النص التالي هو ترجمة لمقتطفات من حوار أجراه موقع Geopolitical Economy Report، وشمل الأستاذين في الاقتصاد راديكا ديساي ومايكل هدسون، ونشر في 11 شباط 2025.
راديكا ديساي: ما قصة ترامب والرسوم الجمركية؟ يقول إنه يحب هذه الكلمة، وإن الرسوم الجمركية أفضل من العقوبات، رغم أنه من غير الواضح كيف سيؤدي توظيف التجارة والنظام المالي كسلاح إلى تحسين الأمور. وهو يعتقد أن الرسوم الجمركية مصدر كبير لزيادة الإيرادات، ويريد أن يعيدنا إلى زمن الرئيس ويليام ماكينلي، عندما لم تكن هناك ضرائب على الدخل في الولايات المتحدة، وكانت كل الإيرادات تُجمع عن طريق فرض التعرفات الجمركية.
في بعض الأحيان، يقال لنا إن ترامب يستخدم التعرفات الجمركية كأداة للتفاوض، لكنه في الوقت نفسه يتحدث باستمرار عن العجز التجاري الأمريكي وضرورة تصحيحه.
يتحدث ترامب عن رسوم جمركية بنسبة 25% على المكسيك وكندا، وقد جرى تعليقها، ولكن تم بالفعل فرض رسوم جمركية بنسبة 10% على الصين، وهذا بالإضافة إلى الرسوم الجمركية التي فُرضت بالفعل على الصين منذ ولايته الأولى. من المؤكد عمليًا أن رسومًا جمركية كهذه ستؤدي إلى زيادة التضخم. وهذه هي بالضبط النقطة التي تم انتخابه على أساسها، فقد ربط الناس بين ترامب وزمن التضخم المنخفض، وقد ساعده ذلك كثيرًا.
يتحدث ترامب أيضًا عن أن الرسوم الجمركية تساعد على إعادة الصناعة إلى الولايات المتحدة. فهل الرسوم الجمركية كافية للقيام بذلك؟ هل لدى ترامب استراتيجية اقتصادية أساسًا؟ هل سيتوقف، أو هل سيتم إيقافه عندما ترتد إجراءاته سلبًا؟
مايكل هدسون: قبل أن ننظر إلى خصوصيات ترامب، أعتقد أنه من الجيد أن ننظر للصورة الكبيرة. فهو يستعيد الرئيس ماكينلي والقرن الذي نهضت فيه الولايات المتحدة لتصبح قوة صناعية. وقد فعلت ذلك من خلال الحمائية. كانت عقيدة الحمائية الأمريكية أكثر تطورًا من تلك التي اتبعتها إنجلترا أو حتى ألمانيا. إذ لم تشمل فقط الرسوم الجمركية الحمائية؛ بل أيضًا تشجيع الاستثمار في البنية التحتية العامة، لتوفير الاحتياجات الأساسية للعمالة والسكان، حتى لا يضطر أرباب العمل الصناعيون لدفع أجور مرتفعة، لأن الحكومة كانت تدعم وسائل النقل العام والتعليم والرعاية الصحية؛ كل الأشياء التي يجب أن تدفع ثمنها اليوم.
بمجرد أن حققت استراتيجية التنمية هذه التي اتبعتها المدرسة الأمريكية في الاقتصاد السياسي الهيمنة في الحرب العالمية الأولى، وساعدها في ذلك الديون المستحقة بين الحلفاء للولايات المتحدة، أرادت الولايات المتحدة أن تقطع الطريق على غيرها، ولم تحاول أن تروج لمذهبها في الحمائية والنمو الصناعي لدى البلدان الأخرى. لقد فعلت بالضبط ما فعلته إنجلترا: اتجهت نحو التجارة الحرة، قائلة: «لدينا أفضلية لا نريد أن نتشاركها مع الآخرين. فلنذهب نحو التجارة الحرة حتى نتمكن من التفوق عليهم في المنافسة ونزيد من تقدمنا باطراد».
وبالفعل في ذلك الوقت، في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، سادت فكرة أن الاقتصاد العالمي كان يتجه أكثر فأكثر نحو الاستقطاب. وبدا أن كل هذا كان متضمنًا في النظام العالمي الجديد في عام 1945 عندما انتهت الحرب العالمية الثانية. ولكن بعد ذلك جاءت الثمانينيات، ومعها النيوليبرالية، والأمولة، وهذا عكس الرأسمالية الصناعية. وهكذا، فقدت الولايات المتحدة اليوم ريادتها الصناعية من خلال خصخصة كل البنية التحتية التي كانت عامة من قبل، مما أجبر عمالها على دفع تكاليف باهظة للتعليم الذي كان مجانيًا، وللرعاية الصحية التي كانت مدعومة، وللمواصلات التي كانت مدعومة.
إذًا، لقد خسرت الولايات المتحدة. ما الذي ستفعله وهي لا تزال تتخيل أنها يمكن أن تصبح الدولة الرائدة في العالم، والقوة المالية المهيمنة، والقوة التجارية المهيمنة، التي تستوعب الفائض الاقتصادي للعالم؟ أعتقد أن ما نراه في تخبط ترامب هو نوع من اليأس.
ولكنني أعتقد أننا عندما نحلل سبب قيامه بذلك، سنجد أن هناك ديناميتين تحرّكانه، ليس فقط الديناميات الدولية. إذا نظرنا إلى ما فعله حتى الآن مع الادعاءات التي تبدو سخيفة ضد كندا والمكسيك، سيتضح أنه يُولي اهتمامًا للجمهور الأمريكي المحلي أكثر مما يسعى فعليًا للحصول على استجابة جادة من البلدين. إنه يريد أن يبدو وكأنه يتصرف بما يخدم مصالح الولايات المتحدة، ولكن الأمر في الحقيقة يتعلق بالتخويف والتبجح.
تتمثل استراتيجيته العامة ببساطة في التهديد بتحطيم الاقتصاد الدولي أو اقتصاد شركائه التجاريين. وهو لن يحطمه حقًا، لأن ذلك من شأنه أن يحطم الولايات المتحدة أيضًا، لكنه يريد أن يثير ذعرهم. وقد أثار ذعر كندا والمكسيك بالفعل، ودفعهم للموافقة على إنفاق مليار دولار لكل منهما على حرس الحدود فقط لوقف المخدرات والأشخاص الذين يفترض أنهم يأتون من الإكوادور إلى الولايات المتحدة عبر كندا.
إنه لا يتوقع حقًا أن تدخل الرسوم الجمركية بنسبة 25% حيز التنفيذ، لكنه يعتقد أن كندا والمكسيك ستكونان خائفتين لدرجة أنهما ستقولان «أليس هناك حل وسط»؟ الحل الوسط هو ما أراده طوال الوقت. يقول، «حسنًا، سنعلق الرسوم الجمركية في الوقت الحالي. دعونا نوقفها لمدة شهر. ولكن في هذه الأثناء، أنفقوا هذه المليارات من الدولارات هنا». وعندما ينتهي الشهر، يقول: «سنعود إلى الرسوم الجمركية. ماذا ستعطونني؟».
سيحصل على ميزة تلو الأخرى تلو الأخرى. ما هي هذه الميزات؟ ربما يريد من كندا أن تبيع صناعتها لبعض المساهمين في حملته الانتخابية. أعتقد أنه يختلق الأمر على الطريق. لكن تكتيكه الأساسي هو عكس تكتيك الصين. إنه لا يعرض على الدول الأخرى لعبة مربحة للجانبين. ما يقوله هو «إذا كانت هناك لعبة مربحة للجانبين، فإننا نخسر. لأنه إذا ربحت دولة أخرى أيضًا، فهذا يعني أن هناك ما لم نربحه نحن».
راديكا ديساي: من الجيد أنك ذكرت أن الولايات المتحدة لديها تاريخ من التصنيع القائم على الرسوم الجمركية، ومن المهم أن نتذكر ذلك. لأن الجزء الأكبر من معارضة رسوم ترامب تأتي من أشخاص يتبنون وجهة نظر التجارة الحرة. لكن وجهة نظر التجارة الحرة ليست بالضرورة ما نحتاجه في الوقت الحالي. هذا لا يعني تأييد رسوم ترامب الجمركية، ولكن يجب أن نتذكر أن الرسوم الجمركية ليست شيئًا سيئًا بالضرورة.
من أكثر ما تم الحديث عنه في معارضة ترامب رسالة كتبها لاري سامرز وفيل غراهام، يقولان فيها ما مفاده أن الولايات المتحدة لا تعاني من مشاكل صناعية على الإطلاق. فالصناعة في الولايات المتحدة مزدهرة كما لم تكن من قبل. وهما يكرران عددًا كبيرًا من المقولات التي أصبحت جزءًا من المعجم الأمريكي العولمي، إذ يريدان أن تستمر الولايات المتحدة في إدارة العجز، التجاري وغيره. يقولان إن الولايات المتحدة لطالما عانت من عجز تجاري عندما تكون مزدهرة وعندما تكون في حالة نمو. ولكن هذه طريقة خاطئة في النظر للأمر.
تكمن المشكلة في أن الولايات المتحدة أصبحت غير صناعية إلى حد كبير، وأصبح اقتصادها مخترقًا بالواردات لدرجة أنه في كل مرة يحدث فيها نمو، وفي كل مرة يكون لدى الناس أموال أكثر في جيوبهم، فإنهم ينفقونها على الواردات. لهذا السبب يتسع العجز التجاري للولايات المتحدة دائمًا مع النمو الأمريكي. لكنهما يحتفلان كما لو أن العجز علامة على أن الولايات المتحدة تنمو، وهو أمر غير منطقي تمامًا من الناحية الاقتصادية.
ولذا، أعتقد أنه من المهم جدًا أن نروي قصة مختلفة: المشكلة ليست في الرسوم الجمركية بحد ذاتها؛ المشكلة في الطريقة التي يفرض بها ترامب تلك الرسوم، وفي أنه يعتقد أن الرسوم الجمركية ستعيد الصناعة إلى الولايات المتحدة.
فمن أجل أن ينجح ذلك، يجب أن تكون الرسوم الجمركية جزءًا من استراتيجية صناعية أكبر. وتتطلب تلك الاستراتيجية الصناعية الأكبر أن تسيطر الدولة على رأس المال. ولكن في الولايات المتحدة، يسيطر رأس المال على الدولة. ومن المستحيل في هذا السياق أن تكون إعادة الصناعة نتيجة لسياسات ترامب الخاصة بالرسوم الجمركية.
وهناك أمر آخر مهم للغاية هنا. إن ميل طبقة الشركات الرأسمالية الأمريكية هو الاستثمار في التمويل، في المضاربة والإقراض الافتراسي.. إلخ، وليس الاستثمار المنتج. وما من سلطة ستقول لهم «سنغلق هذه السبل من الاستثمار في المضاربة والإقراض الافتراسي ونسمح لكم فقط بالاستثمار المنتج». إن ترامب هو صنيعة هذه الطبقة الرأسمالية المُؤَمْوَلة أكثر أي رئيس سابق. من هذا المنطلق، لا يمكن أن تنجح هذه الخطة.
أخيرًا، أنا لست متأكدة من أنه يمكن القول بأن تهديدات ترامب تنجح. فقد أعلنت كندا على ما يبدو أنها ستنفق 1.3 مليار دولار إضافية على أمن الحدود، ولكن هذا مجرد إعلان، ينطبق عليه ما ينطبق على تهديدات ترامب. علينا أن نرى ما سيحدث بالضبط.
مايكل هدسون: أعتقد أنه بدلًا من الحديث فقط عن مدى سوء مشاكل الولايات المتحدة، علينا أن نتحدث عن كيفية الاستجابة. حتى الآن، تبدو أوروبا وكأنها كبش الفداء في كل ما يجري، ويبدو أنها لم تقم بأي رد على الإطلاق. ولكن مؤخرًا نشرت صحيفة فاينانشال تايمز مقالًا مثيرًا للاهتمام، جاء فيه أنه عندما بدأ ترامب فترته الرئاسية الأولى، هدد الأوروبيون باستخدام أدوات مكافحة الإكراه لفرض عقوبات وقيود على السلع والخدمات الأمريكية.
والآن، تقول أوروبا «سننتقم من الولايات المتحدة وشركات وادي السيليكون؛ فيسبوك وإكس وجوجل». وقد يأتي الانتقام في شكل «إلغاء حماية حقوق الملكية الفكرية في توظيفاتها التجارية، مثل تنزيلات البرمجيات وأجهزة البث. كما يسمح ذلك للاتحاد الأوروبي بمنع الاستثمار الأجنبي المباشر أو تقييد وصول مجموعات الخدمات المصرفية والمالية إلى الأسواق». هذا أمر خطير حقًا.
تقوم السياسة الخارجية الأمريكية على افتراض أن الدول الأخرى ليس لديها أي بديل، وأنها لن تستجيب، وأنها ستكون جميعها مثل كندا، وستساير كل ما تقوله الولايات المتحدة. ولكن في عام 2018، استغرق هذا الرد الانتقامي ثلاثة أشهر حتى بدأت أوروبا في التحرك ضد ترامب، وأجبرته على التراجع عن تهديداته. بالأمس، قال وزير المالية الفرنسي: «لن نستغرق ثلاثة أشهر هذه المرة. سيكون الأمر سريعًا جدًا». لذا، على الرغم من حقيقة أننا رأينا أوروبا تنهار أمام الولايات المتحدة في قضايا التجارة مع روسيا وفرض العقوبات على الصين وحلف الناتو، إلا أن الصناعات الأوروبية الثقيلة والطبقة الصناعية الأكثر ثراءً تخطط للرد بسرعة.
والسؤال الكبير هو ما الذي سيتمكن ترامب من فعله لمواجهة ذلك؟ للمرة الأولى، لا يتصرف ترامب في الفراغ الذي يعتقد أنه يتصرف فيه. فتبعًا للطريقة التي يتصرف بها، إذا ما حاولت الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية، والتهديد بتحطيم اقتصادات الدول الأخرى، سترد هذه الدول بتدمير اقتصاد الولايات المتحدة أكثر.
السؤال الذي يجب طرحه هو كيف سيضر ذلك بالاقتصاد الأمريكي نفسه؟ كيف ستؤدي نية ترامب في السيطرة على بقية العالم إلى خلق ردود فعل تؤدي في النهاية إلى عزل الولايات المتحدة عن بقية العالم في المستقبل؟
راديكا ديساي: أعتقد أن ترامب يتصرف كما لو أن التهديدات الأمريكية خطيرة للغاية، أي كما لو كانت تهديداته تهديدات فاعلٍ كبيرٍ حقًا من نوع لا تمثله الولايات المتحدة اليوم.
إحدى الإحصائيات المهمة جدًا التي قرأتها في صحيفة فاينانشال تايمز مؤخرًا هي أن الولايات المتحدة اليوم تمثل 15.9% فقط من الواردات العالمية. ويأتي الاتحاد الأوروبي في المرتبة الثانية، وتأتي الصين في المرتبة الثالثة، والفوارق ليست كبيرة. لذا، باستثناء الدول الهشة للغاية مثل المكسيك وكندا، فإن معظم بقية دول العالم يمكنها الاستغناء عن التجارة مع الولايات المتحدة. صحيح أن هذه الدول ستعاني من صدمة بعض الشيء، ولكن بصراحة تامة، إذا لم يتمكنوا من التصدير إلى الولايات المتحدة، فسيجدون العديد من الأماكن الأخرى للتصدير إليها.
هناك بعض التوجهات اللافتة الأخرى أيضًا. يتحدث ترامب اليوم في عالم أصبحت فيه التجارة أقل أهمية إلى حد كبير. فقد أجريت مقابلة مع رئيسة منظمة التجارة العالمية مؤخرًا، وأشارت إلى أنه منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، صارت التجارة العالمية تنمو بسرعة أقل من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. مما يعني أن الجزء الأكبر مما تنتجه البلدان يتم استهلاكه في الداخل. وهذا ليس بالضرورة أمرًا سيئًا. ففي نهاية المطاف، رغم ما يقول معظم الناس، فإن النمو يقود التجارة، وليس العكس. وإذا كانت البلدان تنمو وسكان بلدان مثل الهند أو بنغلاديش أو الصين أو أيًا كان يستهلكون المزيد مما تنتجه، فما الخطأ في ذلك؟ إن الغرض الأساسي من التنمية الاقتصادية هو زيادة استهلاك سكان بلدك، خاصة في الأماكن التي كان الاستهلاك فيها منخفضًا تاريخيًا.
لذا، أعتقد أن العالم سيعاني من صدمة ما، لكنها ليست صدمة لا يمكن أن يتعافى منها. وهذا أمر يجب أن نضعه في الاعتبار. ولهذا السبب سيتمكن الأوروبيون وغيرهم من الرد. وأعتقد أنه مثلما حدث مع العقوبات المفروضة على روسيا، فإن الرسوم الجمركية التجارية سترتد سلبًا أيضًا.
نقطة أخرى، هذه الرسوم الجمركية، إذا تم فرضها بالحجم الذي يتحدث عنه ترامب، ستؤدي بالتأكيد على الفور إلى ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة. وسيكون لهذا التضخم تأثير إضافي، لأن الاحتياطي الفيدرالي سيكون مقيدًا بشكل أكبر في خفض أسعار الفائدة، وقد يتجه حتى إلى زيادة أسعار الفائدة، وهو ما قد يؤدي إلى حدوث أزمة مالية.
مايكل هدسون: هناك نقطة أخرى في غاية الأهمية: المفتاح ليس الميزان التجاري؛ بل ميزان المدفوعات، وهو أكبر بكثير. 60% من صادرات الصين إلى الولايات المتحدة مصنوعة في المصانع المملوكة أمريكيًا هناك. وهي مهمة بالنسبة للولايات المتحدة، ونفس الشيء يحدث في كندا والمكسيك بالنسبة لقطع غيار السيارات التي تصنعها الشركات التابعة للشركات الأمريكية الأم.
لذا، فإن أي محاولة لفرض رسوم جمركية على الصادرات الصينية، أو صادرات السيارات الكندية، أو صادرات السيارات المكسيكية إلى الولايات المتحدة، أو مصانع التجميع التي تقع خلف الحدود مباشرةً، كل هذا سيؤدي فجأة إلى زيادة التكاليف على الولايات المتحدة التي أنشأت هذه المصانع في الصين والمكسيك وكندا كجزء من الاستعانة بمصادر خارجية للعمالة. عبر فرض رسوم جمركية على هذه السلع التي تستخدمها الشركات الأمريكية، سيكون التأثير الأول هو إخراج السيارات الأمريكية من السوق لأنها سعرها سيرتفع نظرًا لفرض ضرائب على العديد من الواردات.
وبالتالي، فإن معركة ترامب الجمركية هي معركة ضد الشركات الأمريكية قبل كل شيء. أول ضحايا الرسوم الجمركية ضد كندا هم شركتا فورد وجنرال موتورز. والأمر نفسه ينطبق على التهديد ضد الصين. إذ ستتضرر شركات مثل وول مارت التي تحصل على كمية هائلة من السلع الاستهلاكية من الصين. فإما أنها ستضطر إلى زيادة أسعار هذه السلع، أو أنها ستضطر إلى استيعاب تكلفة الرسوم الجمركية بنفسها.
لذا، يتبين أن هذا النوع من الواردات التي تستوردها الولايات المتحدة لتكون جزءًا من خطتها الصناعية يقلل من الإيرادات والأرباح الصناعية. ويمكن أن نتوقع انخفاض أسعار أسهم هذه الشركات مع انخفاض أرباحها.
بالتالي، إذا نظرنا إلى من يهدد ترامب حقًا، فإنه يهدد الاقتصاد الأمريكي نفسه. والسؤال الذي سيطرح نفسه هو هل ستحاول الشركات الصناعية الأمريكية الكبرى المتبقية أن تتصدى له؟ أعتقد أن هذا سيكون السؤال السياسي المحلي الذي سنراه يتكشف في الشهر أو الشهرين المقبلين.
راديكا ديساي: المستهلكون الأمريكيون العاديون هم من سيدفعون ثمن الرسوم الجمركية. فموردون مثل الصين والمكسيك على وجه الخصوص كانوا يوردون كل الأشياء التي كانت الطبقة العاملة الأمريكية قادرة على شرائها مقابل القليل جدًا لعقود. والآن، ستصبح أكثر تكلفة. وسيؤدي ذلك إلى زيادة مباشرة في تكلفة معيشة الشعب الأمريكي العادي.
وبالطبع، كان سر انخفاض التضخم على مدى السنوات الأربعين ونيف الماضية، وحتى وقت قريب جدًا، هو أن بقية العالم كان، ولأسباب متنوعة، يزود الولايات المتحدة بسلع رخيصة جدًا. الآن، أصبحت هذه السلع أقل توفرًا، جزئيًا لأن دولًا مثل الصين تبلي بلاءً حسنًا ولم تعد العمالة فيها رخيصة جدًا، وجزئيًا لأن ضغط السياسات النيوليبرالية، وضغط التغير المناخي، وضغط الحروب، وما إلى ذلك، بات يدمر قدرة العالم على الإنتاج في العديد من البلدان. هذا الضغط المزدوج يقود إلى ارتفاع التضخم. ولن يحل ترامب أيًا من ذلك.
ولكن علاوة على ذلك، إن نظرنا إلى الصورة الكبيرة، أعتقد أن تأثير الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأمريكي سيؤدي إلى تسريع التناقص -الجاري حاليًا- في وزن وتأثير الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي. وسيؤدي ذلك إلى انكماش الاقتصاد الأمريكي بالنسبة للاقتصاد العالمي. وسيقلص واردات الولايات المتحدة وصادراتها بالنسبة للاقتصاد العالمي، وهو ما سيترتب عليه الكثير.
مايكل هودسون: ترامب يسرّع من وتيرة تراجع الولايات المتحدة. لذا سنشهد المزيد والمزيد من التحولات في وجهة التجارة. على سبيل المثال، جنت شركة تسلا 22 مليار دولار من الصين عام 2023. وهذا يمثل 25% من إيرادات تسلا. تخيلي ما سيحدث إذا تحركت الصين ضد تسلا. ماذا لو قررت المكسيك وكندا تحويل سلاسل التوريد الخاصة بهما بعيدًا عن الولايات المتحدة نحو الصين وقالتا «دعونا نحصل على الألواح الشمسية والبطاريات وغيرها من المواد، مثل السيارات الكهربائية، من الصين بدلًا من الولايات المتحدة»؟
لقد جعلت تصرفات ترامب الولايات المتحدة عرضة لتحول سلسلة التوريد نحو الصين. ليس لدى الولايات المتحدة وترامب الكثير من أوراق الضغط. فالأوراق هي في يد الدول التي لم تطور صناعاتها بعد والدول غير المثقلة بالديون ولم تتجه بشدة نحو الأمولة. لذا، تحاول الولايات المتحدة أن تتنمر من موقع ضعف، وترامب الذي يتبجح يريد أن يظهر كما لو أنه في موقف قوي، ويملي على الآخرين ما يجب أن يفعلوه. لكنه في الحقيقة في موقف ضعيف جدًا.