ترجمة بتصرّف لمقال نشر بالإنجليزية في مجلة إم آي تي تكنولوجي ريفيو، بتاريخ 21 شباط 2023.
قبل أن يدرك معظم الناس حجم ما يجري، أصبحت الصين رائدة على مستوى العالم في صنع وشراء المركبات الكهربائية. ولم يتباطأ الزخم منذ ذلك الحين: في العامين الماضيين فقط، قفز عدد السيارات الكهربائية المباعة سنويًا في البلاد من 1.3 مليون سيارة إلى 6.8 مليونًا، مما يجعل عام 2022 العام الثامن على التوالي الذي تكون فيه الصين أكبر سوق في العالم للسيارات الكهربائية. للمقارنة، باعت الولايات المتحدة حوالي 800 ألف سيارة كهربائية فقط عام 2022.
تنمو الصناعة بسرعة فاجأت حتى أكثر المراقبين خبرة: «التوقعات دائمًا منخفضة للغاية» [مقارنة بالواقع] يقول تو لي، المدير الإداري لشركة Sino Auto Insights، وهي شركة استشارات أعمال متخصصة في النقل. هذه الهيمنة في قطاع السيارات الكهربائية لم تمنح صناعة السيارات في الصين نموًا مستدامًا خلال الوباء فحسب، بل عززت سعي الصين كي تصبح واحدة من رواد العالم في سياسة المناخ.
كيف تمكنت الصين من تحقيق ذلك؟ يقول العديد من الخبراء إن الحكومة لعبت دورًا مهمًا منذ فترة طويلة، عبر دعم كل من توريد المركبات الكهربائية والطلب عليها. نتيجة للإعانات الحكومية السخية، والإعفاءات الضريبية، وعقود الشراء، وغيرها من الحوافز السياسية، ظهر عدد كبير من العلامات التجارية المحلية للسيارات التي واصلت تطوير التقنيات الجديدة حتى تتمكن من تلبية احتياجات الحياة الحقيقية للمستهلكين الصينيين. وقد نمّى هذا بدوره مجموعة كبيرة من مشتري السيارات الشباب.
لكن قصة وصول القطاع إلى هنا لا تتعلق بسياسة الدولة الصينية فحسب. فالقصة تتضمن أيضًا شركة تيسلا، وباحثي تكنولوجيا البطاريات الصينيين، إضافة إلى المستهلكين في بقية آسيا.
متى بدأت الصين في الاستثمار في السيارات الكهربائية ولماذا؟
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قبل دخولها بالكامل في مجال السيارات الكهربائية، كانت صناعة السيارات في الصين في وضع حرج. فقد كانت قوة كبيرة في تصنيع سيارات الاحتراق الداخلي التقليدية، لكن لم تكن هناك علامات تجارية محلية يمكن أن تنافس يومًا الشركات الأجنبية المسيطرة على هذا السوق.
«لقد أدركوا (..) أنهم لن يتفوقوا أبدًا على شركات صناعة السيارات الأمريكية والألمانية واليابانية في ابتكار محركات الاحتراق الداخلي»، يقول تو. فضلًا عن أن الأبحاث حول السيارات الهجينة التي كانت بطارياتها في السنوات الأولى تلعب دورًا ثانويًا بالنسبة لمحرك الغاز، كانت تقودها دول مثل اليابان، مما عنى أن الصين لا تستطيع منافستها أيضًا.
دفع هذا الحكومة الصينية إلى الابتعاد عن التكنولوجيا الراسخة والاستثمار في منطقة جديدة تمامًا: السيارات التي تعمل بالكامل بالبطاريات.
في العامين الماضيين فقط، قفز عدد السيارات الكهربائية المباعة سنويًا في الصين من 1.3 مليون إلى 6.8 مليون، مما يجعل عام 2022 العام الثامن على التوالي الذي تكون فيه الصين أكبر سوق في العالم للسيارات الكهربائية.
كانت المخاطر عالية للغاية؛ ففي هذه المرحلة كانت السيارات الكهربائية مجرد تجارب متخصصة أجرتها فقط علامات تجارية مثل جنرال موتورز أو تويوتا، والتي عادة ما كانت توقفها بعد بضع سنوات فحسب. لكن المنافع المحتملة كانت كبيرة: أن تمتلك الصين تقدمًا فيما يمكن أن يكون شريحة مهمة من صناعة السيارات.
في هذه الأثناء، كان لدى الدول التي برعت في إنتاج سيارات الوقود أو السيارات الهجينة حافز أقل لاستهداف أنواع جديدة من المركبات. في حالة السيارات الهجينة، مثلًا، «كانت اليابان تقف بالفعل في القمة، لذلك لم ترَ داعيًا لكهربة [صناعة السيارات]: يمكنني بالفعل إنتاج سيارات أكثر كفاءة في استخدام الطاقة بنسبة 40% من سياراتك، وستحتاج وقتًا طويلًا للحاق بي». تقول هي هوي، كبيرة محللي السياسات والمديرة المشاركة لبرنامج الصين في المجلس الدولي للنقل النظيف (ICCT)، وهو مركز أبحاث غير ربحي.
بالإضافة إلى ذلك، بالنسبة للصين، امتلكت السيارات الكهربائية أيضًا القدرة على حل العديد من المشكلات الرئيسية الأخرى، مثل الحد من التلوث الشديد في الهواء، وتقليل اعتمادها على النفط المستورد، والمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد بعد الأزمة المالية لعام 2008. بالنسبة لبكين، بدا الأمر وكأنه فوز على الجهتين.
كان لدى الصين بالفعل بعض المزايا الهيكلية. فبينما يتضمن تصنيع السيارات الكهربائية تكنولوجيا مختلفة، إلا أنه لا يزال يتطلب تعاون سلسلة توريد السيارات الحالية، والصين تتمتع بسلسلة جيدة نسبيًا. يمكن أيضًا تحويل قدرات التصنيع والسلع الرخيصة التي دعمت مصانع السيارات التي تعمل بالوقود إلى دعم صناعة السيارات الكهربائية الناشئة.
لذلك، اتخذت الحكومة الصينية خطوات للاستثمار في التقنيات ذات الصلة منذ عام 2001؛ في ذلك العام، تم تقديم تكنولوجيا السيارات كمشروع بحث علمي ذي أولوية في الخطة الخمسية للصين، وهي أعلى مخطط اقتصادي في البلاد.
ثم في عام 2007، حصلت الصناعة على دفعة كبيرة عندما أصبح وان جانج، مهندس السيارات الذي عمل في شركة أودي في ألمانيا لعقد من الزمن، وزيرًا للعلوم والتكنولوجيا في الصين. كان وان من أشد المعجبين بالمركبات الكهربائية، واختبر رودستر، أول نموذج لسيارة كهربائية من تيسلا، عام 2008، وهو العام الذي تم إصداره فيه. الكثيرون الآن ينسبون الفضل إلى وان في اتخاذ القرار الوطني للاستثمار في السيارات الكهربائية إلى أبعد مدى. منذ ذلك الحين، تم إعطاء الأولوية لتطوير السيارات الكهربائية باستمرار في الخطط الاقتصادية الوطنية في الصين.
إذن، ما الذي فعلته الحكومة الصينية بالضبط؟
الأمر محفور بعمق في طبيعة النظام الاقتصادي للبلاد: فالحكومة الصينية بارعة جدًا في تركيز الموارد على الصناعات التي تريدها أن تنمو. وقد فعلت الشيء نفسه في صناعة أشباه الموصلات مؤخرًا.
منذ عام 2009، بدأت الدولة بتقديم إعانات مالية لشركات السيارات الكهربائية لإنتاج الحافلات أو سيارات الأجرة أو سيارات الأفراد. في ذلك العام، بيعت أقل من 500 مركبة كهربائية في الصين. لكن المزيد من الأموال يعني أن الشركات يمكنها الاستمرار في الإنفاق لتحسين نماذجها. وهذا يعني أيضًا أن المستهلكين يمكن أن ينفقوا مبالغ أقل للحصول على سيارة كهربائية خاصة.
بين عامي 2009 وعام 2022، ضخّت الحكومة أكثر من 200 مليار يوان (29 مليار دولار) من الإعانات والإعفاءات الضريبية ذات الصلة. ورغم أن سياسة الدعم رسميًا انتهت نهاية العام الماضي واستُبدلت بنظام أكثر توجهًا نحو السوق يسمى «الائتمانات المزدوجة»، فقد أدت هذه السياسة بالفعل تأثيرها المنشود: بيعت في الصين أكثر من ست ملايين مركبة كهربائية عام 2022، أي أكثر من نصف مبيعات السيارات الكهربائية حول العالم.
ساعدت الحكومة شركات السيارات الكهربائية المحلية على البقاء واقفة على قدميها في سنواتها الأولى من خلال عقود الشراء. فعام 2010، قبل قبول المستهلكين للسيارات الكهربائية، كانت المركبات الكهربائية الأولى في الصين جزءًا من نظام النقل العام الواسع
ساعدت الحكومة أيضًا شركات السيارات الكهربائية المحلية على البقاء واقفة على قدميها في سنواتها الأولى من خلال عقود الشراء. ففي عام 2010، قبل قبول المستهلكين للسيارات الكهربائية، كانت المركبات الكهربائية الأولى في الصين جزءًا من نظام النقل العام الواسع.
«لدى الصين ملايين عربات النقل والحافلات وسيارات الأجرة، إلخ. وقد وفرت الدولة عقودًا مضمونة لكثير من هذه المركبات، مما شكّل دخلًا مستمرًا [لشركات السيارات الكهربائية]»، تقول إيلاريا مازوكو، الزميلة الأولى في مجال الشركات والاقتصاد الصينيين في مركز الاستراتيجية والدراسات الدولية. «بالإضافة إلى العنصر المالي، فقد وفر ذلك أيضًا الكثير من بيانات [اختبارات الطرق] لهذه الشركات».
لكن الإعانات والإعفاءات الضريبية لوحدها لا تمثل الصورة الكاملة. كانت هناك سياسات حكومية أخرى شجعت الأفراد على شراء السيارات الكهربائية. ففي المدن المكتظة بالسكان مثل بكين، تم تقنين لوحات ترخيص السيارات لأكثر من عقد، ولا يزال الأمر يستغرق سنوات أو آلاف الدولارات للحصول على واحدة لسيارة تعمل بالوقود. لكن هذه العملية جرى التخلي عنها تقريبًا للأشخاص الذين قرروا شراء سيارة كهربائية.
أخيرًا، عملت الحكومات المحلية أيضًا في بعض الأحيان عن كثب مع شركات السيارات الكهربائية لتفصيل السياسات التي يمكن أن تساعدها على النمو. على سبيل المثال، نهضت بي واي دي (BYD)، الشركة الصينية التي تتحدى حاليًا هيمنة تيسلا على السيارات الكهربائية، عبر الحفاظ على علاقة وثيقة مع مدينة شِنزِن الجنوبية وجعلها أول مدينة في العالم تحول أسطول حافلاتها العامة بالكامل نحو الكهرباء.
حسنًا، الصين هي الأولى عالميًا في السيارات الكهربائية. لكن ماذا عن تيسلا، أكبر منتج فردي للسيارات الكهربائية؟
في الحقيقة، كان تطوير صناعة السيارات الكهربائية في الصين متشابكًا بعمق مع صعود تيسلا كأكبر شركة للسيارات الكهربائية.
حين قدمت الحكومة الصينية الإعانات المالية، لم تقتصر على الشركات المحلية. «برأيي، كان هذا أمرًا ذكيًا جدًا»، تقول أليسيا جارسيا هيريرو، الخبيرة الاقتصادية الرئيسة في قسم آسيا والمحيط الهادئ في شركة ناتيكسيس لإدارة الاستثمارات. «بدلًا من إغضاب الأجانب عبر عدم منحهم الإعانات التي نالها الآخرون، إن أردت أن تبني نظامًا بيئيًا [لصناعة السيارات الكهربائية] فعليك منح هذه الإعانات للجميع، فحينها سيصبحون عالقين. سيكونون جزءًا من النظام البيئي، وعندها لن يستطيعوا الرحيل».
إلى جانب الإعانات المالية، تعمل الحكومات المحلية الصينية بشكل فاعل على التودد لتيسلا حتى تبني منشآت الإنتاج الخاصة بها في الصين. فبفضل السياسات المحلية التفضيلية، بُني مصنعها الضخم في شنغهاي بسرعة فائقة عام 2019. «أن تنقل مساحة ما من حقل ترابي إلى مجمع وظائف في غضون سنة هو أمر غير مسبوق»، يقول تو. «هذا يشير إلى أن الحكومة المركزية، وخاصة حكومة شنغهاي، أزالت من طريق تيسلا أي عوائق حتى تمكنها من بلوغ هذه النقطة».
اليوم، باتت الصين جزءًا لا غنى عنه من سلسلة توريد تيسلا. فمصنع شنغهاي الضخم هو حاليًا الأعلى إنتاجيةً بين مراكز تصنيع تيسلا، ومنه خرجت أكثر من نصف سيارات تيسلا التي وُزعت عام 2022.
لكن الفائدة كانت متبادلة؛ فالصين كسبت الكثير من تيسلا أيضًا. إذ تسببت الشركة بنشر ما يسمى «تأثير السلور» في صناعة السيارات الكهربائية الصينية، أي أنها أرغمت الشركات الصينية على الابتكار ومحاولة اللحاق بتيسلا في كل شيء، من تطوير التكنولوجيا إلى تقليل الكلفة. والآن، تيسلا نفسها أصبحت بحاجة لاكتشاف طريقة للبقاء في المنافسة في الصين لأن الشركات المحلية تواجهها بشدة.
ما الدور الذي لعبته تكنولوجيا البطاريات؟
الجزء الأهم في السيارة الكهربائية هو بطاريتها، التي يمكن أن تشكل 40% من كلفة السيارة. والعنصر الأهم في صناعة سيارة كهربائية قادرة على المنافسة تجاريًا هو صناعة بطارية قوية ومتينة، ومقبولة السعر في الوقت نفسه.
في هذا المجال، دفعت الشركات الصينية تكنولوجيا البطاريات قدمًا بشدة، يقول ماكس ريد، محلل الأبحاث في مجال خدمات سلسلة توريد السيارات الكهربائية والبطاريات في شركة وود ماكنزي العالمية للأبحاث.
على وجه التحديد، تصدرت الشركات الصينية في العقد الأخير صناعة بطاريات الليثيوم وفوسفات الحديد، المعروفة بتكنولوجيا (LFP)، عوضًا عن بطاريات الليثيوم والنيكل والمنغنيز والكوبالت (NMC) المنتشرة بصورة أكبر بكثير في الغرب.
في الصين، قال أكثر من 50% من المستطلعين إنهم يفكرون بشراء سيارة كهربائية لتكون سياراتهم المقبلة، عام 2021، وهي أعلى نسبة في العالم، وتمثل ضعف النسبة العالمية.
تمتاز بطاريات LFP بأنها أرخص وأكثر أمانًا، لكنها لم تكن الخيار الأول للسيارات في البداية، نظرًا إلى أن كثافة الطاقة فيها كانت أقل بكثير وأن أداءها في درجات الحرارة المتدنية كان سيئًا. لكن بينما تخلى آخرون عن تكنولوجيا LFP، أمضت بضعة شركات بطاريات صينية، مثل شركة أمبيركس للتكنولوجيا المعاصرة (كاتل)، عقدًا في الأبحاث حولها ونجحت في تضييق فجوة كثافة الطاقة.
اليوم، عادت صناعة السيارات الكهربائية لتقر بفوائد بطاريات LFP، التي باتت تشكل ثلث كل بطاريات السيارات الكهربائية في أيلول 2022. «يظهر ذلك المدى الذي قطعته تكنولوجيا LFP، وهذا يعود بالكامل للابتكار الذي حققه صانعو البطاريات الصينيون. وضع ذلك الشركات الصينية لبطاريات السيارات الكهربائية في المقدمة، بين شركات الصف الأول»، يقول ريد.
كان لدى الصين كذلك ميزة أساسية في تصنيع البطاريات: فهي تتحكم بالكثير من المواد الضرورية لصناعتها. بينما لا تملك بالضرورة معظم الموارد الطبيعية لمواد البطاريات، لدى الصين أكبر سعة تكرير في العالم فيما يتعلق بالعناصر الأساسية كالكوبالت وكبريتات النيكل، وهيدروكسيد الليثيوم، والغرافيت. تعتبر جارسيا هيريرو تحكم الصين بهذه الكيماويات «سيطرة قصوى على القطاع، وهو ما بدأت الصين السعي نحوه منذ سنوات، قبل أن يكتشف الآخرون أهمية هذا بمدة طويلة».
الآن، باتت دول أخرى تدرك بالفعل أهمية مواد البطاريات وتوقع الصفقات مع تشيلي وأستراليا لكسب السيطرة على مناجم المعادن النادرة. لكن أسبقية الصين وفرت لشركاتها المحلية سلسلة توريد مستقرة طويلة الأمد.
«بطاريات السيارات الكهربائية صينية الصنع ليست فقط أوفر سعرًا، بل تتوفر كذلك بكميات أكبر بكثير لأن القدرة التصنيعية في الصين قد تم تطويرها وتستمر في التطور»، يقول ريد.
كيف يبدو سوق السيارات الكهربائية الصيني الآن؟
نتيجة لكل هذا، لدى الصين اليوم طلب محلي استثنائي الحجم على السيارات الكهربائية: فوفقًا لاستطلاع أجرته شركة أليكس بارتنرز الأمريكية للاستشارات، قال أكثر من 50% من المستطلعين الصينيين إنهم يفكرون بشراء سيارة كهربائية لتكون سياراتهم المقبلة، عام 2021، وهي أعلى نسبة في العالم، وتمثل ضعف النسبة العالمية.
بالنسبة لهؤلاء المستهلكين، هناك وفرة في الخيارات صينية الصنع، بما فيها بي واي دي (BYD)، وسايك-جي إم-وولينغ (SAIC-GM-Wuling)، وجيلي (Geely)، ونيو (Nio)، وإكس بينغ (Xpeng)، ولي أوتو (LiAuto). وبينما تعد الشركات الثلاثة الأولى أمثلة على شركات للسيارات العاملة بالوقود تحولت بنجاح لإنتاج السيارات الكهربائية في مرحلة مبكرة، فالثلاثة الأخرى هي شركات صاعدة تنتج سيارات كهربائية فقط نمت من لا شيء لتصبح اسمًا معروفًا في أقل من عقد.
تزامن صعود هذه الشركات (وغيرها من عمالقة التقنية الصينيين) مع صعود جيل جديد من مشتري السيارات لا يرون العلامات التجارية الصينية بوصفها أقل برستيجًا أو أسوأ نوعية من نظيراتها الأجنبية. «نظرًا إلى أنهم كبروا بوجود علي بابا (Alibaba)، وتن سينت (Tencent)، فهم أشد ارتياحًا بكثير تجاه العلامات التجارية الصينية مقارنة بجيل آبائهم، الذين ما زالوا قد يفضلون شراء سيارة ألمانية أو يابانية»، يقول تو، مضيفًا أن توظيف الشركات الصينية لشيء من القومية في استراتيجية التسويق الخاصة بها، ساهم في ذلك أيضًا.
هل تستطيع دول أخرى أن تستنسخ نجاح الصين؟
لا شك أن دولًا كثيرة تنظر الآن إلى تجربة الصين في السيارات الكهربائية وتشعر بالغيرة. لكن قد لا يكون سهلًا أن تحقق هذه الدول نجاحًا مماثلًا، حتى وإن سارت على خطى الصين.
بينما تحقق الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية الشروط الموضوعية لتعزيز صناعاتها للسيارات الكهربائية، كالقدرات التقنية وسلاسل التوريد المستقرة، تشير هِي من المجلس الدولي للنقل النظيف إلى أن لهذه الدول أيضًا أنظمة سياسية مختلفة. «هل ستكون الدولة مستعدة للاستثمار في هذا القطاع؟ هل ستكون مستعدة لمنح هذه الصناعة حماية خاصة والسماح لها بالتمتع بموقع عالٍ للغاية على سلم أولويات السياسات لمدة طويلة؟» تتساءل هِي. «من الصعب التنبؤ بذلك».
«أعتقد أن السؤال المثير للاهتمام هو هل يمكن لدولة مثل الهند أو البرازيل أن تستنسخ هذه التجربة؟»، تتساءل مازوكو. ليست لدى هذه الدول صناعة سيارات تقليدية بقوة صناعة الصين، ولا الخلفية المتطورة التي تملكها الحكومة الصينية في التعامل مع سياسات صناعية ضخمة عبر مجموعة متنوعة من أدوات السياسة، بما فيها الائتمانات، والإعانات المالية، واتفاقيات استعمال الأراضي، والإعفاءات الضريبية، وعقود الشراء العامة. لكن تجربة الصين تشير إلى أن السيارات الكهربائية قد تكون فرصة للبلدان النامية لتحقيق قفزة تضعها أمام البلدان المتطورة.
«لا أقول إن لا أحد يمكنه استنساخ التجربة، لكن لدى الصين خبرة عقود في الاستفادة من هذه الأنظمة»، تقول مازوكو.
تبحث الشركات الصينية الآن عن أسواق أخرى. ما التحديات التي تواجهها؟
لأول مرة، أصبحت شركات السيارات الكهربائية الصينية تشعر أن لديها فرصة للتوسع خارج الصين والتحول لعلامات تجارية عالمية. بعضها دخل بالفعل السوق الأوروبية ويدرس حتى دخول الولايات المتحدة، رغم إشباع سوقها والوضع السياسي الحساس. لم تكن شركات السيارات الصينية العاملة بالوقود لتحلم بمثل هذا قط.
رغم ذلك، قد تضطر هذه الشركات لتغيير لغة واستراتيجيات التسويق الخاصة بها لدخول أسواق أخرى. كما ستحتاج للتأقلم مع المعايير التقنية المختلفة والخدمات البرمجية المفضلة، ولتَعلّم كيفية مواءمة عادات الاستهلاك المختلفة وطلبات خدمة الزبائن.
لا شك أن دولًا كثيرة تنظر الآن إلى تجربة الصين في السيارات الكهربائية وتشعر بالغيرة. لكن قد لا يكون سهلًا أن تحقق هذه الدول نجاحًا مماثلًا، حتى وإن سارت على خطى الصين.
«أعتقد أننا نتعامل مع حقيقة أن شركة مثل تويوتا أو هوندا قادرة على التحرك بيسر في أسواق مختلفة كأمر مسلم به، لكن هذا تطلب عقودًا من الخبرة في هذه الشركات، وهو ليس أمرًا ناجحًا دومًا بالنسبة لها»، تقول مازوكو.
في البيئة الجيوسياسية الحالية، فإن هذه الشركات الصينية تعرض نفسها للخطر كذلك بدخولها دولًا جديدة ليست بالضبط على وفاق مع الصين. قد ترغب بعض هذه الدول بحماية صناعات السيارات المحلية فيها، وقد يرى البعض الآخر دخول الشركات الصينية إليها حتى كتهديد للأمن القومي.
لهذه الأسباب ولغيرها، يرجح أن يكون الجزء الأكبر من النمو في «آسيا الصاعدة»، تقول جارسيا هيريرو. فهذا الإقليم سيواصل احتياجه لمزيد من السيارات الكهربائية من أجل تحقيق الانتقال الطاقي فيه، حتى بعد أن يصل السوق الصيني لمرحلة الإشباع.
لذلك، فإن فوائد تركيز الصين على السيارات الكهربائية لها وجهان: فهو يؤدي إلى تخفيض حاجة الصين لاستيراد السيارات من الدول الغربية، ويخلق صناعة تصديرية جديدة طويلة المدى. وقد بدأت بعض الدول، مثل إندونيسيا، بالفعل بالتودد للمستثمرين الصينيين من أجل بناء مصانع السيارات الكهربائية فيها.
خلال عام 2022، صدرت الصين 679 ألف سيارة كهربائية، في زيادة بنسبة 120% مقارنة بالسنة التي سبقتها. ولا يوجد الكثير من الأسباب للشك في أن هذه الأرقام ستواصل بالنمو.