منذ أسبوع تقريبًا والعالم يترقب ردّ إيران وحزب الله اللبناني على اغتيال «إسرائيل» كلًا من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، والقيادي العسكري في حزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية ببيروت. وكان المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، آية الله علي خامنئي، قد أمر عقب اغتيال هنية بشن هجوم مباشر على الكيان الصهيوني وإعداد خطط دفاعية وهجومية تحسبًا لتوسع الحرب، معتبرًا أن من واجب إيران الانتقام لدماء هنية لأن اغتياله حدث على الأراضي الإيرانية. كما توعّد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الإسرائيليين بردّ حتمي على اغتيال شكر وذلك «لتجاوزهم الخطوط الحمراء». وقبل ذلك كله، كانت حركة أنصار الله في اليمن هدّدت «إسرائيل» بالرد على استهداف خزانات الوقود في مدينة الحديدة، عقب استهداف تل أبيب بمسيرة «يافا» اليمنية، كما أكد قائد الحركة عبد الملك الحوثي أن «الرد لا بدّ منه وهو آتٍ».
فور الإعلان عن اغتيال هنية، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن أنها لم تشارك ولم تكن على علم بهذه الضربة. لكنها لم تكتفِ بالتبرؤ من الاغتيال، إنما ذهبت في ثلاثة مسارات متوازية لإدارة الأزمة: أولها الدعوة لوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وثانيها الاستنفار المسلح وتعزيز القدرات العسكرية في المنطقة، وأخيرًا إطلاق حملة دبلوماسية بقيادة بلينكن سعت في البداية لمنع إيران من الرد، لكنها -مع إصرار إيران والحزب عليه- صارت تهدف إلى احتواء الرد وتداعياته و«التخفيف من حدّة انتقامهما قدر الإمكان» تجنبًا لحرب كبرى.
دبلوماسيًا، تحدث بلينكن مطلع الشهر الجاري مع نظرائه في كل من تركيا ومصر والإمارات والسعودية بشأن تطورات وقف إطلاق النار في غزة، ومنع التصعيد مع لبنان. ثم دفعت الولايات المتحدة بحلفائها الإقليميين والدوليين، فضلًا عن دولٍ ذات علاقات جيدة مع إيران للضغط عليها في سبيل منع التصعيد، معلنة عن حثها بعض الدول إبلاغ إيران بأن التصعيد و«إطلاق هجوم آخر على إسرائيل» ليس من مصلحتها في هذه «اللحظة الحاسمة».
وفي هذا الاتجاه، كانت أولى التحركات الغربية الدبلوماسية ما قام به إنريكي مورا، المدير السياسي ونائب الأمين العام للخدمة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، من محادثات مع مسؤولين إيرانيين لإقناعهم بعدم الرد أو القيام بعمل رمزي، خصوصًا بعدما أبلغ إسرائيليون مسؤولين غربيين أن جيش الاحتلال لا يخطط للمزيد من العمليات. أعقب ذلك دعوة المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة أطراف الصراع والدول ذات النفوذ إلى «التحرك بشكل عاجل لتهدئة الوضع الذي أصبح خطيرا للغاية». ثم دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال محادثات مع قيادة السعودية والإمارات إلى ضبط النفس في الشرق الأوسط، قبل أن يتحدث مباشرة مع الرئيس الإيراني ليحثّه على بذل كل ما في وسعه لتجنب تصعيد عسكري جديد من شأنه أن يسبب ضررًا دائما للاستقرار الإقليمي. كما أكد وزير الخارجية السويسري إجنازيو كاسيس في مكالمة مع القائم بأعمال وزير خارجية إيران علي باقري، على التزام سويسرا بإعطاء الأولوية لضبط النفس، مشددًا على الحاجة إلى «الاعتدال والدبلوماسية».
عربيًا، كان وزير الخارجية العراقي قد اتفق مع نظيره الإيطالي على «بذل كل الجهود لتجنب التصعيد الإقليمي». وكان بلينكن قد طلب من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن يستخدم علاقاته مع إيران و«يفعل كل ما هو ممكن» للتواصل بشأن أهمية خفض التصعيد. وكان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قد توجه إلى إيران، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ أكثر من 20 عامًا، لمناقشة التهدئة في المنطقة، وقد أعلن بعدها وزير الاتصال الحكومي في الأردن، مهند مبيضين، أن الأردن أبلغ إيران رسالة واضحة مفادها عدم السماح باستخدام المجال الجوي الأردني لأي غرض. وقد تحدث رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى باقري بشأن الحاجة إلى ضبط النفس، وأبلغ آل ثاني بلينكن أن قطر وجهت نداء مماثلًا إلى حزب الله. وكان باقري قد تلقى مكالمة شبيهة من وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي دارت حول «احتواء التصعيد في المنطقة».
على الضفة الأخرى، صبّت التصريحات الإيرانية باتجاه واحد: اغتيال هنية كان «خطأ كبيرًا من جانب النظام الصهيوني، ولن يمر دون رد». وكان الرئيس الإيراني بزشكيان ردّ على ماكرون خلال اتصالهما باتهام «إسرائيل» بالتحريض على الصراع عبر اغتيالها هنية وارتكابها أعمالًا إجرامية وإرهابية في غزة، منتقدًا الولايات المتحدة والدول الأوروبية على «دعم هذه الأعمال بدلًا من إدانتها» معتبرًا إياهم شركاء في ارتكاب الجرائم، مطالبًا بوقف إطلاق النار في غزة ومؤكدًا على التزام إيران بالدفاع عن مصالحها وفقًا للقانون الدولي. وهي كلمات سمعها منه كذلك وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، حيث حمّل بزشكيان الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا المسؤولية عن الأفعال الإسرائيلية. في حين أبلغ مسؤولون إيرانيون نظراءهم العرب أن ردّ الجيش الإيراني سيكون «محسوبًا للغاية».
في كل الأحوال، لم تسع الولايات المتحدة في الأروقة الدبلوماسية دون أن تلوّح بالقوة العسكرية، فما إن وقعت الاغتيالات في بيروت وطهران، حتى توجه الجنرال الأمريكي المسؤول عن القوات الأمريكية في الشرق الأوسط إلى «إسرائيل» ملتقيًا بوزير الحرب الإسرائيلي ورئيس أركان جيش الاحتلال من أجل حشد التحالف الدولي والإقليمي -بقيادة الولايات المتحدة وبالشراكة مع بريطانيا وفرنسا ودول عربية- للتصدي للهجوم الإيراني على غرار ما حدث في نيسان الماضي، وبحثوا سبل توسيع هذا التحالف وتنسيق التعاون العسكري بين أعضائه. ومن بين الاحتياطات التي بوشر باتخاذها تسيير دوريات للطائرات المقاتلة والسفن الحربية التابعة للدول المتحالفة. اقرأ/ي أيضا:
بالتوازي مع ذلك، أمر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بزيادة الدعم للدفاع عن «إسرائيل» وضمان استعداد الولايات المتحدة للرد على مختلف الحالات الطارئة. وعليه، فقد توجهت حاملة طائرات وأسراب طائرات مقاتلة إلى المنطقة، فضلًا عن نشر المزيد من السفن الحربية التي تحمل صواريخ بالستية، وزيادة بطاريات الدفاع الصاروخي الأرضي، ونشر طرادات ومدمرات إضافية «قد تبقى في البحر الأبيض المتوسط إذا لزم الأمر» بحسب تصريحات مسؤول أمريكي. وفي معرض تعليقه على هجوم أصاب قاعدة أمريكية في العراق قبل يومين وأصيب على إثره 7 أمريكيين، قال أوستن إن الولايات المتحدة لن تتسامح مع الهجمات على أفرادها، وأنها ستظل مستعدة «للانتشار في غضون مهلة قصيرة لمواجهة التهديدات المتطورة لأمننا أو لشركائنا».
وكانت بريطانيا من بين المستنفرين عسكريًا في المنطقة، إذ رفعت درجة التأهب للسفن البحرية البريطانية، ونشرت عسكريين في بعض سفاراتها في المنطقة، كما أجرى وزير دفاعها نقاشات مع وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت أطلعه الأخير فيها على «تقييم الوضع العملياتي»، لتعلن بريطانيا في اليوم التالي تحريك أصول عسكرية إلى جزيرة قبرص اليونانية، لما قالت إنه «التحضير لإجلاء محتمل للرعايا البريطانيين من لبنان».
بالمقابل، جهزت إيران دفاعاتها الجوية شرقي البلاد بالصواريخ والرادارات والمسيرات «لمواجهة كل التهديدات»، فيما قالت مصادر أمريكية إن إيران حرّكت منصات صاروخية وأجرت تدريبات عسكرية استعدادًا للرد على «إسرائيل». وكانت وزارة الخارجية الإيرانية قد استدعت قبل أيام سفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية المقيمين في طهران لحضور اجتماع مع القائم بأعمال وزير الخارجية علي باقري للتأكيد على إرادة إيران بالرد. كما التقى الرئيس بزشكيان وقائد القوات المسلحة الإيراني محمد باقري الإثنين الماضي بأمين مجلس الأمن القومي الروسي، وزير الدفاع الروسي سابقًا، سيرغي شويغو، والذي قال بعد انتهاء الاجتماع لوسائل إعلام إيرانية: «نحن مستعدون للتعاون الكامل مع إيران بشأن القضايا الإقليمية».
خلال الأسبوع الفائت، أكدت إيران غيرَ مرةٍ أنها «لا تسعى إلى تصعيد التوترات الإقليمية، لكنها تعتقد أنها بحاجة إلى معاقبة إسرائيل لمنع المزيد من عدم الاستقرار». وفي هذا السياق رفضت تقديم تحذيرات من شأنها أن تخفف أثر الضربة المتوقعة على الكيان الصهيوني، مؤكدة لدبلوماسيين عرب إنها عازمة على الرد «حتى لو أدى ردها إلى نشوب حرب».