ليلة اجتياح المخيمات: الاحتلال يشن عملية واسعة في شمال الضفة

الجمعة 30 آب 2024
من اجتياح الاحتلال لمخيم نور شمس. أ ف ب

لقد ضاق جيش الاحتلال الإسرائيليّ ذرعًا بمجموعة شباب يقاومونه في مخيمات شماليّ الضفة بشكل منظّم وبتكتيك جديد؛ فأدخل لهم فجر الأربعاء الفائت، القوّة الأكثر عددًا وعتادًا منذ اجتياحه الضفة في الانتفاضة الثانية 2002، مشركًا فيها وحدات من: سلاح الجو وحرس الحدود، وقوّة من المستعربين والشاباك، بتعداد جنودٍ يوازي فرقة عسكرية، مطلقًا على مهمتها اسم «المخيمات الصيفية».

توجّهت القوّة إلى مخيمات نور شمس وطولكرم في محافظة طولكرم، والفارعة في طوباس، وإلى مخيم جنين، حيث ينشط في هذه المخيمات مقاومون ضمن تشكيلات عسكرية شبه منظّمة أطلق على كل واحدة منها اسم «الكتيبة». وقد نشأت هذه المجموعات في عام 2021 بعد معركة سيف القدس، على يد سرايا القدس، الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، فيما ضمت مقاومين من مختلف الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة.

منذ بداية الحرب على غزّة، كثَّف جيش الاحتلال الإسرائيلي اقتحاماته في الضفة الغربيّة، وخاصة على هذه المخيمات بهدف ملاحقة المقاومين وتفكيك تلك الكتائب. اقتحامات كانت تواجه بالرصاص، وبالعبوّات الناسفة، وهو التكتيك الذي لجأت له المقاومة في الضفة وطوّرته في الفترة الماضية، ما حدّ من تمكن من وصول الاحتلال للمقاومين، ليلجأ لمحاولة استهدافهم بالقصف من الجو في أكثر من مرّة.

ثم وعلى إثر ما يبدو أنه تفاهمات بينها وبين الاحتلال، أخذت السلطة الفلسطينية الدورَ وكثّفت مطاردتها للمقاومين؛ فأطلقت النار على أفراد منهم في جنين وطولكرم، ولاحقت بعضهم حتى وهم داخل المستشفيات جرحى، وفككت عبوات ناسفة.

وفي الوقت عينه لاحقَ جيش الاحتلال مصادر سلاحَ المقاومين في المخيمات والمواد الأولية التي يمكن أن تستخدم في تصنيع العبوّات الناسفة، مثل ما حصل مؤخرًا عندما صادر في طولكرم أسلحة ومتفجرات في طولكرم وقال إن مصدرها الإيرانيون، خاصة متفجرات الجلامور

قبل يومٍ من بدئه الحملة كان رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال في زيارة إلى لواء وادي الأردن، و«أجرى مع القادة تقييمًا للوضع فيما يتعلق بالحدود الشرقية والجهود الأمنية على الحدود». وعندما بدأت العمليّة خرج وزير خارجية الاحتلال يسرائيل كاتس وقال إنّ هدف العمليّة إحباط البنى التحتية الإرهابية الإسلامية الإيرانية، حيث تعمل إيران على إنشاء جبهة إرهابية شرقية ضد إسرائيل في الضفة الغربية، على غرار نموذج غزة ولبنان، وذلك من خلال تمويل وتسليح الإرهابيين وتهريب الأسلحة المتطورة من الأردن.

تدمير البنية التحتية كهدف للعملية

مع فجر الأربعاء، دخلت قوّة مشكلة من آليات عسكرية مثل الجيبات وناقلات الجند ترافقها الجرافات الثقيلة (D9)، ومن الجو حطّت في أماكن قريبة من المخيمات طائرات كان على متنها جنود مظلّيون. اتجهت هذه الآليات العسكريّة إلى المستشفيات القريبة من المخيمات وحاصرتها، وهو أول إجراء يقوم به جيش الاحتلال في اقتحامات الضفة ويهدف إلى منع وصول مقاومين جرحى إلى المستشفيات أو اعتقالهم إذا وصلوا إليها.

في طولكرم حاصرت الآليات مستشفى الشهيد ثابت ثابت وهو المستشفى الوحيد المجهز للتعامل مع الحالات الخطيرة والمعقدة، وحاصرت كذلك مستشفى الإسراء الخاص. وفي جنين، وإضافة لحصار مستشفيات المدينة، منعَ جنود الاحتلال المرضى من الوصول إلى المستشفى أو العودة منه، وحوصر أفراد عائلات كانوا لحظة الاقتحام عند مرضى أقارب لهم في بعض هذه المستشفيات.

يتحدث مدير إسعاف الهلال الأحمر في جنين محمود السعدي لحبر بحرقة عما تعرّضت له طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني منذ فجر الأربعاء، قائلًا إنه وفي المرات القليلة التي سمح لهم بها بالتحرّك في الحالات الطارئة تعرضوا للتوقيف والتفتيش والمضايقات. فيما يوضّح السعدي أن هذا الاجتياح لا يقارن بأي شيء سبقه، إذ المضايقات والتشديدات أكبر.

وعن أخذهم الاحتياطات اللازمة لمثل هذا الاجتياح يقول السعدي «إحنا ماخذين احتياطات من ثلاث سنين» في إشارة إلى ما تشهده المدينة من اقتحامات متكررة.

وبفعل الاجتياح انقطعت الاتصالات بمختلف أشكالها عن محافظة جنين.

القسم الآخر من الآليات العسكرية التي جلبها الاحتلال، وهي الجرافات، اتجهت لأداء مهمتها التي تُكرّرها منذ السابع من أكتوبر في تدمير الشوارع والبنى التحتية، لكن هذه المرة بشكل أوسع من الاقتحامات السابقة. حتى البنى التحتية التي تعرضت للتخريب في المرات السابقة أعيد تخريبها، إذ قطعت خطوط المياه والصرف الصحي وأعمدة الكهرباء في مخيم الفارعة في طوباس. «الجرافة تسير في الشارع وأي شيء في طريقها تدمره، أي شيء يعترضها بالشارع بتشيله» يقول عاصم منصور رئيس خدمات مخيم الفارعة. فيما أطلق الجنود صواريخ إنيرجا على أبواب البيوت وشبابيكها في المخيم.

بعد أقلّ من يوم على الاجتياح، انسحبت قوات الاحتلال من الفارعة، مخلفة وراءها أربعة شهداء وخمسة جرحى قصفتهم طائراتها الحربية، فيما كانت خلال اقتحامها قد اعتقلت عشرات الشبّان قبل أن تخلي سبيلهم بعد محاولات إذلالهم وكسر معنوياتهم. وبقي شخص واحد محتجز لديها من أجل الضغط على أخيه لتسليم نفسه.

في طولكرم والتي شهد مخيماها اشتباكات وتفجير عبوّات ناسفة، استشهد قائد كتيبة طولكرم محمد أبو جابر الملقب بأبو شجاع، مع أربعة من أعضاء الكتيبة، بعد اشتباك مع قوة صهيونية. وأعلنت الكتيبة أنها نفذت كمينًا لمشاة جنود الاحتلال في حي المنشية بمخيم طولكرم في ردٍ أوليّ على الاغتيال.

وكما في باقي المخيمات، استهدفت قوات الاحتلال البنية التحتية في مخيم طولكرم. يقول فيصل سلامة مدير لجنة خدمات المخيم «شبكة المياه خلعوها من جذورها بالكامل، يعني بحاجة لشبكة كاملة جديدة، وشبكة مناهل وصرف صحي جديدة، وكذلك الاتصالات، الأشياء الموجودة بالأرض تم اجتثاثها بالكامل». ويصف شوارع المخيم بالقول: «جرافات الـ(دي ناين) عملت الشوارع وديان».  

دمّرَ الجيش في اجتياحه البيوت والمحال التجارية والسيارات، ويخبر الأهالي أن هذا لم يكن لدواع أمنية وإنما للانتقام منهم. كما احتجز جنود الاحتلال نساءً وأطفالًا أمام بيوتهم، وفجرت أبواب بيوت نساء كبيرات في السن. وفي حالات أخرى روى لنا أصحاب بيوت أن جيش الاحتلال دخل عليهم من بيوت مجاورة بعد ثقب جدرانها ليتمكن الجنود من التنقل من منطقة إلى أخرى دون المرور بالشوارع المزروعة بالعبوات.

وفي هذا الاجتياح وسّع جيش الاحتلال البقعة الجغرافية لتخريب البنية التحتية لتصل إلى الأحياء والضواحي المحيطة بالمخيمات، مثل الحيّين الشرقي والجنوبي في طولكرم. وداخل مدينة جنين ومدينة طوباس.

في الساعات الأولى لاقتحام مخيم نور شمس سمعت أم ظاهر [اسم مستعار] وهي زوجة أحد المطاردين من جيش الاحتلال بدخول الجيش في حملة عسكرية واسعة على المخيم. حاولت أخذ أطفالها والخروج بهم من البيت، لكن آليات الجيش كانت قد تمركزت في الشوارع. «كل مرة بفوتو بيجوا عدارنا بحرقوها وبكسروها. وبصراحة ولادي صغار وخفت عليهم قلت ما دامهم فاتوا هاي المرة خلينا نطلع على البدري».

في النهاية حملت أم ظاهر الأطفال وتوجهت بهم إلى عمارة في طرف المخيم عند عائلة قريبة ونامت ليلتها مع الأطفال عندهم حتى صباح الخميس. لكنها في صباح اليوم التالي شعرت أن العائلة المستضيفة تخشى على نفسها من أن يقتحم الجيش بيتها، فتركتهم وبحثت عن مكان إقامة لها إلى أن استقرت مع أطفالها أخيرًا في أحد المساجد: «لقينا حالنا قاعدين بالجامع، هينا بالجامع وعرفنا من الناس انهم راجعين حارقين بيتنا ومدمرينه».

وصل عدد الشهداء في هذه العملية إلى 17 شهيدًا و45 معتقلًا، غير العشرات الذين اعتقلوا وتعرّضوا لإهانات في مراكز توقيف مؤقتة في مصانع ومحال تجارية. 

في هذا الاجتياح دمّر الاحتلال كل ما يُسهّل حياة الناس. يعلّق سلامة على هذه العملية وما سبقها من اجتياحات منذ السابع من أكتوبر بالقول إن الاحتلال يطمح لتهجير الناس من المخيمات عبر خلق ضغوطات اجتماعية واقتصادية وخدماتية ونفسي، في محاولة لتحويل المخيمات لبيئة طاردة وغير صالحة للسكن.

ويأسف سلامة حين يرى الناس على هذه الحال بظهور مكشوفة: «الناس صامدة ومتمسكة بأرضها بدون دعم ولا إمداد لا عربي ولا إسلامي، بنفس الوقت شفنا كيف الغرب بمدّ الاحتلال الإسرائيلي بكل إشي، للأسف ما حدا فاهم هذا الشي ولا حدا».

Leave a Reply

Your email address will not be published.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية