(تنويه: حُدّثت أعداد الشهداء والجرحى في هذا التقرير بعد إعلان وزارة الصحة اللبنانية، ظهر الثلاثاء 23 أيلول 2024، حصيلة محدّثة لنتائج العدوان)
بعد سلسلة من الأيام الدامية، شهد يوم الإثنين تصعيدًا إسرائيليًا ضد لبنان هو الأكبر منذ فتح الجبهة اللبنانية في اليوم الثاني من الحرب على غزة. إذ قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلية منذ الفجر مئات المباني في جنوب لبنان والبقاع، راح ضحيتها، بحسب أحدث بيانات وزارة الصحة اللبنانية، ما لا يقل عن 558 شهيدًا، من بينهم خمسون طفلًا، و94 امرأة، وأربعة مسعفين. إضافة لإصابة 1835 جريحًا، بينهم 16 مسعفًا، كما استهدفت قوات الاحتلال مركزين طبيين، ومستشفى، و14 سيارة إسعاف وإطفائية.
طال العدوان الإسرائيلي الأخير مناطق تصلها الغارات لأول منذ الثامن من أكتوبر، إذ توسعت في جنوب لبنان والبقاع بعيدًا عن القرى والبلدات الحدودية، وشهدت كثافة نارية غير مسبوقة، ما تسبب بموجة نزوح جديدة وازدحامات مرورية على الطرق الرئيسة المتجهة نحو بيروت ومحافظات الوسط والشمال.
استهدفت الغارات، التي فاق عددها الألف، مئات المباني السكنية التي دُمّر كثير منها بشكل كامل، إضافة لقصف عدد من الطرق الرئيسة في الجنوب، ومحطات تعبئة الوقود، وقوافل سيارات النازحين، بحسب وزير الصحة اللبناني، فراس الأبيض.
يأتي هذا التصعيد بعد أقل من أسبوع على مجزرتيْ الثلاثاء والأربعاء اللتين جرى فيهما تفجير آلاف أجهزة النداء الآلي (البيجر) والأجهزة اللاسلكية التي راح ضحيتهما 37 شهيدًا وأكثر من 5000 جريح، ثم القصف الذي طال الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الجمعة، والذي استشهد فيه 55 لبنانيًا من بينهم قياديان وعناصر من قوة الرضوان في حزب الله، وعشرات المدنيين بينهم سبعة أطفال، فيما جرح 66 شخصًا، وهناك عدد كبير من الأشلاء التي لم يتمّ التعرف على هوية أصحابها حتى الآن. فيما ظل تسعة لبنانيين في عداد المفقودين، بعد انهيار مبنيين بالكامل في منطقة الجاموس المكتظة بالسكان. ليرتفع بذلك إجمالي عدد الشهداء منذ الثلاثاء الفائت إلى ما لا يقل عن 650 شهيدًا.
دفع اشتداد الغارات وتصاعد أعداد الشهداء والجرحى الحكومة اللبنانية لاتخاذ إجراءات طوارئ، إذ أصدرت وزارة الصحة بيانًا لجميع المستشفيات في محافظات الجنوب والنبطية وبعلبك الهرمل بوقف كل العمليات غير العاجلة لإفساح المجال لمعالجة الجرحى. ووجهت وزارة الداخلية بفتح المدارس والمعاهد الرسمية لإيواء النازحين خاصة من الجنوب، فيما أعلنت وزارة التربية والتعليم تعليق دوام المدارس والجامعات في كافة المناطق اللبنانية الثلاثاء. كما تعمل قوى الأمن الداخلي اللبنانية على تحويل حركة السير من الطرق المتضررة بالقصف في ظل كثافة حركة النزوح من قرى وبلدات الجنوب.
وكان جيش الاحتلال بث منشورات تدعو سكان منطقة البقاع للإخلاء والابتعاد عما أسماها المباني التي «تحتوي أسلحة لحزب الله»، فيما قال مدير عام شركة أوجيرو للاتصالات إن الشركة رصدت 80 ألف محاولة اتصال يشتبه بكونها إسرائيلية تطالب اللبنانيين بإخلاء منازلهم، مضيفًا إنها جاءت من الخارج مموهة برقم لبناني وتهدف لإحداث حالة من القلق.
وبعد ساعات من القصف، أغارت طائرات جيش الاحتلال على الضاحية الجنوبية لبيروت للمرة الرابعة منذ بداية الحرب، حيث أطلقت 3 صواريخ على مبنى سكني في منطقة بئر العبد بالضاحية. وأفادت وسائل إعلام بوجود 7 جرحى كحصيلة أولية.
وكان يوم الأحد شهد موجة ضربات واسعة نفذها حزب الله، طالت أهدافًا تبعد أكثر من 46 كيلومترًا عن الحدود اللبنانية، وشملت مناطق في محيط حيفا فضلًا عن العفولة ومناطق مختلفة في الجليل الأسفل والأعلى والجولان وطبريا. كما استهدف حزب الله للمرة الثانية قاعدة ومطار رامات دافيد شرق حيفا بصواريخ فادي-1 وفادي-2، إضافة لقصف مجمع الصناعات العسكرية لشركة رفائيل المتخصصة في منطقة زوفولون شمال حيفا.
واستمرت يوم الإثنين هجمات حزب الله على الشمال بإطلاق ما لا يقل عن 210 صواريخ، أدت إلى إدخال أكثر من مليون إسرائيلي إلى الملاجئ. حيث استهدف المقر الاحتياطي للفيلق الشمالي وقاعدة تمركز احتياط فرقة الجليل ومخازنها اللوجستية في قاعدة عميعاد جنوب صفد، والمخازن الرئيسية التابعة للمنطقة الشمالية في قاعدة نيمرا غرب طبريا بعشرات الصواريخ، ومقر الكتيبة الصاروخية والمدفعية في ثكنة يوآف في الجولان السوري المحتل، ومقر قيادة الفيلق الشمالي في قاعدة عين زيتيم شمال صفد، إضافة لاستهداف كل من قاعدة رامات دافيد ومجمع شركة رفائيل مجددًا، وذلك بحسب بيانات الإعلام الحربي لحزب الله.
وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن توسيع حزب الله لنطاق ضرباته ليصل 120 كيلومترًا، ونقلَت سقوط صواريخ داخل مدينة حيفا لأول مرة منذ بداية الحرب، فيما جرى تداول فيديوهات تصور مرور صواريخ حزب الله في سماء المدينة ومحاولة صواريخ القبة الحديدية اعتراضها. كما سقطت الصواريخ في كريات طبعون جنوب حيفا، ورامات يشاي شرق حيفا، وجفعات أفني بالجليل الأسفل، وحتى في مستوطنات في الضفة الغربية.
وبعد أيام من إعلان حالة الطوارئ في الجبهة الداخلية في مناطق الشمال، صادقت الحكومة الإسرائيلية مساء الإثنين على قرار بتوسيع نطاق الحالة ليشمل جميع أنحاء «إسرائيل» ويستمر لمدة أسبوع، حسبما نقلت هيئة البث الإسرائيلية.
سياسيًا، صرح نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم يوم الأحد بأن «الحرب دخلت مرحلة جديدة، معركة الحساب المفتوح»، مضيفًا أن استهداف محيط حيفا يوم الأحد كان بمثابة «دفعة على الحساب»، وذلك في كلمة ألقاها خلال تشييع قائد قوة الرضوان، الشهيد إبراهيم عقيل. وأضاف قاسم أن حزب الله «لن توقفه التهديدات»، وأنه مستعد «لمواجهة كل الاحتمالات العسكرية». فيما قال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إن العدوان يمثل «حرب ابادة بكل ما للكلمة من معنى، ومخطط تدميري يهدف إلى تدمير القرى والبلدات اللبنانية».
على الجانب الإسرائيلي، تبادل المسؤولون الأدوار لإطلاق التهديدات تجاه لبنان. حيث خرج المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، دافيد مينسر، في مؤتمر صحفي يوم الإثنين ليبرر العدوان، قائلًا إن حزب الله أطلق أكثر من 9000 صاروخ باتجاه مستوطنات الشمال منذ السابع من أكتوبر، مكلفًا «إسرائيل» خسائر ضخمة، مجددًا مطالبة حزب الله بالانسحاب إلى شمال نهر الليطاني، «الذي تعتبره إسرائيل حدودها الشمالية»، على حد تعبيره، في إشارة غير مسبوقة. فيما جدد وزير الخارجية، يسرائيل كاتس، التهديد بأن «إسرائيل لن تتوقف حتى تعيد الأمن لمواطنيها وسكان الشمال إلى منازلهم». ونقلت وسائل إعلام إٍسرائيلية عن وزير الحرب يوآف غالانت وصفه غارات الإثنين بأنها «مرحلة جديدة في القتال»، داعيًا الإسرائيليين للتحلي «برباطة الجأش في الأيام المقبلة».
أما في الولايات المتحدة، فأعلن البنتاغون اعتزامه إرسال «عدد قليل من القوات» إلى المنطقة في ظل التصعيد الحالي، مضيفًا أن «اندلاع صراع إقليمي أوسع محتمل»، وأن الولايات المتحدة مستمرة في «توفير مساعدات أمنية لإسرائيل لتتمكن من الدفاع عن نفسها».