أجساد سوداء وأطباء بيض: المعرفة في خدمة المشروع الاستعماري

الثلاثاء 17 أيار 2022
استعمار إفريقيا
مخططات وجوه تعود للقرن الثامن عشر، رسمها الطبيب الألماني بطرس كامبر (Petrus Camper) تقدم وجه الإنسان الإفريقي على أنه أقرب للوحش وأبعد عن «الجمال المثالي» الذي يمثله الرجل الأبيض.

في عام 2005، طرحت الحكومة اليمينية الفرنسية داخل الجمعية الوطنية (الغرفة الأدنى للبرلمان) مشروع قانون مثير للجدل، يحمل اسم «قانون الاعتراف بالأمة والمساهمة الوطنية لصالح الفرنسيين العائدين»، وتنص المادة الرابعة منه على أن المناهج المدرسية يجب أن تشير إلى «الدور الإيجابي» للاستعمار. ورغم أن هذه المادة ألغيت حينذاك، إلا أنها كشفت عن وجود قطاع واسع من النخب السياسية والفكرية الفرنسية ما زال ينظر بالفخر للحقبة الاستعمارية، ويعتبرها ذات دور إيجابي، وعلى نحو ضمني أو لاواعٍ، يعتبرها مرحلة تاريخية ضرورية لإخراج الشعوب المستعمرة من ظلمات التخلف إلى أنوار الحداثة.

لكن في مقابل هذه النخب اليمينية، برز قطاع مؤثر من الباحثين داخل مسالك البحث العلمي الفرنسي يشتغل على تاريخ هذه الحقبة، أو ما يعتبرها بالندبة السوداء في جسد الجمهورية. ولعل كتاب دلفين بيريتي كورتيس، «أجساد سوداء وأطباء بيض: صنع التحيز العنصري، في القرنين التاسع عشر والعشرين»،[1] الصادر نهاية العام الماضي، واحد من آثار هذا التوجه الأكاديمي.

يأتي كتاب كورتيس الجديد، الذي كان في الأصل رسالة دكتوراه دافعت عنها المؤلفة عام 2014 في قسم التاريخ بجامعة أكس-مارسيليا، في سياق ظهور عدد لافت من الدراسات التاريخية التي اهتمت بمبحث الطب الاستعماري وعلاقة العرق بالسرديات الاستعمارية. في عام 2011، نشر جان بول بادو كتابه «طبيب مرض النوم أو داء المثقبيات» عن سيرة يوجين جاموت (1879-1937)، أحد أبرز أطباء المستعمرات الإفريقية في بداية القرن العشرين. وفي العام نفسه، نشرت آن كورنيه كتابها المرجعي حول «السياسات الصحية والرقابة الاجتماعية في رواندا (1920-1940)». وفي 2016، صدر كتاب «الإنسان المتغير: الأعراق والانحطاط – القرنان السابع عشر والتاسع عشر» لكلود أوليفييه دورون.

لكن عمل دلفين كورتيس، وخلافًا للأعمال السابقة، يقوم على منهجية تاريخية صارمة تعتمد أساسًا على استنطاق الوثائق بالدرجة الأولى. لذلك يبدو كأول تحقيق معمق في الطريقة التي تم بها التعامل مع سؤال الطب في المستعمرات الإفريقية في الكتابات المتخصصة لتلك الفترة، لا سيما القواميس والأطروحات الطبية، والدراسات حول الأجناس البشرية، وخاصة تقارير البعثات الاستعمارية. ومن ثم فهي توثق ظهور النظريات العرقية المطبقة على الشعوب الإفريقية في العلوم الطبية الفرنسية، ثم تطورها قبل انحدارها في منتصف القرن العشرين. ومن خلال هذه الوثائق، تلقي الضوء على عمليات «عنصرة» الجسد والجنس والنشاط الجنسي لشعوب إفريقيا، في مجتمع يحل فيه العلم تدريجيًا محل الدين كمصدر للمعرفة، تحت وطأة صعود الفلسفة الوضعية. بحيث يتم تعزيز السردية العنصرية التي طورها العلماء من خلال السلطة السياسية لخدمة المشروع الاستعماري، أي يصبح الجسد أداة للاستعمار.

أطباء الأدغال ومصفوفة العرق

تستعرض الباحثة في البداية التاريخ السائد للأنماط العنصرية التي أنشأها في القرن الثامن عشر علماء الطبيعة، مثل السويدي كارولوس لينيوس والفرنسي جورج-لويس لوكلير دي بوفون والألماني يوهان فريدريش بلومنباخ، لتقسيم الجنس البشري من خلال اللجوء إلى التصنيفات. فقد كانوا يهدفون إلى إثبات التفوق الجسدي والمعنوي والفكري للأوروبيين، وقد استندوا في ترسيخ نظرياتهم إلى الملاحظات المتعلقة بالبشرة أو حجم وشكل الجماجم أو الأعضاء التناسلية. وقد اتفقت هذه النظريات على فكرة وجود جنس بشري واحد مقسم إلى أعراق ليست متساوية، حيث بقيت مخلصة للفكر المسيحي الذي يدعو إلى وحدة الجنس البشري وفقًا لسفر التكوين، وقد اتسمت المناقشات في العلوم الطبيعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بحضور قوي للبعد الديني.

من خلال تسليط الضوء على آليات تشكيل القوالب النمطية لشعوب إفريقيا المستعمرة، بالإضافة إلى التطور التدريجي لها بين مرحلتي المعرفة الأولية لعلماء الطبيعة وأطباء الأدغال، يتيح هذا الكتاب فهم كيف أصبحت التحيزات «معرفة» علمية راسخة بشكل دائم في العقول إلى اليوم.

وخلال هذه الفترة المبكرة من تاريخ الطب الاستعماري، كان يُنظر إلى «العرق الأسود» على أنه وحدة متجانسة في الكتابات الطبية، لكن تصاعد حركة «طب الأدغال» التي قادتها السلطات الاستعمارية الفرنسية منذ منتصف القرن التاسع عشر، والذي ترافق مع شيوع الفلسفة الوضعية والقطع مع السردية الدينية، جعل هذه المسلمات بوحدة العرق تتلاشى شيئًا فشيئًا تحت قلم الأطباء الاستعماريين، الذين بدأت تظهر في كتاباتهم -وهي عبارة عن تقارير يرسلونها دوريًا من الأدغال الإفريقية التي يتجولون داخلها نحو المركز الاستعماري في باريس- تصنيفات عرقية جديدة، تميز الشعوب السوداء في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وتصنّفها، من رأس الرجاء الصالح جنوبًا إلى سنغامبيا شمالًا (وهو اسم تاريخي لمنطقة جغرافية في غرب إفريقيا تقع بين نهر السنغال في الشمال ونهر غامبيا في الجنوب).

أدى عمل أطباء الأدغال الميداني إلى تطور الوصف الجنساني للسكان من أجل توضيح التصنيفات العرقية وكذلك المعرفة بالأفارقة. ورغم ظهور هذا التنوع الإفريقي تدريجيًا في التصور الفرنسي، فقد ظلت بعض القوالب النمطية العرقية مهمة وحاضرة، مثل فرط الرغبة الجنسية لدى السود أو الانعكاس الجنسي (أو تحويل الجنس) في إفريقيا. وقد اشتغلت دلفين كورتيس على توضيح تشابك النظريات حول العرق والجنس والنوع ضمن هذه الخطابات والتقارير وكذلك تشابه الأدوات البلاغية المستخدمة في تعريف الآخر، سواء كانت أنثى و/أو سوداء. وفي الوقت نفسه، ألقت الضوء أيضًا على كيفية تغذية هذه التمثلات العنصرية من خلال الخلافات العلمية والاهتمامات السياسية في تلك الفترة، والتي كان مدار اهتمامها المركزي هو كيفية توسيع المجال الاستعماري والسيطرة عليه والاستفادة منه ماديًا.

موظف صحي بلجيكي في بلدة بيني في الكونغو، 1937.

تذهب الباحثة إلى أن هذه الصور النمطية العنصرية للأطباء الاستعماريين، مثل مقاومة الأجسام السوداء للألم، لا تعمل حصريًا على تغذية الإحصائيات والتمثيلات: فهي تؤثر أحيانًا على الممارسة الطبية نفسها. فقد أيد أطباء البحرية، مثل الدكتور ثالي في عام 1866، التحيز المتمثل في القوة النموذجية للأفارقة، وهي سمة موروثة من العبودية، وحاولوا تقديم تفسيرات علمية لها. فهذه القوة تأتي، حسب رأيهم، من دونية فكرية من شأنها إضعاف تفاعل الجهاز العصبي، وبالتالي القضاء على أي إحساس بالألم. وهكذا يمكن تعديل ممارسات الأطباء نحو مسار من البشاعة، غير المسبوقة، ذلك أن بعض المصادر تذكر العمليات الجراحية التي أجريت على الرجال أو النساء السود دون استخدام التخدير، إما بسبب النقص في مواد التخدير أو لأن التخدير كان يعتبر غير ضروري. وقد كانت تقارير أطباء الأدغال تحفل بذكر قصص الشفاء السريع للأفارقة باتباع الإجراءات الطبية التي تعتبر مؤلمة ومحفوفة بالمخاطر. وتشير الكاتبة إلى أن كل عمليات التشريح التي تم إجراؤها على الأفراد السود خلال هذه الفترة تكشف عن الرغبة الكامنة في دعم المبادئ العامة حول العرق أو التطورية أو تعدد الأجيال أو أحادية الجينات ومن جهة أخرى، تشجع أهداف الاستعمار في ظهور تفكير طبي يركز على قضايا ملموسة، مثل القدرات البدنية ونقاط القوة والضعف في الجسم الأسود، والمخاطر المرتبطة بالتفاعلات بين المستوطنين والمستعمَرين، وفي مقدمتها شبح التهجين، وكذلك قدرة الأفارقة على «استقبال الحضارة». وبالتالي يصبح الجسم «أداة سياسية».

صناعة «السود»

هذا الاهتمام بالمجال الاستعماري يظهر بوضوح من خلال حزمة التقارير التي كتبها طيف واسع من أطباء الأدغال، والذين كانوا يحملون رتبًا في الجيش الفرنسي، أي أن عملهم الطبي كان جزءًا من نشاطهم على الجبهة. وتكشف الباحثة، عبر استقراء هذه التقارير، عن حزمة من التصورات التي وضعها الطب الاستعماري الفرنسي للأفارقة، فالإنسان الإفريقي الأسود الذي يعيش في البلدان الحارة، آلة عمل مثالية، يتمتع بمناعة خارقة وقوة بدنية لا تقارن بنظيره الأوروبي. وهذا ليس من باب الإشادة، وإنما يدخل أساسًا في النفعية الاستعمارية التي تريد تحويل هذه القوة الجسدية الطبيعية إلى قوة عمل مفيدة للمشروع الاستعماري.

هذه المعرفة العلمية حول الأفارقة يمكن استغلالها لصالح رفع معدل المواليد في إفريقيا المستعمرة، والحفاظ على صحة السكان الأصليين من أجل زيادة القوى العاملة وعدد الجنود المحتملين داخل المستعمرات.

وهنا يتجلى الهدف الأساسي من هذه الأبحاث الطبية الميدانية، ذلك أن همها العلمي يأتي في درجة ثانية خلف همها السياسي والاقتصادي من وضع التحديد الدقيق للشعوب المستعمَرة في خدمة المشروع الاستعماري. إن معرفة السكان تسهل إدارتهم والسيطرة عليهم منعًا لأي تمرد، ولكنها في الوقت ذاته تجعل من الممكن أيضًا «صنع السود»، على حد تعبير وزير المستعمرات ألبرت ساروت في عام 1923 أو الطبيب الاستعماري غوستاف لوفرو في عام 1943. أي أن هذه المعرفة العلمية يمكن استغلالها لصالح رفع معدل المواليد في إفريقيا المستعمرة، والحفاظ على صحة السكان الأصليين من أجل زيادة القوى العاملة وعدد الجنود المحتملين داخل المستعمرات، في نهج من إعادة الإنتاج الاجتماعي يقوم على التعامل مع الإنسان بوصفه أحد وسائل الإنتاج المادية.

وفي هذا السياق تشير الباحثة إلى التصورات العلمية التي كانت سائدة في ذلك الوقت حول النساء الإفريقيات اللواتي لديهن «ميزة لا يمكن إنكارها لوظيفة الأم، وبشكل أكثر تحديدًا خلال مسار الحمل والولادة، مقارنة بالأوروبيات اللاتي يتميزن بالهشاشة». وهذه الميزة الإفريقية كانت أحد ركائز الطب الاستعماري في التعامل مع الشعوب المستعمرة، في سياق رفع أعداد القوى العاملة، أو ما عرف بـ«صناعة السود».

كما تشير كورتيس إلى بعد آخر في التعامل مع الجسد الأنثوي الإفريقي، تختلط فيه الموضوعية العلمية بالإثارة الجنسية، حيث تقف خلف ذرائع الدراسة العلمية لعدد من الأطباء وعلماء الطبيعة رغبةٌ في «تمثيل الغرائبية الحسية للمرأة السوداء» وكذلك «الميل إلى التلصص». وكانت كورتيس قد توسعت في هذا المبحث في رسالة ماجستير ناقشتها في جامعة بروفانس عام 2007 تحت عنوان «تمثيلات جسد المرأة الإفريقية في الخطاب الطبي والأنثروبولوجي الفرنسي من بداية القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين». هنا، يبدو الجسد الأسود مباحًا للمستعمر، لا بوصفه آلة عمل مفيدة فحسب، بل باعتباره آلة جنسية مطيعة.

عيادة أطفال متنقلة في ليوبولدفيل (التي تسمى اليوم كينشاسا) في الكونغو. 

وقد اشتغلت الباحثة على نموذج صور تمثل بشكل خاص نساء عاريات من شعبي الخويخوئيون (نامبيا) والخويسان، أمام حديقة استوائية، وجدت ضمن مجموعة رولان بونابرت، الأمير الفرنسي ورئيس الجمعية الجغرافية الفرنسية من عام 1910 وحتى وفاته في عام 1924. ومن خلال مسح أرشيف الصور المتراكمة في المجموعات الاستعمارية، تكتشف الباحثة مركزية «أثداء النساء» على وجه الخصوص في نظرة أطباء الأدغال. وهذه المركزية ليست بالضرورة ذات دوافع جنسية، بل هناك شكل من أشكال النموذج الراسخ عن «الأمومة» في عدد من الكتابات الطبية في تلك الفترة، حيث تم استخدام النساء الإفريقيات كنموذج دعائي في المركز الباريسي من أجل إعادة النساء الفرنسيات إلى مصفوفة «المحافظة الاجتماعية» التي ترهلت بعد تفكك المجتمع الإقطاعي. فقد صورت التقارير الطبية الاستعمارية «الأم الإفريقية» على أنها توفر الرضاعة الطبيعية لأطفالها حتى سن متقدمة، ولا ترتدي مشد، تاركةً مساحة لصدر فخم لا يمكن حصره أو إخفاؤه. وقد ربط الأنثروبولوجي الاستعماري الفرنسي جورج برويل، في كتابه «جدول موجز لاستكشاف واستكشاف إفريقيا الاستوائية الفرنسية» (نُشر عام 1918)، بين الإثارة الجنسية للجسد الأنثوي الإفريقي، عبر التركيز على «الثدي»، وبين مردوده المادي في إعادة الإنتاج الإجتماعي من خلال الرضاعة. لكن بعد ذلك بسنوات قليلة، ستظهر إلى ساحة الأفكار مدرسة التحليل النفسي، وسيفكك فرويد -نسبيًا- هذا الولع الاستعماري بصورة «الثدي الإفريقي النموذجي» من خلال نظرية الحافز والنمو النفسي الجنسي.

واستنادًا إلى تقارير الأطباء وملاحظاتهم، تنتهي الباحثة إلى أن مكانة الرجل الأسود والمرأة السوداء غير متطابقة في الخطاب الطبي فيما يتعلق بالجنس. فالرجل الأسود من المحرمات، ومحظور، حيث يمكن أن تفقد المرأة البيضاء قيمتها الإجتماعية إذا ما ارتبطت به بعلاقة جسدية. في المقابل تعتبر علاقة الرجل الأبيض بالمرأة السوداء أقل تحريمًا من الناحية الاجتماعية.

تحيزات راسخة

من خلال تسليط الضوء على آليات تشكيل القوالب النمطية لشعوب إفريقيا المستعمرة، بالإضافة إلى التطور التدريجي لها بين مرحلتي المعرفة الأولية لعلماء الطبيعة وأطباء الأدغال، يتيح هذا الكتاب فهم كيف أصبحت التحيزات «معرفة» علمية راسخة بشكل دائم في العقول إلى اليوم، حتى بعد إبطالها التام في منتصف القرن العشرين.

في المقدمة، تطرح الباحثة سؤال «هل انتهى عصر التحيز العنصري؟ وعلى مدى فصول بحثها تحاول نفي ذلك. حيث إن الصور النمطية عن الأجساد السوداء التي شرعتها السلطات الطبية والعلمية طوال القرنين التاسع عشر والعشرين ما زال كثير منها راسخًا في وعي قطاعات واسعة من الشعوب الأوروبية، بل أصبحت راسخة في وعي الشعوب الإفريقية المستعمرة نفسها. بل إن الممارسات الطبية الغربية ما زالت -في جزء منها- أسيرة النظرة الفوقية للشعوب الإفريقية. وإن لم تعرج الكاتبة على ذلك، فيبدو من المفيد الإشارة إلى قصة فيروس الكبد الوبائي سي، والتي وردت في دراسة الباحث الفرنسي غيوم لاتشينال «عندما يترك الطب الاستعماري آثارًا»،[2] والتي تبدو مثالاً على هذا الرسوخ: ففي بداية التسعينيات، أُطلقت مسوحات في مناطق الغابات في وسط إفريقيا لتقييم انتشار فيروس التهاب الكبد الوبائي سي بين السكان المحليين، الذي ينتقل بشكل رئيسي عن طريق الدم أو أثناء عمليات نقل الدم أو الحقن الملوثة، ويتسبب في إصابة عدد كبير من الأشخاص بأضرار مزمنة في الكبد، غالبًا ما تكون قاتلة. النتائج التي كانت صادمة لعلماء الفيروسات، تظهر أن التهاب الكبد الفيروسي موجود بشكل كبير في هذه المناطق المعزولة وغير الساحلية، حيث يتأثر كبار السن بشكل خاص، وتصل معدلات الانتشار إلى 60% في بعض القرى.

بعد عشرين عامًا، يوشك اللغز على الانتهاء: فقد أظهرت الأبحاث التي أجريت في الكاميرون وجمهورية إفريقيا الوسطى أن التهاب الكبد الفيروسي قد انتقل على نطاق واسع إلى السكان من خلال الحقن غير المعقمة أثناء الحملات الطبية التي نُفذت خلال الحقبة الاستعمارية. بعبارة أخرى، يكشف هذا الوباء أن الطب الاستعماري، الذي يُقدم أحيانًا على أنه «تأثير إيجابي» للاستعمار، كان كارثة أدت لانتقال مسببات الأمراض المنقولة بالدم. وهكذا يبدو وباء التهاب الكبد الفيروسي سي، بشكل مأساوي تمامًا، كشكل من أشكال «اللعنة المستمرة» للاستعمار، رغم نهايته العملية منذ نصف قرن أو أكثر، لكنه مع ذلك يستمرّ في أشكال غير مرئية.

  • الهوامش

    [1] Peiretti-Courtis, Delphine. 2021. Corps Noirs Et Médecins Blancs – La Fabrique Du Préjugé Racial Xixe-Xxe Siècles. Paris : La Découverte.

    [2] Lachenal, Guillaume. 2011. «Quand La Médecine Coloniale Laisse Des Traces». Les Tribunes De La Santé n° 33 (4): 59. doi:10.3917/seve.033.0059.

Leave a Reply

Your email address will not be published.