أردنيان يجتازان الحدود ويستشهـدان في الأغوار

السبت 19 تشرين الأول 2024
شرطة الاحتلال تغلق مكان عملية البحر الميت. أ ف ب

اشتبك شابّان أردنيان في السابعة والعشرين من عمرهما هما حسام أبو غزالة وعامر قوّاس مع قوّة من قوات الاحتياط الإسرائيلية ظهر أمس الجمعة بعد اجتيازهما الحدود الأردنية الفلسطينية بالقرب من مستوطنة «نئوت هكيكار» التي يسكنها قرابة 500 مستوطن.

أوردت وسائل إعلام إسرائيليّة أن الشابين اجتازا الحدود من جهة غور فيفا في الأردن، وعبرا ثلاثة حواجز من الأسيجة الشائكة استخدما مقصًا لقطعها، ومن ثم تسلّقا حاجزًا حدوديًا قبل أن ترصدهما أبراج المراقبة وتبلّغ عنهما قوة من قوات الاحتياط التي أتت واشتبكت معهما، ليجرح نهاية الاشتباك جنديان إسرائيليان ويستشهد الشابان.

في البداية نقلت الصحافة العبرية احتمالية وجود مسلّح ثالث، لذا أغلق جيش الاحتلال الطرق القريبة، ومشّط المنطقة برًا وجوًا بحثًا عنه، قبل أن يعلن مساءً ألّا وجود لهذا المسلّح.

في هذه الأثناء تناقل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن وصيتين مسجلتين مسبقًا للشابين أبو غزالة وقوّاس نشرهما حساب الأخير على فيسبوك.

تفاجأت عائلتا الشهيدين بالعملية والوصية. يقول ناصر، والد الشهيد عامر، والذي التقيناه في منزل العائلة بعد ساعات من انتشار أخبار العملية، «الساعة وحدة ونص، اتصل أخوي وأنا برّا، قلي شو هذا اللي منزله [ابنك] عامر على الفيسبوك؟ قلت له: يمكن تأييد ليحيى السنوار، قلّي لأ، بِحكي أنا الشهيد الحي عامر قواس». وحصل شيء مماثل مع عائلة أبو غزالة، والذي يصفه أحد الأقارب بالقول إنه كان هادئًا جدًا.

هكذا لم تعرف عائلتا الشابين عنهما شيئًا إلّا بعد انتشار الوصيتين. خلال الحديث معه أعاد والد قوّاس ترتيب أحداث الأيّام الأخيرة بشكل مختلف على ضوء العملية، إذ أصبح لحديث ابنه وتصرفاته خلال الأسبوع الماضي معنى آخر، وإنه كان خلال تلك الفترة يحضّر للعملية. 

في الأسبوع الأخير، باع عامر سيّارة صغيرة من نوع «سوزوكي» بألف وستمائة دينار اشتراها قبل سنوات للعمل عليها مع إحدى شركات توصيل الطعام، واشترى بدلًا منها واحدةً أقدم من نوع «شكودا» بقرابة ألف دينار، وقد قال لأهله إنه يحتاج النقود لتسديد بعض الديون. الآن يفسّر الأب ذلك بالقول: ربمّا كان فرق السعر هو ثمن شراء سلاح العمليّة.
كذلك الأمر، اقترح عامر على زوجته الذهاب لبيت أهلها يوم الأربعاء الماضي لتسلّم على شقيقتها القادمة حديثًا من السفر، ومن ثم التقى في اليوم نفسه بأبيه في لقاء تقليدي: «بإحساس الأبوّة، استشفيت إنه بده يحاول يوصّل شيء. والخميس قعدت أشوف منشوراته على الفيسبوك».

أمام منزله ومنزل عائلته كذلك، فتحت عائلة أبو غزالة بيت عزاء، في الوقت الذي لا تزال العائلة في حالة صدمة مما حصل. يقول أحد أقرباء حسام إنه لا أحد في العائلة يصدّق ما جرى.

على اليمين (أسفل) الشهيد عامر قواس، وعلى اليسار (أعلى) الشهيد حسام أبو غزالة.

تتشابه سيرة الشابين إلى حد بعيد، فقد نشآ في منطقة الهاشمي الشمالي في عمان، ودرسا في مدارسها، وارتادا مراكز تحفيظ القرآن فيها، ونشطا في بيئة قريبة من الحركة الإسلامية.

درس أبو غزالة في ‎مدرسة قتيبة بن مسلم المهنية في الهاشمي الشمالي وأتمّ مرحلة الدبلوم من كلية وادي السير في تخصص تكنولوجيا الطاقة المتجددة قبل أن يتخصص في دراسة «هندسة الطاقة المتجددة» في جامعة الإسراء الخاصة التي تخرج منها عام 2021. أمّا عامر فدرس في مدرسة دار الأرقم الإعدادية الخاصة، ثم التحق بتخصص الرياضيات في جامعة العلوم والتكنولوجيا لفترة قصيرة قبل أن يتركها لدراسة دبلوم الفقه الشافعي في جامعة العلوم الإسلامية ويجسّر بعدها في التخصص والجامعة نفسها ليحصل على شهادة البكالوريوس. 

عمل أبو غزالة لعامين في خدمات الرد على اتصالات العملاء «الكول سنتر»، وتنقل عامر بين وظائف عدّة، إذ عمل مشرفًا تربويًا لمركز الأقصى القرآني وإمامًا في مسجد أبو عبيدة لدى وزارة الأوقاف ومعلمًا للتربية الإسلامية في إحدى المدارس الحكومية، إلا أن آخر عمل لهما كان في توصيل الطلبات.

كذلك تزوّج الاثنان في فترة متقاربة، حيث تزوج أبو غزالة عام 2021، وله طفلان هما عز الدين وعمره سنتان، ويحيى المولود في شهر آب الماضي والمسمّى تيمّنًا باسم الشهيدين يحيى عيّاش ويحيى السنوار. وقوّاس متزوج منذ 2022 وله ابن وحيد هو عبيدة، وولد مطلع الحرب على غزة. 

تحدث من قابلناهم في المنطقة، ومن بينهم قيادات في الحركة الإسلامية في الهاشمي الشمالي، عن أن الشهيدين قريبان من الإخوان المسلمين، لكن دونما تأكيد أو نفي انتمائهما للحركة أو لحزب جبهة العمل الإسلامي.

مع انتشار أخبارها، باركت جبهة العمل الإسلامي العملية في بيان رسمي، مطالبةً الحكومة بالعمل على إعداد التجهيزات اللازمة لمواجهة التهديدات الصهيونية، بما في ذلك تمتين الجبهة الداخلية وإعادة العمل بالجيش الشعبي. 

هذه المباركة أثارت جدلًا محليًا حول إن كانت تعني تبنيًا من قبل الحركة للعملية. لكن لاحقًا، ومع منتصف ليل الجمعة، شاركت جماعة الإخوان المسلمين تصريحًا صحفيًا قالت فيه إنها تابعت الأخبار عن العملية التي جاءت «كرد فعلٍ فردي من شباب أردني لم يتحمّلوا مشاهد الوحشية الصهيونية»، مؤكدة كونها «دومًا في خندق الوطن تحرص على وحدته وأمنه واستقراره».

من مهرجان عرس الشهيدين عامر وحسام، والذي دعت له الحركة الإسلامية أمس.

بعد صلاة العشاء، توافد المئات إلى فعالية دعت لها الحركة الإسلاميّة في منطقة ضاحية الأقصى القريبة من منطقة الهاشمي الشمالي، من بينهم بعض النواب. كما أقامت فعاليات نقابية وشعبية في محافظة الكرك بيت عزاء ومباركة للشهداء السنوار وأبو غزالة وقواس، ودعت القوى الطلابية في الجامعة الأردنية لوقفة طلابية في الجامعة الأحد المقبل.

فلسطينيًا، باركت فصائل المقاومة العملية. فيما عادت أوساط إسرائيلية مرة أخرى لإطلاق دعوات كانت قد أطلقتها عقب عملية ماهر الجازي في أيلول الماضي لضرورة بناء جدار مع الأردن حيث قال وزير الطاقة ​​الإسرائيلي إنه سيعمل في مجلس الوزراء الأمني ​​على تسريع بناء الجدار على طول الحدود الأردنية، على غرار الجدار الذي تمّ بناؤه في مصر (..) وإن هذا ليس خيارًا؛ بل ضرورة». 

بالرغم من أن أسرة أبو غزالة امتنعت عن التصريح للإعلام، إلا أن منشورات بعض أقاربه على الفيسبوك، بما فيها منشورات لشقيقه، عبّرت عن فخرها بالعملية باعتبارها امتدادًا لسيرة عائلة أبو غزالة، بما فيها سيرة أول شهيدة بعد النكسة شادية أبو غزالة، وعملية الطعن في القدس التي نفذها ثائر أبو غزالة عام 2015.

Leave a Reply

Your email address will not be published.