الانتخابات في الزرقاء: أي أثر لدمج الدوائر الانتخابية؟

الأربعاء 04 أيلول 2024
تصوير مؤمن ملكاوي.

تكفي جولة واحدة، ولو بسرعة، في شوارع مدينة الزرقاء والرصيفة أو في مخيم حطين ومحيطه، قبل موعد الاقتراع للانتخابات النيابية في العاشر من أيلول الحالي، مع النظر إلى صور المرشحين المعلقة على الجدران وعلى أعمدة الإنارة، لاكتشاف خصوصية المعركة الانتخابية في هذه المحافظة.

لمحافظة الزرقاء 10 مقاعد نيابية، ثلاثة منها مخصصة للكوتات: مقعد مسيحي، وآخر شيشاني/ شركسي، وثالث للنساء. ولعل أول ملاحظة في هذا الموسم أن الزرقاء هي الأقل في عدد قوائم المرشحين نسبة إلى عدد المقاعد، فقد ترشحت 11 قائمة، من بينها واحدة تضم أربعة مرشحين فقط، أي أن عدد القوائم مساوٍ تقريبًا لعدد المقاعد.

في الانتخابات الماضية عام 2020 مثلًا، كان عدد القوائم 31، ترشح من خلالها 186 مرشحًا، بينما تضم القوائم الـ11 لهذا العام 99 مرشحًا. وكانت المحافظة مقسمة انتخابيًا إلى دائرتين، فيما هي الآن دائرة واحدة.[1]

من المفيد أن نتذكر أن الزرقاء كانت دائرة واحدة في كل الانتخابات النيابية التي أجريت بين عامي 1989 و2003. وفقط عندها قُسمت إلى أربع دوائر ثم ارتفع عدد دوائرها إلى 11 (في الانتخابات التي عرفت بنظام الدوائر الوهمية عام 2010)، ثم تقلصت إلى اثنتين حتى آخر انتخابات عام 2020، قبل أن تعود هذا العام من جديد لتصبح دائرة واحدة.

في كل نظام من أنظمة تقسيم الدوائر تلك كان محتوى وشكل النشاط الانتخابي يتأثر بالضرورة، فكانت التحالفات والانقسامات تتبدل، كما كانت تتعدد دوائر الانتماء الانتخابي، فتتسع أو تنحسر، بما يخدم مصلحة المجموعات السكانية المختلفة في المحافظة.

عمرانيًا وسكانيًا، تتكون المحافظة من ثلاث مجموعات. أولًا، تجمع كبير متصل جغرافيًا على شكل شريط طولي يبدأ من مخيم حطين وينتهي ببلدة الهاشمية، مرورًا بمناطق محيط المخيم، ثم الرصيفة، ثم مدينة الزرقاء بأحيائها القديمة والجديدة، ثم الإسكانات العمالية المتصلة ببلدة الهاشمية. وثانيًا، مجموعة القرى المعروفة بـ«قرى بني حسن». وثالثًا، مدينتا الظليل والأزرق.

في النقاش العام تتكرر مفردة «صناعة» القوائم، فيما يؤشر على طيف من الصانعين يشمل متنفذين وأثرياء ومسؤولين رسميين، إلى جانب بروز قيادات الأحزاب الجديدة التي نشطت بهدف الحصول على نصيب أوفر من الأنصار داخل المجلس النيابي المنتظر.

في الدورتين الانتخابيتين السابقتين (2016، 2020) كانت المحافظة تتشكل من دائرتين: الأولى خُصصت لها تسعة مقاعد، وتضم قصبة الزرقاء ولواء الرصيفة (ومعه مخيم حطين) وقضائي الظليل والأزرق، فيما كانت الدائرة الثانية ولها ثلاثة مقاعد، تضم لواء الهاشمية وقضاء بيرين وبعض الأحياء المجاورة من مدينة الزرقاء. الملاحظة الأهم أنه في انتخابات عام 2020 كان عدد الناخبين في الدائرة الثانية يمثل 21% من ناخبي المحافظة، لكن مقترعي هذه الدائرة (أي المشاركين الفعليين في الانتخاب) كانوا يشكلون 40% من مقترعي المحافظة. بمعنى أن نسبة الأصوات الفاعلة فيها تعادل ضعف نسبة الناخبين، وذلك بسبب غلبة التركيبة القرابية في قرى هذه المنطقة، بما يضمن درجة أعلى من المشاركة.

تمثل الزرقاء نموذجًا للتنوع السكاني في المملكة ككل، وهذا التنوع لا يقتصر فقط على مستوى المحافظة الإجمالي، بل يستمر أيضًا على مستوى الأحياء في المدينة القديمة والجديدة. يعود ذلك إلى سيرة السكن والسكان فيها، فهي مدينة استقطبت الساكنين بالتدريج، من مختلف المدن والقرى في الضفتين (قبل عام 1967)، لغايات العمل في الجهاز الحكومي العسكري والمدني في المدينة النامية بسرعة، وأيضًا لغايات الالتحاق بالمؤسسات الصناعية الكبيرة التي استقطبتها الزرقاء والرصيفة ومحيطهما. وحتى المخيمات الثلاث المقامة فيها، تضم مجموعات متنوعة الأصول قدموا من مناطق متعددة في فلسطين. كما تتركز في بعض الأحياء مجموعات كبيرة من المواطنين تعود أصولهم إلى مناطق بئر السبع، الذين ينخرطون في تركيب عشائري واضح وخاصة في مواسم الانتخابات. كما يعد المواطنون من أصول شركسية وشيشانية وبعض الشوام والعائلات المسيحية من المجموعات المؤسسة للمدينة. بينما يسكن المواطنون من الدروز في بلدة الأزرق بشكل رئيسي. إن هذه الإشارة الى التركيب السكاني مهمة عند تحليل كل من اتجاهات الترشيح وأشكال إدارة وتشكيل القوائم الانتخابية.

تلاشي العناوين السياسية

كانت الانتخابات في الزرقاء توصف بأنها «سياسية» ويتضح ذلك من مواصفات المرشحين في انتخابات عام 1989، ثم أخذت هذه الصفة تتراجع بالتدريج ابتداء من انتخابات عام 1993 أي مع بدء نظام الصوت الواحد.[2]

في الواقع، لم تشذ الزرقاء عن المنحى العام الذي تميز بتراجع المحتوى السياسي للانتخابات. وحتى بالنسبة لحركة واصلت نشاطها بشكل بارز، أي حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي حافظ على حضوره نسبيًا على مستوى المملكة، فإنه وجد نفسه مضطرًا لمواءمة نشاطه مع متطلبات الصوت الواحد الذي كان يعني ضرورة مراعاة التركيب السكاني والقرابي والانتماءات المناطقية للناخبين.

في آخر دورتين، حيث طبق نظام الدائرة المحلية المفتوحة، وكما حصل في باقي المناطق، كانت القوائم في الزرقاء تتشكل حول شخصية واحدة رئيسية، تتحالف مع آخرين بهدف زيادة أصوات القائمة ككل، وقد سمي ذلك النظام في الثقافة الدارجة شعبيًا «نظام الحشوات»، إشارة الى المرشحين الفرعيين داخل القوائم.

صحيح أن نظام القوائم المحلية لا يزال مطبقًا هذه المرة أيضًا، ولكن حصلت بعض التغيرات وخاصة وضع شرط تجاوز «العتبة» وهي نسبة 7% من عدد المقترعين في كل دائرة. لقد تطلب ذلك إجراء بعض التغيير على تكتيكات الترشح؛ فلغايات ضمان تجاوز العتبة، كان لا بد من حصول تحالفات بين مرشحين أقوياء داخل القائمة الواحدة. لقد أصبحت القوائم متعددة الأقطاب. لكن سرعان ما أصبح هذا يعني صراعًا أكثر قسوة داخل كل قائمة.

في الزرقاء تحديدًا، تبرز الحملات الترويجية الفردية. وأنت في الشوارع لا تجد سوى صور المرشحين الأفراد، باستثناء قائمتين: جبهة العمل الإسلامي، التي تخوض ظاهريًا على الأقل حملة مشتركة، وربما يعود ذلك إلى تجربة الانتخابات السابقة عندما بينت نتائج قائمة الحزب أن قسمًا من أنصار المرشح الفائز حجبوا أصواتهم عن باقي مرشحي القائمة، إذ بينت نتائج الصناديق أنه حصل بشكل واضح على أصوات أعلى من زملائه في مناطق إقامة أقربائه. أما القائمة الثانية فهي التي قائمة الاتفاق التي تعرف بقائمة بني حسن، وهي تضم فعلًا مترشحين من عشائر بني حسن فقط (إلى جانب مرشح مسيحي من خارجها). وهي مضطرة لخوض معركة موحدة، نظرًا لوجود مرشحين من العشائر ذاتها في قوائم أخرى.

مرشحو الكوتات «السعداء»

من تغيرات النظام الجديد أن تحديد الناجح في مقاعد الكوتات سيكون وفق عدد الأصوات الكلي للمرشح أو المرشحة. وهذا جعل معركة مرشحي الكوتات مختلفة بعض الشيء عن الحال في الدورات السابقة، فاليوم لا يوجد تنافس داخلي مع مرشح أو مرشحة الكوتا، يأخذ او تأخذ من الجميع ويعطي أو تعطي الجميع.

انعكس ذلك على الحملات الإعلانية، فاليوم تجد صورًا مشتركة تضم مرشح فردي (بصورة كبيرة) إلى جانب مرشحي الكوتا الثلاث. أو تجد صورة مرشح كوتا (صورة كبيرة) إلى جانب زميلين من مرشحي الكوتا بصور أصغر. ولكنك لا تجد مرشح كوتا يختار معه مرشحًا أو أكثر من خارج الكوتا.

حتى في المهرجانات الانتخابية نجد المرشحين الأقوياء يعلنون بكل وضوح دعمهم لمرشحي الكوتات، ويدعون ناخبيهم إلى دعم مرشحي الكوتا ولا تجد من يشمل بدعوته اسمًا آخر من حلفائه في القائمة.

كيف تشكلت الكتل؟

لعل حالة الزرقاء كانت الحالة الأبرز في مجال ما صار يعرف بـ«هندسة الانتخابات». هذا المفهوم دخل فعلًا إلى النقاش العام حتى على المستويات الشعبية المهتمة.

مرت القوائم بتعقيدات كثيرة، وتعرض المرشحون لضغوط متنوعة، وفي النقاش العام تتكرر مفردة «صناعة» القوائم، فيما يؤشر على طيف من الصانعين يشمل متنفذين وأثرياء ومسؤولين رسميين، إلى جانب بروز قيادات الأحزاب الجديدة التي نشطت بهدف الحصول على نصيب أوفر من الأنصار داخل المجلس النيابي المنتظر.

رغم أن القوائم الحزبية (الوطنية) القوية تكاد تخلو من أسماء من مدينة الزرقاء في المراكز الأولى، وقد انعكس ذلك في انخفاض حضور القوائم الحزبية في الحملات الترويجية، لكن عندما يتصل الأمر بالنشاط على مستوى القوائم المحلية، طرحت بعض تلك الأحزاب أسماءها بوضوح. فهناك إلى جانب قائمة حزب جبهة العمل الإسلامي، قوائم تحمل اسم حزب تقدم وحزب العمال والحزب الوطني الإسلامي، فيما توزع منتسبو حزبي الميثاق وإرادة على قوائم بأسماء أخرى. غير أن التنافس داخل القوائم عابر للحدود الحزبية بالطبع. وهذا يفسر عزوف مرشحي القوائم عن الإفصاح عن ميولهم فيما يتعلق بالقائمة العامة الحزبية.

إن توحيد المحافظة في دائرة واحدة هو إجراء وجد نفسه يتفاعل مع بيئة سياسية واجتماعية تعرضت لكثير من التأثيرات والمتغيرات الانتخابية خلال العقود الماضية. لقد صيغت عبر الزمن مفردات العملية الانتخابية في الزرقاء بما يتناسب مع متطلبات ترتبط بشروط الماضي، ففي كل مرة كانت تقترب الانتخابات، كان المهتمون يستحضرون أدواتهم المعتادة، من علاقات قرابية ومناطقية وعلاقات جيرة ونفوذ وسيطرة وملاءة مالية وغيرها.  

بتأثير القانون الجديد، تعرضت المفردات المعتادة لقدر من الضغط، وقد صمد بعضها، وانهار بعضها. ولكن بقي المال حاضرًا بقوة كعنصر قوة للمرشحين، وحضرت العشائر والأحزاب بعد أن طُوعت مع المستجدات.

في آخر انتخابات بلغت نسبة الاقتراع في مواقع الكثافة السكانية (الدائرة الأولى، أي مدينة الزرقاء ولواء الرصيفة) أقل فبلغت 19% بينما وصلت في الدائرة الثانية نحو 30%. فأي نسب ستحملها تفاعلات العوامل الجديدة؟

  • الهوامش

    [1] في آخر انتخابات فعلية جرت مطلع عام 1967 أي قبل احتلال الضفة الغربية، كانت مقاعد المجلس مقسمة مناصفة بين الضفتين. وكانت الزرقاء ككل، تابعة انتخابيًا لمحافظة العاصمة، عمان، التي كانت تشمل مادبا أيضًا. وعندما أعيد المجلس مؤقتًا عام 1984 جرت على مستوى المملكة انتخابات تكميلية في محافظات الضفة الشرقية للمقاعد التي كان أصحابها قد توفوا، فيما أجريت انتخابات داخل المجلس لمقاعد المتوفين من محافظات الضفة الغربية. وفي القوانين والأنظمة عمومًا لم تكن الزرقاء ولا الرصيفة ترد في التقسيمات الانتخابية، فيما كانت عشائر بني حسن المقيمة فيها تلتحق مع عشائر بني حسن المقيمة في جرش والمفرق ولها مقعد واحد.

    [2] من الأمثلة البارزة، إلى جانب مرشحي الحركة الإسلامية، حالة النائب السابق بسام حدادين الذي ترشح وفاز عام 1989 كممثل لمنظمة الجبهة الديمقراطية في الأردن (حزب حشد لاحقًا) وقد حصل على نحو 16 ألف صوت، وفي الانتخابات التي تلتها (بعد تطبيق نظام الصوت الواحد) فاز ولكن بأقل من ألفي صوت، وقد فاز في عدة دورات لاحقة. كما عرفت أسماء مرشحين بارزين من تنظيمات يسارية وقومية أخرى، اختفت في زمن لاحق.

Leave a Reply

Your email address will not be published.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية