«إسرائيل» تدمر القدرات العسكرية السورية وتحتل أراضي سورية جديدة

الثلاثاء 10 كانون الأول 2024
من القصف الإسرائيلي على مدينة القنيطرة التي أعادت “إسرائيل” احتلالها مؤخرًا. أ ف ب

على مدى اليومين التاليين لسقوط النظام السوري، شنت «إسرائيل» ما وصفه مصدر أمني إسرائيلي بـ«واحدة من أكبر العمليات الجوية في تاريخنا»، وذلك تنفيذًا لـ«قرار استراتيجي يهدف لتدمير كل القدرات العسكرية المتقدمة والاستراتيجية المتبقية في سوريا». 

جاءت الحملة الجوية الإسرائيلية الواسعة بالتزامن مع توسع قوات الاحتلال جنوبًا لتحتل مناطق محاذية لهضبة الجولان بلغت مساحتها ما لا يقل عن 400 كيلو متر مربع، وصولًا لاحتلال جبل الشيخ ذي الموقع الاستراتيجي على الحدود مع لبنان.

في دمشق، شهدت الليلتان الماضيتان سلسلة مكثفة من الغارات العنيفة التي استهدفت بالدرجة الأولى مراكز ومقدرات تابعة للجيش السوري، وبالأخص سلاح الجو. إذ قالت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية إن جيش الاحتلال الإسرائيلي شن «عملية واسعة النطاق تهدف لتدمير أسطول النظام البائد». ونقلت الصحيفة عن مصادر استخباراتية غربية تقديرها إن جيش الاحتلال نفذ أكثر من 300 غارة في اليومين الماضيين، استهدف معظمها سلاح الجو السوري، في مسعى «لمنع وقوع القدرات والوسائل الحربية للأسطول في أيدي العناصر المعادية»، بحسب الصحيفة. 

وأضافت الصحيفة أن «إسرائيل» وجدت في الأحداث الأخيرة «فرصة تاريخية لا تتكرر لتوجيه ضربة قاتلة إلى آخر سلاح مهم بقي أمامها» في دول الطوق، إذ تشارك مئات المقاتلات والمسيرات الإسرائيلية منذ سقوط نظام الأسد في «موجات واسعة من الهجمات في جميع أنحاء سوريا على مدار الساعة»، مشيرةً إلى أن «آخر مرة دمرت فيها إسرائيل قوة جوية كاملة لدولة معادية وهي مصر، كانت في حرب عام 1967».

وطالت الغارات قواعد جوية سورية، شملت مطار المزة العسكري جنوب شرق العاصمة، وقاعدة خلخلة الجوية في محافظة السويداء، وقاعدة القامشلي شمال شرق البلاد، ومطار المروحيات في عقربا بريف دمشق، وكتيبة الدفاع الجوي في معلولا بريف دمشق، ومقر الفرقة الرابعة والفرقة 105 التابعة للحرس الجمهوري، ومستودعات أسلحة في القلمون بريف دمشق. ودمرت الهجمات أسرابًا كاملة من طائرات الميغ والسوخوي وغيرها، فضلًا عن الدبابات والصواريخ والذخائر. 

ونقل موقع واللا العبري أن الغارات دمرت كذلك عشرات بطاريات الدفاع الجوي المنتشرة في البلاد، معطلًا «منظومة الدفاع الجوي التي تعتبر من الأكثر كثافة في العالم». وأضاف الموقع أن الهجمات «من شأنها أن تزيد من التفوق الجوي لإسرائيل في المنطقة»، مشيرًا إلى أن المنظومة السورية المضادة للطائرات كانت فعالة بشكل «صعّب على إسرائيل العمل بحرية في سوريا، بل سبق وأسقط طائرة إسرائيلية من طراز F-16». 

كما نقل الموقع أن البحرية الإسرائيلية نفذت «عملية واسعة النطاق لتدمير البحرية السورية» قصفت فيها ميناء اللاذقية وميناء البيضا، مدمرةً عددًا من السفن التابعة للبحرية السورية المسلحة بصواريخ بحر-بحر.

كذلك، استهدفت الغارات مقر إدارة الحرب الإلكترونية في محيط منطقة السيدة زينب في دمشق، والمربع الأمني في العاصمة الذي يضم مباني قيادة أركان الجيش والمخابرات العسكرية والجمارك والهجرة والجوازات. وفي المربع نفسه، طال القصف مركز البحوث العلمية، الذي قالت هيئة البث الإسرائيلية إنه يدير «برامج أسلحة كيميائية وصواريخ باليستية».

وصرح وزير «الدفاع» الإسرائيلي يسرائيل كاتس بأن سلاح البحرية الإسرائيلية عمل ليلة الإثنين/الثلاثاء «على تدمير الأسطول السوري بنجاح». فيما علّق المراسل العسكري لإذاعة جيش الاحتلال على الهجمات الواسعة على الأهداف العسكرية السورية بالقول إنه «سيتعين على الحكومة السورية الجديدة أن تبدأ من الصفر ببنادق إم 16 وكلاشينكوف لبناء قدراتها العسكرية كدولة جديدة».

بريًا، تزامنت الغارات مع توغل إسرائيلي في الجنوب السوري، لتحتل «إسرائيل» مناطق لم تصلها منذ 50 عامًا. إذ تخطت الدبابات الإسرائيلية يوم الأحد خط الهدنة لتسيطر على المنطقة العازلة، وهي منطقة منزوعة السلاح تبلغ مساحتها قرابة 400 كيلومتر مربع، تشرف عليها الأمم المتحدة عسكريًا لكنها تخضع للسيطرة المدنية السورية. وأقيمت المنطقة العازلة بموجب اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، الذي انسحبت «إسرائيل» وفقه من الأراضي التي احتلتها في حرب عام 1973 إضافة إلى مدينة القنيطرة التي احتلتها عام 1967. 

جاء ذلك بعدما أعلن بنيامين نتنياهو رسميًا أن اتفاق عام 1974 قد «انهار»، معلنًا نية «إسرائيل» السيطرة عسكريًا على المنطقة العازلة. إذ استولى جيش الاحتلال على خمس بلدات سورية على الأقل أبرزها القنيطرة، وأصدر تحذيرًا لسكانها بالبقاء في بيوتهم حتى إشعار آخر. وسيطرت قوات الاحتلال على جبل الشيخ، المعروف أيضًا بقمة حرمون، والذي يحظى بأهمية استراتيجية وعسكرية نظرًا لكونه أعلى قمة على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، بارتفاع يبلغ 2,814 مترًا. 

لكن بينما زعم السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، أمام مجلس الأمن إن «إسرائيل» اتخذت «إجراءات محدودة ومؤقتة» تقتصر على المنطقة منزوعة السلاح، استمر التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية ليطال مناطق إضافية. إذ أصدر كاتس تعليمات جديدة لجيشه «بتوسيع أنشطته العملياتية»، و«استكمال السيطرة على المنطقة العازلة في سوريا والنقاط الاستراتيجية في المنطقة»، و«خلق مساحة أمنية خارج المنطقة العازلة».

ونقلت رويترز عن مصدر سوري قوله إن قوات الاحتلال وصلت بلدة قطنا في محافظة ريف دمشق، التي تبعد حوالي 20 كيلومترًا عن العاصمة و10 كيلومترات عن حدود المنطقة العازلة، وهو ما نفاه جيش الاحتلال زاعمًا أن قواته لم تتخط المنطقة العازلة، لكن إذاعة جيش الاحتلال أقرت بأن قواته باتت على بعد مسافة لا تزيد عن 30 كيلومترًا عن دمشق. 

وبحسب صحيفة معاريف العبرية، فإن التوجيهات الجديدة التي أصدرها كاتس تشمل «إقامة اتصالات مع السكان المحليين»، في المناطق المحتلة للتو، «بما في ذلك المجتمع الدرزي»، وذلك بهدف منع «التهديدات الاستراتيجية لإسرائيل في هذه المنطقة». كما تشمل التعليمات العمل على «منع تجدد طرق تهريب الأسلحة من إيران إلى لبنان عبر الأراضي السورية». ونقلت إذاعة جيش الاحتلال أن «إسرائيل تجري اتصالات غير مباشرة مع عناصر من فصائل المعارضة»، وأن «هناك قنوات اتصال من خلال الطائفة الدرزية في إسرائيل وسوريا، ومن خلال الأكراد، وأجهزة المخابرات الأجنبية، وكذلك الولايات المتحدة». 

ووفق ما نقلت وكالة أسوشيتد برس، لم تكن هذه المرة الأولى التي تتوغل فيها القوات الإسرائيلية داخل المنطقة العازلة في العام الحالي. إذ أفادت الشهر الماضي أن صور أقمار صناعية تظهر عمل «إسرائيل» على شق طريق داخل المنطقة وعلى طول الحدود منذ تموز الماضي.

ولم تكن «إسرائيل» الجهة الوحيدة التي قصفت سوريا منذ سقوط النظام. إذ أعلنت القيادة المركزية الأمريكية أن الطائرات الأمريكية قصفت 75 هدفًا وسط سوريا، زعمت أنها لمخيمات وعناصر في تنظيم داعش. 

في ردود الأفعال، حاولت الولايات المتحدة التخفيف من حجم الخطوة الإسرائيلية، إذ قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، إن احتلال المنطقة العازلة هو «خطوة مؤقتة اتخذتها إسرائيل ردًا على تصرف الجيش السوري الذي انسحب من المنطقة». ورغم أن نتنياهو أعلن انهيار اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، قال ميلر إن ما تريده الولايات المتحدة في النهاية «هو أن يتم احترام هذا الاتفاق بالكامل، وسنتأكد من قيام إسرائيل بذلك». 

وفي الاتجاه المعاكس، علق نتنياهو على التوغل الإسرائيلي بالقول إن جيش الاحتلال سيفعل كل ما من شأنه «منع الإضرار بأمن إسرائيل»، مضيفًا أن الأحداث الأخيرة جعلت «الجميع يدرك اليوم الأهمية البالغة لسيطرتنا على هضبة الجولان التي ستبقى إلى الأبد جزءًا لا يتجزّأ من إسرائيل».

عربيًا، أدانت دول عدة التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية. إذ اعتبرت السعودية في بيان لخارجيتها الاعتداءات الإسرائيلية «تخريبًا لفرص استعادة سوريا لأمنها واستقرارها ووحدة أراضيها». وأدانت قطر في بيان لخارجيتها استيلاء الاحتلال الإسرائيلي على المنطقة العازلة مع سوريا والمواقع القيادية المجاورة لها، واعتبرته «تطورًا خطيرًا». كما أدان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي العدوان، مؤكدًا على «وحدة سوريا ووحدة أراضيها وتماسكها». فيما اعتبرت الخارجية العراقية التوغل الإسرائيلي «انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي». أمّا مصر، فقالت إن الخطوة الإسرائيلية تعد «انتهازًا لحالة السيولة والفراغ في سوريا لاحتلال مزيد من الأراضي السورية وفرض أمر واقع جديد على الأرض». 

كما أدانت كل من إيران وتركيا الاعتداءات الإسرائيلية، وانتقدت الخارجية الإيرانية «صمت وتخاذل الدول الغربية الداعمة للكيان، على انتهاكاته بحق سوريا». فيما قالت تركيا إن «إسرائيل تظهر مرة أخرى عقليتها الاحتلالية». 

ولم يصدر حتى الآن أي تعليق على الاعتداءات الإسرائيلية البرية أو الجوية من الفصائل السورية المسلحة، و«إدارة العمليات العسكرية» التي يترأسها أحمد الشرع المعروف بأبو محمد الجولاني.

Comments are closed.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية