فرّقت الأجهزة الأمنية الأردنية أمس الأربعاء وفضّت عدة تجمعات احتجاجية في محيط الدوّار الخامس ضمّت معلمين وحراكات شعبية وحزبية، للاحتجاج على اعتقال أعضاء مجلس نقابة المعلمين الأردنيين ووقف النقابة عن العمل لمدة سنتين، وأوقفت نحو 500 مشارك في الاعتصام بحسب تقديرات محامين تابعوا الاعتقالات، قبل أن تفرج تدريجيًا عنهم.
وكانت فروع نقابة المعلمين في المحافظات قد دعت مطلع الأسبوع الحالي لتنفيذ اعتصام مركزي أمام دار رئاسة الوزراء على الدوار الرابع بعد اعتقال مجلس النقابة وإغلاق فروعها. وعلى مدار اليومين اللاحقين للدعوة، اعتقلت الأجهزة الأمنية نحو 25 شخصًا من رؤساء الفروع في المحافظات وأعضاء للهيئات المركزية والعامة لنقابة المعلّمين في المحافظات، بحسب رصد للأسماء التي نشرتها صفحات فروع النقابة على الفيسبوك.
وأكدت الحكومة على لسان وزير الدولة لشؤون الإعلام، أمجد العضايلة، في مؤتمر صحفي عقد أمس بالتزامن مع مظاهرة المعلمين، على أن «التعامل مع محاولات الاعتصام والتجمهر يتم لمنع التجمهر بأعداد تزيد عن المسموح به لضمان الصحة والسلامة العامة» في ظل تعامل المملكة مع جائحة كورونا، و«الحيلولة دون تعطيل أي أماكن عامة أو شوارع حيوية».
وتواصلت حبر مع العضايلة للحصول على تعليق حول اعتقال رؤساء فروع النقابة وأعضاء هيئاتها في الأيام الماضية، إلا أنه رد بالقول إنه لا يتدخل «في الأمور المعروضة على القضاء».
وكانت الحكومة قد أكدت على منع تنفيذ موظفي القطاع الحكومي لاعتصامات ومظاهرات وفق ما ينص عليه نظام الخدمة المدنية. جاء ذلك بعد أيام من عقد وزراء التربية والتعليم والعدل والدولة لشؤون الاعلام مؤتمرات صحفية وضّحوا خلالها الخلاف مع النقابة، التي قال وزير التربية والتعليم إنها مارست سياسة الاستقواء والإملاء.
وبحسب محامين زاروا عددًا من أعضاء المجلس المعتقلين، فإن الأعضاء الذين زاروهم، وهم كفاح فرحان وعبد السلام عياصرة ونائب النقيب ناصر النواصرة، مضربون عن الطعام منذ السبت الماضي، بينما أصدر محامي النقابة بسام فريحات بيانًا عصر اليوم الخميس قال فيه إن أعضاء مجلس النقابة والمعلمين الذين اعتقلوا قبيل اعتصام الأربعاء تعرضوا لانتهاكات «صارخة» من حيث آلية وظروف الاعتقال ومنع تنفيذ الاعتصام الذي كان مقررًا الأربعاء، وأوضح انه سيخاطب مؤسسات محلية ودولية للتدخل.
بدأ وصول المعلمين القادمين من محافظات المملكة المختلفة إلى العاصمة ليلة الثلاثاء، للمشاركة في الاعتصام المنوي تنفيذه على الدوار الرابع في الساعة الخامسة عصر الأربعاء.
صباح الأربعاء بدأت الحكومة الأردنية خطة أمنية قالت إنها أتت للتعامل مع عيد الأضحى، حيث انتشرت نقاط أمنية على مداخل العاصمة وفي محيط الدوار الرابع، وانتشرت سيارات الأمن العام والدرك في مناطق الشميساني وعبدون ومحيط الدواوير الثالث والرابع والخامس، وطلبت هويات بعض السائرين على الأقدام المتجهين إلى الدوار الرابع، وطلبت منهم تغيير اتجاههم وأوقفت العديد منهم في المراكز الأمنية.
في طريقه من إربد إلى عمّان، أوقفت الأجهزة الأمنية المعلم عبّاس العزّام، رئيس اللجنة الاجتماعيّة في نقابة المعلمين فرع إربد، ونُقل إلى مركز أمن مدينة إربد، وبعدها إلى المحافظ، ثم إلى سجن باب الهوى في إربد قبل الإفراج عنه. «قعدنا ساعتين، طلعونا على أذان المغرب بدون تعهد، كنّا بباب الهوى أنا والنقابي [المعلم] نصر سالم العكور»، يقول العزّام.
أما المعلمة انشراح صندوقة، فأوقفتها الأجهزة الأمنية وشقيقاتها وصديقة لهنّ، وهن في طريقهن من الشميساني الى الدوار الرابع في محاولة الوصول لمكان الاعتصام.
تقول صندوقة، معلمة الفيزياء منذ 20 عامًا في إربد، إنها جاءت صباح الأربعاء بواسطة المواصلات العامة من إربد كي تضمن الوصول لمكان الاعتصام، والتقت بشقيقاتها المعلمات وصديقة لهن في منزل عائلتها الكائن في عمان، وتوجهن لمستشفى الأردن بسيارات الأجرة. بعد وصولهن ومسيرهن خطوات قليلة باتجاه الرابع، أوقف رجال أمن صندوقة وشقيقاتها، وأخبروهن بأن الطريق إلى الرابع مغلق وأن يتوجهن لمنطقة أخرى، استمرت المعلمات بالسير قبل أن يستدعي رجال الأمن الشرطة النسائية وباص الاعتقال الذي نقلهن الى مركز أمن العبدلي، حيث تمت مصادرة هواتفهن وأخذ ايفادتهن وإيداعهن في نظارة النساء.
تقدّر صندوقة إنها وشقيقاتها أودعن للنظارة قرابة الساعة الثانية ظهرًا، وكانت النظارة خالية من المراوح أو وسائل التهوية في ظل ارتفاع درجات الحرارة، كما تقول. لاحقًا، أودعت خمسة معلمات أخريات قادمات من منطقة عين الباشا في النظارة نفسها. ونحو الساعة السابعة بحسب تقدير صندوقة، خرجت المعلمات جميعهن من النظارة وتمّ الإفراج عنهن، دون أن يقابلن أي محامي في المركز الأمني.
في أحد الشوارع الفرعية في منطقة الشميساني، تجمع العشرات للتحضير للاحتجاج، وتوجهوا نحو الدوّار الخامس بدلًا من الرابع للالتقاء بمجموعات أخرى كانت تسير في تلك الأثناء من الدوّار السادس ومنطقة عبدون باتجاه الخامس. وهتفوا داخل الأحياء للإفراج عن مجلس النقابة المسجون، وضد الاعتقالات والتهديدات التي طالت المعلمين خلال الأيام الماضية.
وفي محيط الدوار الخامس، تركّزت ثلاث تجمعات رئيسية للاحتجاج من ثلاثة مداخل ضمّت كل منها المئات، وشملت القادمين من مناطق الشميساني، ومن الدوار السادس، ومن منطقة عبدون. ومنعت الأجهزة الأمنية التجمعات من الالتقاء أو الاعتصام أو على الدوار، وكان العشرات تجمعوا أسفل جسر عبدون المعلق وفي محيط الدوار الثالث ولم يتمكنوا من الالتحاق بالتجمعات الرئيسية.
في التجمع القادم من الشميساني، تجلس المعلمة القادمة من سحاب أم عبدالله على الرصيف، وتقول إنها جاءت للاعصام للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين من نقابة المعلمين، وتنفيذ الاتفاقية الموقعة بين الحكومة والنقابة. تقول أم عبدالله إن الحكومة تصوّر مطالب المعلمين المحتجين على أنها مادية وتتعلق بالقرار الحكومي الصادر بموجب أمر الدفاع بوقف العلاوات لموظفي القطاع العام، وهو الأمر غير الصحيح بحسبها. تقول: «إحنا أول ناس وقفنا مع الوطن وأول ناس تبرع بنص سيولته، وأول ناس تبرعنا باقتطاع راتب يوم بكل رضى من المعلمين»، في إشارة لتبرّع نقابة المعلمين بنصف مليون دينار في بداية أزمة الكورونا، وراتب يوم من كل معلم.
تبلغ علاوة أم عبدالله التي تعمل معلمة للصف الأول منذ 15 عامًا 70 دينارًا، بحسب الاتفاق الذي توصلت إليه النقابة مع الحكومة في العام الماضي بعد إضرابٍ عن العمل استمرّ لمدة شهر. لكنّ الحكومة أوقفت العلاوة منذ شهر (نيسان) عملًا بأمر دفاع صدر في نيسان بوقف جميع علاوات القطاع الحكومي حتى نهاية العام الحالي. تقول أم عبدالله إن وقف العلاوة كان مؤثرًا بالنسبة لراتب يتقسّم بين أجرة المنزل وفواتير الكهرباء وتعليم الأبناء في الجامعات، لكن بحسبها كان المعلمون مستعدين للتخلي عن العلاوة حتى نهاية العام لو تمّ ذلك بالتوافق والتشاور معهم.
يقول المرشد التربوي عصام نعيمات القادم من محافظة معان، إن مطلب المعلمين ليس ماديًا، بل يتعلق بتنفيذ كافة بنود الاتفاق الذي قالت الحكومة إنها نفّذت معظم بنوده، ويضيف النعيمات أن بعض البنود نفذت دون حوار أو اتفاق مع مجلس النقابة المعلمين. «من بداية اعتصاماتنا ما في تخريب، بنحاول ما نشتبك مع الأجهزة الأمنية، مع ذلك بعتقلوا، وأوقفوا مجلس النقابة المنتخب. هذول رأينا الشرعي، همّ الممثلين المؤتمنين على نقابتنا»، يقول.
وكان وزير التربية والتعليم تيسير النعيمي أعلن في مؤتمر صحفي تنفيذ كافة بنود الاتفاقية المبرمة مع المعلمين، باستثناء بندين يتطلبان تعديلات تشريعية، وهو ما ينفيه عضو الهيئة المركزية عن فرع نقابة المعلمين في جرش سعيد مقابلة الذي تواجد في الاعتصام. «الاتفاقية 15 بندًا، [الحكومة] نفذت بند واحد يتعلق بمكرمة أبناء المعلمين»، ويقول المقابلة إن الحكومة وضعت عراقيل أمام تنفيذ العديد من بنود الاتفاق الأخرى كصعوبات تتعلق بترخيص أكاديمية تدريب المعلمين، بالإضافة إلى ما وصفه بـ«تعسف وتفرّد» في إقرار نظام الرتب وتعليق الحوار مع مجلس النقابة. ويصف المقابلة قيام الحكومة بتشكيل لجنة لإدارة شؤون نقابة المعلمين بأنه تصرف «صارخ غير مقبول»، ومخالف لقانون نقابة المعلمين الذي ينصّ على أن تشكيل اللجان يكون في حالة حلّ مجلس النقابة.
بعد ساعة ونصف على الاحتجاج، بدأت الأجهزة الأمنية بفضّ الجموع الثلاث في محيط الدوّار الخامس، واعتقلت العشرات، ومنعت التصوير، وصادرت هواتف نقالة، ولاحقت المعتصمين الذين تجمعوا في شوارع فرعية بعد محاولات التفريق.
واشتكى معتصمون يوم أمس من سوء خدمة الإنترنت في محيط الدوار الرابع، خاصة خدمة البث المباشر عبر فيسبوك، وأشار العديد منهم إلى الحاجة لاستعمال شبكات افتراضية (VPN) من أجل بثّ ما يحصل. وفي الوقت نفسه أشارت منظمة نت بلوكس (NetBlocks)، ومقرّها بريطانيا، إلى أنّها أجرت اختبارات على شبكة الإنترنت في الأردن، وقد تبين لها أن عددًا من مزودي خدمة الإنترنت في الأردن قد حظروا سيرفرات البث المباشر الخاصة بفيسبوك.
يقول المعلم محمد زريقات القادم من محافظة الكرك إنه جاء للمطالبة بالإفراج عن أعضاء مجلس نقابة المعلمين الموقوفين. «هذه النقابة منتخبة من قِبلنا إحنا المعلمين، إحنا انتخبناها تمثل رأينا وتمثل آراءنا وتقوم بما نمليه عليها، قرار النقابة ليس من شخص المجلس هو قرار 100 ألف معلم»، يقول زريقات.
من جهته يعلّق سالم الفلاحات، نائب الأمين عام لحزب الشراكة والإنقاذ، على الإجراءات الأمنية التي اتخذت للتعامل مع اعتصام المعلمين بالقول إن طريقة كانت «عرفية وعسكرية» على حد تعبيره. لكنه يرى أن المعلمين تمكنوا من الاعتصام وإيصال الرسالة رغم كل الإغلاقات والاعتقالات التي سبقت الاعتصام.
وكان حزب الشراكة والإنقاذ أصدر بيانًا عصر الأربعاء دان فيه منع اعتصام المعلمين، قائلًا إن ما حدث «مشهد تجاوزت فيه السلطة حدود القانون والدستور». كما أصدر حزب الوحدة الشعبية بيانًا أعرب فيه عن استيائه من استخدام «القسوة المفرطة والعنف غير المبرر»، مع المعتصمين في محيط الدوار الرابع والخامس. بينما وصف حزب جبهة العمل الإسلامي في بيان صدر عنه الأربعاء منع اعتصام المعلمين يوم الأربعاء بأنه «يوم أسود في تاريخ الحريات في الأردن».
ووفقًا لأكثر من محامٍ ضمن الملتقى الوطني للدفاع عن الحريات، وهو ملتقى يضم مجموعة من المحامين للدفاع عن المعلمين، فإنَّ أعداد من أوقفوا يوم الأربعاء من المعلمين قد وصلت إلى 500 موقوف. يقول المحامي مالك أبو عرابي مفسرًا ارتفاع العدد إن العديد من الأشخاص تم اعتقالهم لمدة قصيرة، والبعض تم اعتقاله مرتين.
وتركزت التوقيفات، بحسب المحامين، في مراكز أمن البيادر، ووسط البلد، ومركز أمن أبو نصير، وشرطة شمال عمّان، والشميساني، وزهران، وبدأت هذه التوقيفات منذ ظهيرة الأربعاء، وكان بين الموقوفين معلمون من إربد والكرك والرمثا والمفرق.
وفقًا لصبحي،* أحد المعلمين المشاركين، والذي جاء من محافظة إربد، فقد أوقِف بحدود الساعة الرابعة والنصف بالقرب من الدوار الخامس، واقتيد إلى مركز أمن زهران، ولكن للاكتظاظ الذي كان في المركز نقل إلى مركز أمن الحسين، وبقي فيه حتى قرابة الساعة التاسعة مساء.
مع صبيحة يوم الخميس، كان معظم من أوقف من المعلمين يوم الأربعاء قد خرج، وفقًا لبسّام الفريحات. أمّا من لا زالوا موقوفين، فهم أعضاء المجلس الذين تم إيقافهم يوم السبت الماضي، وعددهم 13 عضوًا، إضافة إلى 15 موقوفًا، يتوزعون بين رؤساء فروع وأمناء سر، وأعضاء هيئة مركزية لنقابة المعلمين. «هاي دخل العيد ورح يظلوا طول العيد» يقول الفريحات.
* اسم مستعار بناء على رغبة صاحبه.
ساهم صحفيون آخرون في هذا التقارير عبر المقابلات والمشاهدات.