مع بدايات العدوان الإسرائيلي على غزة، ظهرت تخوفات حكومية من وقف توريد الغاز الإسرائيلي، وصرّحت بأنها تبحث عن حلولٍ ممكنةٍ وبدائلَ للغاز الإسرائيلي في حال انقطاعه. وكان وزير الطاقة والثروة المعدنية صالح الخرابشة قال نهاية العام الماضي إنّ المخزون الاستراتيجي من الغاز في الأردن يكفي لمدة 60 يومًا، مع الإشارة إلى أهمية التنويع في مصادر الطاقة والتوسع في مشاريع إنتاج الطاقة محليًا لتلافي أزمات الارتباط بالغاز المستورد.
ليست هذه المرّة الأولى التي تثار فيها المخاوف حول قطاع الطاقة في الأردن، إذ أحدث انقطاع إمدادات الغاز المصري إلى الأردن بين عامي 2011 و2013، والذي كان يُعتمد عليه لإنتاج ما نسبته حوالي 80% من حاجة الأردن من الكهرباء، تحوّلات اضطرارية نحو استيراد وتشغيل وحدات التوليد على الديزل والوقود الثقيل في وقت كانت فيه أسعار النفط العالمية مرتفعة للغاية، ما أدى إلى خسائر متراكمة زادت عن أربعة مليارات دينار أردني، بحسب المدير العام السابق لشركة الكهرباء الوطنية أحمد الحياصات.
بعدها، قطعت الحكومة خطوات متقدمة من أجل تحصيل استثمار لإنتاج الكهرباء عبر مشروع حرق الصخر الزيتي الذي توافر منه في الأردن حوالي سبعة مليارات طن زيت صخري، بحسب تقديرات وزارة الطاقة والثروة المعدنية. وفي نهاية عام 2012 قدمت شركة إيستي إنيرجي الإستونية عرضًا للحكومة لبناء محطة كهرباء عاملة على الصخر الزيتي بتكلفة تبلغ حوالي 2.15 مليار دولار أمريكي، وبسعة توليد إجمالية تبلغ 470 ميغاواط، وذلك بعد تنفيذ دراساتٍ فنية وبيئية واقتصادية بكلفة 30 مليون دولار، بحسب المدير العام السابق لسلطة المصادر الطبيعية ماهر حجازين. بعد عامين من المفاوضات، مضت الحكومة بالمشروع، ثم أُمهلت الشركة فترة زمنية لإيجاد تمويلٍ للمشروع ذي المخاطر المرتفعة حينها. كانت البنوك الصينية هي الجهة الوحيدة التي وافقت عام 2017 على تمويل المشروع عبر قرضٍ يبلغ نحو 1.6 مليار دولار، على أن تدخل إحدى الشركات الصينية شريكة في المشروع. وبناءً عليه تشكل ائتلاف شركة العطارات المملوك من قبل الشركة الإستونية بنسبة 10%، وشركة ماليزية بنسبة 45%، فيما بلغت حصة الشركة الصينية 45%.
بعد توقيع الاتفاقية، ومع اقتراب المشروع من الاكتمال والتشغيل؛ أعلنت الحكومة عام 2019 أنها ستلجأ إلى التحكيم الدولي ضد الشركة على أرضية «الغبن الفاحش» في سعر شراء الطاقة من الائتلاف، بعد أن كان التوقيع على الاتفاقية بصيغتها الحالية يمثل انتصارًا للحكومة بحسب الحياصات، خصوصًا في ظل أزمة الطاقة التي عانت منها البلاد حينها. ومع الأخذ بعين الاعتبار أن سعر شراء وحدة الطاقة الكهربائية من المحطة ليس رقمًا ثابتًا، إنما يخضع لمعادلة سعرية تأخذ في الاعتبار نسبة الدين إلى التكلفة وعمر المحطة الافتراضي وغيرها من العوامل بحسب حجازين. ويتناقص سعر الشراء من المحطة مع مرور الزمن بحسب بيان لشركة العطارات، والتي تشير إلى أن متوسط سعر بيع الطاقة المتفق عليه مع الحكومة هو 73 فلسًا/ك.و.س، بينما قالت وزيرة الطاقة والثروة المعدنية السابقة هالة زواتي إن تكلفة الكيلوواط هي 102 فلسا منتجًا في أرضه، يضاف إليها تكاليف نقله عبر شبكات النقل والتوزيع ليصل إلى المستهلك بسعر يبلغ نحو 130 فلسًا.
بعد أربعة أعوام من التقاضي، ردّت هيئة التحكيم قبل أسابيع القضية بعدما قررت أنه لا يوجد غبن فاحش في التعرفة. وعليه، صار لزامًا على شركة الكهرباء الوطنية شراء الطاقة من المحطة التي تعمل الآن بكامل طاقتها ولمدّة 30 عامًا. وفي ظل اعتماد توليد الكهرباء في الأردن على الغاز الإسرائيلي بنسبة تصل إلى 73% يقول حجازين إن اتفاقية الغاز مع الاحتلال الإسرائيلي لم يكن ينبغي أن تتم لأنها تترك المملكة أمام سيطرة المورّد الإسرائيلي.
يعتبر الحياصات أن الحل لتحقيق أكبر استفادة من المشروع هو الانتقال إلى مرحلة ثانية نظرًا لتوافر البنية التحتية وبعض العناصر الفنية للمشروع، ما يقلل تكلفة شراء الكيلوواط إلى نحو 50 فلسًا بحسب تقديراته.
في ضوء خسارة القضية، طُرحت خيارات أخرى لتحقيق الاستفادة القصوى من المشروع، من بينها مثلًا أن تعيد الحكومة التفاوض مع الشركة على سعر الشراء، لكن الحياصات يعتبر أن خيار إعادة التفاوض اليوم بين الحكومة وشركة العطّارات لتقليل التعرفة صار متأخرًا، مشيرًا إلى إمكانية العمل على بند تجديد الاتفاقية تلقائيًا مدة 10 إلى 15 عامًا إضافيًا، ما سيخفف من سعر التعرفة، تحديدًا في المراحل الأولى من المشروع.
ويرى الحياصات أن أبرز أسباب ارتفاع التعرفة هي ارتفاع فوائد التمويل على المشروع، معتقدًا أن دخول الحكومة كشريك في المشروع كان ليخفّض تكلفة شراء الكهرباء بحيث تحصل على جزءٍ من عوائد الاستثمار. مضيفًا أنه سبق واقتُرح على مؤسسة الضمان الاجتماعي الدخول كشريكٍ في المشروع، إلا أنها لم تدخل فيه لارتفاع مخاطره، رغم تأكيد بعض الخبراء على ربحيته، وهو ما ينطبق كذلك على محاولات التمويل من خلال البنوك المحلية.
أما حجازين، فيعتبر أن فرصة شراء حصة أحد الشركاء ما تزال ممكنة للحكومة، حيث تجيز اتفاقية العطارات بيع حصص الشركاء شرط الالتزام بالاتفاقية، معتقدًا أن هذه الخطوة هي أحد حلول تخفيض تكلفة تعرفة توليد الكهرباء من المشروع، مقترحًا أن تشتري الحكومة -أو مؤسسة الضمان- حصة أحد الشركاء مع إمكانية طرح هذه الحصة للاكتتاب العام.
من جهته، يعتبر الحياصات أن الحل الأبرز لتحقيق الحكومة أكبر استفادة ممكنة من المشروع هو الانتقال إلى مرحلة ثانية من المشروع عبر التوسع فيه، حيث يحتاج النظام الكهربائي إلى التوسعة مع مرور الزمن. قائلًا إن الدخول في مرحلة ثانية سيكون أقل تكلفة من الأولى نظرًا لتوافر البنية التحتية وبعض العناصر الفنية للمشروع، ما يقلل تكلفة شراء الكيلوواط إلى نحو 50 فلسًا بحسب تقديراته. ويضيف حجازين أن انخفاض المخاطرة المالية في هذه الحالة سيؤدي إلى تخفيض أسعار الفوائد، حيث سيُنظر للمرحلة الأولى باعتبارها مرجعًا للممولين، ما سيجعل تمويل المرحلة الثانية أسهل بحسب توقعاته.
ترى أسماء أمين، الكاتبة المهتمّة بقطاع الطاقة، إلى أن تباطؤ نمو الطلب على الطاقة يمكن أن يكون أحد العوائق أمام مشروع توسعة الإنتاج من العطارات أو مشاريع الصخر الزيتي عمومًا، خصوصًا وأن فائض ما ولّده الأردن من الطاقة خلال السنوات الماضية يفوق النسبة الضرورية التي قد يحتاجها في حالات الطوارئ (وهي 10%-15%)، وأن الحكومة أوقفت سابقًا ولعدة سنوات بعض المشاريع التوليدية الجديدة، سواء عبر الطاقة التقليدية أو المتجددة، حتى أصبح الطلب على الكهرباء يوازي الإنتاج. قائلة إن مشروع زيادة الإنتاج من محطة الصخر الزيتي، قد لا يكون الحل الأمثل، إنما يحتاج الأمر إلى خطة اقتصادية شاملة يجري من خلالها توسعة النشاطات الاقتصادية والصناعية التي تتطلب كميات كبيرة من الكهرباء، كتحويل قطاع النقل إلى الكهرباء مثلًا، وهذه خطة تحتاج برأيها إلى سنوات، حيث يلتزم الأردن لسنوات طويلة باتفاقياتٍ لشراء الطاقة من مصادر أخرى.
في المقابل، يشير الدرادكة إلى أن الأردن يحتاج إلى توليد المزيد من الطاقة، تحديدًا التقليدية منها كالصخر الزيتي، قائلًا إن الحمل الأقصى في الأردن وصل عام 2023 إلى 4240 ميجاواط، فيما وصلت الاستطاعة التوليدية للنظام الكهربائي من الطاقة التقليدية إلى 4443 ميجاواط، معتبرًا أن مقدار الزيادة في الاستطاعة «على الهامش»، حتى وإن كانت استطاعة الطاقة المتجددة وصلت إلى نحو 1600 ميجاواط إضافية، إلا أنه لا ينبغي الخلط بين الطاقة التقليدية والطاقة المتجددة، حيث لا يمكن -برأيه- الاعتماد على الطاقة المتجددة في مواجهة الحمل الكهربائي الأقصى نظرًا لعدم القدرة على التحكم فيها.
في كل الأحوال، يرى الدرادكة أن الحل الأمثل لإدارة أي فائض من الكهرباء بشكلٍ عام، وللاستفادة من أي توسعة لمشروع العطارات تحديدًا، هو الربط الكهربائي مع الدول العربية المجاورة حيث يمكن للأردن خلال مواسم محددة تصدير الطاقة الكهربائية الزائدة عن الحاجة إليهم: «لو ترجع الأمور تتسهل سياسيًا ونربط مع العراق ومع سوريا أفيد بكثير»، يقول الدرادكة.
يُذكر أن شركة الكهرباء الوطنية تعمل حاليًا على عدد من مشاريع الربط الكهربائي مع كل من العراق والسعودية وسوريا ولبنان، لكن بعضها متوقف لأسباب سياسية أو تنتظر طرح العطاءات اللازمة لتمويل المشاريع. كما يعمل الأردن على مشروع الربط الكهربائي الأردني-الفلسطيني لتزويد الجانب الفلسطيني باستطاعة 80 ميغاواط، بالإضافة إلى خط الربط الكهربائي بين الأردن ومصر باستطاعة 550 ميغاواط.
إن التنويع في مصادر الطاقة والاعتماد على الذات في توليدها مع تخفيض الاعتماد على الطاقة الأولية المستوردة لتوليد الكهرباء، تعد أهدافًا بارزة في الاستراتيجية الوطنية لقطاع الطاقة. وتقول وزارة الطاقة والثروة المعدنية إنها تسعى إلى تخفيض نسبة الاعتماد على الغاز الطبيعي من 88% في 2018 إلى 53% في 2030، وزيادة مساهمة الطاقة المحلية في خليط الطاقة الكلي -كالطاقة المتجددة- لتصل إلى 31%، والصخر الزيتي بنسبة 15% وهي النسبة التي يغطيها مشروع العطارات. ويوضح حجازين أن أسعار الطاقة المولّدة عبر المشروع المحلي ثابتة تقريبًٍا ولا تتأثر بتقلبات أسعار النفط العالمية، مشيرًا إلى أن الحكومة الأردنية يجب أن تنظر إلى مشروع العطارات باعتباره جزءًا من أمن الطاقة في الأردن في حال انقطاع الغاز الإسرائيلي.
ختامًا، يتفق سمير الحباشنة، رئيس الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة ووزير الداخلية سابقًا، مع ضرورة رفع نسبة الاعتماد على الصخر الزيتي في توليد الكهرباء للمساهمة في فك الارتباط بالغاز الإسرائيلي، معتبرًا عدم التفكير بحلول بديلة أمرًا خطيرًا على أمن الطاقة الأردني، وأن غياب البدائل يتيح للاحتلال ممارسة ضغوط سياسية على الأردن عبر رفعٍ كبير للأسعار بعد انتهاء الاتفاقية الحالية.