لها فوائد بيئية كثيرة. في المقابل، فقد تخلّصت السعودية مثلًا في عام 2011 من 76% من نفاياتها الصلبة عن طريق الدّفن.
وبالرغم من ضآلة قطاع معالجة النّفايات في المنطقة، فقد برزت في هذا الإطار بعض المُبادرات في عدد من الدول العربيّة كالإمارات وقطر. ففي مسيعيد في قطر تمّ إنشاء مركز إدارة النفايات الصلبة المحلية القطري عام 2011 بالتعاون مع شركة كيبل سيجر السنغافورية. يوّفر المركز تقنيّات مُختلفة لمُعالجة 2,300 طن من النّفايات الصلبة يوميًّا عن طريق التّدوير، والطّمر المُهندس، وتحويل الموّاد العضوية إلى سماد، والحرق المتطوّر الّذي ينتج طاقة من غاز الميثان الصادر عن عمليّة الحرق.
أمّا في أبو ظبي، فيتّم الآن إنشاء محطّة حراريّة قادرة على معالجة مليون طن من النفايات سنويًّا من خلال تحويلها إلى طاقة.