إذا كنتم ممن استغلوا فترة الإغلاق التي صاحبت جائحة كورونا في البحث والمقارنة بين السيارات المختلفة وأسعارها وجودتها، أو ممّن انتظروا انتهاء ذروة الجائحة لاتخاذ قرار بشراء سيارة، فإن هذه القصة ستجيب على عدد من الأسئلة التي ربما تكون قد راودتكم.
خلال تجربة شخصية للعثور على سيارة مناسبة، قارنت خلال الشهرين الماضيين بين أسعار سيارات مختلفة؛ الهونداي آكسنت والتويوتا والمازدا والفورد، على مواقع بيع السيارات، وربما تكونون مثلي، لاحظتم ارتفاع أسعار هذه الأنواع وغيرها من أسبوع لآخر، فما السرّ وراء هذه الارتفاعات، وهل هذا الارتفاع شأن أردني خاص، أم أننا نتشاركه مع دول أخرى في العالم؟
ما الذي يحدث لسوق السيارات في العالم؟
إذا أردنا تكوين صورة جيدة حول ما يحصل لسوق السيارات في الأردن، فمن الأفضل أن نلقي نظرة على سوق السيارات العالمي، إذ أننا في الأردن مجرّد مستوردين، وبذا نتأثر بالتغيّرات التي تطرأ على هذا السوق. وهنا ربما من المفيد العودة إلى عصر ما قبل الجائحة.
قبل الكورونا، لم تكن أسواق السيارات في أفضل حال، وذلك نتيجة لما يمكن أن نطلق عليه الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين والتي بدأها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية جديدة على البضائع والمستوردات الصينية «ردا على الممارسات التجارية غير العادلة من الصين على مدى سنوات»، وما وصفه بانتهاك الصين لحقوق الملكية الفكرية، وهو ما ردت عليه الصين بالمثل.
صناعة السيارات الأمريكية كانت الأكثر تأثرًا بقرارات ترامب، إذا أنها اعتمدت بشكل كبير على حركة التجارة بين البلدين، ما أدى لتراجع الإنتاج الأمريكي من السيارات، وتراجع إنتاج السيارات عمومًا حول العالم، فكانت الانتكاسة الأولى في عدد السيارات المنتجة حول العالم من 97 مليون سيارة عام 2018 إلى 92 مليون سيارة عام 2019، بنسبة انخفاض تصل إلى 5%.
لكن الانتكاسة الأكبر والتي نتأثر بها حاليًا، جاءت بعد الكورونا، وذلك بعدما أغلقت الكثير من القطاعات الرئيسية حول العالم، وتوقفت حركة الإنتاج والمصانع لأشهر. وعندما أعيد فتح تلك القطاعات، نهاية العام الفائت أو مطلع هذا العام، شهد سوق السيارات إقبالًا وانتعاشًا لم تتمكن مصانع السيارات من تداركه. وأحد أهم الأسباب وراء هذا هو النقص الحاصل في سوق الرقائق الإلكترونية -رقائق السيلكون- اللازمة لصناعة السيارات.
قبل أن نمضي في الحديث عن انعكاس ذلك على السوق المحلي الأردني، يجب أن نتوقف قليلًا عند الرقاقة الصغيرة، التي أحدثت الأزمة أو التي تؤثر فيها بشكل محوريّ.
رقائق صغيرة تعيق كبريات الشركات
رقائق السيلكون هي أشباه موصلات صغيرة تعمل على نقل العمليات عبر دوائر إلكترونية وتستخدم في كل وحدات التحكم بالسيارة. وقد تعاظمت مساهمة هذه الرقائق في صناعة السيارات، من 18% عام 2000 إلى 40% العام الماضي، أي أن السيارات تعتمد على رقائق السيليكون بنسبة 40%، وهو ما يعكس تطوّر السيارة واحتواءها على إضافات وتحديثات أكثر.
شهد سوق الرقائق الإلكترونية نقصًا كبيرًا في فترة ما بعد الإغلاق، بسبب الإقبال الشديد على شراء الحواسيب والأجهزة اللوحية في العالم كنتيجة للعمل والتعليم عن بعد، بالإضافة لتأثر إنتاج الرقائق بالحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وحوادث طبيعية أصابت بعض المصانع.
هذه العوامل وغيرها أدت إلى انخفاض كبير في إنتاج السيارات عام 2020، لتصل إلى 78 مليون سيارة. انخفاض نسبته 15% عن العام السابق. وأعلنت شركات كبرى عن إيقاف إنتاجها مؤقتًا، أو تخفيضه بنسبة كبيرة، كما حصل مع شركة تويوتا، التي خفضت إنتاجها بنسبة 40% في شهر أيلول الماضي .
مع هذا الانخفاض في إنتاج السيارات الجديدة، تحوّل الإقبال من السيارات الجديدة للسيارات المستعملة، ما رفع من أسعارها في السوق الأمريكية بنسبة 30%.وكان لهذا الارتفاع أثر على كل الأسواق المستوردة الأخرى، ومنها الأردن.
كيف نتأثر في الأردن؟
في الأردن هناك ثلاث حقائق يجب أن نتذكرها كي نفهم حجم تأثرنا بما حصل في سوق السيارات.
الحقيقة الأولى هي أن ترتيب الأردن، عام 2019، في قائمة أكثر دول العالم استيرادًا للسيارات هو الخامس والخمسين، كما أن السيارات تشكّل السلعة الأعلى اسيترادًا في الأردن للعام نفسه، بقيمة بلغت 1.5 مليار دولار. وفي السنوات الأخيرة تصاعدت حصة الولايات المتحدة من مجمل استيرادنا من السيارات، لتصبح في المرتبة الأول عام 2019، بنسبة 21%، متفوقة على السوقيْن الياباني والكوري.
يتركز معظم استيرادنا من الولايات المتحدة على سيارات الهايبرد (الهجينة) المستعملة، مثل الفورد والتويوتا والهونداي ذات الأنواع الهجينة، والتي ازداد إقبال المواطنين عليها مع تزايد أسعار البنزين في السنوات الماضية، بحسب ما يقول تجار في المنطقة الحرة. لكن مع تزايد الإقبال على السيارات المستعملة في الولايات المتحدة وزيادة أسعارها، يقول ممثل قطاع المركبات في هيئة مستثمري المناطق الحرة الأردنية جهاد أبو ناصر، إن الاستيراد من الولايات المتحدة متوقف تمامًا، مع شحّ في الاستيراد من الأسواق الأخرى؛ الخليجية والأوروبية والآسيوية.
الحقيقة الثانية، أننا في الأردن من الدول الأسرع نموًا في اقتناء السيارات عمومًا، أي أن عدد المركبات في الشوارع يزداد تراكميًا سنة بعد أخرى بنسبة تفوق الكثير من الدول الأخرى، وذلك يعني بأننا متأثرون أساسيون بالارتفاع العالمي لأسعار السيارات.
الحقيقة الثالثة، أنه مع تزايد استيراد الهايبرد من الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، فرضت الحكومة الأردنية ضريبة خاصة تصاعدية على سيارات الهايبرد ابتداء من 2019، بدأت بـ35% لذلك العام على أن تصل إلى 55%، هو حدها الأعلى، مطلع عام 2022، وهو ما سيزيد من رفع أسعار السيارات العام القادم.
سوق السيارات محليًا، بعد الجائحة
منذ فتح القطاعات منتصف العام الحالي 2021، انتعش سوق السيارات الأردني بشكل كبير، وهو ما يعزوه مدير الاستثمار في المناطق الحرة محمد البستنجي في تصريحات صحفية إلى إقبال المواطنين على الشراء مع العودة للعمل ومع فتح التعليم الوجاهي في الجامعات والمدارس والتخوّف من رفع أسعار السيارات العام المقبل.
وبينما شعرت الأسواق العالمية بارتفاع الأسعار الصيف الفائت، تباينت أجوبة تجار السيارات في المنطقة الحرة حول بداية تأثرنا بالأسعار، فقال بعضهم إن الارتفاعات انعكست مباشرة في فترة الصيف، لكن أكثر التجار قالوا إن شهري أيلول الماضي وتشرين أول الحالي شهدا الارتفاعات الملموسة على الأسعار. ويتراوح الارتفاع بحسب تقديرات التجار بين 500 و900 دينار لسيارات البنزين، وبين 1500 و2000 دينار لسيارات الهايبرد. نظرًا لأن استيراد الهايبرد كان يتركز من السوق الأمريكي الذي انعدم الاستيراد منه للأردن.
ويقول تجار في المنطقة الحرة، إنه ورغم كون الحركة نشطة، إلّا أن ارتفاع أسعار السيارات المستعملة في السوق العالمي، يخيفهم من استيرادها بهذه الأسعار، خاصة في ظل مخاوف من لجوء المواطن الراغب بشراء سيارة مستعملة إلى السوق المحلي، وهو ما يعني أن التجار الذين سيستوردون سيارات بأسعار مرتفعة قد لا يتمكنون من بيعها. فيما تحدّث تجار آخرون عن تراجع لاحظوه في الإقبال على السيارات مؤخرًا.
وبحسب المتاح من المعلومات حتى الآن، فإن الأزمة ربما ستستمرّ حتى نهاية العام 2022 أو حتى مطلع 2023. فيما يقول أبو نصار إن الارتفاع ربما لم يصل ذروته بعد، مع التوقعات باستمرار الأزمة لعام آخر وقرار فرض ضريبة الهايبرد بداية العام القادم.
يفتح ما شهدناه جرّاء الأزمة العالمية و تداخل الأسواق سؤالًا حول الأسواق التي نستورد منها، ففي الوقت الذي يتم التوسع فيه بالاستيراد من السوق الأمريكي، الذي يشكل 2% من إنتاج مركبات الركوب الصغيرة في العالم، ما يجعلنا متأثرين مباشرين بأي مستجدات في السوق الأمريكي، لم يتجاوز استيرادنا للسيارات من الصين 1% في أحسن الأحوال، رغم أنها تنتج ثلث سيارات العالم، وحافظت على إنتاج كبير نسبيًا حتى في ظل الجائحة، فهل يفتح هذا بابًا للتفكير في تعزيز الاستيراد من أسواق سيارات جديدة والتوجه نحو توفير مستلزماتها وتسهيل اقتنائها في الأردن؟
أخيرًا، لا يحاول هذا المقال تقديمَ نصيحة بشراء سيارة اليوم، أو بتأجيل ذلك للعام القادم مثلًا، ولكن يحاول تفسير ما لاحظه البعض خلال تصفّح أسعار السيارات في الأشهر الماضية، كما يحاول تقديم تفسير بسيط لتأثير تداخل الاقتصاد العالمي، حتى بات لرقاقة صغيرة في مصنع بالصين أو تايوان وللاتجاه نحو التعليم والعمل عن بعد دورٌ في ارتفاع أسعار السيارات في السوق الأردني اليوم.