سيشكل الانتخاب وفق القائمة الحزبية «العامّة» في الانتخابات النيابية القادمة في العاشر من أيلول المقبل، التجربةَ الثانية في تطبيق فكرة الانتخاب والترشح على أساس اعتبار كامل المملكة دائرة انتخابية واحدة. كانت التجربة الأولى قد طُبقت في انتخابات المجلس السابع عشر التي جرت مطلع عام 2013، حيث أتاح القانون آنذاك فرصة التقدم للانتخابات بقوائم عامة.
غير أنه توجد عدة فوارق بين الصيغتين، أهمها اشتراط «الحزبية» في الصيغة الحالية، حيث يشترط القانون أن يكون المترشحون في هذه القوائم أعضاء في الحزب الذي يترشحون عنه منذ ستة شهور على الأقل قبل موعد الاقتراع، إضافة إلى شروط تتعلق بعدد الشباب والنساء في القوائم ومواقع ترتيبهم فيها، إلى جانب اشتراط توزيع المترشحين على ست محافظات كحد أدنى.
إلا أن طرق التفاعل في الواقع، أي طرق تشكيل القوائم العامة، حملت الكثير من أوجه الشبه مع التجربة السابقة، لا سيما حضور العامل الشخصي في كثير من القوائم، وذلك رغم انتسابها إلى أحزاب مسجلة ومرخصة. فكيف كانت أبرز نتائج التجربة الأولى قبل 11 عامًا؟ وما هي ملامح التجربة الحالية ومآلاتها المتوقعة؟ [1]
تحت ضغط موجة الاحتجاجات التي مر بها الأردن ابتداء من نهاية عام 2010، والتي تلاها استقالة حكومة سمير الرفاعي وحل مجلس النواب الذي انتُخب في عهدها ومنَحَها ثقة عالية، وقد سمي آنذاك «مجلس 111» في إشارة إلى عدد أصوات الثقة التي منحها لتلك الحكومة (من أصل 120)، أجريت انتخابات جديدة مطلع 2013 مع تعديل يتضمن تخصيص 27 مقعدًا لقائمة عامّة على مستوى البلد، مع رفع عدد أعضاء المجلس إلى 150 عضوًا، لتكون حصة القائمة العامة 18% من مجموع المجلس، فيما يستمر انتخاب باقي المقاعد على أساس فردي.
اعتبر ذلك التعديل نوعًا من الاستجابة الجزئية لرفض نظام الصوت الواحد الذي طبق ابتداءً من عام 1993. وجرت الانتخابات في الشهر الأول من 2013 وتقدمت 61 قائمة عامة تنافست على 27 مقعدًا كانت قد خُصصت للدائرة العامة.
بينت المتابعة الميدانية لطرق تفاعل المجتمع مع الفكرة الجديدة في ذلك الوقت، عبر تتبع وسائل تشكيل تلك القوائم وإجراء لقاءات تفصيلية مع عدد كبير من ممثليها ونشطائها، أنه سرعان ما طُوّعت الفكرة بحيث تمحورت القوائم حول شخصية واحدة في أغلب الحالات، وهذا ما منح الشخصيات المعروفة، وخاصة ذات الحضور الإعلامي، فرصة أكبر. بينما تقدمت ثلاث قوائم فقط بأسماء حزبية، فيما قاطع حزب جبهة العمل الإسلامي الانتخابات.
بحساب بسيط افتراضي، لو بلغت نسبة الاقتراع العامة 40% كما يأمل المتفائلون، أي نحو مليوني مقترع، فإن تجاوز العتبة يتطلب الحصول على خمسين ألف صوت على الأقل، كي تدخل القائمة إلى التنافس مع القوائم الأخرى.
دلّت نتائج تلك الانتخابات بوضوح على طغيان العامل الشخصي في القوائم العامة، فقد فازت 20 قائمة بمقعد واحد لكل منها، بينما توزعت المقاعد السبعة المتبقية على ثلاث كتل اعتبرت كبيرة. ومع ذلك فقد افترق الفائزون من هذه الكتل عن بعضهم بعد الفوز مباشرة، ولم تظهر بوضوح شخصية نائب القائمة العامة خلال أعمال المجلس.
في تلك التجربة، مرّت فكرة القائمة العامة بموجات نقاش سبقت يوم الاقتراع، فقد صُنّفت فورًا في البداية كفكرة خاصة بالنخب، أو بالمستويات «الأعلى» من المهتمين؛ فإذا كان الترشيح الفردي يخص القيادات والرموز والنشطاء على المستوى المحلي (عشيرة، بلدة، أهالي منطقة.. إلخ)، فإن الترشيح على القوائم يخص الشخصيات التي تحظى بحضور عام، والتي تتمتع بعلاقات واسعة متجاوزة للمجتمع المحلي. وبالنتيجة لم يهتم الجمهور بالأمر خلال الفترة الأولى وصولًا إلى الأيام الأخيرة قبل بدء الانتخاب. وقد لوحظ بالفعل أن شخصيات بارزة -منها رؤساء وزارات ووزراء- بادرت لعقد اجتماعات خاصة بالفكرة، ولكن سرعان ما توقفت وتبعثر المجتمعون على خيارات شتى.
في التطبيق، بدت الفكرة غريبة بعض الشيء، وسرعان ما وجد مرشحو القوائم العامة أنفسهم في المرتبة الثانية من حيث الاهتمام بعد الترشح الفردي في الدوائر المحلية، وقد وفرت القوائم العامة لمن لا يحظون بـ«إجماعات» مناصريهم، أن يترشحوا معلنين أنهم لا يؤثرون على خيارات العشيرة أو الموقع الجغرافي المعين.
ونظرًا لأن تشكيل القوائم لم يكن مشروطًا بمتطلبات محددة، فقد تمكنت بعض المحافظات أو العشائر من تشكيل قوائم خاصة أو شبه خاصة بها، فترشحت عدة قوائم عرفت بـ«الكركية»، وترشحت قائمة تحمل اسم إربد، وأخرى تحمل اسم السلط، كما تشكلت عدة قوائم حُسبت على عشائر بني حسن، ومثلها على عشائر بئر السبع، وأخرى باسم تجمعات قرابيّة أو مناطقية من أصول فلسطينية.
بعد تلك التجربة، تخلى القانون الجديد عام 2016 عن فكرة القائمة العامة عمومًا، ولكنها عادت في القانون الجديد الذي ستجري وفقه الانتخابات القادمة وفق صيغة القائمة العامة «الحزبية». وقد ترافق صدور قانون الانتخاب الجديد مع صدور قانون جديد للأحزاب، وسار القانونان ودخلا إلى النقاش العام معًا. وبسرعة بدأت مرحلة اختلاط النشاطين الحزبي والانتخابي، فتشكلت الأحزاب وعيونها متجهة نحو الانتخابات، وكان نقاش القوائم الانتخابية المنتظرة حاضرًا في التقاء الحزبيين الجدد أو افتراقهم، وفي نشوء أحزاب جديدة، وبالتوازي مع ذلك حصلت عمليات اندماج بين أحزاب لم تتمكن من توفيق أوضاعها حسب متطلبات القانون الجديد.
مع تحديد يوم الانتخاب، كانت تشكيلة الأحزاب قد اكتملت، واتضحت بالتالي الأطر التي ستتشكل وفقها القوائم الانتخابية الحزبية. لكن شروط تشكيل القوائم فرضت نفسها وخاصة بالنسبة للأحزاب الأضعف، لا سيما ما يتصل بنسبة الحد الأدنى للأصوات المطلوبة كي تدخل القائمة إلى التنافس، أو ما يعرف بـ«العتبة»، وهي في القائمة العامة 2.5%. وبحساب بسيط افتراضي، لو بلغت نسبة الاقتراع العامة 40% كما يأمل المتفائلون، أي نحو مليوني مقترع، فإن تجاوز العتبة يتطلب الحصول على خمسين ألف صوت على الأقل، كي تدخل القائمة إلى التنافس مع القوائم الأخرى.
لم تواجه الأحزاب التي توصف، أو تصف نفسها، بأنها «كبيرة» مشكلة في تشكيل القوائم، لكنها سرعان ما دخلت في نقاش حاد حول مسألتين رئيسيتين: الأولى ترتيب الأسماء في القائمة، حيث تفوز الأسماء وفق ترتيبها المفصح عنه في تسجيل القائمة لدى الهيئة المستقلة للانتخاب، وذلك بالتناسب مع حصة القائمة الكلية من أصوات المقترعين. والثانية هي مسألة التمويل، وربط النقاش غير المعلن بين مساهمة المرشح المالية وبين موقعه في ترتيب الأسماء، وهو ما كان محط أخبار وشائعات كثيرة. فيما شهدت أحزاب أخرى سهولة في تشكيل القوائم، حيث تصدر القائمة الأمين العام للحزب، الذي يرتبط الحزب باسمه، وقد وجد أنه من السهل عليه اختيار الأسماء التي تليه.
حسب المعطيات المعلنة، سيشارك في الانتخابات المقبلة 36 حزبًا من أصل 38 حزبًا مرخصًا، وقد تقدمت للترشح من خلال 25 قائمة، حيث أعلنت بعضها تحالفات مشتركة في قوائم موحدة. وفور تحديد يوم الاقتراع، اشتغلت ماكنة إعلامية واسعة بهدف التركيز على أهمية القوائم العامة، وظهر مباشرة أن قادة الأحزاب ونشطاءها سارعوا النزول إلى ميدان العمل الانتخابي على مستوى الدوائر المحلية، وقد أثّر ذلك بشكل كبير على تشكيل هذه القوائم.
في الحملات الترويجية، اكتشفت الأحزاب بسرعة أن اسم الحزب وحده ليس كافيًا حتى الآن لاستمالة الناخبين، ولذلك فإن كل الأحزاب سارعت إلى اعتماد الأسماء والصور الفردية لمرشحي القوائم الحزبية، وفي كثير من الحالات تعمد المرشحون إخفاء اسم الحزب.
كانت الأحزاب تستهدف الأسماء البارزة المتوقع ترشيحها وتحاول استقطابها، وفي بعض الحالات تشكلت قوائم محلية تحمل أسماء أحزاب بعينها، فيما عمدت أخرى إلى تشكيل قوائم محسوبة أو مدعومة منها، وفي النقاش العام يحضر المال والتمويل والوعود المستقبلية كعناصر محددة في تشكل قوائم أو «فرط» وإعادة تشكيل أخرى.
في الحملات الترويجية، اكتشفت الأحزاب بسرعة أن اسم الحزب وحده ليس كافيًا حتى الآن لاستمالة الناخبين، ولذلك فإن كل الأحزاب سارعت إلى اعتماد الأسماء والصور الفردية لمرشحي القوائم الحزبية، وفي كثير من الحالات تعمد المرشحون إخفاء اسم الحزب، والاكتفاء بالإشارة إلى الترشح على القائمة العامة، وبالطبع مع تسجيل حالات قليلة ظهر فيها اسم الحزب بوضوح في الإعلانات الترويجية. وثمة مستوى من الاعتماد المتبادل بين القوائم المحلية والحزبية، ووفق خصوصية كل حالة يجري المرشحون مفاوضات واتفاقات الدعم والحجب بما يضمن الفوائد المتوقعة لكل فريق.
على مستوى أغلبية الناخبين (غير النشطاء) ممن ينوون المشاركة، لا تزال الأهمية تتركز على الأسماء الفردية، وخاصة في القوائم المحلية، حيث يخوض كل مرشح منافسة مكشوفة داخل قائمته ومع شركائه فيها، بغية التفوق في عدد الأصوات، لأن العدد المطلق لأصوات المرشح هو الذي يحدد فرصة الفوز بعد أن تتجاوز أصوات القائمة ككل الحد الأدنى (العتبة) وهي في القوائم المحلية 7% من مجموع المقترعين.
ونظرًا لأن الانتخابات المقبلة للمجلس العشرين تُعدّ في خطاب التحديث السياسي الرسمي المرحلة الأولى من ثلاث مراحل سترتفع فيها تدريجيًا حصة القوائم الحزبية من 30% إلى 50% في المجلس الواحد والعشرين، ثم إلى 65% في انتخابات المجلس الثاني والعشرين الذي يفترض انتخابه عام 2032، فإن العيون أخذت تتجه بقوة إلى الأحزاب كأطر ووسائل للمشاركة والتمثيل، باعتبارها ستحل محل أطر سابقة دارجة، مع احتمالٍ قائمٍ بأن الحيوية الاجتماعية سوف تسعى كما العادة إلى تطويع الجديد، وإعادة تشكيله وتعريفه، بما يتناسب مع متطلبات ما هو دارج.
-
الهوامش[1] تستند الأفكار والمعلومات الواردة هنا والمتصلة بتجربة عام 2013، إلى متابعة بحثية ميدانية أجريتها في حينه وسجلتها في ورقة غير منشورة بعنوان: «القائمة العامة في انتخابات 2013: مسارات الفكرة في التطبيق».