منذ الساعات الأولى من صباح 26 كانون الثاني الماضي، تدفق إلى جنوب لبنان آلاف العائدين إلى قراهم وبلداتهم، فور انقضاء المهلة المحددة في اتفاق وقف إطلاق النار لانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي، رغم أن قواته لم تكن قد انسحبت بعد، بل أطلقت الرصاص على العائدين الذين لم تردعهم التحذيرات، ليسقط منهم 25 شهيدًا. تأخر الانسحاب من بعض القرى الحدودية، وتمددت المهلة ثلاثة أسابيع أخرى، ليتكرر مشهد العودة يوم 18 شباط، ويدخل الجنوبيون قراهم من جديد، متجهين إلى بيوتهم المدمرة، باحثين عن أشلاء شهدائهم، ورافعين رايات المقاومة.
على الجانب الآخر من الحدود، كان المشهد مناقضًا تمامًا. لم يكن المستوطنون يفاوضون جيشهم على الدخول ويحثونه على مرافقتهم، بل كانت المفاوضات تجري من أجل تأجيل العودة. فبعد أكثر من أربعة أشهر على وقف إطلاق النار، ما تزال غالبية المستوطنين الإسرائيليين في شمال فلسطين المحتلة، سواء الذين أخلتهم حكومة الاحتلال بقرار منها أم الذين خرجوا على مسؤوليتهم، ترفض العودة إلى مستوطنات الشمال، لأسباب عدة على رأسها استمرار فقدانهم للشعور بالأمان، وتأخر إعمار المستوطنات.
بالنسبة لدولة الاحتلال، ليست عودة المستوطنين مجرد مسألة إجرائية، بل باتت بوصف معلقين «المهمة الصهيونية الأبرز لهذا الجيل» لما تحمله من تداعيات على شكل الاستيطان وعلاقة المستوطنين بدولتهم. هذا ما يدفع حكومة الاحتلال اليوم لتسخير كل أدواتها، من تعزيز التواجد العسكري إلى الحوافز المالية إلى الضغط البيروقراطي إلى مشاريع التطوير المستقبلية، من أجل حث المستوطنين على العودة في أقرب وقت ممكن.
حكومة الاحتلال تأمر بالعودة
كان الأول من آذار الجاري الموعد الذي حددته حكومة الاحتلال لبدء عودة مستوطني الشمال، الذين بلغ عددهم قرابة 62 ألفًا ممن أجلتهم الحكومة بقرار رسمي من 43 مستوطنة واقعة على بعد خمس كيلومترات أو أقل من الحدود، إضافة إلى آلاف آخرين خرجوا من المستوطنات بقرارهم. إذ أعلنت حكومة الاحتلال الأسبوع الماضي أنه لم يعد يوجد «عائق أمني أمام عودة السكان إلى منازلهم»، مُقِرّةً خطة دعم مالي «لتشجيع» المستوطنين على العودة.
أثارت خطة التشجيع هذه جدلًا واسعًا في الشارع الإسرائيلي في الأيام الماضية، نظرًا لما اعتبره المستوطنون ابتزازًا من أجل دفعهم للعودة. إذ تنص الخطة على تقديم منح لمرة واحدة لمن جرى إجلاؤهم إلى فنادق دفعت الدولة تكاليفها، تبدأ بحوالي 4200 دولار لكل بالغ يعود قبل الثامن من آذار، ثم تنخفض بعدها إلى النصف، وتستمر في التناقص لتصل 530 دولارًا حتى السابع من تموز، ومن يعود بعدها لن يحصل على المنحة. أما من استأجروا بيوتًا على حسابهم الخاص، فسيتلقون المنحة كاملةً بغض النظر عن موعد عودتهم، إلا أن الحكومة أوقفت المساعدات اليومية التي تلقوها طيلة مدة الحرب، بدءًا من الأول من آذار. وفي الحالتين، تضاف منحة أخرى بقيمة حوالي 2800 دولار كبدل للأثاث والأجهزة المتضررة.
إضافة لربط قيمة المساعدات بموعد العودة وإيقاف المعونات اليومية، استخدمت حكومة الاحتلال ملف التعليم للضغط على المستوطنين. إذ فضل كثير من مستوطني الشمال انتظار انتهاء الفصل الدراسي، بالنظر إلى أن ما لا يقل عن 37% من المدارس في الشمال تضررت أو دمرت، إما بفعل هجمات المقاومة أو بعد استخدام جيش الاحتلال لها كمقار عسكرية. كما أن المدارس تفتقر إلى المعلمين الذين قرر ما يصل إلى 50% منهم ألا يعود مطلع آذار. إلا أن الحكومة قررت إغلاق المدارس البديلة التي افتتحت في إيلات وتل أبيب لاستقبال أبناء مستوطني الشمال، ووفرت منحًا إضافية للمعلمين العائدين، ومنحًا أكبر للمعلمين الجدد الذي يختارون العمل في الشمال.
لكن كل هذه الحوافز لم تكن كافية للكثير من المستوطنين، الذين قال 30% منهم إنهم لن يعودوا، فيما يستمر آخرون بتأجيل عودتهم لوقت لاحق. والسبب الأهم هو ذاته ما دفعهم للمغادرة أساسًا: «انعدام الأمن». فبحسب استطلاع أجراه معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، عارض 70% من المشاركين من مستوطني الشمال اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، فيما أفاد 88% أنه «من المستحيل حماية سكان الشمال من دون وجود واسع ودائم» لجيش الاحتلال في جنوب لبنان.
على مدى أشهر، كانت إقامة منطقة عازلة في جنوب لبنان شرطًا أساسيًا للمستوطنين من أجل العودة. ورغم ادعاءات حكومة الاحتلال بـ«تطهير» مناطق واسعة من الجنوب، إلا أن مشهد عودة اللبنانيين «حاملين أعلام حزب الله وصورة نصر الله» استفز كثيرًا من المستوطنين لتكذيب حكومتهم، بحسب الاستطلاع.
تنقل صحيفة معاريف عن مستوطن من كريات شمونة قوله: «حزب الله لم يختف، ولا توجد منطقة عازلة ولن توجد منطقة عازلة. فماذا الآن؟ سننتظر لنرى متى سيطلقون النار علينا؟.. بعد كل شيء، لم تتمكن القبة الحديدية من اعتراض كل الصواريخ والقذائف في كريات شمونة.. بدلًا من التفكير فينا، يحاولون شراءنا بالمال، وكأننا كيس من البطاطس».
وإلى جانب المستوطنين، كان رؤساء البلديات والمجالس الإقليمية الأشد لهجة في انتقاد الخطة الحكومية. «لقد عدنا إلى واقع السادس من أكتوبر»، قال رئيس بلدية كريات شمونة أفيخاي شتيرن عقب توقيع اتفاق إطلاق النار، مضيفًا أنه لن يدعو مستوطني بلديته للعودة. أما رئيس بلدية المطلة دافيد أزولاي، فقال إن «الاتفاق ليس جيدًا لأنه لا توجد منطقة عازلة، وأعضاء حزب الله على وشك العودة للعيش في التجمعات السكنية المجاورة لنا».
«لقد أجرت الدولة حملة شاملة لإعادة السكان، وكأنهم يعودون إلى سويسرا»، يقول موشيه دافيدوفيتش، رئيس المجلس الإقليمي «ماتيه آشر»، منتقدًا مطالبة المستوطنين بالعودة في حين «يحاول حزب الله رفع رأسه والتعافي وتسليح نفسه». وأضاف في تصريح لصحيفة كالكليست أن مئات العائلات في منطقته ترفض العودة إلى حين اتضاح الصورة، خاصة في ظل تأخر توفير التمويل اللازم لإعادة الإعمار. «خلاصة الأمر هي أن سنة ونصف مرت منذ بداية الحرب ولا توجد حتى الآن خطة منظمة لإعادة إعمار الشمال».
أتت أزمة مستوطني الشمال لتفاقم ما يصفه معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بـ«فجوة ثقة» بينهم وبين حكومتهم، لم تولد في السابع من أكتوبر، بل تمتد إلى ما قبل ذلك. فعلى مدى سنوات، كان وجود هؤلاء المستوطنين على الخطوط الأمامية للكيان ضروريًا لاستدامة حدوده، إلا أنهم ظلوا يشعرون بعدم أخذ «مطالبهم الأمنية» على محمل الجد، فضلًا عن شعورهم «بالتهميش»، بالنظر إلى أن متوسط الدخل في الشمال يقل بـ30% عنه في بقية «إسرائيل». وعلى مدى أشهر الحرب، ظل المستوطنون يحتجون على «عشوائية» تعامل الحكومة مع ملف نزوحهم، خاصة وأن قرار الإخلاء لم يشمل المستوطنات التي تبعد أكثر من 5 كم عن الحدود، ولو بمئات الأمتار، حتى لو تعرضت لنيران المقاومة.
اليوم، يخلص المعهد في استطلاعه إلى أن «الوضع الذي يرغب فيه سكان الشمال غير موجود، ومن المشكوك فيه ما إذا كان يمكن تحقيقه». لكن السبب الذي لا يشير إليه المعهد لا يعود إلى «تقاعس» حكومة الاحتلال، كما يرى المستوطنون، بقدر ما يعود إلى عجزها عن تحقيق أهداف الحرب على لبنان. في هذا الإطار، جاء الإصرار الإسرائيلي على البقاء في خمس «نقاط مراقبة» حدودية، الذي وصفته وسائل إعلام إسرائيلية بأنه إجراء يهدف أساسًا لطمأنة المستوطنين، كحل وسط في ظل العجز عن إقامة منطقة عازلة.
أما خلف الحدود، فيسعى جيش الاحتلال لتعزيز قواته في الشمال لتبلغ ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر، بحيث يقيم موقعًا عسكريًا قرب كل مستوطنة حدودية، إضافة لنشر فرق احتياطية موسعة فيها، وتزويد جنود الاحتياط من المستوطنين بالأسلحة. كما يعمل جيش الاحتلال على إعادة تأهيل مواقعه السابقة ونشر وإصلاح أنظمة الرقابة على طول الحدود، بعد أن جرّف مساحات واسعة داخلها من أجل تحسين مدى الرؤية، فضلًا عن عمليات التدمير والتجريف الواسعة التي قام بها في جنوب لبنان خلال الحرب.
لا طريق للعودة، ولا «صورة نصر»
بين المستوطنات المتضررة، كانت أربع منها الأعلى صوتًا في انتقاد خطة العودة، وهي كريات شمونة والمطلة والمنارة وأفيفيم، لكونها الأشد تضررًا خلال الحرب. فعقب إعلان الحكومة الأول من آذار موعدًا للعودة، تقدمت بلديات كل من كريات شمونة والمطلة بطلبات التماس أمام المحكمة الإسرائيلية العليا لاستثنائها من القرار، فيما سلكت المنارة وأفيفيم طريق التفاوض مع الحكومة علّها تسرّع من إعادة الإعمار. جاء ذلك بعد أن كان وزير المالية زئيف ألكين قد وعد هذه المستوطنات في كانون الثاني باستثنائها من القرار، قبل أن يخلف وعده أواخر شباط الماضي.
في طلبها، كذّبت بلدية كريات شمونة زعم حكومة الاحتلال بأن المؤسسات التعليمية في المستوطنة جاهزة لاستئناف عملها، موضحةً أن من أصل 71 مؤسسة، كانت 19 جاهزة في الأول من آذار، من بينها ثلاث مدارس فقط، فضلًا عن النقص الواسع في الكوادر التعليمية. أما المستوطنون، فيصفون الدمار الواسع الذي لحق بالمكان، والذي ما زالت آثاره ماثلة دون إصلاح. «انظروا إلى الخارج، يبدو الأمر وكأن قنبلة ذرية سقطت على المدينة.. لقد ولدت في كريات شمونة، والوضع الآن هو أسوأ ما شهدناه على الإطلاق».
