سقوط نظام الأسد يفتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة

الإثنين 09 كانون الأول 2024
سوريون يحتفلون في العاصمة دمشق، بسقوط النظام السوري. أ ف ب

أحد عشر يومًا فقط فصلت بين إعلان فصائل المعارضة المسلحة في شمال سوريا بدء هجومها الواسع انطلاقًا من إدلب والانهيار الشامل للنظام السوري. إذ تتالت سيطرة الفصائل على المدن السورية من حلب إلى حماة وحمص، وصولًا إلى دخول دمشق فجر الأحد، تزامنًا مع توارد الأنباء عن مغادرة بشار الأسد للبلاد، قبل أن يعلن الكرملين مساءً وجوده وعائلته في موسكو، ليغلَق بذلك فصل طويل ودامٍ في تاريخ سوريا والمنطقة بعد 61 عامًا من حكم نظام حزب البعث وعائلة الأسد في سوريا.

جاء أول الاعترافات بسقوط النظام صباح الأحد، بخروج رئيس الحكومة السورية محمد غازي الجلالي في تسجيل مصور قال فيه إن «سوريا لكل السوريين» وإنه يمد يده «حتى إلى المعارضين الذين مدّوا يدهم وأكّدوا أنهم لن يتعرّضوا لأي إنسان ينتمي إلى هذا الوطن السوري»، داعيًا إلى الحرص على مؤسسات الدولة ومرافقها «في هذه الساعات التي يشعر فيها الناس بالقلق والخوف». 

في الساعات التالية، وبعد سيطرة فصائل المعارضة على مبنى الإذاعة والتلفزيون الرسمي، خرجت على شاشته مجموعة من الشبان لتتلو بيانًا باسم «غرفة عمليات فتح دمشق»، أعلنت فيه «تحرير مدينة دمشق وإسقاط بشار الأسد». لحقه بيان آخر صادر عن زعيم هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع المعروف بأبو محمد الجولاني، قال فيه إن فصائل المعارضة ستستكمل الطريق الذي بدأته عام 2011، ليخرج بعدها ويلقي كلمة قصيرة أمام جمع غفير من المصلّين في الجامع الأموي في دمشق.

وعقب الإعلان، خرج آلاف السوريين إلى الشوارع احتفالًا بسقوط النظام، بالتزامن مع دخول مجموعات من فصائل المعارضة إلى عدد من السجون لإطلاق سراح آلاف المعتقلين فيها، وعلى رأسها سجنا صيدنايا والمزة سيئا الصيت. فيما توالى دخول المسلحين وغيرهم من السوريين إلى القصر الرئاسي وغيره من المواقع الرسمية، قبل أن تصدر المعارضة دعوات بعدم التعرض لمؤسسات الدولة، ويُعلن عن فرض حظر تجوال في دمشق من الرابعة عصرًا حتى الخامسة فجرًا. 

وخرج كذلك آلاف السوريين في مظاهرات احتفالية في مدن وعواصم أوروبية معبّرين عن فرحهم بانتهاء حكم الأسد. وكانت فصائل المعارضة دعت عبر قناتها الرسمية على تيليغرام المهجّرين السوريين في كافة أنحاء العالم إلى العودة إلى سوريا. وشهدت المعابر الحدودية مع كل من لبنان والأردن توافد أعداد من اللاجئين السوريين المتجهين إلى سوريا.

في الأثناء، استمر تقدم فصائل المعارضة المسلحة في محورين. إذ سيطرت الفصائل على محافظة اللاذقية ودخلت إلى مدينة طرطوس اللتين شهدتا أمس مظاهر احتفال بسقوط النظام. فيما تحركت قوات المعارضة المسلحة في الشمال أيضًا وأعلنت سيطرتها على منبج في ريف حلب التي كانت تحت سيطرة الوحدات الكردية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية. 

وشهدت دمشق سلسلة غارات إسرائيلية طالت أكثر من 100 موقع من بينها مطار المزة العسكري، والمربع الأمني الذي يضم مباني المخابرات والجمارك وقيادة أركان الجيش السوري، إضافة إلى مركز البحوث العلمية، ومواقع قرب الحدود بين لبنان وسوريا. ودمرت الغارات «أنظمة صواريخ متقدمة، ومستودعات أسلحة، ومنشآت لتصنيع الذخائر»، حسبما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر في جيش الاحتلال.

لكن التحرك الإسرائيلي الأوسع جاء جنوبًا، إذ اجتاحت قوات جيش الاحتلال ما لا يقل عن خمس بلدات سورية وأصدرت أمرًا بمنع التجول فيها، قبل أن تكمل طريقها باتجاه جبل الشيخ وتعلن السيطرة عليه. وخرج بنيامين نتنياهو معلنًا أن اتفاق «فض الاشتباك» لعام 1974 قد انهار، فيما نقلت إذاعة جيش الاحتلال أن مجلس الوزراء الإسرائيلي قرر احتلال جبل الشيخ وإنشاء منطقة عازلة.

على المستوى السياسي، ترددت أصداء الحدث الكبير في جميع عواصم المنطقة، وذلك بعدما كان وزراء خارجية خمس دول عربية، هي قطر والعراق والسعودية ومصر والأردن، إضافة إلى كل من روسيا وإيران وتركيا قد اجتمعوا في الدوحة يوم الجمعة، مؤكدين «ضرورة وقف العمليات العسكرية تمهيدًا لإطلاق عملية سياسية جامعة». 

تركيًا، صرح وزير الخارجية هاكان فيدان إنه بسقوط نظام الأسد «انتهت حقبة من عدم الاستقرار في سوريا استمرت 14 عامًا»، وإنه على مدى السنوات الماضية، «توفر للنظام السوري الوقت لعلاج مشكلاته لكنه لم يفعل»، محذرًا مما أسماه «استغلال المنظمات الإرهابية» للأوضاع الراهنة. وأضاف فيدان إن بلاده تقدر ما أسماه «النهج البناء الذي أبدته كل من روسيا وإيران بشأن الأزمة السورية».

بدورها، أعربت الخارجية الروسية عن قلقها إزاء التطورات، مضيفة أن موسكو «على تواصل مع جميع قوى المعارضة في سوريا». وقال وزير الخارجية سيرغي لافروف إن بلاده لم تشارك في محادثات حول تسليم السلطة، إلا أنه أضاف أن الأسد قرر التنحي عن الرئاسة موعزًا «بانتقال سلمي للسلطة»، وغادر البلاد «بعد مفاوضات مع أطراف الصراع». ومساء الأمس، أعلن الكرملين في تصريح مقتضب أن موسكو منحت الأسد وعائلته حق اللجوء «لأسباب إنسانية».

أما إيران، فقالت عبر بيان لخارجيتها إن «سوريا بفترة حرجة من تاريخها»، داعيةً إلى «إنهاء الاشتباكات العسكرية في أسرع وقت ممكن، ومنع الأعمال الإرهابية، والبدء بحوارات وطنية بمشاركة كافة أطياف المجتمع السوري من أجل تشكيل حكومة شاملة». وأضاف البيان أن إيران تتابع التطورات في البلاد وستبني موقفها منها بناء على «سلوك وأداء الجهات الفاعلة في المشهد السياسي والأمني». 

كما شددت الخارجية الإيرانية على ضرورة «ضمان أمن جميع المواطنين السوريين ورعايا الدول الأخرى، وكذلك الحفاظ على حرمة الأماكن الدينية المقدسة»، وذلك في حين تواردت تقارير حول وجود تنسيق إيراني تركي وتواصل مع هيئة تحرير الشام بهدف ضمان عدم الاعتداء على الأماكن الدينية الشيعية.

وفي وقت لاحق، صرح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأن الفشل في سوريا «كان بسبب الجيش السوري الذي لم يصمد»، مضيفًا إن إيران لديها «مخاوف من اندلاع حرب أهلية أو طائفية جديدة أو تقسيم سوريا وتحولها لمركز للإرهاب». 

في واشنطن، قال جو بايدن إن «الأسد امتنع عن الانخراط في عملية سياسية جدية وواصل ارتكاب الجرائم ضد شعبه»، معتبرًا ما جرى «فرصة» ستعمل الولايات المتحدة مع «أصحاب المصلحة في سوريا من أجل استغلالها». وأضاف بايدن إن بلاده ستعمل «مع كل المجموعات السورية لتأسيس المرحلة الانتقالية»، كما ستعمل على حماية قواتها في سوريا. وطمأن بايدن دول المنطقة بالقول إنهم «في مأمن من أي توتر»، وإن بلاده ستدعم جيران سوريا، مضيفًا أنه سيتواصل مع قادة المنطقة في الأيام المقبلة.

أمّا دونالد ترامب، فعزا في منشور سقوط الأسد إلى أن «روسيا وإيران في حالة ضعف الآن؛ الأولى بسبب أوكرانيا والاقتصاد السيئ، والثانية بسبب إسرائيل ونجاح عملياتها القتالية»، مضيفًا في منشور آخر أن «سوريا في حالة فوضى»، وأن على الولايات المتحدة أن «تترك الأمور لمجاريها». 

وكان نتنياهو قد وصف من الجولان المحتل سقوط نظام الأسد بـ«اليوم التاريخي» الذي جاء «نتيجة ضرباتنا لإيران وحزب الله داعميه الأساسيين»، معتبرًا النظام «الحلقة المركزية» في ما أسماه «محور الشر الإيراني». وأضاف أن سقوط النظام «يخلق فرصًا جديدة ومهمة جدًا لإسرائيل لكن الأمر ليس خاليًا من المخاطر». فيما صرح رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هليفي مساءً بأنه «​​بدءًا من هذه الليلة، الجيش سيبدأ القتال بالجبهة الرابعة»، مضيفًا سوريا إلى كل من غزة والضفة الغربية ولبنان.

عربيًا، جاءت ردود الأفعال في الغالب مُرحِبة بتوجس. ففي الأردن، قال الملك عبدالله الثاني إن الأردن «يحترم إرادة السوريين وخياراتهم»، مضيفًا أنه يجب «حماية أمن سوريا ومواطنيها ومنجزات شعبها، والعمل بشكل حثيث وسريع لفرض الاستقرار وتجنب أي صراع قد يؤدي إلى الفوضى». فيما صرح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بأن الأردن يدعم «أمن سوريا واستقرارها ووحدتها وتماسكها وسيادتها»، داعيًا إلى «عملية سياسية سورية جامعة لبناء سوريا». وعطفًا على التقدم الإسرائيلي في الجنوب والغارات على دمشق، قال الصفدي إن الأردن يرفض أي عدوان على سوريا أو أي محاولة لاحتلال أيٍ من أرضها.

في العراق، قال المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، إن بلاده تتابع التطورات في سوريا وتتواصل مع «الدول الشقيقة والصديقة من أجل دفع الجهود نحو الاستقرار»، مشددًا على أن «أمن سوريا ووحدة أراضيها، وصيانة استقلالها، أمر بالغ الأهمية، ليس للعراق فقط إنما لصلته بأمن واستقرار المنطقة». وأضاف العوادي أن حكومته تؤكد على أهمية عدم التدخل في الشأن الداخلي السوري وتدعم جهود فتح حوار بين مختلف الأطراف في سوريا «وصولًا إلى إقرار دستور تعددي يحفظ الحقوق الإنسانية والمدنية للسوريين، ويدعم التنوع الثقافي والإثني والديني». 

أما السعودية، فأعربت خارجيتها في بيان عن «ارتياحها للخطوات الإيجابية التي جرى اتخاذها لتأمين سلامة الشعب السوري الشقيق، فضلًا عن حقن الدماء والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ومقدراتها»، داعية المجتمع الدولي إلى «مساندة سوريا في هذه المرحلة بالغة الأهمية لمساعدتها في تجاوز ويلات ما عانى منه الشعب السوري الشقيق خلال سنين طويلة». وأضاف البيان أن الأوان قد حان لتعود سوريا «لمكانتها وموقعها الطبيعي في العالميْن العربي والإسلامي».

من جهتها، رحبت قطر بـ«الخطوات الإيجابية التي اتخذتها قوى المعارضة، لا سيما المحافظة على سلامة المدنيين واستقرار مؤسسات الدولة وضمان استمرار الخدمات العامة»، وذلك في تصريح على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية ماجد الأنصاري. وقال الأنصاري إن الشعب السوري «قدم تضحيات لا تحصى في سبيل حريته» وأنه «يستحق اليوم دعمًا واعترافًا من المجتمع الدولي بمشروعه الوطني»، مضيفًا أن قطر تجري اتصالات مكثفة مع «الشركاء» في المنطقة والعالم من أجل دعم السلام في سوريا، وأنها مستعدة «للمساهمة البنّاءة في دعم مسيرة الشعب السوري».

وسط كل هذه التطورات، بدأ النقاش يدور حول طبيعة المستقبل الجديد لسوريا بعد سنوات طويلة من المعاناة المريرة التي عاشها الشعب السوري، في ظل حالة من الترقب لمرحلة ما بعد الأسد، التي تطرح الكثير من الأسئلة حول شكل الحكم السياسي للبلاد ووحدة أراضيها والكيفية التي ستدار فيها ملفاتها الداخلية والخارجية، خاصة بناء المؤسسات والمصالحة بعد سنوات من الاقتتال.

Comments are closed.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية