هل تسعى «إسرائيل» للتخلص من اليونيفيل في جنوب لبنان؟

الأحد 27 تشرين الأول 2024
اليونيفيل، لبنان
مدرعة لقوات اليونيفيل في جنوب لبنان. أ ف ب

شنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبوع الماضي هجومًا إعلاميًا على قوات اليونيفيل العاملة على طول الشريط الأزرق الفاصل بين جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة. جاء ذلك بعد عشرات الاستهدافات الإسرائيلية لمواقع القوات الدولية منذ تصاعد العدوان على لبنان، ما عزز التساؤلات والمخاوف إزاء المساعي الإسرائيلية لاستبعاد القوات الدولية أو تحجيمها، خاصة بالنظر لتواتر الأنباء حول طروحات أمريكية وغربية لتعديلات على القرار الأممي 1701، الناظم لعمل اليونيفيل في لبنان.

في الأيام الماضية، تصاعد الجدل حول استهداف «إسرائيل» لليونيفيل. وبحسب تقرير سري أعدتّه دولة مساهمة في القوات، اطلعت عليه صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، فإن الجيش الإسرائيلي اقتحم بالقوة قاعدة للأمم المتحدة، ويُشتبه في أنه استخدم مادة الفوسفور الأبيض الحارقة، ما أدى إلى إصابة 15 من قوات حفظ السلام، فيما تم توثيق عشرات الحوادث الأخرى التي هاجم فيها الجيش الإسرائيلي القوات الدولية في جنوب لبنان، الأمر الذي ألحق أضرارًا بالعديد من المرافق وأدى لإصابات بين القوات المتمركزة في المراكز الحدودية. بالإضافة إلى ذلك، أكد التقرير تعمّد قوات الاحتلال إطلاق النار مباشرة على قواعد اليونيفيل.

بطبيعة الحال، رفضت «إسرائيل» الاتهامات بأنها استهدفت قوات اليونيفيل عمدًا منذ أن شنت غزوها البري على جنوب لبنان في الأول من تشرين الأول الجاري. وبرر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الهجمات على اليونيفيل بزعمه أن «حزب الله خزّن كميات كبيرة من الأسلحة الموجهة ضد المدنيين الإسرائيليين على مر السنين وقام عمدًا ببناء البنية التحتية للهجوم بالقرب من مواقع اليونيفيل»، مضيفًا أن «مقاتلي حزب الله يستخدمون قوات الأمم المتحدة كدروع بشرية». وطالبت «إسرائيل» الأمم المتحدة بإجلاء قواتها لحفظ السلام من جنوب لبنان حفاظًا على سلامتهم، فيما رفضت قوات اليونيفيل والدول الخمسون التي تساهم في صفوفها هذا الطلب بالإجماع. 

ورغم إدانة المجتمع الدولي لهذه الهجمات، غير أن «إسرائيل» لم تأبه، واستمرت باستهداف مواقع قوات اليونيفيل، وكان آخر هذه الاستهدافات إطلاق جيش الاحتلال النار على ملجأ تابع للأمم المتحدة لجأ إليه جنود حفظ السلام الإيطاليون في بلدة اللبونة الحدودية.

تاريخ تواجد اليونيفيل في لبنان

«اليونيفيل» أو ما يسمى بقوات الأمم المتحدة المؤقتة، هي قوة حفظ سلام دولية نشأت نتيجة لمحاولات متكررة للتدخل من جانب المجتمع الدولي عبر مراقبة وقف إطلاق النار وحل النزاعات سلميًا في مختلف أنحاء العالم. ورغم انخراطها المكثف في أفريقيا وآسيا، فإن عمليات حفظ السلام في الشرق الأوسط تجسد الجهود الدولية المتكررة لتوفير قوة عازلة بين الدول العربية و«إسرائيل». وهي قوات متعددة الجنسيات، نشأت في هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة في عام 1948، ثم انتشرت على التوالي في مصر وسوريا ولبنان.

بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في آذار 1978، نُشرت قوات اليونيفيل في أعقاب موافقة مجلس الأمن على القرار 425 الذي صاغته الولايات المتحدة، والذي كلف اليونيفيل بضمان انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، واستعادة السلام والأمن الدوليين ومساعدة حكومة لبنان في ضمان عودة سلطتها الفعلية على المنطقة المذكورة. مع ذلك، توضّح بعد بضعة أشهر فقط أن مجلس الأمن لن يوفر لليونيفيل الدعم المطلوب لتنفيذ مهامها، لذلك ركزت قوات حفظ السلام جهودها على توصيل المساعدات الإنسانية إلى السكان المحليين وتسجيل انتهاكات وقف إطلاق النار. ولم تكن قوات اليونيفيل مفوضة، ناهيك عن عدم امتلاكها القدرة، بوقف الغزو الإسرائيلي واسع النطاق للبنان في عام 1982 والحصار اللاحق لبيروت. 

بحلول التسعينيات، تصاعدت مقاومة الاحتلال متمثلة بحزب الله، الذي اكتسب دعمًا وطنيًا واسع النطاق بلغ ذروته عندما أجبر «إسرائيل» على الانسحاب من جنوب لبنان في أيار 2000. بين أيار 2000 وتموز 2006، ظلت الأوضاع هادئة نسبيًا على الحدود اللبنانية الفلسطينية، ولكن الأسباب الجذرية للصراع ظلت قائمة. إذ كانت «إسرائيل» تحتجز أسرى لبنانيين وترفض التنازل عن الأراضي التي يطالب بها لبنان، مثل مزارع شبعا، في ظل استمرار الصراع العربي ككل مع كيان الاحتلال. وقد ساعدت هذه العوامل في الحفاظ على مبرر وجود المقاومة في لبنان، وقادت لعمليتها عبر الحدود اللبنانية الفلسطينية في 12 تموز 2006 بهدف أسر جنود إسرائيليين من أجل إتمام عملية تبادل أسرى مع «إسرائيل». ردًا على هذه العملية شنت «إسرائيل» حربًا على لبنان استمرت 33 يومًا وانتهت بإقرار مجلس الأمن الدولي للقرار 1701.

أرسى القرار «وقفًا للأعمال الحربية» بين «إسرائيل» وحزب الله وسمح بإنشاء قوة يونيفيل «أكثر متانة» وتفويضها بالإشراف على «وقف الأعمال العدائية» وانسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان، مع ضمان نشر الجيش اللبناني وعودة السلطة الفعلية للدولة في جنوب لبنان. بحلول أوائل عام 2007، عادت قوات اليونيفيل الثانية إلى الدور المتمثل في حفظ السلام، والمشاركة في العمل الاجتماعي والإنساني، وتسجيل الانتهاكات للقرار 1701، ودعم الجيش اللبناني لتأكيد سلطته على الأرض وحماية سكان جنوب لبنان من التهديدات الإسرائيلية. 

حاليًا، ينتشر في جنوب لبنان نحو 9500 جندي، من خمسين دولة مختلفة، من بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة «يونيفيل» إلى جانب الجيش اللبناني. وتساهم إندونيسيا وإيطاليا والهند ونيبال وغانا وماليزيا بأكبر عدد من القوات، كما تساهم إسبانيا والصين وإيرلندا وفرنسا أيضًا بتواجد كبير. وتساهم بعض الدول الأخرى أيضًا بأعداد أقل، مثل المملكة المتحدة وبيرو ونيجيريا. وتعمل قوات حفظ السلام في منطقة تبلغ مساحتها أكثر من ألف كلم مربع بين الخط الأزرق ونهر الليطاني في جنوب لبنان. وتشغل هذه القوات خمسين موقعًا، ويقع مقر اليونيفيل الرئيسي في الناقورة في جنوب غرب البلاد.

ماذا تريد «إسرائيل» من القوات الدولية؟

يبدو اليوم من خلال التعاطي الإسرائيلي مع القوات الدولية أنها باتت تمثل عقبة في طريق تقدّم قوات الاحتلال لقضم أراضي الجنوب اللبناني، وتحقيق هدفها المعلن وهو تراجع اليونيفيل والجيش اللبناني، وبطبيعة الحال حزب الله، لإقامة منطقة عازلة بحكم الأمر الواقع. ووفق المحللين، فإن الأساليب التي تستخدمها «إسرائيل» في عمليتها البرية في جنوب لبنان تأتي في سياق تحقيق السيطرة على مناطق من الأرض اللبنانية. حيث تتركز هذه الأساليب في جعل منطقة جنوب نهر الليطاني أرضًا محروقة، إضافة إلى استهداف قوات اليونيفيل لإجبارها على الانسحاب من هذه المنطقة، بما يترافق مع تحريض مباشر وتشكيك في موقف هذه القوات.

يقول الدكتور محمد سيف الدين، الباحث في قضايا الأمن القومي، إن التحريض الإسرائيلي على القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان هو «مقدمة كما يبدو للاعتداء على هذه القوات إذا تمكن الاسرائيليون من التوغل في عمق الجنوب، وإرغامها على الابتعاد عن الحدود». وهو الأمر الذي حصل بالفعل سابقًا، خصوصًا عندما تعرض مقر الكتيبة الفيجية في بلدة قانا الجنوبية في حرب عام 1996 لمجزرة مروعة. ويضيف سيف الدين لـ«حبر» أن ذلك يأتي بالتوازي مع «عدوانية إسرائيلية مستمرة» ضد المنظمة الدولية وأمينها العام ووكالاتها. «الإسرائيلي يريد أن يلعب اليونيفيل دورًا معاديًا لأهل الجنوب، كما للمقاومة. ومن خلال محاولته إدراج إضافات على القرار 1701، يحاول العدو أن يجعل اليونيفيل تصطدم بالناس، ويجعلها قوات تخدم مصالحه في لبنان بعيدًا من مهمتها الأساسية التي تشكلت من أجلها»، يقول سيف الدين.

مؤخرًا، تزايد حديث السّاسة الغربيين عن تعديل القرار 1701 (أو توسيعه على صيغة 1701+) بهدف نشر قوات متعددة الجنسيات في لبنان خارج إطار اليونيفيل، وآخرهم دبلوماسي غربي لوكالة الصحافة الفرنسية. «ما نحتاج إليه الآن هو وقف إطلاق النار ووجود يحظى بثقة الجانبين، وقد يكون هذا الوجود عبر القوات المسلحة اللبنانية مع قوات دولية»، يقول الدبلوماسي الغربي في إشارة لإطار جديد لا يكون اليونيفيل جزءًا منه، وتكون مهامه وصلاحياته أوسع من اليونيفيل. وفي هذا السياق، يرى سيف الدين أن هذا السيناريو يصب في رؤية نتنياهو لوقف الحرب، حيث يتطلع الأخير إلى استصدار قرار من مجلس الأمن، يؤدي إلى نشر قوات متعددة الجنسيات في الجنوب، وإبعاد اليونيفيل. 

غير أن ذلك مرتبط وفق سيف الدين بشقين: أولًا، توقع فيتو من روسيا أو الصين أو كليهما ضد أي مشروع قرار بنشر قوات متعددة الجنسيات في جنوب لبنان. وثانيًا، التوازنات الميدانية التي لا تظهر القدرة الإسرائيلية على فرض رغبة الاحتلال كأمر واقع. «حتى الآن يبدو المشروع برمته فاشلًا، مع فشل الجيش الإسرائيلي بالتقدم وإخضاع المقاومة»، يقول سيف الدين.

إضافة لهذا الواقع الميداني، يبدو أن هناك توافقًا رسميًا واسعًا على رفض مثل هذه الصيغ الموسعة للقرار 1701، حيث أكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عقب لقائه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يوم الجمعة أن «لبنان ملتزم بتطبيق القرار 1701 كما هو من دون تعديل»، وأن لبنان يصر على «أولوية وقف إطلاق النار وردع العدوان الإسرائيلي». فيما قال رئيس مجلس النواب نبيه بري، عقب لقائه المبعوث الأمريكي للبنان عاموس هوكشتين، «أنا لا اعترف بما يسمونه plus. القرار كما هو»، مؤكدًا على «تمسّك لبنان بالقرار 1701 كما هو وصار إلى اعتماده منذ عام 2006 من دون أي تغيير، وتطبيق الأفرقاء المعنيين به بنوده كلها كاملة. لا زيادة ولا تعديل ولا ملاحق».

Leave a Reply

Your email address will not be published.