كيف نفتح المستقبل للسيارات الكهربائية

الإثنين 06 آذار 2017
رجل يشحن سيارة كهربائية في عمّان. عن مجلة فنتشر.

بقلم عبد الله دحيدل*

حين نقرأ الأخبار والنقاشات حول السيارات الكهربائية اليوم، تبدو هذه السيارات صرعة حديثة، لا اختراعًا عمره أكثر من مئة سنة. فالسيارات الكهربائية انتشرت بشكلٍ واسع في النصف الأول من القرن التاسع عشر، حتى شكلت ما يزيد عن 40% من إجمالي السيارات العاملة والمتواجدة في تلك الفترة.

تفوقت السيارات التقليدية ذات المحرك الذي يعتمد على الوقود الأحفوري بعد ذلك لأسباب عدة. كثقل وزن البطاريات التي كانت تُستخدم في السيارات الكهربائية، حيث أنها كانت مصممة من الليثيوم أيون ذي الكثافة العالية والوزن الثقيل والذي أدى إلى البطء في حركتها؛ وسعر البطاريات المرتفع جدًا، نظرًا إلى أنها كانت المصدر الأساسي في إنتاج الكهرباء عامةً، لا للسيارات فقط؛ وسوء وطول فترة تخزين الطاقة فيها، عدا عن عدم وجود محطات الشحن الخاصة؛ وطبعًا ظهور شركات النفط العملاقة، والتي دعمت بشكل غير محدود التحول إلى السيارات العاملة بالوقود الأحفوري لزيادة أرباحها، مما ساهم في إيقاف حقبة مهمة من التقدم هذه التكنولوجيا على حساب التطور في الآلات الميكانيكية (محرك الاحتراق الداخلي) والتي تعتمد بشكل كبير على النفط، ما أدى ذلك إلى تسارع إنتاج الغازات الدفيئة وتأخير عصر الطاقات البديلة.

إلا أن هذا كان تأجيلًا فقط ولم يخلق اعتمادًا كليًا في حقيقة الأمر، ففي العصر الحديث ومع هذا السباق السريع في تطوير التكنولوجيا وتنويع الخيارات المتاحة، قد أصبحت ضرورة البحث عن حلول أكثر استدامة واضحة للجميع.

ساهمت عدة عوامل في عودة السيارات الكهربائية إلى الساحة مجددًا. فالتغير الكبير في سعر برميل النفط عالميًا وعدم استقراره، دفع غالبية مراكز البحوث العلمية إلى التفكير الجدي بالبحث عن مصادر الطاقة البديلة وتفعيلها، بدءًا من عام 1973 حين أوقفت المملكة العربية السعودية تصدير النفط، وصولًا إلى حرب الخليج الأولى والثانية والأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008. كل ذلك عزز الاهتمام مصادر الطاقة الطبيعية بوصفها الأشد استقرارًا.

كما ساهم في ذلك تحكم شركات النفط بالأسعار، وعجز المواطن في أي مكان عن تحقيق الاستقلالية في الحصول على مصادر الطاقة، فضلًا عن افتقار معظم الدول لمصادر الطاقة التقليدية، الأمر الذي جعلها تُعفي المستثمرين في أي من قطاعات الطاقة البديلة -ومنها السيارات الكهربائية- من الضرائب العامة والجمارك عليها، أو تفرض ضرائب قليلة.

في نهاية عام 2008، حيث أعلنت شركة «تسلا» (TESLA) عن أول سيارة كهربائية تجارية في العصر الحديث، التي أصبحت في الأسواق منذ العام 2011، وتبعتها شركات أخرى مثل نيسان ليف وفورد وغيرها. تكنولوجيا هذه السيارات لا تختلف كثيرًا عن السيارات العاملة بالوقود الأحفوري، سوى أن مصدر التغذية لحركة السيارة مختلف مع بعض التغييرات في الشكل الخارجي لتقليل مقاومة الهواء.

تطورت في هذه النماذج تقنيات تخزين الطاقة نسبيًا، رغم عدم الوصول إلى حلول نهائية حتى اللحظة، فأصبحت البطاريات تستطيع تخزين كمية أكبر من الطاقة الكهربائية ضمن مساحة أقل وبتكلفة معقولة مقارنة مع الماضي. كما أن محطات الشحن بالطاقة الكهربائية باتت أوسع انتشارً، وصارت إمكانية شحن السيارة من المنزل أسهل، رغم أن مدة الشحن تطول نوعًا ما، إلا أن الحل أصبح بيد المالك وليس بيد شركات النفط فقط.

نجاح تجربة السيارات الهجينة، العاملة على الوقود الأحفوري والبطاريات معًا، طمأن الكثيرين تجاه جدوى الاستثمار في السيارات الكهربائية وساهم في انتقالهم إليها. كما أن قلة الأعطال الميكانيكية في هذه السيارات يقلل من مصاريفها، فبعضها لا يحتاج إلا إلى المراقبة الدورية من أجل التأكد من السلامة العامة.

من الواضح أن المستقبل سيكون بالدرجة الأولى للسيارات الكهربائية، فالصراعات القائمة على النفط في ازدياد، والاحتياطي العالمي منه في نقصان مستمر، كما أن الابتكار التكنولوجي لا بد أن حلولًا منطقية للإشكاليات التي لا تزال قائمة.

ولكن السير باتجاه هذا المستقبل يقع بالدرجة الأولى على القوانين والأنظمة المشرعة التي تضعُها الحكومات، ومدى مساهمتها في إيجاد أفضل الحلول التي تُساعد في تقدم السيارات الكهربائية على غيرها.

ومن أجل ذلك، فبوسعها أولًا تسهيل الإجراءات الرسمية، ورفع الإعفاءات من الضرائب العامة والجمارك على هذه السيارات. فالسيارات الكهربائية، في النهاية، ستساهم في تقليل عبء الأثر البيئي على الدول، وتقليل كميات البترول المستهلكة يوميًا.

ثانيًا، الإسراع في تجهيز بنية تحتية قوية لعالم السيارات الكهربائية، بزيادة محطات الشحن وتوسيع انتشارها، لطمأنة الناس تجاه شراء هذه السيارات، وإنهاء الخوف من حالات الانقطاع نتيجة التفريغ الكامل للشحنة.

وثالثًا، السعي نحو تطوير تكنولوجيا تخزين الطاقة الكهربائية، ودعم الأبحاث العلمية التي تتجه صوب هذا القطاع، فالتغلب على هذا التحدي يحتاج دعمًا متواصلًا.

لكن كل ذلك قد يعتمد في النهاية على الوعيّ الشعبي بالفوائد المتحققة، والضغط باتجاه دعم السيارات الكهربائية وما تقدمه من حلول عصرية لمشاكل تهدد الكوكب برمته.

* مهندس طاقة كهربائية وباحث مُختص في مجال الطاقة المتجددة وناشط في قضايا بيئية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية