كغيرها من الجامعات، شهدت جامعة اليرموك انقطاعًا في العملية الانتخابية منذ عام 2020 عقب بدء جائحة كورونا. وعلى هذا فإن أغلب الطلبة الحاليين خاضوا هذه السنة تجربتهم الأولى في انتخاب اتحاد طلاب الجامعة، والتي جرت يوم الثلاثاء 28 أيار 2024.
ينتمي أغلب طلبة اليرموك إلى ألوية محافظة إربد التسعة؛ قصبة إربد والرمثا وبني كنانة وبني عبيد والمزار والوسطية والكورة والأغوار والطيبة، وإلى المحافظات القريبة جرش وعجلون والمفرق.
وابتداءً من تطبيق تعليمات الصوت الواحد في الانتخابات الجامعية منتصف تسعينيات القرن الماضي، كانت هذه الانتماءات «المناطقية» محورَ تصنيف الطلبة وعنوان التنافس بينهم، وقد انطبق ذلك أيضًا على جامعة العلوم والتكنولوجيا القريبة. مع ضرورة الإشارة هنا إلى تجارب بعض التيارات السياسية التي حاولت تجاوز هذه التقسيمة باتجاه التصويت المستند إلى خلفيّة سياسية إلى حد ما، ومن ذلك بالدرجة الأولى التيار الإسلامي وبعض التنظيمات اليسارية، وإن كانت هذه التيارات مارست في حالات كثيرة تكتيكًا انتخابيًا يراعي هذه التقسيمات المناطقية بهدف تحقيق أفضل النتائج.
وفق الأنظمة الانتخابية لهذه السنة، تتشكل الهيئة الإدارية للاتحاد في اليرموك من 71 مقعدًا وفق الترتيب التالي.
خُصص مقعد واحد لكل قسم أكاديمي، وبلغ عدد هذه الأقسام 47 قسمًا، وهذا يعني أن التنافس على هذه المقاعد الـ(47) كان فرديًا. كما خصص 15 مقعدًا لسبع كليات وفق نظام القوائم على مستوى الكليات، بواقع مقعدين لكل كلية باستثناء كلية الطب التي خصصت لها ثلاثة مقاعد. وأخيرًا هناك القائمة العامة على مستوى الجامعة التي خُصصت لها تسعة مقاعد، وهي تجربة جديدة.
هذا الترتيب فرضَ نفسه على مجريات العملية الانتخابية. ومعه استعاد الطلبة فورًا التجربة الانتخابية السابقة قبل عام 2020، فالتصنيف على أساس المناطق الجغرافية ظل حاضرًا، لا سيما وأن أغلب نقاط التنافس (47 حالة) هي بالمحصلة على صوت واحد. ويشار هنا إلى أن الطلبة طوروا تكتيكات مناسبة لتبادل الأصوات بين الأقسام والكليات، عبر ما يعرف بـ«مقايضة» الأصوات، بين التكتلات المناطقية.
كانت الجامعة قد شهدت في السنتين الأخيرتين حضورًا للنشاط الحزبي من قبل الأحزاب الجديدة، وعلى وجه التحديد أحزاب «إرادة» و«الميثاق» و«تقدم». بالإضافة بالطبع إلى جانب حضور التيار الإسلامي، مع غياب شبه تام للأحزاب القومية واليسارية.
ألقت حداثة تجربة الأحزاب الجديدة بظلالها على نشاط هذه الأحزاب، وكانت الوسيلة الأسهل، فيما يبدو، هي تقاسم التصنيفات والانتماءات المناطقية، إذ توزعت تكتلات المناطق على الأحزاب الثلاثة. وقد ارتبط ذلك بنشاط هذه الأحزاب في المناطق أصلًا. وبالطبع تبقى مثل هذا الانقسامات والتصنيفات نسبية وغير شاملة لجميع الطلبة.
لم تجد كل الأحزاب، بما فيها الإسلاميون، فائدة انتخابية في الإفصاح عن الانتماء الحزبي لمرشحيها بشكل علني واضح. لقد استطلعتُ آراء عشرات الطلاب في مختلف الأقسام، في زيارتين الأولى قبل يوم الانتخاب والثانية في يوم الانتخاب، وقد كانت أغلب الآراء لا تفضل أصلًا التصويت على أساس حزبي واضح، إذ لا تزال مفردات مثل حزب وتحزب تُقابل بقدر من التساؤل والتردد.
عندما كنت أسأل الطلبة عن تمييزهم بين المتنافسين، كانت الأجوبة تدور حول الأسماء الشخصية للمرشحين والمرشحات، وفي بعض الأقسام كانت الإجابات تحمل اسم المنطقة، وهي النقاط التي شهدت درجة أعلى من التوتر وكان النشطاء على المداخل يتحدثون عن المناطق كعناوين للتنافس إلى جانب أسماء المرشحين.
في كثير من الحالات، استعان الطلبة المهتمون وبخاصة المرشحين، بأصحاب الخبرة من خرّيجي الجامعة الذين مرّوا بالتجربة سابقًا، ويتفقون معهم في التوجهات، أي الذين مروا بتجربة قيادة وتشكيل التكتلات المناطقية، فحضروا لمساعدة زملائهم الجدد على إدارة الحملات الانتخابية. مع ملاحظة أن أصحاب الخبرة أصبحوا هذه المرة «حزبيين» ينتمون للأحزاب الجديدة. وعمليًا وفق إجابات عديدة فإن الأحزاب دعمت وموّلت الحملات الانتخابية لأنصارها، وكان الطلبة يعلنون ذلك، مع أنهم لا يقدمون أنفسهم بوصفهم حزبيين.
اللافت في جامعة اليرموك، هو موقف إدارة الجامعة، التي يبدو أنها مطلة جيدًا على الأجواء الانتخابية في مختلف الأقسام، فالإدارة وخاصة في شؤون الطلبة تعرف نقاط التوتر، ولم تتوقف عن محاولات الضبط، والسعي لكي لا يحصل صدام، مع الحرص على رفع نسبة الاقتراع إلى الحد الأقصى، وهو ما يعني بالنسبة لهم نجاح التجربة. وأصرت الجامعة على استمرار الدوام مع أن أغلب المحاضرات ألغيت فعليًا.
مع هذا تجب الإشارة إلى حادثة مهمة انتخابيًا سبقت يوم الاقتراع، فقد تقدمت أربعة قوائم للتنافس على مقاعد الدائرة العامة، وقد رُفِضت إحداها وهي مدعومة أو محسوبة على حزب إرادة، وكان يفترض أنها تحظى بحضور جيد، ولها حصة من التكتلات الطلابية ولكن الرفض كان إجرائيًا يتعلق بمخالفة واحدة من التعليمات، إذ على القوائم أن تتحمل مسؤولية الخلل، ولهذا رُفِض ترشيح القائمة كليًا، وكادت المشكلة تتصاعد لولا تدخلات الإدارة التي استطاعت احتواء المشكلة. وانحصر التنافس بين ثلاث قوائم عامة.
ورد وحلوى و«دباديب»
سارت مجريات يوم الاقتراع بهدوء ملحوظ في أغلب المواقع، ولعل أبرز مشاهد يوم الاقتراع تمثّل في التوزيع الكثيف للورود على مداخل مراكز الاقتراع. كانت أغلب الطالبات يحملنَ ورودًا وُزّعت عليهن من قبل حملات المرشحين والمرشحات. وكانت الطاولات على مداخل مراكز الاقتراع تضع أطباقًا من الشوكولاتة، غير أن بعض المرشحين رفعوا من مستوى أدوات الدعاية، ووزعوا «الدباديب» الصغيرة، وهو ما شكّل بيئة لتهدئة الأجواء عمومًا.
إلى درجة كبيرة، غاب المحتوى السياسي بل والمطلبي عن النقاش في مجريات يوم الاقتراع. كان الكلام حول مواصفات الأشخاص، وقد انسحب ذلك حتى على نقاش الاقتراع على القوائم العامة.
في الواقع، واستنادًا إلى عشرات المقابلات مع طلاب وطالبات الجامعة، كان من الواضح أن القائمة العامة لم تكن مفهومة بشكل كامل. لقد تساءل كثيرون عن مهمة أو دور الفائزين بمقاعد في القوائم، إنهم يعرفون مرشحي الأقسام ويعرفون مهماتهم وفق قضايا ومشكلات الأقسام المختلفة، ولكن «ماذا سيقدم لي فائز من كلية أخرى»؟
بالإجمال، ووفق أغلب الإجابات التي تلقيناها، كانت الأولوية لمرشحي الأقسام والكليات، ولم تحظ القوائم العامة باهتمام كبير، وعندما كنتُ أسأل عن المقارنة بين «قيمة» مقعد القسم ومقعد القائمة العامة، كانت الإجابات حاسمة لصالح مقعد القسم.
يسجل هنا أن القائمة المحسوبة على التيار الإسلامي بادرت أكثر من غيرها إلى توضيح الفكرة بخصوص القائمة ونشرت على صفحاتها العديد من المواد التي تشرح الفكرة، مع التركيز على نفسها بالطبع. مع الإشارة إلى أنها لم تقدم نفسها قائمة إسلامية واكتفت بالعنوان الطلابي. بالمقابل اعتمدت القائمتان الأخريان على تكتيك آخر، يقوم على أساس أسماء المرشحين في القائمة العامة: «هذه القائمة فيها فلان فادعمها لكي ينجح».
أهمية هذه الملاحظات المتعلقة بالقوائم العامة، تكمن في مخالفتها لنوع الاهتمام والمتابعة الخارجي للانتخابات الجامعية عمومًا، حيث تحظى مقاعد القائمة العامة بأهمية كبرى في الرأي العام وعند السياسيين والإعلاميين، وتعد مقياسًا للفوز والخسارة، بينما كان الطلبة ينتظرون نتائج مرشحي أقسامهم.
لقد شملت أسئلتي للطلبة موقفهم المنتظر من الانتخابات النيابية المقبلة. وفق الإجابات التي تلقيتها، لا يلاحظ وجود ربط بين الموقفين أو الحالتين. إن الطلبة الحاليين سيصبحون ناخبين للمرة الأولى أيضًا، والآن بعضهم ينتظر موقف العائلة أو المنطقة، وبعضهم حسم موقفه المسبق بانتخاب مرشح منطقته أو عشيرته، فيما لم يبد كثيرون اهتمامًا بالأمر.
مرت العملية بمجملها بهدوء، وأعلنت كل القوائم رضاها بالنتائج، بل إن قائمة التيار الاسلامي بادرت فورًا لتوجيه الشكر لإدارة الجامعة وأشادت بدورها في الإشراف على العملية ككل.
أُعلنت النتائج وأعلنت أسماء الفائزين، من الصعب الحديث الآن عن تيارات يتوزع عليها الفائزون، فهم لم يعلنوا ذلك مسبقًا، بينما توزعت مقاعد القوائم العامة على القوائم الثلاثة المترشحة: أربعة مقاعد لصالح قائمة اليوبيل الفضي (حزب الميثاق) وثلاثة مقاعد لقائمة «البناء» (التيار الإسلامي) ومقعدان لصالح قائمة قادمون (حزب تقدم). وبلغت نسبة الاقتراع 48.2% بينما يبلغ عدد من يحق لهم التصويت نحو ثلاثين ألف طالب وطالبة، من أصل 42 ألف طالب في الجامعة ككل، حيث لا يشارك طلبة الدراسات العليا ولا الطلبة الوافدون في الاقتراع.
….
لفهم الحالة ومتابعتها استعنت بعدة مقابلات واتصالات مع مساعد عميد كلية الآداب للشؤون الطلابية الدكتور صالح جرادات ومع مجموعة من الناشطين من خارج الجامعة.