عصر يوم الثلاثاء الماضي، ودون سابق إنذار، تفاجأ موظفو قناة اليرموك الفضائية بحضور الأجهزة الأمنية بمرافقة موظفي هيئة الإعلام إلى مكتبهم ومصادرة جميع أجهزة البث، بعد أمرٍ من المدعي العام بتفتيش القناة. نهاية التفتيش الذي استمرّ ست ساعات، أُغلقت مكاتب القناة رغم احتجاج الموظفين الذين قالوا إن أمر المدعي العام لم ينصّ على الإغلاق.
لاحقًا، صرّح مدير عام هيئة الإعلام بشير المومني أن الهيئة تقدمت بشكوى لمدعي عام عمّان بمواجهة شركة قناة اليرموك لقيامها بمخالفة قانون الإعلام المرئي والمسموع بجرم البث دون ترخيص. وقد قرر المدعي العام مصادرة الأجهزة التي تستخدم في القناة باعتبارها جزءًا من الأدلة في الدعوى. وأشار المومني إلى أن الهيئة تقدمت بعدة شكاوى سابقًا موضحًا أن عددًا منها شمله العفو العام.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تداهم الأجهزة الأمنية فيها مقر القناة وتغلق مكاتبها. في عام 2015 رافقت الأجهزة الأمنية موظفي الهيئة في أول إغلاق لمكاتب القناة، ونص محضر الشكوى المقدمة من قبل هيئة الإعلام المرئي والمسموع على قناة اليرموك على أنه وأثناء قيام موظفي هيئة الإعلام بجولة تفتيشية في منطقة جبل عمان تم الدخول إلى موقع استوديو مكتوب على خلفيته (قناة اليرموك) يقوم بالبث على الهواء مباشرة دون الحصول على ترخيص بذلك من الجهات المعنية، وعليه قُدّمت الشكوى وجرت الملاحقة. لكن مدير عام القناة، خضر المشايخ، يشير إلى أن هيئة الإعلام كانت على علم مسبق بأن القناة تبث بثًا تجريبيًا مباشرًا عبر الإنترنت وأن القناة كانت تسير بإجراءات الترخيص منذ سنوات وأنها «استكفت شروط الترخيص» ولم تقابل بالرفض وإنما بالتأجيل والتأخير.
سُجّلت شركة اليرموك للبث الفضائي في سجل الشركات عام 2011، وينص التسجيل على أن للشركة غايات متعلقة بالإنتاج الفني والبث الفضائي. بطبيعة الحال يترتب على الشركات في هذه الحالة الحصول على رخصة البث بمقتضى اتفاقية بين الوسيلة الإعلامية وهيئة الإعلام. تقدّمَ القائمون على القناة بطلب الترخيص منذ اللحظة الأولى من التسجيل لدى وزارة الصناعة والتجارة، وبحسب المشايخ فإن الشركة استكملت الإجراءات اللازمة عام 2013، بعد تلبية الطلبات الفنية والقانونية.
يقول مدير قناة اليرموك خضر المشايخ إن إغلاق القناة بالتزامن مع اقتراب الانتخابات النيابية يأتي ضمن ما وصفه بـ«المناكفات بين بعض الجهات الرسمية والتيار الإسلامي» الذي تَحسب الجهات الرسمية القناة عليه.
حينها نسّبت هيئة الإعلام المرئي والمسموع لوزير الإعلام بقبول ترخيص قناة اليرموك بعد استكمالها جميع الشروط في نيسان عام 2013. يشير محامي الشركة بسام الفريحات إلى أنهم حصلوا على مباركة شفوية من مدير الهيئة حينئذٍ، وكانوا يترقبون لحظة الاحتفال بتوقيع اتفاقية الترخيص. ولكنهم لم يحصلوا على الموافقة من مجلس الوزراء، رغم أن «تطميناتٍ كانت تردهم من المسؤولين المعنيين بأن إجراءات القناة تسير في اتجاه صحيح».
«ما كان في نقاش على اعتبار إنه إحنا مخالفين. كان النقاش على إنه انتظرونا. أنتم أوراقكم كاملة، بس انتظروا نعطيكم جواب»، يقول المشايخ. وفي فترة الانتظار، لجأت إدارة القناة للبث عبر استخدام شبكة الانترنت. وذلك تماشيًا مع استثناء الإنترنت من الوسائل أو التقنيات التي يُعتبر إرسال الأعمال أو البرامج الإذاعية أو التلفزيونية بواسطتها بثًا ينبغي الحصول على الترخيص من أجله. وقال المشايخ إن القناة اعتُبرت أمام الهيئة في بثِّ تجريبي، وبدأت بعرض الأخبار والبرامج السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية المعنية بالشأن العام المحلي والعربي. وتقدم القناة محتوىً يصفه الفريحات بالهادف والمحافظ.
شمل قانون الإعلام المرئي والمسموع لعام 2015 الإنترنت ضمن تعريف البث الفضائي الذي يتطلب الترخيص. وبذلك قدمت الهيئة أولى شكاويها على القناة بتهمة «ممارسة أعمال البث دون الحصول على رخصة» بعد ثلاثة أشهر من صدور القانون الجديد. هنا لجأت القناة إلى أسلوب آخر في البث الفضائي عبر تسجيل برامجها وإرسالها إلى شركة جولف سات في دولة الكويت، ليتم بث هذه البرامج من خلال المساحة التي تملكها الشركة الكويتية على الأقمار الصناعية بشكل غير مباشر. وقد اعتبر هذا تصويبًا للأوضاع قبل إصدار حكم بالإدانة في 2017 في محكمة البداية، وتم استئناف القرار فيما بعد لتخرج القناة بعدم المسؤولية.
عاودت الهيئة تقديم شكوى أخرى للمدعي العام في 2016 على اعتبار أن البث لا يزال مستمرًا. في الشكوى الثانية أعلن القضاء عدم مسؤولية قناة اليرموك عن الجرم المسند إليها كذلك. وذلك على اعتبار أن البث لا يتم من الأردن وإنما من الكويت. منذ ذلك الحين لم تغير القناة أسلوب البث. يقول الفريحات إنه منذ ذلك الحين وهم في نقاش مستمر مع مدراء الهيئة ووزراء الإعلام المتعاقبين دون الحصول على إذن بالترخيص حتى اللحظة.
بدورها قدمت الهيئة عددًا من الشكاوى المتتابعة التي حصلت القناة فيها على عدم مسؤولية بقرارات محاكم البداية والصلح والاستئناف. ولكن آخر قرار أصدرته محكمة التمييز في أيار 2023 أفضى باعتبار أن «نقل المواد التلفزيونية المسجلة في الأردن عبر الإنترنت إلى جهاز بث الشركة الكويتية والتي تقوم ببثه باستخدام ترددات صاعدة تمكن الجمهور المشاهدين من استقبال البث عبر أجهزة التلفاز وهو ما يشكل بالنتيجة عملًا من أعمال البث على ما عرفته المادة رقم (2) من قانون الإعلام المرئي والمسموع»، والذي يوجب على المحطة الفضائية الحصول على رخصة من قبل هيئة الإعلام المرئي والمسموع. ولكنها لم تصدر قرارًا بالإدانة واكتفت بتسجيل القرار.
وبذلك يقول مدير هيئة الإعلام بشير المومني بتصريحه لوكالة بترا مؤخرًا إن هذا الحكم جعل الهيئة تتقدم بشكوى جديدة لدى المدعي العام لعمّان وتمت الإجراءات القضائية من خلالها.
يقول المشايخ «الموضوع مش موضوع قانوني. هو بالدرجة الأولى سياسي»، مضيفًا أن إغلاق القناة بالتزامن مع اقتراب الانتخابات النيابية يأتي ضمن ما وصفه بـ«المناكفات بين بعض الجهات الرسمية والتيار الإسلامي» الذي تَحسب الجهات الرسمية القناة عليه. وذكر أن قرار إغلاق القناة ليس واردًا لديهم رغم الضغوط، ولكنه بالمقابل يمكن أن يدفعهم للتفكير بالبث من استديوهات في الخارج، خاصةً أن العديد من الدول تقدم تسهيلات أكبر على تراخيص البث وأقل كلفة، وذلك في حال أُغلقت الطرق أمامهم تمامًا.
يشير الفريحات إلى أنه لا علاقة للعفو العام بقرارات المحاكم بعدم مسؤوليتهم عن جرم البث من غير تصريح ردًا على المومني. وأوضح أنه خلال زيارته إلى المدعي العام، أوضح له الأخير بأنه لم يكن هنالك قرار بالإغلاق، وأنه سيتم إعادة فتح مكاتب القناة خلال أيام. وحاليًا لا زال بثّ القناة مستمرًا، وإن كان تسجيل البرامج من الأردن قد توقف.
أخيرًا، تواصلت معدّة هذا التقرير مع إدارة هيئة الإعلام للحصول على رد بشأن معطيات القضية وعدم حصول القناة على التراخيص اللازمة للبث رغم ما تشير إليه إدارة القناة من استكمالها الشروط اللازمة للحصول على الترخيص، إلا أن إدارة الهيئة لم توافق على التصريح عبر الهاتف واقترحت لمقابلة الصحفية موعدًا تاليًا على موعد نشر التقرير.