أما بلدية المطلة، فجاء في طلبها أمام المحكمة العليا أن 70% من منازلها ومبانيها العامة قد تضررت بنيران المقاومة، موثقةً ذلك بالصور والوثائق والبيانات، فيما صرح رئيس بلديتها دافيد أزولاي بأن أكثر من 120 منزلًا قد دمرت بالكامل. لكن الحكومة ردت بأنها فحصت هذه المطالبات بشكل فردي، ولم تجد «عائقًا أمنيًا أو ماديًا» يحول دون عودة المستوطنين، رغم أن مكتب وزير المالية كان قد أقر بأنه في حالة المطلة والمنارة وأفيفيم، قد يكون من الصعب تنفيذ خطة العودة. إلا أن لجنة في الوزارة قررت أنه في حالة البيوت غير الصالحة للسكن، سيحصل أصحابها على بدل إيجار بناء على تقدير للمدة التي يتطلبها إصلاح الأضرار.
«هذا عار مزدوج»، يقول أزولاي. «فضلًا عن أن المطلة تعرضت للتدمير الكامل لمدة عام دون أي رد فعل من القيادة الشمالية حتى بدء [الحرب على لبنان]، يأتي قرار إعادة السكان كتأكيد على الدمار الكامل باسم صورة النصر التي قررتها الحكومة الإسرائيلية والجيش.. لا يوجد طريق للعودة، وبالتأكيد لا توجد صورة نصر». وبينما يقدر أزولاي أن إعادة إعمار المطلة ستستغرق أربع سنوات وتتطلب أكثر من 110 مليون دولار، فإنه يشير إلى السبب الذي يجعل الحكومة تستعجل إعادة مستوطني المطلة تحديدًا، وهي «المستوطنة الوحيدة في إسرائيل التي تحيط بها الحدود من ثلاث جهات»، بالقول: «يريدون منا أن ننقل السكان إلى مكان مدمر لأن المطلة بالنسبة للدولة رمز. وكأننا إذا عدنا إلى ديارنا، سيعود الجميع».
إلى جانب أزمة إعادة المستوطنين، يطرح الدمار الواسع في مستوطنة المنارة أسئلة إضافية حول المستقبل. فقد تضرر بفعل صواريخ المقاومة ثلثا منازل المستوطنة، وأكثر من نصفها دمر بالكامل بحيث بات غير قابل للإصلاح. ويجري تداول فكرة إقامة حي من المساكن المؤقتة لإعادة المستوطنين في أسرع وقت. إلا أن موقع هذا الحي، فضلًا عن المساكن الدائمة المنوي بناؤها لاحقًا، ما يزال غير محسوم، تبعًا لما يصفه المستوطنون بالدروس المستفادة من الحرب.
تقع المنارة في إصبع الجليل على مسافة صفر من الحدود، على سفح جبل منحدر مقابل قرية حولا في جنوب لبنان. خلال الحرب، سقط فيها ما لا يقل عن 240 صاروخًا وقذيفة، بحسب إدارة المستوطنة. بحكم انعدام المسافة، وطبيعة تضاريس المنطقة، يطرح مستوطنو المنارة سؤالًا حول ما إذا كان بالإمكان حمايتها بغض النظر عن كم ونوع الدفاعات والتواجد العسكري الذي يمكن توفيره فيها. يقول عيدو شاليم، وهو مستوطن في المنارة عُيّن مسؤولًا عن الترميم، إن الحرب، على خلاف سابقاتها، شهدت إطلاق صواريخ مضادة للدبابات لا يمكن للدفاعات الإسرائيلية اكتشافها، فضلًا عن اعتراضها. «ما يقلقنا هو أن أي شخص يعيش في مكان يمكن أن يضربه صاروخ دون سابق إنذار أو حماية لن يرغب في العودة إلى منزله. وهذا يعني أن معظم منطقة الكيبوتس ستصبح غير صالحة للسكن»، يقول شاليم.
قبل الحرب، كانت وزارة الإسكان الإسرائيلية قد قدمت خطة لبناء 184 شقة و27 وحدة سكنية إضافة لمبانٍ إدارية وتجارية وسياحية في المنارة. لكن السير في الخطة بات محط شكوك، نظرًا إلى أنها لا تحل المشكلة الأمنية المتمثلة في أن كل المنطقة المسكونة في المستوطنة، في الجهة الجنوبية من الجبل، معرضة للهجوم في أي وقت. تقول رئيسة المستوطنة أيلا كفير إن الإدارة تعمل على الترميم، «لكن لا يزال من غير الواضح كيف سنحل مشكلة التعرض للنيران المباشرة. لا يمكن أن نعيش في نصف كيبوتس».
فضلًا عن المنازل المدمرة، تعرضت البنى التحتية في المنارة، من شوارع وشبكات صرف صحي ومياه وكهرباء، كذلك لدمار واسع. كل ذلك يجعل قرار حكومة الاحتلال بعودة المستوطنين مطلع آذار أشبه «بأن يطلبوا منا أن نطير.. ليس هناك مكان يمكن العودة إليه اليوم في المنارة»، كما تقول إحدى المستوطنات.
من المحراث إلى المصنع
رغم صغر مساحتها وقلة مستوطنيها، تمثل فكرة إعادة بناء مستوطنة المنارة في موقع بديل بسبب عجز الجيش عن حمايتها نقطة مفصلية بالنسبة لإرث الاستيطان الصهيوني. فقد شكل نزوح مستوطني الشمال على مدى عام ونصف، بوصف معلقين إسرائيليين، «تدنيسًا» للمبدأ التوسعي الذي أرساه العسكري الصهيوني جوزيف ترومبلدور القائل «حيث يحرث المحراث اليهودي ثلمه الأخير، هناك ستكون حدودنا». قُتل ترومبلدور عام 1920 على يد مجموعة من المقاومين الدروز في مستوطنة تل حاي، المقامة على أراضي قرية طلحة المهجرة، غير بعيد عن المنارة. بعد قرابة قرن على موته، يدعو الإسرائيليون اليوم إلى «استعادة المحراث» بالعمل على إعادة مستوطني الشمال، التي باتت «اختبارًا للصهيونية».
من أجل النجاح في هذا الاختبار، الذي وصفه وزير التعليم الإسرائيلي يوآف كيش بأنه «يشكل تحديًا وطنيًا من الدرجة الأولى»، تحشد دولة الاحتلال كل طاقتها. لكن الأمر لا يقتصر على المساعدات المالية والتعزيزات العسكرية. فبدلًا من المحراث بما يمثله لحقبة «بناء الدولة» الصهيونية، يبدو أن المصنع سيكون معلم الحد الجديد. إذ أعلنت «سلطة أراضي إسرائيل» عن خطة واسعة لتحفيز الشركات على توسيع عملها إلى المستوطنات الواقعة على طول «خط المواجهة»، وبالأخص في الجليل الشرقي والجولان، عبر تقديم الإعفاءات وتخصيص الأراضي بأسعار مخفضة لبناء المصانع والمنازل لموظفي هذه الشركات.
يكمن أحد أهم الأهداف المعلنة للخطة في «استقطاب السكان الجدد» إلى الشمال، حيث تسعى لرفع عدد سكان الجليل الشرقي بما يزيد عن 100 ألف مستوطن، وبناء نحو 28 ألف وحدة سكنية فيه. وتستهدف الخطة بشكل خاص شركات الصناعات العسكرية، إلى جانب شركات التكنولوجيا الزراعية والغذائية، والمؤسسات الصحية. يجري ذلك بالتوازي مع استكمال العمل على مد خط السكة الحديدية إلى كريات شمونة، وإنشاء جامعة في تل حاي، بما يفترض أن يعزز أيضًا الحركة السياحية والتعليمية في المنطقة. «الهدف هو أن يأتوا ويبقوا هنا»، يقول مصدر في سلطة الأراضي.
يعكس المشروع مدى الجدية التي تأخذ بها دولة الاحتلال ملف إعادة مستوطني الشمال، وتعزيز الاستيطان على حدودها. لكن حتى ذلك الحين، لا يبدو أنها قد نجحت بعد في إقناع المستوطنين بأداء هذه «المهمة الوطنية». يقول مستوطن انتقل إلى كريات شمونة في ثمانينيات القرن الماضي: «عندما أتينا إلى هنا، شعرنا وكأننا نحقق الصهيونية. ولكن أطفالنا وطلابنا دفعوا ثمن العيش في مدينة تقصفها القنابل».