واصلت أسعار المشتقات النفطية في الأردن منذ أيار الماضي الارتفاع وصولًا إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة، فمنذ الأول من آب الحالي وصل سعر لتر بنزين 90 إلى 99 قرشا، ولتر الكاز والسولار إلى 75.5 قرش، بناء على قرار لجنة تسعير المشتقات النفطية التابعة لوزارة الطاقة والثروة المعدنية.[1]
في أوائل حزيران الماضي، قال وزير الداخلية مازن الفراية -خلال لقاءٍ مع مجموعة من المستثمرين في مدينة الحسن الصناعية في إربد- إننا ذاهبون «إلى أربع رفعات لأسعار الوقود على الأقل خلال الأشهر القادمة»، مضيفًا أن الحكومة تتصرف ضمن محددات تأخذ بالدرجة الأولى «المصلحة الوطنية» وأنها لن تتخذ قرارات تتناغم مع مطالبات شعبوية. وبعد أيّام من تصريحات الفراية، أكّد وزير الدولة لشؤون الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل الشبول عزمَ الحكومة مواصلة رفع الأسعار، مبررًا ذلك بتثبيت أسعار البنزين -بنوعيه 90 و95- من شباط إلى نيسان من هذا العام، وتثبيت أسعار الكاز والسولار منذ تشرين الثاني 2021 حتى نيسان الماضي، ما أدى إلى تحميل الدولة كلفًا عالية لا بد من عكسها على أسعار المشتقات النفطية.
إن التأثير السلبي لارتفاع أسعار المشتقات النفطية على القوة الشرائية وأداء الاقتصاد المحلي، نظرًا لارتكازية هذه السلعة على الصعيدين الإنتاجي والاستهلاكي، يعيد كل مرة طرح التساؤلات حول مدى منطقية رفع الأسعار محليًا ومسارها في ظل التغيرات والتوترات الإقليمية والعالمية، والتي تترافق عادة مع مزيد من الارتفاع في الأسعار، لتلقي بثقلها دومًا على كاهل الفقراء ومحدودي الدخل في الأردن، فما السبب وراء هذه الارتفاعات؟ وهل كان من الممكن إيجاد سواتر تقي الاقتصاد الأردني من توترات السوق العالمية؟
ثبّتت الحكومة، منذ تموز 2019، ضريبة خاصة مقطوعةً على كل لتر من المشتقات النفطية، بواقع 37 قرشًا لبنزين 90، و57.5 قرشًا لبنزين 95، و16.5 قرشًا للسولار والكاز. وقد برّرت وزيرة الطاقة السابقة هالة زواتي مرارًا اعتماد هذا النوع من الضريبة الثابتة (Fixed Tax) بالقول إنها تنطوي على مصلحة مشتركة للحكومة والمستهلك على السواء، فتضمن الحكومة إيرادًا سنويًا ثابتًا للخزينة مهما انخفضت أسعار النفط العالمية، وتضمن للمستهلك حمايةً من ارتفاع هذه الأسعار باعتبار أن الضريبة ثابتة ولن تزيد. إلا أن ما يبيّنه الواقع اليوم هو تحقق الشق الأول فقط من هذه «المصلحة المشتركة»، فيما يُترك المستهلك لتقلبات السوق العالمية.
إضافة إلى الضريبة المقطوعة، ثمة كلفٌ أخرى تحدّد السعر النهائي للمشتقات النفطية، منها كلف الشحن البحري، وفواقد التخزين والنقل والتبخّر، وعمولات شركات التوزيع ومحطات المحروقات. بكلمات أخرى، لا تتضمن الضريبة المقطوعة هذه التكاليف، بل تضاف إليها، فهذه الرسوم والبدلات كانت موجودة عندما كانت الضريبة نسبية، أي قبل فرض الضريبة المقطوعة في تموز 2019، وقد ظلت آلية التسعير على حالها؛ فلجنة التسعير تحسب معدل أسعار المشتقات النفطية عند نهاية الشهر وتقارنه مع معدل الشهر السابق لتحديد نسبة الزيادة أو النقصان وتضيف إليها الضريبة والرسوم والبدلات، بالتالي فإن المختلف فعليًا هو فرض الضريبة المقطوعة واعتمادها بدلًا من الضريبة النسبية.
أما الضريبة النسبية فقد طالها هي الأخرى العديد من الانتقادات بسبب ما اعتراها من غموض، فقد كانت -وما تزال- الأسس التي استندت عليها الحكومة لتحديد حجم النسبة الضريبية المفروضة على السعر النهائي للمشتقات النفطية غير معلومة. على سبيل المثال، كان سعر لتر بنزين 90 في تموز 2018 يبلغ 81.5 قرشًا، متضمنًا 10% ضريبة مبيعات، و 11.5 قرشًا بدل دعم موازنة، إضافة إلى 18% ضريبة خاصة ترتفع وتنخفض حسب السوق العالمي، لكن الآلية التي يتحدد بها مقدار الارتفاع والانخفاض كانت مبهمة.
إعادة تشكيل سوق المشتقات النفطية احتكاريًا
منذ بداية عملها عام 1961 زوّدت مصفاة البترول الأردنية البلاد بكافة احتياجاتها من المشتقات النفطية، من خلال استيراد النفط الخام عبر خط «التابلاين» الواصل بين السعودية وموقع المصفاة في محافظة الزرقاء. وقد توسّعت المصفاة ثلاث مرات في الأعوام 1970 و1973 و1982 لتلبية الطلب المتزايد في السوق المحلي. استمر هذا الحال إلى عام 1990 عند اندلاع حرب الخليج الثانية، حيث توقف العمل بخط التابلاين من السعودية، وبدأ الأردن باستيراد النفط العراقي محملًا في الشاحنات بأسعار تفضيلية مقابل بضائع أردنية.
ومنذ تأسيسها عام 1958 عملت المصفاة في إطار اتفاقية امتياز مع الحكومة تضمن للمصفاة نسبة ربح لا تقل عن 7.5% ولا تزيد عن 16% من القيمة الإسمية لأسهم الشركة،[2] فيما كانت الحكومة تشارك في اتخاذ القرارات الإدارية في المصفاة. انتهى عقد الامتياز هذا في آذار 2008، ولتسوية الديون والمستحقات المالية للمصفاة على الحكومة تمّ الاتفاق أواخر العام 2009 على ضمان ربح سنوي للمصفاة، من خلال آلية تسعير المشتقات النفطية، مقداره 7.5 مليون دينار بعد اقتطاع الضريبة.
أعيد النظر في اتفاق التسوية هذا أوائل تشرين الثاني 2012، بحيث تضمن الحكومة من خلال آلية التسعير ربحًا للمصفاة مقداره 15 مليون دينار سنويًا، يُستثنى منها أرباح صناعة وتعبئة الغاز المسال، وأرباح صناعة الزيوت المعدنية، وأرباح شركة التسويق المملوكة للمصفاة أو أي شركات أخرى تابعة لها تنشأ مستقبلًا (ستُؤسس شركة تسويق المنتجات البترولية الأردنية، جوبترول، بعد هذا الاتفاق بثلاثة أشهر)، كما ستضمن الحكومة للمصفاة بيع كامل منتجاتها لشركات تسويق خاصة خلال فترة انتقالية مدتها خمسة سنوات لتتمكن المصفاة من إنجاز توسعة رابعة قبل تحرير السوق.
بالتوازي مع ذلك، ومقابل حصولها على قرض بحوالي 2 مليار دولار، انخرطت الحكومة مجددًا مع صندوق النقد الدولي في برنامج «استعداد ائتماني»[3] جديد، وأطلقت بناء عليه البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي (2012-2016) متضمنًا عبارات على شاكلة: تعزيز الاستقرار المالي ودور القطاع الخاص، وتحسين البيئة الاستثمارية وجعلها أكثر جاذبية، وما إلى ذلك. وكان مبرر اللجوء إلى برنامج صندوق النقد هو ارتفاع العجز في الموازنة العامة والحساب الجاري وارتفاع مديونية شركة الكهرباء الوطنية التي تعدّت آنذاك 2.5 مليار دينار (وصلت إلى حوالي 5 مليارات دينار عام 2021). وكان من بين وسائل تحقيق أهداف البرنامج (أو ما يسمى بالمعايير الهيكلية) رفع أسعار السولار[4] بنسبة 6% في نهاية تشرين الثاني 2012، لكن رفع الأسعار لم يقتصر على السولار، ففي الرابع عشر من الشهر نفسه ارتفعت أسعار أغلب المشتقات النفطية[5] ما أدى إلى موجة واسعة من الاحتجاجات الشعبية، لكن الحكومة اعتبرته إجراءً ضروريًا لإنقاذ الاقتصاد.
ما فعلته الحكومات المتعاقبة هو وضع سعر احتكاري -من خلال آلية التسعير- يضمن الربح لشركات التسويق كلها عبر استيعاب كل كُلف نشاطها مهما ارتفعت الأسعار العالمية، فضلًا عن تحقيق إيرادات ضخمة وثابتة -إن لم تكن متزايدة- للخزينة.
في الفترة نفسها، واستنادًا إلى المبررات ذاتها، واصلت الحكومة «استراتيجيتها» لتحرير سوق المحروقات، ليس من ناحية الأسعار فحسب؛ فقد بدأت بهذا منذ شباط 2008[6] -قبل شهر واحد من انتهاء اتفاقية الامتياز مع شركة المصفاة- حيث تم تعويم أسعار المشتقات ورفع الدعم عنها، في خطوة وصفتها بعثة صندوق النقد الدولي حينها بـ«الجريئة ولكن الضرورية»،[7] بل من ناحية فتح باب المنافسة في مجال توزيع المشتقات النفطية واستيرادها، فبعد أيام من توقيع الاتفاقية الجديدة بين الحكومة والمصفاة، وقّعت وزارة الطاقة والثروة المعدنية أواخر تشرين الثاني 2012 اتفاقيتين مع شركتي الأردنية الحديثة لخدمات الزيوت والمحروقات (المناصير) وتوتال الأردن، تُمنحان بموجبهما تراخيص لاستيراد وتسويق المشتقات النفطية على أن يشتريا لمدة خمس سنوات كامل إنتاج شركة مصفاة البترول الأردنية، والتي ستؤسس هي الأخرى شركتها الخاصة للتسويق (جوبترول) لتبدأ عملها في أيار 2013.
اكتفت الحكومة بالقول بضرورة تحرير سوق المشتقات وفتحه على المنافسة، دون تقديم حجة واضحة مدعومة بالأرقام لتفسير هذا التوجه، ودون التعرض ولو بشكل هامشي لطريقة حماية المستهلكين ذوي الدخل المحدود والمتدني من ارتفاع الأسعار الناتج عن هذه الخطوة. علمًا بأن الحكومة نفسها اعتبرت في 2009 أن فتح سوق المحروقات يعني القضاء على المصفاة، وأن الخيار الأفضل هو الإبقاء على المصفاة وتوسعتها كخيار استراتيجي وطني للأمن الاقتصادي، وأن استمرار تزوّد المصفاة بالنفط الخام هو أسهل وأسرع وأكثر أمانًا من التزوّد بالمشتقات النفطية الجاهزة.
في كل الأحوال، استمرّ التوجه الرسمي لتحرير السوق، وفي يناير 2016 وقّعت وزارة الطاقة والثروة المعدنية مذكرة تفاهم مع الشركات التسويقية الثلاثة تقضي بالسماح لها البدء في استيراد المشتقات النفطية، وعليه استوردت في أيار من ذلك العام أول شحنة من الديزل (48 ألف طن)، ووُزّعت بالتساوي على الشركات التسويقية خلال فترة تجريبية امتدت لستة أشهر. كما بدأت شركات التسويق باستيراد البنزين 95 أواخر 2017، واستيراد جميع المشتقات النفطية من السوق العالمية خلال 2018.
منذ حوالي 15 عامًا والحديث جارٍ عن سعي شركة مصفاة البترول إنجاز مشروع التوسعة الرابعة الذي يفترض به رفع القدرة التكريرية للمصفاة من 60 ألفًا إلى 120 ألف برميل نفط يوميًا، وتحسين جودة المنتجات؛ حيث يحظى ديزل وبنزين المصفاة باستثناءٍ من تطبيق المواصفة الأردنية الخاصة بنسبة الكبريت،[8] وتمّ تمديد الاستثناء أكثر من مرة إلى حين إنجاز مشروع التوسعة المتعثر بسبب التأخر في اعتماد المستثمرين الذين سيشاركون المصفاة في إنجاز المشروع، ومن بين أسباب التأخر عدمُ التزام الحكومة بسداد الديون المستحقة عليها للمصفاة بعد انتهاء العلاقة المالية بينهما في نيسان 2018[9] حيث أصبحت الشركة غير ملزمة بتوفير احتياجات السوق المحلي وتعمل على أسس تجارية، ليغطي حجم إنتاج نشاط التكرير من المصفاة عام 2021 ما نسبته 47% من حاجة السوق، ولتكون حصة شركة التسويق التابعة لها (جوبترول) حوالي 52% من حجم السوق المحلي.
وعليه، يُمكن لنا أن نفهم بأن ادعاء الحكومة ضرورةَ إنهاء احتكار (أو حصرية) مصفاة البترول لسوق المشتقات النفطية لم يكن إلا إحدى الخطوات نحو فتح السوق. وفي المقاربة الرسمية لمفهوم الاحتكار ما يستدعي التوقف عنده؛ فالاحتكار متعلقٌ في المقام الأول بتحديد الأسعار، فطالما أن الأسعار محددة سيظل هناك احتكار بغض النظر عن عدد المشتغلين في قطاع توزيع المشتقات النفطية، أي أن وجود ثلاث شركات -أو حتى مئة شركة- عاملة في هذا القطاع وفتح باب الاستيراد مع بقاء السعر مثبتًا لا يعني كسر الاحتكار.
إن المنافسة بين الشركات عمومًا تعني في الأصل تحقيق كل منها ربحًا متوسطًا يغطي كلف «الإنتاج» من الاستيراد والنقل والتكرير إلخ، وهو ما يستدعي بطبيعة الحال عدم وجود سعر محدد -مع إمكانية وضع سقوف سعرية عليا ودنيا– إنما أسعار مختلفة تتحدد بحسب اختلاف معدل التكاليف لدى جميع الشركات، وقد تخفّض شركة ما أسعارها بشكل كبير نظرًا لانخفاض كلف الإنتاج لديها، وبالتالي قد تدفع شركاتٍ منافسة تتحمّل كلفًا إنتاجية عالية إلى الخروج من السوق. إلا أن ما فعلته الحكومات المتعاقبة هو وضع سعر احتكاري -من خلال آلية التسعير- يضمن الربح لشركات التسويق كلها عبر استيعاب كل كُلف نشاطها مهما ارتفعت الأسعار العالمية، فضلًا عن تحقيق إيرادات ضخمة وثابتة -إن لم تكن متزايدة- للخزينة.
هكذا، يمكن لنا أن نفهم الغرابة في التغير بمعدل أسعار المشتقات النفطية محليًا عند مقارنتها بمعدل سعر برميل خام برنت عالميا، من ذلك مثلًا عندما كان معدل سعر برنت عام 2015 حوالي 52 دولار بلغ معدل سعر لتر البنزين 90 حوالي 59 قرشًا. بالمقابل، في عام الجائحة 2020 عندما انهار الطلب على الطاقة عمومًا وانخفض معدل سعر برنت إلى 42 دولار بلغ سعر لتر البنزين 90 حوالي 67 قرشًا.
يختلط كل ما سبق مع جوانب من عدم الوضوح في التسعيرة، فليس معروفًا على سبيل المثال ما هي قيمة أو متوسط «علاوة المورّد» التي تتضمن النقل البحري والفاقد منه وربح المورّد، فبحسب معادلة التسعير يعتمد هذا البند على عطاءات الاستيراد التي تتقدم بها الشركات التسويقية الثلاثة. يُذكر مثلًا أن الشركات التسويقية -أو بعضها- استوردت عام 2019 مشتقات نفطية من الهند بقيمة 270 مليون دينار تقريبًا، فيما غالبية المستوردات من المشتقات النفطية تأتي من السعودية وبعض دول الخليج، وهي الأقرب إلى الأردن من ناحية المسافة، فلنا أن نسأل كيف يتم احتساب هذا البند؟ هل يميل معدل أسعار الشحن لصالح البلد الأبعد أم الأقرب؟[10]، نحن ببساطة لا نعرف الإجابة، كما أننا لا نعرف كلف تكرير المشتقات النفطية في الخارج أو كلف نقلها عبر الصهاريج من ميناء العقبة إلى مستودعات التخزين المختلفة. لكن بما أن السعر محدد بشكل رسمي واحتكاري، وبما أن شركات التسويق الثلاثة لا تعاني من صعوبات في تصريف منتجاتها منذ فتح السوق، فمن المرجح أنه يتم مراعاة الحد الأعلى من هذه الكلف.[11]
لم تكتفِ الحكومة بتنظيم سوق المشتقات النفطية لجني الإيرادات وضمان أرباح الشركات في السوق، بل ذهبت أبعد من ذلك عندما أسست الشركة اللوجستية الأردنية للمرافق النفطية (جوتك)[12] التي بدأت أعمالها في منتصف 2019 على أسس تجارية وربحية بشكل كامل. وبالإضافة إلى مهمتها في ضمان مخزون استراتيجي من المشتقات النفطية للأردن، فإن الشركة تعمل على تخزين ومناولة جزء من المشتقات النفطية المستوردة، وهي تحصل على ربح مضمون حيث أن أجور التخزين والمناولة مدرجة بشكل ثابت في معادلة التسعير، وهي تبلغ حوالي خمسة دنانير لكل طن من المشتقات النفطية.
هل يعني ما سبق أن المنافسة بين الشركات تنعكس لصالح المستهلك في الأردن؟ طبعًا لا، ففي دولة تستورد حوالي 94% من احتياجاتها النفطية، سيكون بيع المشتقات النفطية الجاهزة مكلفًا دائمًا بالنسبة للمستهلك، نظرًا للكلف الإضافية التي يتضمنها السعر النهائي ما يجعله على تماس مستمر مع السقف السعري إن وجد، بالتالي لن تنخفض أسعار المشتقات النفطية في الأردن، وحتى لو وُجدت منافسة «حرة» فإنها ستنتهي بالنزوع إلى سعر احتكاري بالنظر إلى الوضع القائم. ورغم ما تردده الحكومات المتعاقبة منذ 2008 عن أن المنافسة ستتيح للمستهلك سعرًا منخفضًا وجودة أفضل،[13] إلا أن هذه المنافسة لم ولن ترَ النور، ذلك أن جهاز الدولة بات يعتمد بدرجة كبيرة على الإيرادات الضريبية المتأتية من هذا القطاع.
كان معقولًا الحديث عن إمكانية تشارك الحكومة والمصفاة في إنجاز مشروع التوسعة الرابعة وتلبية احتياجات البلاد من المشتقات النفطية عبر تكرير النفط الخام المستورد من دول الجوار بشكل رئيسي، لما يتيحه ذلك من فرصٍ للتوظيف واكتساب خبرة أوسع في مجال التكرير، فضلًا عن التوفير في الكلفة، إلا أن هذا الخيار لا يبدو معقولًا بالنسبة لمنظور اقتصادي يعتمد الجباية سبيلًا لإدارة المدفوعات العامة المصابة بالعجز الدائم.
لقد كانت لحظة رفع الأسعار في تشرين الثاني 2012 إعلانًا غير مباشرٍ من قِبل الجانب الرسمي بأن أصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية سيكونون في الصف الأول لمواجهة تحديين اثنين: تقلبات أسعار النفط في السوق العالمية، والكُلف المترتبة عن قيام الجانب الرسمي نفسه بخلق سعر احتكاري برفقة الشركات التسويقية الثلاثة التي تضمن الربح عبر آلية تسعير تضمنُ هي الأخرى إيرادًا وفيرًا للحكومة. تحصل هذه المواجهة الثقيلة في واقعٍ لا تشارك فيه الطبقات الشعبية في وضع السياسات الاقتصادية التي يتم صياغتها -محليًا ودوليًا- برعاية مؤسسات التمويل الدولية.
-
الهوامش
[1] ارتفعت أسعار المحروقات منذ مطلع حزيران 2022 بناءً على قرار لجنة تسعير المشتقات النفطية التابعة لوزارة الطاقة والثروة المعدنية، التي عزت ذلك لارتفاع أسعار النفط ومشتقاته وما يترافق معه من ارتفاع لكُلف الشحن والإمداد على المستوى العالمي، وأشارت اللجنة إلى أن قيمة الرفع للتر الواحد لكل من بنزين 90 (ارتفع 3.5 قرش)، بنزين 95 (ارتفع 6 قروش)، والسولار والكاز (ارتفع 3.5 قرش)، شكلت من الكلفة الفعلية ما نسبته 14%، و22% و11% على الترتيب، ما يعني أن قيمة الزيادة في السعر كان من المفترض أن تكون 25 قرش، 27.2 قرش، 31.8 قرش على التوالي.
[2] المادة السادسة من قانون تصديق الامتياز الممنوح لشركة مصفاة البترول الأردنية المساهمة المحدودة.
[3] في الفترة (1989-2004) نفذت الدولة ثلاثة برامج للاستعداد الائتماني SBA (Stand By Arrangements) ، وثلاثة برامج تسهيل ممتد EFF (Extended Fund Facility)، نتج عنها إلغاء الدعم عن العديد من السلع والخدمات وإطلاق مشروع الخصخصة والعمل على تحرير الأسواق الداخلية والخارجية (فهمي الكتوت، الأزمة المالية الاقتصادية في الأردن: أسباب ونتائج، دار الآن ناشرون وموزعون، عمان الأردن، 2020، صفحة 65).
[4] البنك المركزي الأردني، التقرير السنوي لعام 2012، ص 64-65.
[5] ارتفعت أسعار المشتقات النفطية كالتالي: 14% لكل لتر بنزين 90 (من 70 قرش إلى 80 قرش)، 33% لكل ليتر كاز وسولار ( من 51.5 قرش إلى 68.5 قرش)، 54% لكل اسطوانة غاز منزلي (من 6.5 إلى 10 دنانير).
[6] في شباط 2008 ، ارتفعت أسعار المشتقات النفطية الأكثر استهلاكًا بشكل كبير، فقفزت أسعار الليتر الواحد من الكاز والسولار بنسبة 76% (من 31.5 إلى 55.5 قرش)، وسعر ليتر بنزين 90 بنسبة 33.7% (من 43 إلى 57.5 قرش)ـ، وسعر اسطوانة الغاز المنزلي بنسبة 53% (من 4.25 إلى 6.5 دينار).
[7] Jordan- 2008 Article IV Consultation, March 2008, page 2.
[8] «تحدد المواصفة الأردنية نسبة الكبريت في الديزل والبنزين، بـ 10 أجزاء بالمليون كحد أدنى، في حين يحوي إنتاج المصفاة من الديزل (9000-12000) جزء بالمليون، وفي مادة البنزين (150-350) جزءًا بالمليون».
[9] كان يتوجب على الحكومة أن تسدد دينها البالغ حوالي 810 مليون دينار للمصفاة في الفترة (2018- 2020) بواقع 30%، 40%، 30% لكل عام، إلا أن الحكومة لم تلتزم بهذا الجدول، وأصدرت 9 أيلول 2019 قرارًا بقضي باقتراض جزء من المبلغ من البنوك مقابل تعهد الحكومة بسداد أقساط فوائد القرض، فاقترضت المصفاة على اسمها مبلغ 455 مليون دينار التزمت الحكومة بسدادها وما يترتب عليها من فوائد للبنوك، وفي 19 كانون الأول 2021 أصدرت الحكومة قرارا مشابهًا اقترضت المصفاة على إثره 105 مليون من البنوك وبنفس الطريقة ستعمل الحكومة على سدادها في 2022 (شركة المصفاة الأردنية، التقرير السنوي لعام 2021، ص 95). بحسب الرئيس التنفيذي لشركة مصفاة البترول الوطنية عبد الكريم العلاوين، ترتب جزء من هذه على الحكومة بسبب قيام المصفاة باستيراد زيت الوقود لصالح شركة الكهرباء الوطنية لإنتاج الكهرباء بعد انقطاع الغاز المصري بسبب الاعتداءات المتكررة على أنبوب الغاز بين البلدين منذ عام 2011.
[10] كما أن الأردن يستورد من العراق منذ أيلول الماضي ما مقداره 10 آلاف برميل يوميًا ما تشكل 6.6% من احتياجاته اليومية البالغة 150 ألف برميل، بأسعار تقل عن سعر برميل برنت بـ 16 دولار، إلا أن هذا لا يتعكس على السعر النهائي للمستهلك، على الرغم من أن السعر يشمل أجور نقله إلى موقع المصفاة في محافظة الزرقاء.
[11] في نهاية عام 2015، عندما كانت الشركات التسويقية تستعد لاستيراد المشتقات النفطية، كان هناك معلومات أن هذه الشركات -أو بعضها- تعترض على معادلة التسعير، وأنها تريد معادلة تغطي كلف الاستيراد، للمزيد انظر/ي ما قاله الرئيس التنفيذي لمصفاة البترول عبد الكريم العلاوين في الدقيقة الرابعة من هذا الفيديو.
[12] Jordan Oil Terminals Company (JOTC) تأسست في آب 2015 بتمويل إماراتي بلغ 210 مليون دولار من ضمن 1.2 مليار دولار كمنحة كان قد قدمها صندوق أبوظبي للتنمية للحكومة الأردنية منذ 2013، وكان من المفترض أن يكون هذا المشروع مشترك من حيث إنشاؤه وملكيته بين الحكومة وشركة المصفاة بواقع 51% و49%، إلا أنه تقرر أن يكون مملوك بالكامل للحكومة بعد 2012 بعد التفاهم مع إدارة المصفاة.
بلغت السعات التخزينية للمشتقات النفطية في مرافق الشركة الموجودة في عمان والعقبة 755080 متر مكعب، وللغاز البترولي المسال 41360 متر مكعب. (جوتك، التقرير السنوي لعام 2021، ص14).[13] قبل ثلاث سنوات من الآن، تحديداً في أيلول 2018، انشغل الرأي العام الأردني جزئياً بقضية تلف شمعات الاحتراق (البواجي) في مركبات بعض المواطنين بالإضافة إلى سرعة استهلاك مركباتهم للوقود، في ذلك الشهر أثارت الجمعية الوطنية لحماية المستهلك هذه الحادثة، التي عنت بأن شركة واحدة أو اثنتين أو جميع شركات تسويق المحروقات الثلاثة (توتال، المناصير، جوبترول) مسؤولة عن بيع المنتج الذي يُسبب المشاكل المذكورة، باعتبار أن هذه الشركات هي الوحيدة المتواجدة في سوق التوزيع.
حينها جرى تشكيل لجنة تضم كل من: مؤسسة المواصفات والمقاييس، نقابة وكلاء السيارات، نقابة محطات المحروقات، والشركات التسويقية الثلاثة، في سياق توجه المؤسسة إلى شركة SGS السويسرية التي تقدم خدمة ضبط الجودة بحسب القواعد الفنية العالمية ونظيرتها المحلية المطبقة في البلد المعني، حيث تم تزويدها بعينات من بنزين أوكتان 90 المُباع من قبل الشركات الثلاثة.
وفي 4\12\2018، صرحت رلى المدانات، المديرة العامة لمؤسسة المواصفات والمقاييس آنذاك، أن نتائج تقرير فحص العينات أبان أن نسبة مادة المنغنيز في البنزين المكرر محلياً من قبل مصفاة البترول تبلغ 24ملغ/ لتر وفي البنزين المستورد 0.1 ملغ/ لتر علماً أن القاعدة الفنية تسمح بوجود هذه النسبة عند 2 ملغ/ لتر كحد أعلى، كما أشارت المدانات إلى احتواء البنزين المستورد على نسبة من عنصر الحديد دون أن تحدد النسبة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لم يكن هناك تحديد لنسبة هذا العنصر في القاعدة الفنية، كنتيجة أشارت مدانات إلى أنه سيتم التوجه إلى رئاسة الوزراء لتعديل الاستثناء الممنوح لمصفاة البترول ليتم اقتصاره على مادة الكبريت مع استثناء المنغنيز.
بعد يوم واحد فقط، وعلى الرغم من أن مؤسسة المواصفات والمقاييس لم توجه اتهام «صريح» لجهة بعينها، وجهت مصفاة البترول المالكة لشركة جو بترول على لسان رئيسها التنفيذي عبد الكريم العلاوين، انتقادات حادة للمؤسسة ادعى فيها بأن تصريحات المدانات غير محايدة، وبأنه لا شكاوى ظهرت على جودة مادة البنزين التي تنتجها المصفاة من 60 عاماً، في إشارة إلى بدء استيراد البنزين من الخارج من قبل توتال والمناصير، وبأن سبب تلف (البواجي) هو كمية الحديد العالية في البنزين المستورد، وأن الحديد لم يعد يُستخدم بالأساس كمادة مضافة إلى البنزين بحسب المراجع الدولية.
في نهاية المطاف، مع اختصار ذِكر ردود وأحداث أخرى، قامت اللجنة الفنية الدائمة للبترول ومشتقاته في مؤسسة المواصفات والمقاييس، بتعديل القاعدة الفنية الأردنية (مؤسسة المواصفات والمقاييس، التقرير السنوي لعام 2018، صفحة 56)، لتقوم الحكومة بإقرارها في منتصف كانون ثاني 2019، وعليه تم منع استيراد البنزين الذي يحتوي على مركبات الحديد، بالإضافة إلى منع المصفاة من إنتاج بنزين يحتوي على منغنيز بأكثر من 2 ملغ/ لتر، وبذلك لم يتم معرفة المسؤول عن تلف (البواجي).
يُذكر أن اللجنة الفنية الدائمة للبترول ومشتقاته تضم في عضويتها ممثلين عن كل من: وزارة الطاقة والثروة المعدنية، ووزارة الصناعة والتجارة والتموين، ووزارة البيئة، ووزارة الصحة، والمديرية العامة للدفاع المدني، وغرفة صناعة الأردن، وغرفة تجارة الأردن، والجمعية العلمية الملكية، والجمعية الكيميائية الأردنية، وشركة مصفاة البترول الأردنية، وشركات تسويق المحروقات الثلاثة.