من أجل الضغط لإيقاف العدوان على غزة، شهدت مدن وعواصم عربية وإسلامية وحول العالم إضرابًا من يوم واحد. وقد شاركت في الدعوة للمشاركة في الإضراب جهات مختلفة حول العالم، توزعت ما بين أحزاب وجمعيات ومنظمات وأُطر طلابيّة، وكان بينها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وقوى وفصائل فلسطينية.
وقد تباينت الاستجابة لهذه الدعوات، ففي حين عمّ الإضراب معظم مناحي الحياة في الأردن والضفة الغربية ولبنان، اتخذ شكل المبادرة الفردية في المغرب وتونس والكويت وقطر والعراق، وفي دول أخرى حول العالم.
الأردن: إضراب شامل
في الأردن، دعت قوى وأحزاب يسارية وقومية وإسلامية وأطر طلابية للمشاركة في هذا الإضراب انتصارًا للشعب الفلسطيني ومقاومته، ورفضًا واستنكارًا للعدوان الصهيوني على غزّة والضفة الغربية، ومن أجل وقف هذا العدوان.
وقد أعلنت قطاعات تجارية وتعليمية وخدميّة، بالإضافة إلى جمعيات وهيئات ومؤسسات ومراكز أبحاث انضمامها إلى الإضراب مساء الأحد، وانضم عمّال مياومة وباعة، وأصحاب محال إلى الإضراب، وعمّ الإضراب الأوساط التجاريّة في المدن الرئيسيّة في الأردن مثل عمّان وإربد والزرقاء والكرك والمفرق، رغم امتناع الأطر العماليّة والمهنيّة والنقابيّة والهيئات التجارية والصناعية التقليدية بشكل عام المشاركة فيه أو الدعوة إليه.
وقد عمّ الإضراب بشكل رئيسي نحو 160 مدرسة تديرها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في الأردن، بالإضافة إلى الكليات التابعة لها، والتي تتواجد في مخيمات الأردن ومراكز تجمع اللاجئين، في المدن الثلاث عمّان والزرقاء وإربد، ويعمل فيها نحو 5 آلاف موظف.
وأعلنت مدارس خاصة انضمامها إلى الإضراب، غير أن وزارة التربية والتعليم في وقت متأخر من مساء الأحد أكّدت على دوام المدارس الحكومية والخاصة للطلبة والكوادر التعليمية، لتعود بعض هذه المدارس وترسل للأهالي بضرورة التزام أولادهم بالدوام المدرسيّ، فيما أخبرت مدارس خاصة أخرى أهالي الطلبة أنها ستفتح أبوابها لكن دون أن تعطي دروسًا أو اختبارات، وعطّل بعض الأهالي في مدارس خاصة غير ملتزمة بالإضراب أولادهم التزامًا به، فيما التزمت المدارس الحكومية بالدوام.
لم تعلن الجامعات المشاركة في الإضراب، سواء أكانت خاصة أو حكوميّة، ومع ذلك أعلن طلاب ومدرسون في بعض الجامعات الأردنية مثل الأردنية والزيتونة والبوليتكنك مشاركتهم في الإضراب، وامتنع طلبة عن الدوام، كما حوّل بعض المدرسين المحاضرات الوجاهية إلى محاضرات عبر الإنترنت أو ألغوا المحاضرات والاختبارات.
تقول إحدى طالبات الجامعة الأردنية إنها حضرت اليوم مع ثلاثة طلاب آخرين من أصل 88 طالبًا، فاعتذر مدرسهم عن استكمال المحاضرات مع حضور عددٍ قليل. وقد بدا -عمومًا- أن نسبة المشاركة مرتفعة عند الطلبة أكثر من أي فعالية سابقة، وبدت بعض جامعات عمان فارغة تقريبًا، وهو ما لم تشهده من قبل، كما يقول عبد الرحمن جمعة ممثل إحدى الكتل الطلابية في الملتقى الطلابي لدعم المقاومة.
من الإضراب في محيط الجامعة الأردنية، تصوير رحمة حسين
في الوسط التجاري، وباستثناء قطاعات حيوية مثل محطات بيع المحروقات، والمخابز، والصيدليات، والبنوك، وقطاع النقل، فقد عمّ الإضراب معظم القطاعات التجارية والخدمية في المدن الرئيسيّة مثل مراكز التسوق الكبيرة، وشركات بيع سيارات، وسلاسل مطاعم، ومتاجر بيع ألبسة، وعلامات تجارية بارزة، ومتاجر بيع كهربائيات وإلكترونيات، ومحال صيانة وبيع قطع السيارات في المدن الصناعيّة. بالإضافة إلى ذلك، شهدت الأسواق الشعبيّة والشوارع التي تتركز فيها المحال الصغيرة مثل محال بيع الخضار والفواكه والجِزارة والمكتبات إغلاقًا كليًا. وقد اتخذ أصحاب هذه المحال قرار المشاركة في الإضراب ضمن مجموعات لأصحاب المحال في الشارع الواحد.
في مدينة إربد مثلًا، يمكن القول إن هذا الإضراب كان غير مسبوق. يقول حسام الذي يملك محلًا لبيع الخضار شماليّ المدينة إن الإضراب رسالة رمزية: «مش رح يصل إشي، لكنه رسالة للشعب، لا راح تقدم ولا تأخر، بس اعتبره يوم عطلة»، ويقول ابن اخته محمد الذي يعمل بالمياومة عند خاله: «فدا اللي راح».
شرقيّ المدينة حيث تقع المدينة الصناعية التي تجمع محال بيع قطع السيارات وصيانتها، يقول محمد أبو غريبة، المالك لأحد المحال هناك إن هذا الشكل من الإضراب يحدث لأول مرة هنا، حتى في إضراب سابق متعلقٍ بموضوع تراخيص المحال لدى البلدية لم يقف أصحاب المحال هذه الوقفة ليوم واحد: «الإضراب أقل شيء نعمله، الواحد نفسه يعمل إشي ثاني أكثر من هيك، إحنا مش أحسن منهم، بلا هاليوم».
وفي شوارع جنوبي إربد، حيث تنتشر مطاعم الوجبات السريعة، قدّر أحد العاملين مع إحدى شركات التوصيل أن 70 % من مطاعم المدينة قد أغلقت منذ الصباح. يعمل أحمد على سكوتر بالتوصيل في المطاعم ومحال السوبر ماركت منذ سنتين، لم يشهد هذا التعطيل من قبل حتى في أيام العطل والظروف الجوية السيئة، قائلًا إنه يتمنى المشاركة فيه لكن دوامه اليوم إجباري خوفًا من انخفاض التقييم في الشركة: «لو كان اختياري بضرِب».
من الإضراب في إربد، تصوير عمار الشقيري
بشكل عام، كانت حركة السيارات والنقل في شوارع المدن الرئيسيّة في حدها الأدنى، لم تكن هناك ازدحامات في الميادين والشوارع الحيوية وأمام الجامعات الرئيسيّة. اصطفت حافلات النقل العام أمام جامعة اليرموك في إربد بسبب قلة الطلاب، وتوقفت حافلات النقل العمومي الكبيرة والمتوسطة أمام الجامعة الأردنية في عمّان منذ الصباح، ولم تخرج حافلة واحدة إلى الجامعة حتّى الساعة الثانية عشرة ظهرًا بحسب أحد السائقين. فيما كانت حركة الحافلات المتوسطة التي تربط الجامعة بمناطق حيوية في العاصمة تشهد حركة أقل من المعتاد، بحسب أحد منظمي الحافلات المتوسطة التي تصل الجامعة.
داخل الأوساط التجارية للمدن كان الالتزام بالإضراب أشمل من أطراف المدن والقرى أو الأحياء المجاورة لها، في عمّان -مثلًا- كانت الشوارع الأكثر ازدحامًا شبه فارغة من السيارات والمارة، ومنها شارع المدينة المنورة ووسط البلد وجبل عمان وشارع الجامعة وصويلح.
أغلق أحد تجار الألبسة في عمّان باب محله الحديد حتى المنتصف، وجلس منتظرًا مزود البضائع، يقول: «إحنا مضربين عشان الناس اللي قاعدة بتموت»، صمت قليلاً وتابع «مع إنه مفيش فايدة»، إذ أنه في الحقيقة لا يعتقد أن هنالك جدوى من الإضراب، لكنه أغلق أبواب محله ليشارك الجميع بهذا القرار معتبرًا أن هذا أقل ما يمكنه فعله: «طول ما أميركا موجودة إسرائيل ما بتبطل تقتل العرب».
وكانت المؤسسات الرسمية منعت موظفيها من المشاركة فيه، ووصفت صحيفة الرأي الدعوة إلى الإضراب بأنها «دعوات مشبوهة تتبناها جهات غير وطنية». وهو ما عبّر عنه كذلك لحبر رئيس غرفة تجارة في إحدى المحافظات حين قال إن الغرفة غير معنية بهذا الإضراب بسبب عدم معرفة الجهة التي تقف وراءه، بالرغم من إقراره أن هناك استجابة واسعة للإضراب في وسط المدينة التي تمثلها الغرفة التي يرأسها. أما رئيس غرفة تجارة الأردن خليل الحاج توفيق فلم يُجب على استفسارات حبر حول حجم المشاركة.
لكن، بشكل عام، شهدت المدن الرئيسية اليوم في الأردن اضرابًا شاملًا وفرديًا غير مسبوق، وبدت الشوارع التي لم تفرغ يومًا من المارة والسيّارات فارغةً إلّا من بعض المارة وحافلات النقل العام وزوّار المنشآت الحيوية مثل الصيدليات والمستشفيات، وبعض الصور واللافتات التي كتب عليها: «إضراب شامل من أجل غزّة».
View this post on Instagram
من بيروت إلى نواكشوط: تضامن دولي
إلى جانب الأردن، عَمَّ الإضراب الضفة الغربية وبعض مناطق القدس، وكانت نقابات واتحادات وفصائل فلسطينية قد دعت أمس الأحد في بيانات منفصلة للمشاركة فيه، استجابة لدعوات القوى الوطنية والإسلامية، وتنديدًا بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والدور الأميركي فيها.
وقد توقفت حركة المواصلات في كافة محافظات الضفة الغربية، كما أغلقت المؤسسات والبنوك، والمدارس، والوزارات، والمحال التجارية. ودعت القوى والفصائل الفلسطينية في بيان سابق، إلى الخروج للشوارع وساحات المدن والقرى والمخيمات، للتعبير عن وحدة الدم والمصير والانتصار للأبرياء العزل.
كما توقفت الحركة في شوارع بيروت مع إقفال المدارس الرسمية والخاصة والمصارف والإدارات العامة والخاصة، التزامًا بقرار الحكومة الداعي للإضراب الشامل، حيث قال الأمين العام لمجلس الوزراء، القاضي محمود مكي، في بيان صدر الأحد، إن رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي أعلن إغلاق جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات، استجابة للدعوة الدولية للإضراب «تضامنًا مع الشعب الفلسطيني وسكان غزة والقرى اللبنانية على الحدود مع «إسرائيل»».
ودعت مجموعة من هيئات المجتمع المدني الموريتاني للمشاركة في الإضراب احتجاجًا على استمرار العدوان الإسرائيلي. كما أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في موريتانيا، تأجيل كافة الدروس والاختبارات المقررة اليوم الاثنين، للمشاركة في النشاطات التي ستنظم تضامنًا مع غزة. وشارك طلاب جامعة نواكشوط، بالإضراب الشامل تلبية لدعوة من الاتحاد العام للطلاب الموريتانيين، والتجمع الطلابي الموريتاني لنصرة القدس والأقصى، من أجل وقف الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق سكان قطاع غزة.
من مظاهرة خرجت في رام الله ضمن إضراب وقف الحرب على غزة
في تونس، دعا الاتحاد العام لطلبة تونس في بيان أمس الأحد إلى دعم الإضراب العالمي بإقفال جميع الكليات والمعاهد. وفي تركيا أغلقت العديد من المحال التجارية والأسواق والمطاعم استجابة لدعوات الإضراب للتضامن مع قطاع غزة، كما أعلنت عدة مدارس خاصة ومعاهد تعليمية تعليق دوامها اليوم، تنديدًا بالمجازر الصهيونية في قطاع غزة. وشهدت أسواق ومحال تجارية في إسطنبول إضرابًا رفضًا للعدوان الإسرائيلي على القطاع.
وكان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قد أعلن دعمه لنداءات الإضراب العالمي داعيًا إلى المشاركة بقوة في الإضراب للضغط من أجل وقف الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من شهرين. ودعا الاتحاد المسلمين والأحرار في العالم للتظاهر والاعتصام ضد جرائم الاحتلال الإسرائيلي وشريكته الولايات المتحدة الأميركية، وحث على مواصلة الإضراب وحشد المؤسسات والهيئات والأحزاب والحركات والشخصيات الكبرى في العالم له إلى أن يحقق غايته.
كما شهدت دول أخرى في المنطقة، من بينها المغرب والكويت وقطر والعراق، بالإضافة إلى دول أخرى حول العالم، مشاركات فردية في الإضراب من بعض أصحاب الشركات الخاصة والمحال التجارية والمؤسسات التي أعلنت إغلاق أبوابها وتعليق خدماتها لهذا اليوم تضامنًا مع غزة.