مع الأيام الأولى من رمضان الفائت، ارتفعت الأصوات المنادية بتأجيل أقساط القروض البنكية، حتى أن نوابًا طالبوا الحكومة أواسط نيسان عبر مذكرة نيابية بإلزام البنوك التجارية بتأجيل الأقساط دون تحميل المقترضين أية فوائد إضافية لأن «الظروف الاقتصادية صعبة، والمواطنون لا يجدون أي سيولة لسداد احتياجاتهم، والقطاعات الاقتصادية تطالب بذلك من أجل توفير السيولة الكافية للمواطنين». وقد تبع ذلك مطالبات نقابية بتأجيل الأقساط من أجل إنعاش القطاعات التجارية.
شاعت عملية تأجيل أقساط القروض مع دخول جائحة كورونا للأردن، إذ أعلن البنك المركزي الأردني أواسط آذار 2020 جدولة القروض والسماح بتقسيطها بدون أي فوائد للشركات والمؤسسات والأفراد، فأجُّلت الأقساط لستة أشهر، ولحقها تأجيل لعدة مرات في مناسبات مختلفة في العامين الماضيين.
وقد منعت قرارات المركزي فرض غرامات أو رسوم على التأجيل، لكن الأقساط ارتفعت على كثير من المقترضين بسبب توزيع قيمة القسط المؤجل على الأشهر المتبقية من عمر القرض، أو من خلال تجميع الأقساط المؤجلة في قسط أخير يدفعه المقترض عند نهاية القرض، وفي بعض الأحيان تم تمديد عمر القرض مع الحفاظ على قيمة القسط.
تبع ذلك قرارات من البنك المركزي برفع أسعار الفائدة عدة مرّات، كان آخرها مطلع نيسان 2023، وبالتالي ارتفع سعر الفائدة خلال عام من 2.5% قبل آذار 2022 إلى 7% حاليًا، وعليه رفعت البنوك التجارية أسعار الفائدة على القروض القديمة بنسب متفاوتة تختلف حسب البنك.
لكن ما الذي عنته هذه التأجيلات المتكررة للأقساط، وكيف أثرت، مع رفع أسعار الفائدة، على قدرة المقترضين على سداد قروضهم، التي وجد كثيرون أنها باتت أثقل عليهم، رغم أن إجراء تأجيل سداد الأقساط كان من المفترض أن يكون أداة للتسهيل عليهم.
«شو رأيكم تاخذوا الراتب كله؟»
حصل الموظف الحكومي أسعد (52 عامًا) عام 2018 على قرض شخصي من أحد البنوك التجارية بقيمة 20 ألف دينار بهدف بناء منزل لعائلته، بفائدة قدرها 7.5% وبقسطٍ شهري يبلغ 370 دينارًا. لم يكن المبلغ كافيًا لإكمال البناء، فنقل القرض إلى بنك آخر، واقترض منه ستة آلاف دينار إضافية، وأعاد جدولة القرض.
مع حلول جائحة كورونا، وصدور قرار البنك المركزي بتأجيل أقساط القروض، أجّل أسعد دفع ثلاثة أقساط دون أن يعرف التفاصيل الدقيقة حول ما سيترتّب على القرض، ثم عرف أن البنك ينوي إطالة عمر القرض بعدد أشهر التأجيل، أي تمديد فترة السداد لتعويض الأقساط المؤجلة، لكنه رفض ذلك طالبًا منهم توزيع مجموع الأقساط المؤجلة على الأشهر المتبقية من عمر القرض الأصلي، ليرتفع القسط 23 دينارًا ويصير 393 دينارًا شهريًا.
مع قرارات البنك المركزي رفع أسعار الفائدة التي بدأت منذ آذار 2022، ارتفعت الفائدة على قرض أسعد، وقد تلقى مؤخرًا مكالمة من البنك تخبره برفعها إلى ما يقرب من 12%، وخيّره بين رفع قيمة القسط الشهري ليصير 452 دينارًا، أو أن يمدد عمر القرض، وهو ما رفضه أسعد، وقدّم استدعاء للبنك نفسه يطلب فيه تخفيض سعر الفائدة، وهو الآن بانتظار الحصول على ردّ البنك بالموافقة أو الرفض.
«حكيت للموظفة شو رأيكم تأخذوا الراتب كله؟ اللي أصلا هو 600 دينار بس» يقول أسعد الذي دفعه هذا الحال إلى إعادة ترتيب بعض مصاريفه والتزاماته الشهرية، فالزيادة التي ترتبت على قسطه الشهري نتيجة التأجيل وحده، والبالغة 23 دينارًا «كانوا بنزين الدوام أسبوع واحد، أو مصروف أولادي نص شهر، أو قيمة فاتورة كهربا»، مضيفًا أن هذه الزيادة إلى جانب رفع سعر الفائدة «أكلت الراتب».
«صار عليّ قرض جديد»
أوائل 2019 حصل طارق على قرض شخصي بقيمة ثمانية آلاف دينار، وبفائدة تبلغ 7%، على أن يسدد القرض في ثمان سنوات بقسط شهري يبلغ 105 دنانير تقريبًا. ومع جائحة كورونا وصدور قرار البنك المركزي بتأجيل الأقساط أجّل البنك تلقائيًا ثلاثة أقساط من القرض دون موافقة مسبقة من طارق، أو توضيح له لمّا سيترتب على القرض جرّاء التأجيل.
