ذهب الأردن: كيف صار من أكثر السلع تصديرًا للولايات المتحدة؟

تصميم: محمد شحادة.

ذهب الأردن: كيف صار من أكثر السلع تصديرًا للولايات المتحدة؟

الخميس 17 نيسان 2025

«صناعة الذهب والمجوهرات في تطوّر مستمر وتستجيب بدرجة كبيرة لخطط التطوير»، قال وزير الصناعة والتجارة والتموين يوسف الشمالي في آب الماضي في افتتاح أول مصفاة لتنقية الذهب في الأردن. جرى تجهيز هذه المصفاة -التي تتبع لمجموعة مجوهرات امسيح للذهب والمجوهرات- لتصدير الذهب إلى 54 دولة حول العالم.

في الترتيب الثاني (بعد قطاع الألبسة وتوابعها)، يشكّل قطاع المجوهرات والحلي[1] أكثر السلع الأردنية تصديرًا للولايات المتحدة. بلغ نصيب الولايات المتحدة من إجمالي الصادرات الأردنية للخارج العام الفائت 25.7%، ما تعادل قيمته 2.21 مليار دينار ويشكّل نصيب قطاع الحليّ والمجوهرات منها 23.8%، بحسب تقرير لمنتدى الاستراتيجيات. فكيف تطوّر تصدير الذهب الأردني إلى الولايات المتحدة؟ وما المصير الذي ينتظره في ظلّ قرار ترامب بفرض رسوم جمركية على الأردن قدرها 20%، ضمن حملته على التجارة العالمية؟

كيف توسع سوق الذهب الأردني؟

افتتحت أول محلات ومشاغل الذهب في الأردن عام 1957 على يد تجار قدموا من يافا واللد والقدس، إلى جانب بعض الأرمن، بحسب نقابة المجوهرات الأردنية، وظلّ هذا القطاع، الذي بلغ حجمه حوالي خمسين منشأة، على مدى عقود يخدم السوق المحليّ أساسًا، إلا أن نشاطه توسّع بداية التسعينيات عام 1993 إثر عودة الأردنيين المغتربين من الخليج. لكنه مع ذلك بقي يعاني من أزمة في الأيدي العاملة الماهرة والمتخصصة في اللحام والصياغة وتشكيل الأحجار الكريمة والطلي واستخدام الماكينات، وهو ما انعكس في محدودية صادرات الأردن من الذهب حتى نهاية التسعينيات، بحسب تجار. 

عام 2001، وقّع الأردن اتفاقية التجارة الحرّة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تعفي الأردن من الرسوم الجمركية وتمنح الشركات الأردنية والأمريكية نفاذًا جيدًا لأسواق كلا البلدين. سمحت هذه الاتفاقية ببدء التوسع في الصادرات الأردنية إلى الولايات المتحدة عمومًا، بما فيها قطاع الحلي والمجوهرات، إلا أنها لم تكن السبب وراء القفزة الكبيرة لصادرات قطاع الذهب الأردني وتوسّع سوقه محليًا، وإنما قرار الولايات المتحدة عام 2020 إلغاء الإعفاءات الجمركية التي كانت ممنوحة للهند، بسبب اتهامات لها بإغراق السوق الأمريكي. ومع تراجع الصادرات الهندية، التي تعتبر ثاني أكبر مورّد للمجوهرات إلى الولايات المتحدة، ارتفعت الصادرات الأردنية.

يقول أمين السر في نقابة أصحاب محلات تجار الحلي والمجوهرات، سليم ذيب إن هذه القرارات أدت إلى خفض قيمة المجوهرات المستوردة من الهند بنسبة لا تقل عن 11% وتغيير خارطة مصدري الذهب للولايات المتحدة، وهو ما شكّل أيضًا فرصة أمام زيادة صادرات الأردن في هذا القطاع، لتحتلّ الأردن موقعًا متقدمًا في تصدير الذهب للولايات المتحدة الأمريكية. بحسب بيانات دائرة الاحصاءات العامة، قفزت صادرات الأردن من المجوهرات والمعادن الثمينة والأحجار الكريمة عام 2019 من 117 مليون إلى 825 مليون دينار في 2023. وارتفعت حصة الولايات المتحدة من صادرات الذهب الأردنية من 22% إلى 68%.

لا تعبّر هذه القفزة عن الارتفاع الجنوني في أسعار الذهب فحسب، إذ ارتفع سعر أونصة الذهب[2] من 513 دولار عام 2005 إلى 3228 دولار الشهر الماضي وإنما في الكميات المصدّرة كذلك. تشير البيانات إلى أن 1384 كيلوغرام من المجوهرات صُدّرت للسوق الأمريكي عام 2020 فيما شهد عام 2023 تصدير 22,713 كيلوغرام، وهو توسّع يعتبره المحلل الاقتصادي عدلي قندح دليلًا على جودة المواصفات والمقاييس التي تمتع بها الذهب الأردني المشغول والذي أهّله دخول السوق الأمريكي.

يقول ذيب إن صناعة الحلي والمجوهرات في الأردن قد تطورت خلال السنوات الماضية وأصبحت أكثر قدرة على تلبية الأذواق وإنتاج التصاميم الخليجية والتركية، وهو ما عزز من قدرة صادرات الذهب على الاستجابة لرغبات الجاليات العربية في أمريكا وكندا وبريطانيا والأسواق الأوروبية. رافق هذا التطوّر توسع في افتتاح المحال والمشاغل التي يتجاوز عددها اليوم 900 منشأة، مقابل 244 منشأة عام 2019، تتوزع على جميع المحافظات الأردنية، إلا أن 50% منها يقع في عمّان. كما يشغّل القطاع حوالي 5000 عامل، موزعين بين حرفيين في المشاغل، وأصحاب محال وموظفيها، بحسب النقابة.

وبالتزامن مع ازدياد التصدير للولايات المتحدة، يتزايد الطلب العالمي على الذهب.[3] يقول قندح، إن الذهب لا يشكّل ملاذًا آمنًا للدول فحسب، بل أيضًا للأفراد ممن يحوّلون جزءًا من مدخراتهم لذهب، خصوصًا وأن هامش الربح في الذهب شبه مضمون وأسعاره تاريخيًا تواصل الارتفاع على المدى الطويل رغم التذبذبات الموسمية، كما أن الظروف الاقتصادية والسياسية للمنطقة العربية تجعل خيارًا مثل الاستثمار في الذهب بالنسبة للمجتمع المحلي واحدًا من أكثر الاستثمارات آمانًا وجدوى مقارنة بأشكال أخرى من الاستثمارات مثل العقارات.

بدوره، يقول نوفل،* أحد تجار سوق الذهب في وسط البلد، إن الظروف العالمية والاقليمية انعكست على خيارات السوق وتجربته الشخصية في العمل، فبعد سنوات من بيع وتصنيع مشغولات الذهب المحلية (البلدية)، وجد نوفل نفسه متفرغًا لتصنيع «الذهب غير المخصص للزينة». «ما بنقدر نقول إنه الإقبال المحلي زاد على الذهب بالعموم لإنه السعر ارتفع وظروف الناس صارت أصعب، لكن الإقبال زاد على أشكال محددة من الذهب». مضيفًا إن السوق توسع في تصنيع الأونصات والسبائك الذهبية والليرات الرشادي والانجليزي، والتي تخدم السوقين المحلي[4] والخارجي في الوقت ذاته.

أما فيما يتعلق بالحلي، فإن الإقبال المحلي عليها تراجع وأصبح في حدوده الدنيا في مناسبات الزواج، إلا فيما يتعلق بتصاميم العلامات التجارية العالمية[5] المطلوبة بين الطبقات المقتدرة ماديًا. تنسجم هذه المؤشرات مع المناخ العالمي للطلب على الذهب، إذ يشير تقرير مجلس الذهب العالمي لعام 2022 إن المستويات القياسية من مشتريات الذهب حققتها البنوك المركزية التي كانت محركًا رئيسيًا لزيادات الطلب الاجمالية الأخيرة ونمو الطلب على الاستثمار في سبائك الذهب والعملات المعدنية مقابل المجوهرات.

من ناحية أخرى، يرتبط سوق الأردن من صادرات الذهب بقدرته على استيراده، إذ إن الأردن ليست بلدًا منتجة للذهب الخام والذي يحصل عليه من أسواق مثل سويسرا (التي تهيمن على سوق الذهب العالمي في الصادرات والواردات) وإيطاليا وهونغ كونغ والعراق والسعودية والإمارات وسنغافورة وتايلند والهند وإندونيسيا ولبنان، يقول ذيب. إلا أن هذا الذهب لا يكون قابلًا لإعادة التصدير قبل «تشغيله»، أي تصنيعه بأشكال مختلفة، «ما في تاجر بجيب ذهب ويعيد شحنه، لازم يكون في قيمة مضافة للذهب، وإلا الدول قادرة تاخذ من الأسواق الرئيسية مباشرة»، بحسب قوله.

في ضوء ذلك، يحصل نوفل على الذهب الخام من تجار آخرين على شكل سبائك غير مصنّعة بصفتها الأولية، في الغالب مستوردة من الإمارات، أو على شكل «ذهب كسر»[6] وهو المصطلح المتعارف عليه بين الصاغة والتجار للذهب المستعمل الذي يعاد تذويبه وتصنيعه، وفي الحالتين، يقوم بتصنيعه بالتعامل مع مجموعة من المشاغل التي تملك رخصًا تصديرية وتسلّمه لمؤسسة المواصفات والمقاييس ليتم فحصه ودمغه.

هل توقف الرسوم الجمركية توسع سوق الذهب؟

يقول نوفل إن تجار الذهب العاملين في مجال التصدير استقبلوا قرار رفع الرسوم الجمركية، والذي ينطبق على صادرات الذهب بمختلف أشكالها (الخام وشبه المصنعة والمشغولة)، بكثير من القلق، خصوصًا بعد أن أعلن نقيب أصحاب محالّ تجارة الحلي والمجوهرات ربحي علان، توقعه توقف الصادرات إلى الولايات المتحدة إذا تمّ تفعيل الرسوم الجمركية على مصاغ الذهب. ورغم أن آليات تنفيذ وتطبيق القرار الأخير ما زالت غير واضحة، وكذلك آثاره الاقتصادية، إلا أن ارتفاع أسعار الذهب كانت أولى التبعات.

خلال أيام قليلة من إعلان رفع الرسوم الجمركية، ارتفع سعر غرام الذهب محليًا بقيمة خمسة دنانير (من 63- 67.9 دينارًا لعيار 21)، يقول قندح إن أسعار الذهب غير مرتبطة بالرسوم الجمركية بشكل مباشر، إلا أن ارتفاع الأخيرة وسعي أمريكا لتخفيض قيمة الدولار وحاجة الدول لتنويع مصادر احتياطاتها وزيادة الاعتماد على الذهب ملاذًا آمنًا من شأنه زيادة الإقبال على الذهب الذي بدوره يرفع أسعاره.

بحسب نوفل، فإن صعود أسعار الذهب محليًا وعالميًا خلال الأيام الأخيرة يؤثر على قدرة التجار العاملين في مجال تصنيع وبيع وتصدير الذهب، إلا أن التأثير الأكبر لرفع الرسوم الجمركية ينعكس رفعًا للأسعار للمنتج على المستهلكين الأمريكيين. «لما نقول 20%، هاي نسبة مش قليلة لأنه قيمة الذهب نفسه عالية»، يقول نوفل، إذ إن سعر كيلو الذهب يبلغ حوالي 100 ألف دولار، وإذا كانت الرسوم تعادل حوالي 10-20 ألف دولار إضافية، فإن هذه التكلفة قد تفوق القيمة المضافة من التصنيع والتي تشمل هامش الربح والكلف التشغيلية، كما يقول.

يؤثر رفع أسعار مشغولات الذهب الأردنية على قدرتها التنافسية في السوق الأمريكي وهو ما قد يدفع المستوردين للبحث عن خيارات أخرى فرضت عليها رسوم أقل من تلك المفروضة على الأردن، بشكل يشابه تحولات السوق التي رافقت إلغاء إعفاءات الهند الضريبية، يقول قندح، إذ بلغت نسب الرسوم الجمركية المفروضة على كل من المملكة المتحدة (10%) ونيكاراجوا (18%)، وهي دول تصدّر الذهب للولايات المتحدةمضيفًا أن تبعات رسوم التصدير للولايات المتحدة قد تؤثر على واقع الاستيراد، أولًا لأن الصادرات الوطنية تعتمد في عملياتها الإنتاجية بالمجمل على استيراد المواد الأولية وسيؤدي تراجع الصادرات إلى تراجع في المواد المستوردة، وثانيًا لأن الدول الأخرى قد تسعى لفرض رسوم مشابهة على سلعها في محاولة للاستجابة للرسوم الأمريكية.

بعد أيّام قليلة على فرضه الرسوم الجمركية الجديدة، أعلن ترامب وقف العمل بها لتسعين يومًا، إلّا تلك التي فرضها على الصين. فيما تم الحديث عن أن بعض دول العالم قد تحصل على استثناءات من هذه الرسوم أو تخفيض لها. ومحليًا يجري الحديث عن احتمال تخفيض الرسوم المفروضة على البضائع الأردنية إلى 10%. وسعيًا وراء هذا توجه رئيس الوزراء جعفر حسان إلى العاصمة الأميركية للتفاوض حول الرسوم الجمركية الأميركية، ومحاولة استعادة المعاملة التجارية التفضيلية التي تتيحها اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، خصوصًا وأن حصة الولايات المتحدة من صادرات المجوهرات الأردنية ليست كبيرة بالنسبة للسوق الأمريكي، وإن كانت كبيرة بالنسبة لحجم الصادرات الأردنية، ما يعني أن حجم تأثر الاقتصاد الأردني برفع الرسوم الجمركية أكبر من تأثر نظيره بانخفاض واردات الذهب الأردني.

تناقش ورقة لمنتدى الاستراتيجيات صدرت مؤخرًا حول «تعزيز منعة الميزان التجاري الأردني في مواجهة خارطة التجارة العالمية الجديدة» سيناريوهين للتأثير المتوقع للرسوم الجمركية الجديدة، أولهما انخفاض الصادرات الأردنية إلى الولايات المتحدة بحوالي 441 مليون دولار، أي ما قيمته 5% من إجمالي الصادرات الوطنية عام 2024، تنعكس على قطاع الحلي والمجوهرات بتراجع قيمته 105 مليون دولار. أمّا السيناريو المتفائل فيرى أنه من المحتمل ألّا يكون التأثير كبيرًا، خاصة وأن الدول المنافسة للبضائع الأردنية قد تعرّضت لرسوم جمركية أعلى.[7]

يعتقد ذيب أن الصناعة الأردنية قد تتكيف مع الوقت مع هذه الرسوم الجمركية إذا ما تم تعزيز ودعم القطاع الصناعي وتوسيع حصته في السوق المحلية بالإضافة للاستثمار في تسويق المشغولات الذهبية عبر الإنترنت والبحث عن أسواق بديلة مثل أسواق الخليج وأوروبا. تظهر التحليلات الاقتصادية لمنتدى الاستراتيجيات وجود فجوة تصديرية كبيرة بين الإمكانات المتاحة والأداء الفعلي[8] يمكن للأردن استثمارها وتقدّر بنحو 348 مليون دينار في قطاع المجوهرات، عبر استغلال الإمكانات التصديرية في دول مثل الإمارات وسويسرا وقطر والسعودية والمملكة المتحدة وهونغ كونغ.

كما تشير ورقة بحثية أخرى صادرة عن بيت التصدير الأردني -قبل قرار رفع الرسوم- أن الإمارات والسعودية (بالإضافة للولايات المتحدة التي تشكّل سوقًا عالمية) قد تكون أسواقًا ذات أولوية بالنسبة لمصدري الذهب الأردنيين، خصوصًا أن نصيب الفرد من استهلاك الذهب في هذه الدول شهد ارتفاعًا كبيرًا وتعافيًا منذ جائحة كورونا، مقارنة بأنماط أكثر تذبذبًا للاستهلاك الأمريكي، بحسب الورقة البحثية.

ختامًا، تشكّل هذه الأحداث فرصة لتنويع الأسواق التصديرية وتعزيز التنسيق والتعاون التجاري مع الدول المختلفة، يقول قندح، إذ ترتبط زيادة الصادرات بارتفاع مستويات التوظيف وتحسين الإنتاجية وزيادة الأجور ورفع احتياطي العملات الأجنبية وتحسين الاقتصاد الأردني عبر المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي. بالنسبة لقندح، فإن سوق الذهب الأردني هو واحد من الصناعات ذات القيمة المضافة العالية التي ينبغي التوسع في تطويرها بوجود الرسوم الجمركية أو بدونها. 

  • الهوامش

    [1] تشمل اللؤلؤ الطبيعي أو المستنبت، والأحجار الكريمة أو شبه الكريمة، والمعادن الثمينة، والمعادن المكسوة بقشرة من معادن ثمينة ومصنوعات هذه المواد، وحلي الغواية (مقلدة)، والنقود.

    [2] تزن حوالي 30 غرامًا.

    [3] إذ يشكل 15-20% من إجمالي احتياطيات البنوك المركزية حول العالم، وأصبح سوق المجوهرات الذكية أو الرقمية أكثر توسعًا.

    [4] يشتري الناس الذهب بدون مصنوعية لغايات الادخار والاستثمار، إذ يخسر الذهب المشغول قيمة مصنوعيته عند بيعه، وبهذه الطريقة يمكنهم تفادي الخسارة عند البيع حتى لو لم يكن سعر الذهب قد ارتفع وقت بيعه.

    [5] مثل تيفاني وموناكو وفان كليف.

    [6] الذهب الكسر ليس ذهبًا مكسورًا بل ذهب مستعمل أعيد بيعه.

    [7] الدول التي خضعت لنسب جمركية أعلى من الأردن (وتقع ضمن قائمة مصدري الذهب للولايات المتحدة الأمريكية) هي الصين وفيتنام وبنغلاديش والهند، أمّا الدول التي خضعت لنسب جمركية أقل من الأردن هي المملكة المتحدة ونيكاراغوا.

    [8] بحسب تقدير منتدى الاستراتيجيات تقدر القيمة الإجمالية لإمكانات الأردن التصديرية بنحو 13.3 مليار دينار، بينما المُستغل منها هو 55% فقط.

Comments are closed.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية