كيف سيتأثر قطاع الألبسة الأردني بالجمارك الأمريكية؟

تصميم: محمد شحادة.

كيف سيتأثر قطاع الألبسة الأردني بالجمارك الأمريكية؟

الإثنين 14 نيسان 2025

هناك عجز في الميزان التجاري الأردني مع 96 دولة، بالمقابل ثمة فائض تجاري لصالح الأردن مع 63 دولة من بينها الولايات المتحدة الأمريكية،[1] ما جعله ضمن المشمولين بالتعرفة الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بداية الشهر على عشرات الدول بذريعة حماية الصناعة المحلية الأمريكية ورفع قيمة إيرادات البلاد الجمركية وخفض العجز في الميزان التجاري مع هذه الدول.

وقد تراوحت نسب التعرفة الجديدة المفروضة على الدول بين 11-50%، وكان نصيب الأردن منها 20%. بعد أيام جمّدت الإدارة الأمريكية القرار لمدة 90 يومًا لإتاحة المجال للدول للتفاوض، وقد دخل الأردن بالفعل في حوار مع الولايات المتحدة كما يؤكد لـ«حبر» الناطق باسم وزارة الصناعة والتجارة ينال برماوي.

في الأثناء، أثار القرار نقاشًا وتحركًا في الأوساط الحكومية والاقتصادية لبحث مدى تأثّر صادرات الأردن بهذه الرسوم، إذ اجتمعت غرف الصناعة بمشاركة وزارة الصناعة والتجارة مع المصنّعين والمصدرين إلى الولايات المتحدة، كما نوقش الأثر المحتمل لهذه الرسوم على الاقتصاد المحلي في الإعلام المحلي ومنشورات بعض مراكز الأبحاث. لكن قبل الخوض في المآلات المحتملة للقرار، السؤال هو كيف حقق الأردن فائضًا تجاريًا لصالحه مع الولايات المتحدة؟

صناعة الملابس تقود الصادرات

صدّر الأردن إلى الولايات المتحدة خلال العام الماضي 20 مجموعة سلعيّة بقيمة 2.21 مليار دينار تقريبًا، أكثر من 95% منها جاء من صادرات كل من الألبسة والمنسوجات، واللؤلؤ والأحجار الكريمة، والآلات والأجهزة، والأسمدة. وقد تصدرت الألبسة القائمة هذه بنسبة تبلغ 63% من مجمل الصادرات إلى الولايات المتحدة.

تاريخيًا، كانت الاستثمارات في القطاع الصناعي الأردني متواضعة ومدفوعة بالشركات العائلية والمؤسسات الحكومية في الصناعات الاستخراجية،[2] لكن بعد توقيع الأردن اتفاقية وادي عربة مع «إسرائيل» عام 1994 أقرّ الكونجرس الأمريكي اتفاقية اقتصادية جديدة عام 1996 باسم «اتفاقية المناطق الصناعيّة المؤهلة (QIZ)»، وسّعت الولايات المتحدة بموجبها نطاق اتفاقية التجارة الحرة بينها وبين «إسرائيل» -الموقعة عام 1985- لتشمل المناطق الصناعية المؤهلة في الأردن، بما يسمح للمنتجات المصنعة فيها بالدخول إلى الأسواق الأمريكية بدون رسوم جمركية أو سقف محدد للكميات، وكانت مصانع الألبسة من أوائل المصانع التي شيّدت داخل هذه المناطق المؤهلة.

هكذا كان الظرف السياسي عاملًا أساسيًا في دخول صناعة الملابس التي تقوم عليها مصانع ألبسة أجنبية جاءت للاستثمار في المناطق المؤهلة للاستفادة من الإعفاءات الجمركية خاصةً أن الولايات المتحدة كانت تفرض حينها رسومًا جمركية مرتفعة على واردات الملابس من الدول الأخرى تصل أحيانًا إلى 33%.[3]

هكذا صارت المناطق الصناعية المؤهلة في الأردن جذابة لمصنعي الملابس الأجانب، خاصة الآسيويين الساعين للتخلص من القيود التي فرضتها الدول المتقدمة، وما هي إلا سنوات قليلة حتى ساهمت صادرات الألبسة إلى جانب صادرات الكيماويات في تعديل الميزان التجاري مع الولايات المتحدة لصالح الأردن، ليحقق فائضًا تجاريًا لأول مرة عام 2002، قبل أن تشهد الأعوام اللاحقة تفوّق صادرات الألبسة إلى الولايات المتحدة لتكون هي الأكبر بين بقية السلع المنتجة في هذه المناطق المؤهلة.

عام 2001 حلّت اتفاقية التجارة الحرة بين الأردن والولايات المتحدة محل اتفاقية المدن الصناعية المؤهلة، ثم دخلت حيز التنفيذ الكامل عام 2010، لتنمو قيمة صادرات الأردن إلى الولايات المتحدة من الألبسة سنة بعد أخرى، وتتضاعف القيمة في العقد الأخير. وهكذا كانت صادرات هذا القطاع بالاعتماد على الاتفاقيات الموقعة مع الولايات المتحدة قد وجدت لها قدمًا في السوق الأمريكيّة؛ أحد أكبر الأسواق المستوردة للملابس في العالم الذي يستورد بعشرات مليارات الدولارات سنويًا، فيما يبلغ نصيب الأردن من هذه السوق قرابة 3% فيما تتوزع باقي الحصص على عمالقة إنتاج الألبسة في العالم خاصة الآسيويين.

منذ وجودها في الأردن كانت مصانع الألبسة تعمل مثل جزر معزولة عن بقية قطاعات الاقتصاد الأردني تقريبًا؛ إذ كانت المقرّات الرئيسية للشركات الأجنبية المصنّعة موجودة خارج الأردن، وتجري مراحل التصنيع الرئيسية التي يمكن أن توفر انتقالًا للمعرفة التصنيعية إلى الشركات المحليّة مثل عمليات البحث والتطوير والتصميم وتطوير الأعمال خارج الأردن. فيما اقتصرت المراحل التصنيعية في الأردن على عمليات لا تتطلب مهارات عالية مثل القص والكوي والتغليف والتشطيب، ويقوم بها عمال بمهارات محدودة أغلبهم من العمالة الأجنبية القادمة من دول آسيا مثل بنغلادش والهند وسريلانكا ونيبال وميانمار.

إن واحدة من أدوات قياس إنتاجية الاستثمار الأجنبي تتمثل في كمية فرص العمل التي يخلقها في الاقتصاد المضيف، ويصنّف قطاع الألبسة في الأردن بأنه ذو تأثير محدود على خلق فرص عمل محليّة، ففي حين تضاعف عدد العمال في القطاع منذ نشأته إلّا أن أغلب العاملين فيه كانوا عمالة أجنبية، ويشكّل عدد الأردنيين فيه أقل من الربع، وهم كذلك يعملون في وظائف لا تتطلب مهارات مرتفعة وعادة ما يشغلون الوظيفة نفسها على مدى سنوات.

يُذكر أن قوّة العمل في الأردن تبلغ 1.9 مليون عامل وعاملة،[4] فيما يشغّل قطاع تصنيع الألبسة قرابة 23 ألف عامل وعاملة أردنيّة فقط، أي أنه يشغّل بشكل مباشر ما نسبته 1.2% من مجمل قوى العمل في الأردن. الأمر الأهم، أن مجمل عملية صناعة الألبسة كانت تعتمد على استيراد المواد الأولية من آسيا، في ظل عدم توفر مواد خام في الأردن، هكذا كانت تتولى هذه المصانع جميع الأدوار ذات القيمة المضافة العالية.[5]

بالإضافة إلى ذلك صُنّف هذا القطاع من قبل البنك الدولي عام 2016 باعتباره واحدًا من أكثر القطاعات التي حصل المستثمرون الأجانب فيه على إعفاءات ضريبية وصلت إلى نسبة 14%. وبشكل عام تُظهر مؤشرات صفات الاستثمار الأجنبي المباشر الصادرة عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أن أداء الشركات الأجنبية في الأردن في أفضل الأحوال يظل صغيرًا وأضعف من أقرانها في البلدان الأخرى.[6]

تكاد التقييمات الحكومية تُجمع على مواطن الضعف في هذه الصناعة وتدرجها تحت بند تحديات القطاع مثلما فعلت رؤية التحديث الاقتصادي التي نصّت مثلًا على ضرورة «تعزيز توظيف الأردنيين». ويعترف كذلك مسؤولون حكوميون ببعض مواطن الضعف في القيمة المضافة لهذا القطاع خاصة في مجال العمالة.

بالمقابل، تعد صادرات قطاع الألبسة واحدة من الأنشطة الاقتصادية التي توفّر دخلًا للدولة من العملات الأجنبيّة وخاصةً الدولار، إذ أنها تشكّل أكثر من ربع قيمة صادرات الأردن إلى بقيّة الدول. يقول وزير التخطيط الدولي الأسبق إبراهيم سيف لـ«حبر» إن جزءًا من هذه الصناعة صار لها وجود في مناطق ريفيّة ونائية عبر وحدات إنتاجية فرعية لها، كما أنها تشغّل السيدات وهذه فئات نحتاج لاستهدافها، فيما يقّلل من حجم تأثير خروج عائدات العمالة الأجنبيّة من العملات إلى خارج الأردن إذا ما قورنت مع حجم عائدات الأردن من هذه الصادرات.

إلى جانب العملات الأجنبية، يستوفي الأردن بعض العوائد بدل استهلاك الخدمات الوسيطة مثل إيجارات المباني، وتكلفة النقل والتخزين، وصيانة الآلات، وصيانة المباني والمنشآت، ورسوم العمالة الأجنبيّة، وبعض الضرائب.

هل سيتأثر القطاع بالجمارك الجديدة؟

تختلف تقديرات مسؤولين حاليين وسابقين واقتصاديين أردنيين حول مدى تأثير التعرفة الجمركية الجديدة على صادرات قطاع الألبسة والمحيكات، ثمة تقدير يرى أن القطاع سيكون الأكثر عرضةً للتأثر بين القطاعات الأخرى بسبب استحواذ مجموعة من الشركات على غالبية صادرات الألبسة إلى الولايات المتحدة، الأمر الذي يرون فيه تهديدًا مباشرًا للاستثمارات الأجنبية القائمة وجهود جذب الاستثمارات الجديدة، ويصبح هذا المسار أكثر تشاؤمًا في حال قررت بعض الاستثمارات الانتقال إلى أسواق منافسة تتمتع بتعرفة جمركية أقل من الأردن.[7]

ثمة تقدير آخر يرى أن التأثير حاصل لا محالة، لكن يستبعد أن يؤدي إلى مغادرة المصنّعين إلى دول أخرى بحثًا عن تكلفة أقل. يقول الناطق باسم وزارة الصناعة والتجارة ينال برماوي إن جزءًا كبيرًا من صادرات الملابس إلى الأسواق الأمريكية يعتمد أولًا على جودة المنتج الأردني، بالإضافة إلى أن الفترة الطويلة التي قضتها هذه المصانع في الأردن أرست ثقة بالمنتج الأردني، وهو ما يجعل احتمال مغادرة المستثمرين مستبعدة. يُذكر أن مصانع الألبسة في المدن المؤهلة أنتجت خلال العام الماضي الملابس لـ23 علامة تجارية معروفة في الولايات المتحدة.

أما التقدير الثالث فيرى في القرار الأمريكي فرصة من أجل زيادة الصادرات الأردنية من الألبسة إلى السوق الأمريكية نظرًا لفرض نسب جمركية أعلى على الدول المنافسة للأردن. يذهب الوزير الأسبق سيف إلى أنه يمكن توسيع حصة الأردن في السوق الأمريكية على حساب حصص بعض الدول الكبيرة في هذه الصناعة.

أما إيهاب القادري، ممثل قطاع الصناعات الجلدية والمحيكات في غرفة صناعة الأردن، فيدعو إلى التريّث قبل البتّ في الأثر المحتمل للقرار على الصادرات الأردنية، قائلًا: «تمّ تأجيل القرار 90 يوم من أجل المزيد من التفاوض، وآليات تنفيذ القرار لم تكن واضحة، بالتالي الأثر الاقتصادي لا نستطيع حسابه إلا لمّا يكون فيه تنفيذ فعلي»، وهو يتفقّ مع التقدير القائل بأنّ القرار قد يكون فرصة لتوسيع الصادرات الأردنية إلى الأسواق الأمريكية طالما أن النسب المفروضة على الدول المصدرة الأخرى أعلى من المفروضة على الصادرات الأردنية.

عمومًا، يتفق الجميع على ضرورة تنويع الأسواق المستهدفة للصادرات الأردنية من الألبسة جغرافيًا وسلعيًا، وهو ما تتحدث عنه وتسعى له الحكومة والقطاع الصناعي منذ سنوات، لكنه يواجه بتحديات كبيرة منها على سبيل المثال صعوبة اختراق السوق الأوروبية بسبب تفضيلات العملاء هناك للملابس المصنعة في دول إفريقيا نظرًا لانخفاض تكاليف الشحن، وارتفاع تكلفة المنتجات المصنعة في الأردن مقارنة مع غيره.[8]

لكن، هناك زيارات مرتقبة من مسؤولين حكوميين وممثلين من القطاع الصناعي إلى دول إفريقية مثل رواندا، وأخرى آسيوية مثل كازاخستان، من أجل إيجاد اتفاقية تجارية تفضيلية للصادرات الأردنية. وتأتي هذه الزيارات بحسب رئيس غرفة صناعة الأردن فتحي الجغبير لـ«حبر» بهدف تسهيل دخول المنتجات الأردنية ودعم دخول الصناعات الوطنية إلى الأسواق المختلفة عبر بعثات تجارية واستكشافية، وعقد لقاءات ثنائية بين رجال الأعمال من شأنها تسهيل الدخول للأسواق غير التقليدية.

تقدّم تجارب سابقة ملامح عن مدى تأثر هذا القطاع بالتغيرات العالمية، إذ تأثر -مثلًا- نموّ صادرات الألبسة إلى الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة بشكل سلبي بسبب تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وإغلاق مسارات الشحن في البحر الأحمر بعد السابع من أكتوبر، فضلًا عن تأثير التضخم في السوق الأمريكية على طلب الصادرات الأردنية، وما يرفع من إمكانية تأثر هذه الصادرات اعتمادها على واردات المواد الخام من دول آسيا.

وفي تجربة سابقة أخرى، قد توضّح حجم التأثير المحتمل جراء وجود منافسين كبار حول العالم، فقدَ الأردن موقعه التنافسي مع إلغاء حصص الدول النامية على واردات المنسوجات والملابس جراء إلغاء اتفاقية الألياف المتعددة تدريجيًا بدءًا من العام 2005، ما أدى لانتقال بعض المصانع في تلك الفترة من الأردن إلى مصر من أجل تخفيض تكاليف الإنتاج.[9] بعدها انخفضت لأعوامٍ قيمة الصادرات الأردنية إلى الولايات المتحدة، وخاصة الملابس، وشهدت أعوامٌ لاحقة عجزًا في الميزان التجاري لصالح الولايات المتحدة.

الخلاصة أن السياق التاريخي لهذه الصناعة يخبرنا أن أي تغيّر في تكاليف هذه الصناعة كان يؤثر فورًا على قيمة صادراتها، وأن الفترة الطويلة التي عملت فيها مصانع صناعة الألبسة في الأردن وفقًا لاتفاقية التجارة الحرة بين الأردن والولايات المتحدة، والتي يمر عليها هذا العام ربع قرن، لم تؤدّ إلى انتقال المعرفة التصنيعية إلى القطاع المحليّ، والأهم أنها ظلّت عرضة للتأثر بأي تغيير يحصل في العالم، الأمر الذي يدفع باتجاه إيجاد حلول جذريّة لهذا القطاع المحكوم أصلًا بعدم وجود إمكانيات صناعية مثل توفر الموارد الأولية.

  • الهوامش

    [1] منتدى الاستراتيجيات الأردني، بالاعتماد على بيانات دائرة الإحصاءات العامة، تعزيز منعة الميزان التجاري الأردني في مواجهة خارطة التجارة العالمية الجديدة، نيسان 2025، ص 6.

    [2] The Future of Jordan’s Qualified Industrial Zones (QIZs)/Published in 2013 by the Royal Scientific Society of Jordan and the Friedrich-Ebert-Stiftung Amman Office page 11.

    [3] Joseph Patrick Gaffney /Jordan’s Qualified Industrial Zones: A Qualified Success? A THESIS in Middle Eastern Political Economy 2005/Page 16.

    [4] وزارة العمل، التقرير التحليلي لمؤشرات سوق العمل الأردنيّ لعام 2023 ص 6.

    [5] Joseph Patrick Gaffney /Jordan’s Qualified Industrial Zones: A Qualified Success? A THESIS in Middle Eastern Political Economy 2005/Page 29.

    [6] منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، مراجعة صفات الاستثمار الأجنبي المباشر في الأردن تعزيز الاستثمار المستدام ص 18 و 64.

    [7] منتدى الاستراتيجيات الأردني، بالاعتماد على بيانات دائرة الإحصاءات العامة، تعزيز منعة الميزان التجاري الأردني في مواجهة خارطة التجارة العالمية الجديدة، نيسان 2025، ص 6 و 11.

    [8] منتدى الاستراتيجيات الأردني، قطاع المنسوجات والألبسة في الأردن، تمكين الاستثمار وتوليد فرص العمل، آذار 2021، ص 9.

    [9] بحسب نتائج تحليل المسح الميداني للمناطق الصناعية المؤهلة في الأردن التي اعتمد على استمارة وزعت على أصحاب مصانع الألبسة المنتقلة إلى مصر، دراسة «عشر سنوات من المناطق الصناعية المؤهلة» نجاح مطلق أم نجاح نسبي، مجموعة باحثين، الجمعية العلمية الملكية، تشرين الثاني 2009، ص 50.

Comments are closed.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية