«طوفان الأقصى» يفاجئ العدو والصديق

الأحد 08 تشرين الأول 2023
فلسطينيون يخترقون السياج المحيط بقطاع غزة، صباح 7 تشرين الأول، 2023. تصوير أشرف عمرة، وكالة الأناضول.

«كارثة لإسرائيل». «سيناريو كابوسي». «فشل استخباراتي خطير». «يوم غفران جديد». «وصمة عار». طيلة الأمس، لم يتوقف سيل التصريحات الإعلامية الإسرائيلية التي عكست حجم الصدمة إزاء العملية العسكرية التي شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية، برًا وبحرًا وجوًا، مسيطرة فيها في غضون ساعات على عشرات المستوطنات في ما يسمى بغلاف غزة، فضلًا عن الهجمات الصاروخية التي امتدت إلى ما هو أبعد من ذلك.

بعد السادسة من صباح 7 تشرين الأول بقليل، بدأت أنباء إطلاق صافرات الإنذار في مستوطنات إسرائيلية تتوالى، معلنةً عن إطلاق رشقات من الصواريخ من القطاع. بدا الخبر منذرًا بما هو أكبر، إلا أن حجم ما يجري لم يتضح إلا بعدها بأقل من ساعة، حين أُعلن عن أن القائد العام لكتائب القسام، محمد الضيف، سيلقي «بيانًا مهمًا للشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية». 

«اليوم يستعيد شعبنا ثورته، ويصحح مسيرته». هكذا أعلن الضيف رسميًا بدء معركة واسعة بعنوان «طوفان الأقصى»، شهدت الدقائق العشرين الأولى منها إطلاق 5000 صاروخ وقذيفة، استهدفت مواقع وتحصينات ومطارات عسكرية إسرائيلية، داعيًا الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل للمشاركة في المعركة بالهجمات على المستوطنات والاشتباك مع قوات الاحتلال والتظاهر في الساحات، وداعيًا العرب والمسلمين للمساهمة في المعركة بالمشاركة الفعلية أو بالتضامن والمساندة.

على مدار الساعات التالية، انهمرت الصور والفيديوهات التي تظهر اقتحام كتائب القسام للمستوطنات المحيطة بغزة. حيث شنّت الكتائب هجمات متزامنة على أكثر من 21 مستوطنة وموقعًا إسرائيليًا، تمكنت خلالها من قتل وأسر عدد كبير من الإسرائيليين، من بينهم ضباط كبار. وفي حين ترك الاقتحام 7 ثغرات في السياج المحيط بغزة، بدأ تدفق أعداد كبيرة من الغزيين خارج القطاع، ساهم بعضهم في أسر إسرائيليين وإعادتهم إلى القطاع. 

جرت الهجمات الأولى للمقاومة في ظل صدمة وارتباك عسكريين إسرائيليين، خاصة بالنظر إلى أن أحد أول المواقع المستهدفة كان مقر قيادة فرقة غزة في جيش الاحتلال في قاعدة رعيم العسكرية، ما أدى إلى قطع الاتصالات بين وحداته، قبل أن تنسحب القوة المنفذة، كما أعلنت كتائب القسام.

بعد الساعات الأولى، أعلنت قوات الاحتلال حالة الطوارئ في نطاق 80 كيلومتر من غزة، وبدأت تشتبك مع المجموعات الفلسطينية داخل بعض المواقع والمستوطنات، وبدأت تعلن عن «استعادة السيطرة» على عدد منها. لكن حتى منتصف ليل الأمس، ظل القتال متواصلًا في ما لا يقل عن ستة مواقع، منها سديروت التي تحصن مقاومون في مركز شرطة الاحتلال فيها لأكثر من 20 ساعة، واستطاع أحدهم الانسحاب منها رغم قصف الاحتلال للمركز، وبئيري التي احتجز المقاومون فيها أكثر من 50 رهينة لساعات، وأوفاكيم وهي إحدى أعمق المواقع التي وصلتها مجموعات المقاومة أمس، وتبعد حوالي 30 كيلومتر شرق غزة. وحتى فجر اليوم، ظلت قوات الاحتلال تقول إن الوضع «لا يزال بعيدًا عن سيطرتنا الكاملة»، فيما أعلنت كتائب القسام ظهر اليوم عن استمرار عبور مجموعات مقاومة، و«استبدال بعض القوات بمواقع القتال بقوات أخرى».

رد الفعل الإسرائيلي الرسمي الأول جاء على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وصف الأمس بـ«اليوم الأسود»، مهددًا حركة حماس بأنها «ستدفع ثمنًا لم تعرفه من قبل». وقال نتنياهو في كلمته إن «إسرائيل في حالة حرب»، قبل أن يصادق اليوم رسميًا على قرار الحرب، متخطيًا حكومته. في المقابل، قال رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية إن «المعركة انتقلت إلى قلب الكيان الصهيوني»، داعيًا الفلسطينيين لأعلى درجات الاستعداد للمواجهة. كما ذكّر بالاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على المسجد الأقصى، وبقضية أكثر من 6000 آلاف أسير وأسيرة في السجون الإسرائيلية، وبالحصار المستمر على غزة من أكثر من 16 عامًا.

بُعيد كلمة نتنياهو، بدأت قوات الاحتلال تكثف غاراتها على قطاع غزة، مستهدفة ما لا يقل عن ستة أبراج سكنية وتجارية، إضافة لعشرات المنازل، والمقرات التابعة لحركة حماس، لتبدأ أعداد الشهداء والجرحى بالتصاعد، لتصل حتى مساء اليوم إلى 370 شهيدًا وحوالي 2200 جريح. ردًا على ذلك، أعلنت كتائب القسام مساء أمس قصف تل أبيب برشقة صاروخية من 150 صاروخ، تلتها رشقات أخرى استهدفت عسقلان ومناطق أخرى.

حتى مساء اليوم، بلغت حصيلة القتلى الإسرائيليين بحسب وسائل إعلام إسرائيلية ما لا يقل عن 659، إضافة لأكثر من 2156 مصاب. فيما يظل عدد الأسرى الذين اقتيدوا إلى قطاع غزة غير نهائي، إذ قال نتنياهو إن عدد الأسرى والمفقودين يزيد عن مائة، بينما صرحت كتائب القسام بأنها ستعلن عن العدد قريبًا.

شهد اليوم كذلك تطورًا هامًا على الحدود الفلسطينية اللبنانية، باستهداف حزب الله لثلاثة مواقع في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا اللبنانية المحتلة، وذلك «على طريق تحرير ما تبقى من أرضنا اللبنانية المحتلة وتضامنًا مع المقاومة الفلسطينية المظفرة والشعب الفلسطيني المجاهد والصابر»، بحسب ما جاء في بيان للحزب. فيما ردت «إسرائيل» بإطلاق ثلاث قذائف باتجاه مزرعة بسطرة اللبنانية المتاخمة لمزارع شبعا. 

في الضفة الغربية والقدس، شهدت مناطق عدة بالأمس مظاهرات شعبية، قمعت السلطة الفلسطينية إحداها في نابلس، إضافة إلى 34 عملية إطلاق نار في مستوطنات وحواجز وطرق استيطانية، ومحاولتي طعن، ومحاولة دهس، فضلًا عن مواجهات مع قوات الاحتلال عند نقاط مختلفة، أسفرت عما مجموعه سبعة شهداء.

أما اليوم، فقد فرض جيش الاحتلال إغلاقًا شاملًا في الضفة الغربية، عازلًا المحافظات عن بعضها، ومغلقًا مداخل عدد من البلدات بالبوابات الحديدية والسواتر الترابية والمكعبات الإسمنتية. في حين عمّ الإضراب الشامل الضفة تنديدًا بالعمليات الإسرائيلية في غزة.

صدى المعركة في الأردن

في الأردن، وبعد مضي عدة ساعات على بدء المعركة، دعت الحركة الإسلامية وقوى يسارية وقومية وفعاليات شعبية وتجمعات شبابية إلى الاحتجاج بالقرب من مسجد الكالوتي، وهو المكان الأقرب إلى السفارة الإسرائيليّة في عمان التي يُسمح بالوصول إليها. تجمع نحو 350 شخص، هاتفين احتفاءً باللحظة الفارقة التي بدأت معها عملية «طوفان الأقصى».

 

View this post on Instagram

 

A post shared by 7iber | حبر (@7iber)

غادر جزء من المحتجين إلى نصب الجندي المجهول في بلدة الكرامة الحدودية مع فلسطين، وهو المكان الذي شهد سابقًا تجمعات محتجين بأعداد كبيرة في معركة سيف القدس دعمًا للمقاومة العام 2021. لكن كان الأمن العام منع إقامة الفعالية، إذ أغلق الطرق قبل نحو 14 كيلو مترٍ من نصب الجندي المجهول.


تجمع العشرات في نقطة الغلق، وألقى أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي مراد العضايلة كلمة طالب فيها بفتح الساحات، متوعدًا بفعاليات بكل الشوارع والساحات في كل مناطق الأردن. كما استغرب العضايلة، إلى جانب النائب السابق عن كتلة الإصلاح النيابية ديمة طهبوب، تصرف قوات الأمن. 

في باقي محافظات الأردن، توزعت الوقفات الاحتجاجية أمس بين إربد والرصيفة والزرقاء والكرك والبلقاء. ففي إربد، أقيمت عدة وقفات أمام مجمع النقابات المهنية ومن أمام مسجد الهاشمي ووسط البلد ومخيم الشهيد عزمي المفتي. كما شهد مخيما الوحدات في عمان، والبقعة في البلقاء مسيرات ووقفات دعمًا للمقاومة، ووزع في محافظات أخرى حلوان العملية. 

 

View this post on Instagram

 

A post shared by 7iber | حبر (@7iber)

أما اليوم، فشهدت بعض الجامعات الأردنية في يوم دوامها الأول وقفات احتجاجية دعت لها القوى الطلابية، منها الجامعة الأردنية وجامعة العلوم والتكنولوجيا وكلية البوليتكنيك. فيما علّقت نقابة المحامين ترافعها أمام المحاكم الأحد «دعمًا للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة والوصاية الهاشمية على المقدسات في فلسطين» ونفذت النقابات المهنية في عمان وقفة «لدعم عملية طوفان الأقصى». وكما أقيمت وقفة أخرى أمام رابطة الكتاب الأردنيين. فيما دعا حزب جبهة العمل الإسلامي لإقامة وقفات احتجاجية مساء اليوم في محافظات البلقاء، والمفرق، ومادبا، والزرقاء، وعمان التي ستجري فيها ست وقفات في أحياء حي نزال، وصويلح، ومخيم الحسين، وسحاب، وجبل النصر، وجبل القصور. 

على المستوى الحزبي، حضرت الأحزاب في عدة وقفات، وأصدرت بيانات دعمًا للمقاومة، منها بيان ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية الذي اعتبر العملية هي «الرد الحقيقي على جرائم الاحتلال والاستيطان ومشروع الضم والترحيل، وهو البديل لسياسات الرهان على الوعود الزائفة والأوهام المضللة» فيما عزت أحزاب أخرى العملية «لأعمال الظلم والقتل والأسر التي تمارسها سلطة الاحتلال».

دبلوماسيًا، طالبت الخارجية الأردنية بوقف «التصعيد الخطير» في غزة ومحيطها، محذرةً مما أن «تصاعد العنف بكل أشكاله واستمرار التصعيد سيؤديان إلى ما هو أسوأ وسينعكسان سلبًا على الجميع»، في بيان وصفه المحلل السياسي عريب الرنتاوي بأنه دون المستوى المطلوب، إذ كان المأمول منه تحميل «إسرائيل» المسؤولية الكاملة على ما يجري وأن يكون أقرب إلى نبض الشارع الأردني. 

دعوات عربية لـ«التهدئة» وتضامن دولي مع «إسرائيل»

وشهدت عدة دول عربية وقفات ومسيرات تضامنية، كان أكبرها مظاهرة حاشدة خرجت في العاصمة اليمنية صنعاء تأييدًا للمقاومة الفلسطينية. 

وفي مصر، أطلق عنصر أمن مصري النار من سلاحه الخاص على سياح إسرائيليين في الإسكندرية، ليسقط اثنان منهم قتلى، إضافة لمقتل مرشد سياحي مصري كان يرافقهم.

على المستوى العربي الرسمي، دعت دول منها مصر وقطر والسعودية والمغرب والإمارات وعُمان والكويت إلى التهدئة ووقف التصعيد وضبط النفس، وعزَتْ معظمها التصعيد الحالي لممارسات سلطات الاحتلال وانتهاكاته لحقوق الشعب الفلسطيني. واعتبرت وزارة الخارجية اللبنانية أن التطورات في غزة هي نتيجة مباشرة لاستمرار احتلال «إسرائيل» للأراضي الفلسطينية، داعية المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل للعودة إلى «خيار السلام». كما أعلنت سوريا وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني وقواه المناضلة ضد الإرهاب الصهيوني. واعتبر العراق أن العمليات التي يقوم بها الشعب الفلسطيني اليوم هي نتيجة طبيعية للقمع الممنهج الذي يتعرض له منذ عهود مضت على يد سلطة الاحتلال الصهيوني. فيما أعلنت الرئاسة التونسية وقوفها الكامل وغير المشروط إلى جانب الشعب الفلسطيني، مؤكدة أن غلاف غزة هي أراضٍ فلسطينية من حق الفلسطينيين أن يستعيدوها إلى جانب كل أرض فلسطين. وأدانت الجزائر الاعتداءات والسياسات الإسرائيلية على قطاع غزة، داعيةً المجموعة الدولية للتدخل الفوري لحماية الشعب الفلسطيني. 

إقليميًا، أعلنت إيران دعمها لعملية طوفان الأقصى، واعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية أن العملية تشكل منعطفًا في عملية استمرار المقاومة المسلحة للشعب الفلسطيني ضد الصهاينة. وفي تركيا، دعت وزارة الخارجية إلى ضبط النفس، مستنكرة الخسائر في أرواح المدنيين، فيما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه يرفض جميع الانتهاكات بحق المسجد الأقصى، داعيًا جميع الأطراف إلى الحكمة، مؤكدًا وقوف بلاده مع جميع المظلومين في العالم.

وما إن بدأت عملية طوفان الأقصى، حتى تداعت الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لإعلان وقوفها إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي. فأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، بالإضافة إلى وزارتي الخارجية والدفاع، أن بلاده تقف إلى جانب «إسرائيل» وستعمل على ضمان امتلاكها كل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها، فيما حذّر بايدن «أي طرف آخر معاد لإسرائيل من السعي لانتهاز الفرصة في هذا الموقف». أما الاتحاد الأوروبي، فأعلن مسؤول السياسة الخارجية فيه، جوزيب بوريل، تضامن الاتحاد مع الاحتلال وإدانة عملية طوفان الأقصى بشكل قاطع. وكذلك أدانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين العملية، قائلة إن لـ«إسرائيل» الحق في الدفاع عن نفسها. وكذلك أدان منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينيسلاند، العملية داعيًا إلى وقفها فورًا.

أما الصين فدعت الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لـ«وقف إطلاق النار ونبذ العنف وضبط النفس وحماية المدنيين»، معتبرة أن «السبيل الأساسي لإنهاء الصراع يكمن في تنفيذ حل الدولتين»، وهو ما أثار استياء السفارة الإسرائيلية في بكين، التي قالت إنها كانت تتوقع «إدانة أقوى» لحماس. فيما اقترحت روسيا إقامة عملية تفاوض بمساعدة المجتمع الدولي تهدف إلى ما أسمته سلام شامل ودائم على الأسس الدولية التي تنص على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود عام 1967. 

يذكر أن الاحتلال الإسرائيلي طلب من مصر التدخل لإطلاق عملية تفاوض لإطلاق سراح الأسرى المصابين وكبار السن، ومساعدتها على تحديد إحداثيات عامة للمناطق التي قد يكون تم وضع الأسرى الإسرائيليين بها، تجنبًا لاستهدافها على حد قوله. لكن قيادة حركة حماس أكدت للجانب المصري أن وقف إطلاق النار غير خاضع لاتفاق، وأن على «إسرائيل» أن تتوقف من طرف واحد عن قصف غزة إذا كانت راغبة في وقف الحرب، وأنها لن تنظر في أي طلبات إسرائيلية قبل توقف الاحتلال عن استهداف المباني المدنية، رافضةً منح معلومات عن الأسرى لديها باعتبارها جزءًا من عملية تحرير الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

Leave a Reply

Your email address will not be published.