«المبلغ الليّ بحوله شهريًا للبنك حتى يتم اقتطاعه بقي في حسابي وكنت حر التصرف به» يقول طارق. مع هذا التأجيل ارتفع القسط الشهري إلى 108 دنانير، فقصد البنك طالبًا عدم تأجيل أقساط إضافية: «عكس المنطق اللي بحكي إنك تراجع [لمّا] لا تنوي السداد»، يقول طارق.
ثم توالت خلال العام الماضي رسائل البنك التي تفيد برفع سعر الفائدة على القرض لتصل إلى 12% تقريبًا ما قد يرفع القسط الشهري إلى حوالي 126 دينارًا، وقد خيّرالبنك طارق بين رفع قيمة القسط الشهري على طول القرض، أو رفع قيمة القسط الأخير من القرض بحيث يضاف إليه الزيادة المترتبة عن رفع سعر الفائدة، فاختار رفع قيمة القسط الأخير، والذي وصل إلى 500 دينار تقريبًا يدفعها مرة واحدة عند انتهاء القرض.
يعتبر طارق أن تأجيل أقساط القروض أيام كورونا قدّم له حينها حلًا لحظيًا، لكنه عاد بالمنفعة فقط على «أصحاب البنوك وهذا غبن بشعر من خلاله بالظلم»، مضيفًا أن زيادة قيمة القسط الأخير تشكّل هاجسًا له: «ما بعرف كيف رح أدفع قيمة القسط الأخير، (..) خاصة لموظف راتبه 660 دينار». ورغم أن الزيادة على قسطه الشهري لم تكن كبيرة، إلا أنه منزعج من إلزامه بدفعاتٍ غير تلك المتفق عليها أساسًا مع البنك، ومن تحمّله شخصيًا لتبعات مشاكل اقتصادية كان يُفترض بالحكومة أن تتحملها كما يقول.
هذا الشعور بالقلق والانزعاج يتضاعف عند مقترض آخر هو محمد* (38 عامًا) الذي يعمل موظفًا في القطاع الخاص وحصل عام 2017 على قرض سكني بقيمة 56 ألف دينار، بفائدة قدرها 5.57%، على أن يسدده خلال 30 عامًا بقسط شهري يبلغ حوالي 300 دينار.
مع تأجيل الأقساط أثناء كورونا، وبعد متابعته للأخبار التي سمع منها عدم فرض غرامات على الراغبين بالتأجيل، قرر محمد تأجيل ثلاث دفعات؛ مجموعها 900 دينار، وقد خيّره البنك بين تأجيل الدفعات الثلاثة إلى قسط أخير مع نهاية القرض، أو توزيع مجموعها على الأشهر المتبقية من عمر القرض، فاعتمد الخيار الأول: «اخترت التأخير لأنه عليّ التزامات ثانية وما رح أقدر أزيد قيمة القسط».
اقرأ/ي أيضا:
لكن الحال تغيّر بشدةٍ بعدما رفع البنك سعر الفائدة على قرضه تبعًا لقرارات البنك المركزي، فوصلت الفائدة على قرضه إلى نحو 9.57%، ليقفز -من جهة- القسط الشهري من 300 إلى 466 دينارًا، وليرتفع -من جهة أخرى- القسط الأخير الذي يتضمن الأقساط المؤجلة أيام كورونا من 900 إلى 1300 دينارًا. مع هذه الزيادات، شعر محمد وكأن قرضًا جديدًا قد ترتّب عليه، «والبنك ما حكالي هذا الإجراء، (..) ومش عارف شو حل القصة».
انعكست هذه الأزمة على نفقات محمد ومصاريفه الشهرية واحتياجات عائلته، فهو الآن يفكر بنقل أبنائه إلى مدارس أقل تكلفة، مع الاستغناء عن إشراكهم في المراكز الصيفية، وقد استغنى عن بعض الخدمات الشهرية كالخدمات التي يقدمها حارس العمارة مثلا، «الطلعات والطشات اختلفت بشكل كامل (..) مستوى الرفاهية شبه انعدم»، مضيفًا أنه صار مضطرًا لتغيير أسلوب الإنفاق بعدما «صار راتبي الشهري يروح للقروض والفوائد».
محمد وأسعد وطارق هم ثلاثة من بين ما يزيد عن مليون فرد مقترض من البنوك في الأردن حتى نهاية عام 2021، وقد بلغت مديونيّتهم للبنوك 11.8 مليار دينار تقريبًا، بنسبة نمو بلغت 8.6% عن العام الذي سبقه. إلا أن جزءًا من النمو في مديونية الأفراد خلال عامي 2020 و2021 ناتج عن قيام البنوك بتأجيل سداد مديونيات العملاء المتضررين من جائحة كورونا، بحسب تقرير للبنك المركزي.
أمّا بما يخص نسبة العبء الشهري لمديونية الأفراد، والتي تقاس بقيمة الأقساط والفوائد الشهرية التي يدفعها المقترض نسبة إلى دخله الشهري المنتظم، فقد ارتفعت هذه النسبة في نهاية عام 2020 إلى 45.2% مقارنة مع 43% في نهاية عام 2019 وذلك نتيجة انخفاض دخل الأفراد في عام 2020 بسبب تداعيات جائحة كورونا، وفقًا للتقرير نفسه.
يعتقد محمد أن الأزمة المالية التي تسبب له بها القرض لن تنتهي ببساطة، معتبرًا أن لا مظلة قانونية تحمي المقترضين، في ظل أن العلاقة بين المقترضين والبنوك كما يقول: «غير واضحة ومعقدة».
* أسماء مستعارة حفاظًا على خصوصية الأشخاص.