كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف، مساء العاشر من تشرين الثاني الحالي، حين دق هاتف يوسف* (26 عامًا)، ليعرض عليه صديقه المشاركة في الانتخابات النيابية والتصويت لصالح مرشح محدد، مقابل 50 دينارًا، وبشرط أن يحلف على القرآن بالتصويت لهذا المرشح.
فكّر يوسف قليلًا بالأمر، ثم وافق على المشاركة بالانتخابات لأول مرة. يوم الاقتراع، اتجه نحو المكان الذي يتجمع فيه مؤازرو المرشح، في الدائرة الثانية بمحافظة الزرقاء، ليرحب به صديقه والحضور. «بالشارع كنّا واقفين، اللي بده يحلف بدخل على سيارة محددة، بتأكدوا من هويته إنه في نفس الدائرة وبحلف بعدين باخذ المصاري وبروح يصوت».
عاد يوسف لمنزله بـ50 دينارًا، ولم يشعر بأنه أساء الاختيار، إذ يرى أن المرشحين «كلهم مثل بعض، ما بختلفوا بشيء. أنا شاب خريج جامعة وإلي ثلاث سنوات قاعد ما بشتغل، والـ50 أحسن اللي من الانتخابات كلها (..)، واللي بدها إياه الحكومة رح يصير»، يقول يوسف.
كانت عمليات بيع وشراء الأصوات حاضرة بشكل كبير في الانتخابات النيابية الأخيرة، بحسب متابعين وشهود، بيد أن الهيئة المستقلة للانتخاب، وعلى لسان الناطق باسمها جهاد المومني، ترى أن الحديث عن عمليات شراء الأصوات بشكل غير مسبوق، غير دقيق. «ربما تكون هناك حالات كثيرة لشراء الأصوات، لكن هي ضمن المعدل الطبيعي في أي انتخابات أردنية»، يقول المومني.
في حديثه مع «حبر»، عزا المومني عدم وجود زيادة في شراء الأصوات، إلى أن الهيئة أحالت قضايا كثيرة للادعاء العام، لكنه اعتبر أن شعور البعض بأن انتشار الشراء كبير يعود لتفاعل الهيئة مع البلاغات التي وردتها، معتقدًا أن علاج هذه الظاهرة صعب، وكل ما تستطيع الهيئة فعله هو إحالة القضايا للادعاء العام.
وبحسب المومني، بلغ عدد القضايا المتعلقة بشبهات توظيف مال سياسي وعمليات شراء أصوات 30 قضية، حولّت جميعها إلى الادعاء العام. وكان بعض القضايا يتعلق بفيديوهات وصور لشراء أصوات، إضافة إلى هبات وعطايا من قبل مرشحين.
ظروف صعبة
لا يختلف مبرر يوسف لبيع صوته عن أبو جواد* (34 عامًا)، الذي قرر مسبقًا التصويت لصالح مرشح محدد في محافظة المفرق، إذ أخبر قريبًا له بترتيب عملية بيع صوته، إضافة لأصوات زوجته وشقيقه محمد* (20 عامًا).
قبيل يوم الاقتراع، اتجه أبو جواد رفقة شقيقه وقريبه إلى منزل المرشح للتأكيد على وقوفهم معه. رحّب بهم الحضور، وتأكدوا من هوياتهم، وبعد الاستفسار، أخبروهم بمراكز اقتراعهم. أحد العاملين مع المرشح ناقش مع محمد فكرة قيادة مركبة يوم الانتخابات مقابل أجرة تبلغ 40 دينارًا، ووافق على ذلك سريعًا.
«انتخبت قبل هيك، بس بدون ما آخذ مصاري، بس هالمرة غير لأنه في عندي حظر، فبدي أعبي الثلاجة أكل، عندي أطفال بالبيت وما في مصاري، أخلي الأولاد يناموا جعانين؟!»
أبو جواد، الأب لثلاثة أطفال، يعمل رفقة شقيقه محمد في أحد المحال التجارية، ويتلقى أجرة يومية قدرها 12 دينارًا، أما أجرة محمد فتبلغ ثمانية دنانير، بحكم سنوات العمل. «في اليوم اللي ما بنشتغل فيه بروح علينا»، يقول أبو جواد. «انتخبت قبل هيك، بس بدون ما آخذ مصاري، بس هالمرة غير لأنه في عندي حظر [بعد الانتخابات]، فبدي أعبي الثلاجة أكل، عندي أطفال بالبيت وما في مصاري، أخلي الأولاد يناموا جعانين؟!».
بحكم صلة القرابة، لم يقسم الشقيقان على المصحف لانتخاب المرشح الذي دفع لهما ما مجموعه 50 دينارًا مقابل صوتيهما، إضافة إلى 40 دينارًا لقاء عمل محمد على المركبة يوم الانتخاب، كما يؤكد محمد.
أما لؤي* (31 عامًا)، فيعمل في كشك للقهوة في إحدى مناطق الدائرة الأولى في عمّان. هذه ثالث انتخابات يشارك فيها لؤي، وفي المرتين السابقتين، صوّت لأحد المرشحين مقابل مكافأة بعد الانتخابات نظير «جهوده» حسبما يقول. إلّا أنه قررّ في هذه المرة ألّا يعطي صوته للنائب نفسه، بسبب اعتذار النائب عن مساعدته عندما لجأ إليه في ظرف صحي تطلّب أدوية مكلفة. «أنا ما عندي إعفاء إلا بحمزة، وهسه مسكر عشان كورونا (..) كل إبرة حقها 150 دينار وبدي عشر إبر، من وين أجيبهم؟». هذه المرة، تكفل مرشّح آخر بتكاليف ثلاث إبر من أدوية لؤي، وضمن بذلك صوته وأصوات جميع أفراد عائلته. «لما نائب ييجيك ويقولك أنا بتكفّل فيهم سواء صوّتلي ولا ما صوتت (..) هذا إجباري يحرجك»، يقول لؤي.
ويرى لؤي أن لا جدوى من أي نائب سوى بقدر استفادة الناخب منه أو خدمته لأهل المنطقة. «أنا المرة الماضية كسبتلي 280 ليرة من فلان.. وكلهم [النواب] ما عملوا إشي»، يقول، إلا أنه يتأمل بالتزام المرشّح بتعهده له باستمرار دفع علاجه. «ممكن بكرة يسجلوني بالجمعية عندهم وبستفيد».
بُعيد الانتخابات، أصدر مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان تقريرًا وثّق فيه شهادات 102 عامل وعاملة كانوا قد قرروا مسبقًا بيع أصواتهم لاستطلاع الأسباب التي دفعتهم لذلك. قال 31% من العمّال إنهم لجؤوا لبيع أصواتهم بسبب خفض أجورهم جرّاء أزمة كورونا، و18% بسبب خسارتهم عملهم، فيما كانت 39% من العينة من عمال المياومة التي تعتبر من الفئات الأكثر تضررًا بالآثار الاقتصادية للجائحة، وشكلت الأمهات العاملات المعيلات 12% من العينة، إذ أخذن قرار بيع أصواتهن لحماية أطفالهن من الفقر، حسبما نقل المركز.
وبحسب التقرير، فإن عمّال وعاملات من أسر فقيرة سعوا إلى بيع أصواتهم غير مكترثين بأن الفعل جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس من ثلاث إلى سبع سنوات في حال ألقي القبض على مرتكبها متلبسًا، مبررين ذلك بأن رؤيتهم لأطفالهم دون طعام أصعب عليهم من الحبس.
«سماسرة» انتخابات
لا تسير عملية شراء الأصوات بشكل مباشر بين المرشح والناخب، بل عبر «سماسرة» يعملون بأشكال مختلفة، ولقاء مبالغ مختلفة أيضًا. وتتمثل مهمة السمسار في الغالب في تشكيل كشف بأسماء ناخبين تعهدوا بالتصويت للمرشح الذي يعمل السمسار معه، سواءً مقابل مبلغ مالي مباشر للناخب أو لقاء خدمات أو وعود معينة تقدم له، ويحصل السمسار بدوره على مبلغ مالي مقابل ذلك. لكن هذا لا يشمل بالضرورة كل من يعمل في حملة انتخابية ويتلقى مبالغ مالية لقاء خدماته.
في دائرة الزرقاء الثانية، تحدث عمران* أحد سماسرة الانتخابات النيابية والبلدية، عن تجربته خلال الانتخابات النيابية الأخيرة، إذ بدأ مشواره الانتخابي مع أحد المرشحين في شباط الماضي، فكانت الخطوة الأولى تشكيل كشوفات بأسماء ناخبين. وعمل مع عمران مجموعة من السماسرة الأصغر، الذين أسماهم «شباب الحملة»، جمعوا كذلك كشوفات بأسماء ناخبين وُعدوا بتلقي مبالغ مقابل أصواتهم. «القائمة لا تقل عن 50 صوت، بس مش كلهم [السماسرة] صادقين، في منهم بروح على أكثر من مرشح بنفس القائمة، بس على الأغلب همه معروفين بالمناطق كلها»، يوضح عمران.
تتمثل مهمة السمسار في تشكيل كشف بأسماء ناخبين تعهدوا بالتصويت للمرشح الذي يعمل السمسار معه، سواءً مقابل مبلغ مالي مباشر للناخب أو لقاء خدمات أو وعود معينة تقدم له.
يقول عمران إنه حصل على أربعة آلاف دينار لقاء عمله مع المرشح كمدير للحملة الانتخابية، غير أن مدراء الحملات يأخذون ضعف المبلغ الذي حصل عليه، فيما يحصل السماسرة الأصغر على مبالغ لا تتجاوز ألف دينار. ويضيف أن أحد المرشحين في قائمة منافسة طلب منه العمل معه مقابل مبلغ 10 آلاف دينار، وهو ما لم يتم.
لم يفز المرشح الذي أدار عمران حملته، بل مرشح آخر داخل القائمة، رغم أن المرشح الأول هو من دفع تكاليف الحملة الانتخابية كافة وشكّل القائمة. «كلهم كانوا يشتروا بما فيهم المرشح اللي فاز، خاصة آخر ساعتين»، يقول عمران، ففي الساحة المقابلة لأحد مراكز الاقتراع في الزرقاء الثانية، ظهرت تجمعات كبيرة لأكثر من مرشح، يقول عمران إنها كانت تهدف لشراء أصوات الناخبين، وارتفع السعر حينها لـ50 دينارًا مقابل الصوت الواحد.
ويوضح من التقيناهم من السماسرة أن قيمة الصوت تختلف من منطقة لمنطقة ومن ساعة لساعة، فسكان المناطق الأكثر شعبيةً يكون المقابل المادي لصوتهم أقل من غيرهم، ففي حين يبلغ سعر الصوت في بعض الأحياء 10 دنانير أو 20 دينارًا، يصل في أحياء أخرى إلى 50 دينارًا أو 100، بحسب خالد (25 عامًا)، الذي عمل مع أحد مرشحي الدائرة الأولى في عمّان.
يقول خالد إن المرشح الذي عمل معه «ما بشتري أصوات»، موضحًا أن المرشح كغيره كلّف سماسرة بالعمل معه وتقديم كشوفات بأسماء ناخبين بعد التواصل معهم، لكن ليس مقابل مبلغ مالي مباشر للناخب، وإنما مقابل خدمات، سواءً كانت سابقة على الانتخابات، أو لاحقة كوعود للناخبين، والحديث هنا عن خدمات أساسية من قبيل إيصال الماء والكهرباء وإعفاءات صحيّة. «أنا اشتغلت معاه لإني خلال آخر سنتين ما عمري اتصلت عليه غير قال لي أبشر. حماي بمستشفى البشير كان عمليته بعد ست أشهر خلّاها ثاني يوم»، يقول خالد.
تلقى خالد 50 دينارًا مقابل كل كشف قدمه، ويحوي الكشف 20 اسمًا لناخبين. إلا أنه يقول إن مرشحين آخرين في الدائرة نفسها دفعوا لسماسرة آخرين 350 دينارًا لقاء الكشف، بالإضافة لكلفة المواصلات. «معروفة، الباصات مظلّلة بتكون وبقبضوا كل صوت 20 دينار على باب المدرسة»، يقول خالد.
وحسب من قابلناهم من سماسرة، فإن بعض السماسرة يحضّرون «خزان أصوات» قبل الانتخابات، ويتواصلون مع أكثر من مرشح، سواء بشكل مباشر أو من خلال وسطاء، في سبيل تحصيل أفضل مبلغ مقابل الأصوات التي جمعوها. يؤكد ذلك المرشح من حزب الوحدة الشعبية عن الدائرة الأولى في الزرقاء، عماد المالحي، والذي لم يصل إلى مجلس النواب، إذ يقول إن الكثير من السماسرة اتصلوا به وبحملته يوم الاقتراع، عارضين عليه كشوفات لناخبين يمكن أن يصوّتوا له بمقابل مالي، «وهو بكون بايع الكشف لـ20 [مرشّح] غيرك»، يقول المالحي.
البعض الآخر من السماسرة يختار العمل مع مرشح بعينه، ويدير فريقًا مسؤوليته جمع الأصوات. «مثلًا مسؤول الفرق بوخذ 50 على الكشف، وبعطي كل واحد من فريقه 25 إلى 30 دينار (..) هو وشطارته»، يقول خالد. ويضيف أنه بعد انتهاء الاقتراع، يعود السمسار ويأخذ مبلغًا مقطوعًا مقابل المواصلات، «يعني أنا على أربع كشوفات أخذت 160 ليرة على أساس بنزين».
يقول خالد إن هناك نوعًا من الحذر يحكم العملية، فيما يتعلق بالتزام الناخبين بوعودهم بالتصويت، فحتّى لو اتفق سمسار الأصوات مع ناخبيه خلال شهر الدعاية الانتخابية، إلّا أنه لا يعطيهم المبلغ المالي المتفق عليه إلا عند ذهابهم للتصويت، كما يحضر «حلف اليمين» على القرآن يوم الاقتراع كدلالة على الالتزام بالاتفاق. لكن هذا لا ينطبق على السماسرة، فبحسب خالد، «حلف اليمين بس عند اللي بده يصوّت. السماسرة ومسؤولي الأفرقة هذول بشتغلوا على المونة والثقة».
وحول العلاقة بين المرشح والسمسار، يشرح خالد أن «النائب ما بطلع من مكتبه، حتى ما بعرف مين بشتغل معه، عليه يدفع بس»، إذ يضم فريقه كوادر مسؤولة عن الأمور اللوجستية والإدارية بشكل عام، يمكن أن تتعاون بدورها مع سماسرة يديرون أفرقة فرعية من السماسرة الأصغر. ويقول إن بعض المرشحين يستعينون بـ«أصحاب السوابق» لإدارة الفرق الفرعية، رغم الحملات الأمنية التي استهدفتهم، وفق ما شهده في دائرة عمان الأولى. «بكونوا ممسوكين على مخدرات وقتل، ومع هيك بتشوفهم بشتغلوا مع النائب الفلاني وبنفّعهم بعد الفوز».
خالد الذي يعمل سائقًا عبر أحد تطبيقات النقل الذكي، بعد أن فقد وظيفته كمدقق مالي في إحدى الشركات جراء الجائحة، يقول إنه عمل مع نائب لا يستحق بحسب تعبيره. فرغم قناعته بضرورة التصويت لمرشّح يمثّله بشكل حقيقي، إلا أنه بدّى الاستفادة المادية من المرشح على الاقتناع به. «يعني سيارتي قسطها 370 بالشهر (..) مع وضع البلد كيف بدي أعيش؟».
التمديد والتأثير على العملية الانتخابية
قرابة الساعة السادسة من مساء يوم الانتخاب، قررت الهيئة المستقلة للانتخاب تمديد مدة الاقتراع ساعتين في جميع مراكز الاقتراع في المملكة، ليغلق باب التصويت الساعة التاسعة بدل السابعة مساءً، وترتفع نسبة المشاركة من 29% الساعة السابعة إلى 29.9% بعد إغلاق الصناديق.
بحسب سماسرة، فإن «بورصة» الأصوات تنشط تحديدًا في الساعات الأخيرة ليوم الاقتراع، خاصة عقب التمديد، فيتاح بذلك لمرشّحي المال السياسي زيادة حصّتهم من الأصوات، فيما يتاح للسماسرة والناخبين أيضًا زيادة ربحهم الشخصي. «الساعة ستة بصير صوتك بـ100 على العلن (..) مع التمديد بتقدر توصّله لـ150 بالراحة»، يقول خالد.
«الساعة ستة بصير صوتك بـ100 على العلن (..) مع التمديد بتقدر توصّله لـ150 بالراحة»، يقول خالد، أحد السماسرة في دائرة عمان الأولى.
يقول المومني إن قرار تمديد الاقتراع لساعتين جاء بعد ورود تقارير من رؤساء لجان مراكز اقتراع في أكثر من دائرة، تفيد بوجود أعداد من الناخبين تنتظر التصويت، لذا توجه مجلس مفوضي الهيئة نحو التمديد، مؤكدًا أن الـ1% الزيادة في نسبة المشاركة مع التمديد لا تتعلق بالمال السياسي، فعمليات شراء الأصوات بدأت منذ أشهر، ولا ينتظر مرتكبوها يوم الاقتراع أو نهاية اليوم ذاته، بحسبه.
من جهتها، ترى النائب السابق والمرشحة عن الدائرة الثالثة في عمّان، ديمة طهبوب، أن حجم المال السياسي في الانتخابات الأخيرة لم يسبق له مثيل. «شراء الأصوات دائمًا حاضر (..) لكن هذه المرة كان السمة الأبرز للانتخابات وليس فقط ظاهرة»، وترى طهبوب أن هذه السمة انسحبت على كل دوائر المملكة، بسبب الظرف الاقتصادي الصعب على المواطنين، بحسبها.
وتخص طهبوب بالذكر فترة التمديد، إذ ترى أن «الساعتين ما كان إلهم داعي. الحكومة بتشوف في داعي عشان ترفع نسبة التصويت، لكن كمرشحين كان مضر بالنسبة إلنا، لأنه كان الشراء زخم في هذول الساعتين».
وعلى الرغم مما وصفته طهبوب بـ«هندسة الانتخابات» التي أثرت على قائمة الإصلاح التي ترشحت ضمنها، والمحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، وذلك من خلال انسحاب المرشحيْن عن المقعدين الشركي والمسيحي من القائمة، إلّا أنها ترى أن تأثير المال السياسي على القائمة كان الأكبر، ما أسهم في النهاية في خسارة مقعدها في مجلس النواب.
وترى طهبوب أن الهيئة المستقلة للانتخاب اهتمت بيوم الاقتراع فقط في متابعتها لمسألة شراء الأصوات، على حساب مدة العملية الانتخابية ككل. «قلنا لهم يا جماعة زي ما الحكومة عندها متسوق خفي، ابعثولكم إنتو متحري خفي، خليه يشوف المناطق اللي بوصل منها بلاغات»، إلّا أن رد الهيئة بحسب طهبوب كان الاكتفاء بطلب الإثباتات. «كيف بدي أبعث إثباتات وأنا ممكن أعرض الإنسان اللي صوّت للخطر؟ لأنه عادةً السماسرة بكونوا فتوّات المنطقة».
يرد المومني على حديث طهبوب بأن الهيئة تعاملت مع كافة الملاحظات التي وردتها، سواء من قبل الناخبين أو المرشحين، وأن الهيئة اتخذت كل الإجراءات الرقابية قبل يوم الاقتراع بشهور. ويضيف أن عمليات الشراء، التي حوّلتها الهيئة للادعاء العام، لم تكن على نطاق واسع، بل كان الشراء في الغالب في المدن الكبيرة كعمّان والزرقاء وإربد، وهو ما يعدّه حالات فردية لا ظاهرة مجتمعية.
لكن المرشّح السابق المالحي يقول إنه لا يثق في إجراءات مكافحة المال السياسي التي تمّت قبل يوم الاقتراع. فبينما صرفت بعض الحملات الانتخابية في عمّان والزرقاء مئات آلاف الدنانير، بحسبه، لم تتلقَ الأحزاب مخصصاتها الحكومية، المشروطة بالمشاركة في الانتخابات النيابية، إلا قبل بضعة أيام على الاقتراع. «أنا ما بفهمها إلّا في سياق هندسة مجلس النوّاب، اللي صار غير مبرّر وغير مفهوم».
من جهته، يشير الكاتب الصحفي جهاد المنسي إلى أن المال السياسي كان حاضرًا خلال الانتخابات السابقة، لكن هذه المرة كان ملاحظًا بشكل أكبر؛ لأن نسبة المشاركة كانت قليلة جدًا، وسط ظروف غير طبيعية، مثل الوضع المعيشي للمواطنين جراء الجائحة، والتباعد الاجتماعي، وغياب اللقاءات مع المرشحين، فضلًا عن غياب البرامج الانتخابية.
ويعتقد المنسي أن الناخبين انقسموا خلال الانتخابات النيابية الأخيرة انقسموا إلى ثلاث فئات؛ الفئة الأولى تضم من توجهوا للصناديق بحكم علاقاتهم مع المرشحين، وهي الفئة الأكبر بحسبه، والفئة الثانية تضم الحزبيين ومناصريهم الذين توجهوا لقناعتهم في برامج القوائم الانتخابية، وهي الفئة الأصغر، أما الفئة الثالثة فهم من هبّوا للانتخاب بعد تدخل المال السياسي.
تم إنتاج هذا التقرير ضمن مشروع «عيون» للصحافة المحلية.
* أسماء مستعارة.