أجور المتعطلين من القطاع الخاص: سحبٌ من «التحويشة»

تصميم ندى جفال.

أجور المتعطلين من القطاع الخاص: سحبٌ من «التحويشة»

السبت 20 حزيران 2020

حين توجه معلم الرياضيات عمر* (24 عامًا) إلى مقرّ عمله في إحدى مدارس عمّان الخاصة نهاية أيّار، لم يكن يعلم أنه سيخسر وظيفته. إذ فاوضته إدارة المدرسة على استقالة وافق عليها مقابل الحصول على نصف أجره عن شهر أيّار الذي لم يكلف فيه بعمل، بما لا يقل عن 220 دينارًا، أي الحد الأدنى للأجور. في اليوم نفسه أصدرت الحكومة البلاغ رقم (7) والمعدِّل لأمر الدفاع رقم 6، وتسلم عمر 150 دينارًا من راتبه البالغ 350 دينارًا بموجب البلاغ، خلاف ما وعدت به إدارة المدرسة.

يجيز التعديل، الذي يأتي ضمن مجموعة إجراءات حكومية للتعامل مع أزمة كورونا الحالية، لـ24 قطاعًا متضررًا، من بينها المدارس الخاصة، حسم 60% من أجر الموظف غير المكلّف بعمل شريطة ألا يقل الأجر المُستَلَم عن 150 دينارًا، فيما يتعلق براتبيْ شهريْ أيار وحزيران، دون الحاجة للحصول على موافقة وزارة العمل.

بحسب عمر الحاصل على شهادة بكالوريوس في الهندسة المدنية، فإن إدارة المدرسة التي يعمل فيها منذ عام، تعمّدت، مع نهاية شهر نيسان الماضي، ألّا تكلّف العاملين فيها بأي مهام، كي تتمكّن من إحالتهم للتعطّل المؤقت، وبهذا تحسم نصف رواتبهم، وفق ما يسمح به أمر الدفاع رقم 6. لكنّه لم يتوقع أن يحصل على 150 دينارًا، «راتبي على طول السنة بيطلعش قد أقساط طالبين في المدرسة والأهالي عنّا دفّيعة».

حتى ساعة نشر هذا التقرير لم تصدر عن الحكومة إحصائيات حول أعداد من فقدوا أعمالهم خلال أزمة كورونا. لكن دراسة لمركز الفينيق المختص بالدراسات الاقتصادية والمعلوماتية وجَدت أن 40% من العينة المستجيبة للدراسة قد فقدوا عملهم، وأن 37% من العينة المستجيبة توقفوا عن العمل بشكل جزئي خلال الفترة الممتدة من منتصف آذار وحتى منتصف أيار الماضي.

«هيني بسعى. صحلي بالهندسة هيني اشتغلت، وهيني بدور على شغل وبلفلف على مدارس» يضيف عمر، وهو واحدٌ من موظفين عديدين خسروا عملهم أو تعطلوا مؤقتًا عن العمل. نعرض في هذا التقرير عوائق واجهتهم في تحصيل رواتبهم، التي تسلّموها إمّا بالتفاهم مع صاحب العمل أو عبر برامج صدرت بموجب أوامر دفاع، عملت على منحهم جزءًا من رواتبهم، بالاستفادة من رصيدهم في صندوق التعطل عن العمل التابع لمؤسسة الضمان الاجتماعي، أو عبر سلفة على حساب تعويض الدفعة الواحدة، أو بعد إشراك مؤسساتهم لهم في الضمان.

كيف استفاد موظفون خسروا عملهم من برامج الحماية؟

سالم* (29 عامًا) متزوج ولديه طفلان ويسكن في شقة في عمّان إيجارها 150 دينارًا شهريًا، عمل لعام ونصف تقريبًا في شركة لاستيراد المواد الغذائية براتب 300 دينار. بداية شهر آذار، وقبل بدء أزمة كورونا، طلبت الشركة من العاملين فيها أخذ إجازات لمنتصف الشهر حتى تنقل مكانها إلى منطقة أخرى في عمّان. وبعد انتهاء عملية الانتقال كانت قد بدأت الإغلاقات لمواجهة الوباء، وهكذا لم يحصل سالم على راتبه عن شهر آذار، وباءت محاولاته للتواصل مع إدارة الشركة في نيسان وأيّار بالفشل.

لا زالت الشركة التي يعمل فيها سالم قائمة، ولم تتقدم بطلب إيقاف لوزارة العمل بحسب معلومات تحققت منها حبر. قدّم سالم شكوى لوزارة العمل في الأسبوع الأول من شهر حزيران ولا زال ينتظر ردًا عليها. وفي هذا الوقت لجأ لأحد برامج الحماية التابعة لمؤسسة الضمان الاجتماعي المعمول بها بموجب أمر الدفاع رقم 9.

يتيح أمر الدفاع رقم 9 للعمال الذين خسروا عملهم اللجوء لبرامج مساند الثلاثة، سواء كانت منشآتهم قد تقدمت بطلب توقف لوزارة العمل أو فقدوا عملهم لأي سبب آخر. ويلجأ المؤمَّن عليه في هذه الحالة لأيّ من البرامج المتاحة وفقًا لعدد اشتراكاته في الضمان.

تزيد اشتراكات سالم في الضمان الاجتماعي عن 36 اشتراكًا، ما يتيح له الاستفادة من برنامج مساند 1 الذي يستحق فيه المؤمّن عليه 50% من أجره بسقف 350 دينارًا، تصرف من رصيده الادخاري في صندوق التعطل عن العمل. لكنه لجأ بنصيحة من أصدقائه إلى برنامج مساند 3، وهو برنامج يتيح للمؤمن عليه الاستفادة من سلفة تعويض الدفعة الواحدة «تأمين الشيخوخة»، بحيث يستفيد من 5% من مجموع أجر المؤمَّن عليه الخاضع لاقتطاع الضمان، بسقف 450 دينارًا، تصرف على ثلاثة أشهر، شريطة ألّا يتجاوز راتب المؤمن عليه 500 دينار وأن يكون لديه 12 اشتراكًا في الضمان.

يعمل مصطفى (24 عامًا) في شركة سينما، وهذا القطاع واحد من القطاعات غير المصرّح لها بالعمل منذ بدء الجائحة. وقد تقدّم صاحب الشركة بطلب لوزارة العمل من أجل إيقاف الشركة رسميًا،[1] فوافقت الوزارة على الطلب للفترة الممتدة ما بين 28 نيسان و28 حزيران وفق بيانات الوزارة، وهكذا بات مصطفى متعطّلًا عن العمل، ولو بشكل مؤقت.

يتقاضى مصطفى الذي عمل في الشركة منذ ثلاث سنوات 325 دينارًا، وحصل في نهاية شهر نيسان على 217 دينارًا، حيث سُمِح للشركات غير المصرّح لها بالعمل خفض رواتب شهر نيسان، لموظفيها غير المكلّفين بعمل، إلى النصف بما لا يقل عن الحد الأدنى للأجور، شريطة موافقة وزارة العمل، وحينها يختار صاحب العمل إمّا أن يمنح نصف الأجر للموظفين مباشرة أو أن يلجأ للاستفادة من برنامج تضامن 1.

أمّا بخصوص شهر أيّار، فقد توجه مصطفى في شهر نيسان للاستفادة من برنامج مساند 2، الذي يجيز للعاملين وغير العاملين سحب 60% من الرصيد الادخاري للمؤمَّن عليه في صندوق التعطل عن العمل، بحدّ أقصى 450 دينارًا، سواء كان متعطلًا عن العمل أم لا، شريطة ألّا يقلّ المبلغ المتوفر في الصندوق عن 90 دينارًا، وتقاضى مصطفى بموجب خياره مبلغ 106 دنانير.

لكن هذه الخطوة أفقدت مصطفى -الذي علم متأخرًا في شهر أيار أن شركته توقفت رسميًا عن العمل-، حقه في اللجوء إلى برامج حماية أخرى بموجب أمر الدفاع رقم 9. حيث كان بإمكانه بعد إغلاق الشركة أن يستفيد من برنامجي مساند 1 أو مساند 3، اللذين كانا سيوفران له مبالغ أكبر، تصرف على ثلاثة أشهر.

يستفيد المؤمَّن عليه لمرّة واحدة من برامج الحماية بموجب أمر الدفاع رقم 9، حيث تكون استفادته من برامج تضامن 1 وتضامن 2 عن شهري نيسان وأيار، ومن برامج مساند حتى انتهاء العمل بقانون الدفاع.

ويستفيد المؤمَّن عليه لمرّة واحدة من برامج الحماية بموجب أمر الدفاع رقم 9؛ حيث تكون استفادته من برامج تضامن 1 وتضامن 2 عن شهري نيسان وأيار، ومن برامج مساند حتى انتهاء العمل بقانون الدفاع، كما يشرح الناطق باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي شامان المجالي.

بلغ عدد المنشآت التي وافقت وزارة العمل على طلبات إيقافها، بحسب آخر أرقام نشرتها الوزارة بتاريخ 5 أيار، 197 منشأة يعمل فيها 3192 موظفًا وموظفة، فيما قالت وزارة الصناعة والتجارة لحبر إنها لا تملك إحصائيات عن عدد المصانع والمحال التي أُغلقت بالكامل بسبب الجائحة.

وبحسب المجالي فعلى عكس برنامجي تضامن 1 و2، بإمكان المتعطلين عن العمل الاستفادة من برامج مساند الثلاثة حتى انتهاء العمل بقانون الدفاع أو الأمر تسعة الصادر بموجبه، شريطة أن يستفيد المؤمن عليه من برنامج واحد فقط. وتفيد إحصائية مؤسسة الضمان الاجتماعي الصادرة في 21 أيار بأن أكثر من 81 ألف شخص استفادوا من برنامج مساند حتى ذلك التاريخ.

مؤخرًا صدرت ثلاثة برامج جديدة بموجب أمر الدفاع رقم 14 لمساندة عدد من منشآت القطاع الخاص، اعتبارًا من شهر حزيران. وأبرز القطاعات المستفيدة هي منشآت السياحة والنقل. تضمن هذه البرامج الثلاثة برنامج «حماية»، وهو البرنامج المتعلق بأجور العاملين في قطاعي السياحة والنقل، وبرنامج تمكين اقتصادي 1 الذي أتاح الشمول الجزئي في تأمينات الضمان لمنشآت خاصة ستصدر تعليمات حولها، بالإضافة إلى برنامج تمكين اقتصادي 2 الذي يمكن العاملين في منشآت خاصة من الاستفادة من سُلفة على حساب تعويض الدفعة الواحدة، لمن لا يتجاوز راتبه 700 دينار، ويستلم المؤمَّن عليه سلفة بحد أقصى 200 دينار، تصرف دفعة واحدة، شريطة ألا يكون قد استفاد من برنامج مساند 3. واستثني من برنامجيْ التمكين الاقتصادي العاملون في قطاعات البنوك والتأمين والكهرباء والمياه والتعليم والاتصالات.

«أنا حاليًا قاعد»، يضيف مصطفى وهو شاب غير متزوج لكنّه يساهم في مصروف أسرته، ويؤكد أنه توجه مع عدد من زملائه لوزارة العمل، حيث أبلغوا أن رواتبهم عن شهر أيار ستصرف من برامج الحماية التي يوفرها الضمان الاجتماعي للمتعطلين عن العمل، بشكل مؤقت أو كليّ بموجب أمر الدفاع رقم 9، بينما يتوجب على شركتهم أن تمنحهم ما تبقى من رواتبهم لشهر نيسان لأنها لم تكن قد أخذت موافقة[2] من وزارة العمل على تخفيض الأجور إلى النصف. لم يقدم الموظفون شكوى لوزارة العمل على أمل أن تحل المسألة وديًا.

متعطلون مؤقتًا أحيلوا لبرامج حماية أو تفاهموا مع صاحب العمل

تعمل منال* (35 عامًا) مديرة موارد بشرية في أحد المطاعم المصنفة سياحية في عمّان، تقول إن إدارة المطعم أنهت مع بدء الجائحة عمل سبعة موظفين ممن لم تزد مدة عملهم عن ثلاثة أشهر، من أصل 50 موظفًا. وتقدّمت الإدارة للضمان الاجتماعي بطلب شمول من بقي من الموظفين وعددهم 43 موظفًا في برامج الحماية التي يوفرها الضمان، فوافق الضمان على استفادة 29 عاملًا من برنامج تضامن 1 في نيسان، استمر تحويل 25 منهم هم المتعطلون عن العمل، للاستفادة من التعطّل في أيار بعد استثناء أربعة موظفين عملوا خلال أيار، وحصلوا على رواتبهم كاملة. أمّا الموظفون المتبقون، وعددهم 14 موظفًا، فرفض شمولهم في برنامج تضامن 1 إمّا لأنهم غير أردنيين أو لأن اشتراكاتهم في الضمان تقل عن 12 اشتراكًا،[3] وفي هذه الحالة يمكن لإدارة المطعم إشراكهم في برنامج تضامن 2.

يستفيد من تضامن 2 العمال الذين لم تشملهم مؤسساتهم سابقًا في برامج الحماية الاجتماعية، وبهذه الحالة يدفع صاحب العمل 140 دينارًا عن كل عامل لمرة واحدة، وبإمكانه تسديد المبلغ بالتقسيط دون فوائد على مدى سنتين. مقابل ذلك يحصل العامل على 150 دينارًا شهريًا بدل تعطل مؤقت عن العمل من صندوق التعطل، يتحمل منها صاحب العمل 50 دينارًا. تقول منال إن إدارة مطعمهم فضّلت دفع نصف أجور الموظفين الأربعة عشر أو الحد الأدنى للأجور من المنشأة عن شهري نيسان وأيار، وهي الفترة التي تعطلوا فيها عن العمل، وليس عبر برنامج تضامن 2 تجنبًا لدفع 140 دينارًا على سنتين «ليش بدي أدفع عنه وأنا مش ضامنة إنه موظفي يضل معي؟»، تقول منال نقلًا عن إدارتها.

تجاوز عدد المستفيدين من برنامج تضامن 1 بحسب آخر إحصائية نشرت للضمان الاجتماعي في 21 أيار 77 ألفًا، وزاد عدد المستفيدين من تضامن 2 عن 10 آلاف مستفيد.

تجاوز عدد المستفيدين من برنامج تضامن 1 بحسب آخر إحصائية نشرت للضمان الاجتماعي في 21 أيار 77 ألفًا، وزاد عدد المستفيدين من تضامن 2 عن 10 آلاف مستفيد.

بعد إصدار البلاغ رقم 7 استخدمت إدارة المطعم البند الخاص بتخفيض رواتب العاملين غير المكلفين بعمل في القطاعات الأكثر تضررًا، والتي تشمل قطاع المطاعم، بنسبة 60% أو إلى 150 دينارًا كإجراء عقابي للتعامل مع مخالفة ارتكبها اثنان من العاملين، ممن وافق الضمان على شمولهم في تضامن 1 في شهري نيسان وأيار، كما تقول مديرة الموارد البشرية في المطعم. إذ وقع خلاف بين العاملَيْن وإدارة المطعم في منتصف أيار، فقرر المطعم الطلب من العاملَيْن البقاء في المنزل في شهر حزيران مع نية صرف 150 دينارًا كأجرٍ لهما، بينما استأنف باقي الموظفين في المطعم عملهم في حزيران لأخذ أجورهم كاملة.

وأعلنت الحكومة في منتصف حزيران عن أمري الدفاع 13 و14، وبموجب الأمر الأخير صدرت برامج جديدة لدعم منشآت اقتصادية بمساندة مؤسسة الضمان الاجتماعي، أبرزها برنامج أطلقت عليه اسم «حماية» لضمان دفع جزء من أجور عاملين في قطاعي السياحة والنقل بدءًا من شهر حزيران ولمدة أقصاها 7 شهور.

وتلتزم مؤسسة الضمان في برنامج «حماية» بتوفير 50% من أجر المؤمن عليه الخاضع للاقتطاع، بشرط أن يكون اشتراكه في الضمان فعال بمبلغ لا يقل عن الحد الأدنى للأجور ولا يتجاوز 400 دينار. يلتزم صاحب العمل بموجب هذا البرنامج بدفع 20% من أجر المؤمن عليه وسداد باقي المبلغ الذي وفره الضمان خلال مدة أقصاها 30/6/2023، بفائدة سنوية مقدارها 3% تدفعها الخزينة العامة لا صاحب المنشأة. ولم يتضح لمنال بعد ما إذا كان المطعم السياحي الذي تعمل فيه سيستفيد من هذا البرنامج.

رمزي* (40 عامًا) لم يُكلّف بعملٍ من إدارة صحيفة ورقية يعمل فيها وتوقفت عن الطباعة خلال الأزمة، بسبب قرارات مواجهة الجائحة. أحيل رمزي من إدارة مؤسسته إلى برامج التعطل عن شهر نيسان، وهو ما كان سيدفعه للاستفادة من برنامج تضامن 1، فاشتراكاته تتجاوز 12 اشتراكًا، وبالتالي كان سيتقاضى نصف أجره البالغ ألف دينار قبل الحسم. إلّا أن الصحيفة قرّرت في وقت لاحق تأجيل التعامل بهذا الخيار.

ويعتقد رمزي الذي يعيل زوجته غير العاملة وأطفالهما الثلاثة، أن السبب وراء هذا التأجيل هو عدم وجود إيرادات مالية تُمكّن الصحيفة من سداد نسبة 20% للضمان. ولهذا لجأت للتفاهم مع موظفيها غير المكلفين بعمل، يقوم على تأجيل تسلم الأجور مقابل الحصول على نسبة أكبر من رواتبهم قد تصل إلى 70%. لكن رمزي يبقي على احتمالية أن يعاد الموظفون غير المكلفين للاستفادة من برامج الضمان. وتأخّر تسلم رمزي حتى كتابة التقرير لراتبيه عن شهري نيسان وأيار، بينما يؤكد أنه سيتسلم راتبه عن شهر حزيران كاملًا نتيجة عودته إلى العمل.

في المقابل لجأت إدارة مركز تجميل تعمل فيه سهى* (33 عامًا)، لاقتطاع نصف راتبها البالغ 600 دينار عن شهر نيسان بالتراضي، دون اللجوء لوزارة العمل. وتجد سهى أن إجراء إدارتها عادل نتيجة تعطل المركز عن العمل مؤقتًا في ذلك الشهر، كما أنهم تسلموا رواتبهم كاملة عن شهر أيار لأنهم عادوا إلى العمل فيه، ولم تستغن إدارتهم عن أي من موظفيها.

العامل في مواجهة صاحب العمل

مطلع حزيران الحالي، صرّح رئيس الوزراء عمر الرزاز أن أمر الدفاع رقم 6 جاء لتخفيف أثر الجائحة في مواجهة خطر حقيقي يتمثّل بتسريح آلاف العمال الأردنيين من القطاع الخاص. ولهذا سعت الحكومة -بحسبه- لحماية العمال والحدّ من ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل.

وقال الرزاز إن تعديل أمر الدفاع رقم 6 الذي أثار موجة رفض بين موظفين وعمال، جاء بهدف إيجاد توازن بين جميع الأطراف، سواء العامل أو صاحب المنشأة. وأشار إلى أن أمر الدفاع رقم 9 جاء لتكريس مفهوم «التضامن والتشاركية والتكافل»، ضمانًا للاستقرار الوظيفي للعاملين ولمساندة القطاع الخاص في تحمل الالتزامات المترتبة عليه.

في المقابل، يتفق مختصون التقتهم حبر على أن أوامر الدفاع رغم محاولتها إيجاد حلٍ يحدّ من فقدان موظفين لأعمالهم في ظل الجائحة، فقد أجبرت منشآت على إغلاق أبوابها، ووضعت العامل في مواجهة صاحب العمل. تقول ليندا كلش رئيسة مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان: «ندرك أن أصحاب عملٍ تضرروا في ظل الإغلاقات وبسبب الأزمة، لكن كان من الأجدر أن توفر الحكومة واجب الحماية الاجتماعية للعامل دون أن تضعه في مواجهة صاحب العمل»، وبرأيها فقد كان على الحكومة أخذ الاحتياط للأزمات وتعويض الطرفين؛ العامل وصاحب العمل.

تلفت كلش إلى أن الأزمة الراهنة تسببت بفقدان عدد كبير من العمال لوظائفهم، وانتهاك أصحاب عمل لحقوق موظفيهم، لأن «نظام الحماية الاجتماعية كان هشًا ولم يوفر حماية للعامل أو لصاحب العمل».

النائب الثاني لرئيس غرفة تجارة الأردن محمود الجليس يرى أن أمري الدفاع رقم 9 ورقم 6 قد تسبّبا برفع الحكومة يدها عن العامل، ودفعه لمواجهة صاحب العمل، الذي أُلزم بدفع رواتب شهر آذار رغم تعطيله لنحو أسبوعين، كما أن كثيرًا من العمال فقدوا عملهم أو تسلموا رواتبهم منقوصة. وبحسبه فإن الحل يكمن بمنح أصحاب العمل قروضًا دون ضمانات وفوائد، لتوفير رواتب العمال كاملة دون خصومات في الفترة المقبلة، وإلزام مالكي العقارات بمسامحة أصحاب المحال بنصف الإيجار مقابل خفض الضرائب والرسوم المطلوبة من المالكين، حتى لا تضطر هذه المنشآت للإغلاق.

يتوقع تقرير صدر مؤخرًا عن البنك الدولي أن يشهد الأردن الذي تراوح نموه الاقتصادي قبل الجائحة عند نسبة 2% سنويًا، انكماشًا يصل إلى 3.5% لعام 2020 بسبب آثار الجائحة.

يتوقع تقرير صدر مؤخرًا عن البنك الدولي أن يشهد الأردن الذي تراوح نموه الاقتصادي قبل الجائحة عند نسبة 2% سنويًا، انكماشًا يصل إلى 3.5% لعام 2020 بسبب آثار الجائحة، بينما سيشهد العالم انكماشا اقتصاديًا تبلغ نسبته 5.2% من الناتج المحلي العالمي، وفق التقرير.

ويرى الخبير الاقتصادي فهمي كتوت أن القطاع الخاص في الأردن قطاع هش، لذلك وجد بعض أصحاب العمل في البلاغ المعدل لأمر الدفاع رقم 6 مهربًا لتخفيض أجور العمال أو الالتفاف للاستغناء عن عدد منهم. ويدعو كتوت لتخفيض ضريبة المبيعات المقتطعة من نفقات الفرد اليومية، والتي تعد اقتطاعًا من رواتب العمال والموظفين، وسبق أن أدت لوقف نمو الاقتصاد، لافتًا إلى أن خفض هذه الضريبة سيحقق وفرًا في دخل المواطن، وبإمكان الحكومة تحقيق إيراد من رفع نسبة ضريبة الدخل وملاحقة المتهربين ضريبيًا.

وأعلنت وزارة السياحة بموجب أمر الدفاع رقم 13 الذي أعلنت عنه الحكومة يوم الإثنين، عن خفض ضريبة المبيعات على الفنادق والمطاعم السياحية، لتصبح 8% بدلًا من 16%، باستثناء منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة الخاضعة لضريبة مبيعات بنسبة 7%، كما خفضت ضريبة الخدمات في المطاعم السياحية والفنادق لتصبح 5% بعد أن كانت 10%، بدءًا من 1 تموز 2020. وأعلنت أيضًا عن تسهيلات بنكية وتقسيط مبالغ مستحقة على القطاع السياحي فيما يتعلق بضريبة الدخل.

جدل حول أثر السماح بالصرف من صندوق تعطل الضمان

يقول الباحث في التأمينات الاجتماعية محمد الزعبي تعقيبًا على برامج الحماية الاجتماعية: «هذا مش تكافل، الغني ما بعطي الفقير». وبحسبه فإن هذه البرامج أخذت من «تحويشة» العامل. وفرضت عليه سحب مدخراته من صندوق التعطل، «هاي مصاريه، في أيام سودا رح يحتاجها مع تقدم العمر».

ويتابع الزعبي أن الحكومة أصدرت أمر الدفاع رقم 6 الذي يُحمّل أصحاب العمل رواتب موظفيهم غير المُكلّفين، وبعد احتجاج أصحاب عمل، أصدرت الحكومة أمر الدفاع رقم 9 لتحميل العبء لمؤسسة الضمان الاجتماعي.

في مقابلة تلفزيونية له في نيسان الماضي، قال الرزاز تعقيبًا على الإجراءات الحكومية في التعامل مع الأزمة، إن الهدف من مؤسسة الضمان الاجتماعي هو «توفير مظلة حماية من المخاطر، سواء الإصابات أو التوقف عن العمل أو الشيخوخة أو العجز أو الوفاة». لكنّ الزعبي يرى في قرار الحكومة اللجوء لصندوق التعطل انسحابًا من مسؤوليتها في تقديم مساعدات مالية للمتعطلين، وإلقاء للحمل على صندوق التعطل الذي لجأت إليه سابقًا، عندما فتحت الباب في أيلول الماضي أمام المواطنين للسحب منه لأغراض التعليم والصحة.

وفي بيان صدر عن مركز بيت العمال، يقول رئيس المركز وأمين عام وزارة العمل سابقًا حمادة أبو نجمة، إن تعديل قانون الضمان الاجتماعي العام الماضي، الذي أتيح بموجبه للمؤمَّن عليه سحب نسبة من مدخراته لصالح التعليم أو الصحة، دفع باتجاه تقليل قدرات الصندوق، وبالتالي اضطرار الحكومة لإصدار أمر الدفاع رقم 9 الذي يحدد السحب من صناديق التعطل بنسب معينة، كبديل عن تفعيل مواد قانون الضمان الاجتماعي الذي يتيح للمتعطل الاستفادة بنسب أكبر؛ «75% للشهر الأول، 65% للثاني، 55% للثالث».

الناطق باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي شامان المجالي يوضح أن مجموع ما سُحب من صندوق التعطل قبل الجائحة بلغ 165 مليون دينار، ساهمت في إنعاش السوق. ويقول إن أثر الجائحة كان ليكون أكثر خطورة لولا هذا السحب، كما أن السحب من مدخرات المؤمَّن عليه في صندوق التعطل لا يؤثر على رواتبه من مبلغ تأمين الشيخوخة عند التقاعد.

ويضيف المجالي أن صندوق التعطل لا زال فيه أكثر من 200 مليون دينار حاليًا، رغم برامج الحماية الصادرة مؤخرًا. وقد أرسلت مؤسسة الضمان رسائل نصية لنحو 95 ألف مؤمِّن عليه لإبلاغهم بإمكانية استفادتهم من برامج الحماية المقدمة بموجب أمر الدفاع رقم 9. «صندوقنا بخير وكنا حاسبين حساب لاستفادة أعداد أكبر من هيك»، حيث استفاد نحو 260 ألف مؤمن عليه من برامج الحماية في ظل الجائحة بحسب المجالي.

  • الهوامش

    * تم تغيير أسماء العاملين والعاملات حفاظًا على خصوصيتهم.

    1. بموجب أمر دفاع 6 فإنه لا يجوز لصاحب العمل الذي أوقف العمل بمؤسسته مزاولة أي عمل أو نشاط خلال فترة الإيقاف، على ألا تنقطع العلاقة بينه وبين العامل خلال هذه الفترة كما لا تحتسب من مدة عقد العمل، لكن تكون التزامات صاحب العمل المالية والتعاقدية جميعها قائمة في فترة الإيقاف باستثناء رواتب العمال على ألا يستفيد صاحب العمل من برامج الحماية الاقتصادية للقطاع الخاص من تاريخ الإيقاف.

    2. قبل البلاغ 7 المُعدّل لأمر الدفاع 6 أُلزم صاحب العمل بأخذ موافقة وزارة العمل لتخفيض الأجور إلى النصف عن موظفيه غير العاملين، لكن بعد التعديل أصبح بإمكانه تخفيض أجر الموظفين غير المكلفين بعمل للنصف دون الرجوع للوزارة عن شهر أيار وحزيران وله أن يحسم 60% من رواتب العاملين في القطاعات الأكثر تضررًا مثل السينما عن ذات الفترة.

    3. يشار إلى أن أبناء الأردنيات وأبناء قطاع غزة يعاملون معاملة من يحمل الجنسية الأردنية في الاستفادة من برامج أمر الدفاع 9.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية