«خطوة وحيدة»: عن الإضراب عن الطعام في سجون الاحتلال 

الإثنين 18 تشرين الثاني 2019
من مظاهرة فلسطينية نصرة للأسرى، أمام معتقل عوفر، تصوير عبّاس مومني

«ضحكت لما وصلت ومسكوني الطاقم الطبي الأردني، بتطلع فيهم مبسوطة مش مصدقة، حطولي سكر وبوتاسيوم وأملاح، حسيت الروح والحياة بلشت ترجع»، تستذكر الأردنية هبة اللبدي (32 عامًا) شعورها بعد تجربة وصفتها بالصعبة استمرت نحو 75 يومًا في سجون الاحتلال الإسرائيلي منها 43 يومًا قضتها دون طعام احتجاجًا على اعتقالها إداريًا.

اللبدي، حاصلة على شهادة جامعية في تخصص المحاسبة، ورياضيّة شاركت في عدد من سباقات الركض وسبق لها أن درّبت في نواد رياضية في الأردن والإمارات، قررت مواجهة قرار اعتقالها إداريًا بخوض إضراب عن الطعام للحصول على حريتها.

تقول اللبدي أنه حين سلّمتها سلطات الاحتلال ورقة قرار اعتقالها إداريًا: «كنت في سجن الدامون مع الأسيرات، قعدت معهم ثمان أيام (..)، لما قالولي إنت محكومة إداري واستلمت ورقة القرار بإيدي قلت للكل إني مضربة عن الطعام».

بعدها، وبحسب اللبدي، وضعتها سلطات الاحتلال في عزل انفرادي. وفي أول 14 يومًا عاشت اللبدي على الماء، إذ منعها الاحتلال من الحصول على الملح. لكن بعدها سمح لها بالحصول على نصف ملعقة من الملح صباحًا، وأخرى مساءً.

«حطوني بمعتقل الجلمة، الظروف جدًا سيئة، يوم بالزنزانة عن سنة (..)، كانوا عدوانيين بالتعامل، ما في شمس وفي صراصير سودا كبيرة تمشي بالغرفة أصحى ألاقيها بتمشي علي، ومُكيّف مفتوح بيتحكموا فيه من عندهم ما قبلوا يسكروه، كنت أرجف من البرد والمضرب بيبرد من قلة الأكل»، تضيف اللبدي.

يعرّف مركز المعلومات الوطني الفلسطيني إضراب الأسرى عن الطعام بأنه «امتناع عن تناول كافة المواد الغذائية باستثناء الماء وقليل من الملح»، إذ يساعد الملح إضافة إلى الماء على الحفاظ على توازن الجسم وخاصة القلب ووظائف الكلى كما تشرح أخصائية الطب الشرعي ومديرة الاختصاصات الطبية في وزارة الصحة، إسراء الطوالبة.

متى يلجأ الأسرى للإضراب عن الطعام؟

قبل إضرابها، لم تكن للبدي أي خبرة في الإضراب عن الطعام، ولا معلومات عنه سوى أن الأسرى الذين يخوضونه لا يتناولون فيه إلا الماء والملح، ويخوضونه احتجاجًا على حقوق هم محرومون منها. «أضربت لأنه كان لازم أوقف بوجههم وأقول لا للظلم»، توضح اللبدي.

فادي فرح (43 عامًا) أسير أردني سابق في سجون الاحتلال، خاض تجربة الإضراب الجماعي عن الطعام خلال فترة سجنه ما بين الأعوام (1995-2000)، يقول «لا يلجأ الأسرى للإضراب عن الطعام إلا بعد أن يستنفدوا كل ما هو متاح لهم داخل السجون الصهيونية».

تقول منظمة الصحة العالمية في تقرير لها إنه في حالة إضراب السجين عن الطعام لتحقيق مطالب تصطدم مجموعتان من القيم؛ واجب الدولة في الحفاظ على السلامة الجسدية للسجين وحياته، مقابل حق كل فرد بالتصرف بحرية في جسده.

المتحدث باسم هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، حسن عبد ربه، يوضح لحبر إن اللجوء للإضراب المفتوح عن الطعام أحد وسائل احتجاج الأسرى على الاعتقال الإداري، قائلًا إن هناك ثلاثة أسرى فلسطينيين، في هذه الفترة، يضربون عن الطعام رفضًا لاعتقالهم إداريًا، أقدمهم الأسير إسماعيل خلف من بلدة أبو ديس قضاء القدس، الذي فك إضرابه يوم الثلاثاء الفائت بعد ما يزيد عن 110 أيام مقابل أن ينال حريته في تموز القادم. وبحسبه خسرَ خلف أكثر من 20 كيلوغرامًا من وزنه، وعانى من حالات تقيّء وآلام مفاصل وصداع دائم ودوار وإجهاد شديد رغم حصوله على مكمّلات غذائية.

وفي عرف الأسرى الفلسطينيين، لا يعدّ حصول المضرِب عن الطعام على مكمّلات غذائية، مثل الغلوكوز، والماء والسكر، والبوتاسيوم، كسرًا للإضراب، سواءً تم تناولها عن طريق الشرب أو بالوريد. ويوافق بعض الأسرى المضربين على أخذ هذه المكملات بينما يرفضها آخرون لمزيد من الضغط على إدارة السجن، بحسب ما أفاد عبد ربه.

وفي الإضرابات الفردية، كما كان الحال مع اللبدي، تعزل سلطات الاحتلال المضرب عن الطعام في زنزانة انفرادية «لعدم تحريض سجناء آخرين على الإضراب، ولعدم التواصل مع آخرين، كما تمنع الزيارة عنه ويكون عرضة باستمرار للتفتيش»، بحسب عبد ربه.

محمد القيق (37 عامًا) صحفي وأسير سابق في سجون الاحتلال، خاض تجربة الإضراب عن الطعام ثلاث مرات، اثنتان منها احتجاجًا على اعتقاله إداريًا؛ ففي عام 2015 أضرب 94 يومًا وفي 2017 أضرب 30 يومًا، ثم خاض تجربة الإضراب الجماعي عن الطعام لنحو 25 يومًا في العام نفسه، وكان حينها قد سجن بتهمة التحريض وكراهية إسرائيل مدة تسعة أشهر.

ويوضح القيق لحبر إن قرار دخول الإضراب ليس سهلًا أبدًا، «لكن في ظل وجود الزنزانة والقهر الذي يمارسه السجان الإسرائيلي ما في خيارات أمام الأسير غير الإضراب كخطوة وحيدة للتخلص من الاعتقال الإداري أو تحسين ظروف معيشته اللي بتخالف فيها إسرائيل كل الأنظمة الدولية».

وفي حالات الإضراب الفردي، يقول القيق، يضع الاحتلال الأسير في ظروف غير صحية أبرزها كثرة الحشرات والرائحة الكريهة للزنزانة والتكييف البارد.

وأضرب القيق عن الطعام في المرة الأولى بعد ثلاثة أيام من اعتقاله، ولمدة 94 يومًا رافضًا الفحوصات الطبية والمدعمات وأي علاج، ويذكر أنه فقد وعيه مدة ستة أيام في اليوم الستين للإضراب، ومع نهاية الإضراب كان وزنه قد انخفض من 94 كغ إلى 42 كغ.

وتعتقل «إسرائيل» نحو 450 أسيرًا إداريًا، وفقًا لهيئة شؤون الأسرى والمحررين.

والاعتقال الإداري، بحسب مؤسسة الضمير الفلسطينية المعنية برعاية الأسرى، «إجراء تلجأ له قوات الاحتلال الإسرائيلية لاعتقال المدنيين الفلسطينيين دون تهمة محددة ودون محاكمة».

وبحسب حمزة الدباس (36 عامًا)، وهو أسير أردني سابق في سجون الاحتلال، وقد سبق له أن خاض معركة الإضراب عن الطعام خلال إضراب الأسرى الأردنيين في عام 2013 لأكثر من (100) يوم، فإن الاحتلال يمارس عددًا من الأساليب لكسر إرادة الأسير المضرب عن الطعام، من بينها وضعه في زنزانة صغيرة معزولة لا ترقى للحياة الآدمية، والقيام بتفتيشات مفاجئة، والتفتيش عاريًا، والوقوف ساعات طويلة تحت أشعة الشمس أو في البرد، وإغراء الأسير بالطعام لكسر إرادته. 

وتتحدث اللبدي عن أن جنود الاحتلال عرضوا عليها خلال الأيّام الأولى للإضراب أطعمة مثل البيتزا والشوكلاتة والعصير لدفعها إلى كسر إضرابها.

ماذا يحدث لجسد المضرب عن الطعام؟

تصف اللبدي ما شعرته بالأيّام الأولى لإضرابها «تعبت لدرجة مش قادرة أقوم. صداع شديد مش فاهمة شو بصير معي جسمي انجن، [بس] في اليوم الثالث بدأت أتعود». وخلال الأسبوعين الأولين من الإضراب لم تحصل اللبدي إلا على الماء ثم سمح لها بالحصول على كمية قليلة من الملح يوميًا.

في تلك الفترة، حصل عند اللبدي نقص شديد في مادة البوتاسيوم، فسمح لها الاحتلال بتناوله سائلًا تجنّبًا لحصول سكتة قلبية، لكن وبعد حوالي 12 يومًا، واجهت اللبدي صعوبات في البلع وحرقة في المعدة، فرفض الاحتلال منحها البوتاسيوم عبر الوريد «drip»، وتراجعت كمية الماء التي تشربها من لترين يوميًا إلى كأسين فقط، لتنقل إثر هذا إلى مستشفى بني تسيون في حيفا.

تقول هبة: «كان من المفترض إبقائي في المستشفى حتى يرجعوا مستوى البوتاسيوم في الدم لوضعه الطبيعي، لكن ما أكملوا علاجي ما همهم صحتي طلعوني مربطة من المستشفى من طريق ترابي». 

يقول ماجد نصير، رئيس اختصاص قسم الباطني في وزارة الصحة الأردنية، إن نقص مادة البوتاسيوم في الجسم يؤدي لعدم انتظام ضربات القلب وقد يؤدي لحدوث سكتة قلبية.

يلفت نقيب الأطباء الفلسطينيين شوقي صبحة إلى أن سلطات الاحتلال تجبر الأسرى المضربين أحيانًا على الحصول على مغذيات عن طريق الوريد. لكن حتى لو حصل المضرب عن الطعام على مغذٍ فإن طول فترة الإضراب يترك آثارًا جانبية.

ويضيف صبحة إن عدم تناول الطعام لأشهر طبعًا سيؤدي إلى إضعاف مناعة المضرب عن الطعام وإلى هزل في جسده، وتزداد صعوبة الأمر إذا كان المضرب مريضًا.

أكثر ما شعرت به اللبدي من أوجاع خلال فترة إضرابها هو دقات قلبها التي تتسارع أحيانًا وأحيانًا أخرى تصبح بطيئة، وعدم قدرتها على التنفس والكلام، وثقل في أطرافها.

«كنت إحس إنه العظم عم بدوب بجسمي. حسيت إني مش رح أقدر أوقف، الحمد لله لإني رياضية ونسبة العضل عندي عالية ساعدني (..)، لكن لو كملت بعد 43 يوم أكيد ما كنت رح أقدر أمشي لإنه حسيت عم بفقد جسمي والقلب ضعف».

وتقول اللبدي إن إضرابها، الذي نزل وزنها خلاله من 86 إلى 65 كيلوغرام، لو استمر أسبوعًا إضافيًا: «أنا متأكدة إني كنت خسرت صحتي. عشان هيك بشكر جهود جلالة الملك عبدالله الثاني، ووزارة الخارجية وتحديدًا الوزير أيمن الصفدي ووقفته معي ومع أهلي».

تقول الطبيبة الطوالبة لحبر إن تحمّل جسم الإنسان للإضراب عن الطعام يختلف من شخص إلى آخر حسب أوزانهم وصحتهم وبعضهم يبقى قادرًا على الحركة، كما أن الجسم يمتلك آلية حماية تبطئ عملية الأيض بعد الأسبوع الأول من التوقف عن تناول الطعام .

«ما بحب أطلع بمنظر الضعيفة. كل الصمود الي صمدته خلاني أطلع واقفة، ورفضت استخدم كرسي بعد الإفراج عني، لإنه بعرف الشاباك [جهاز الأمن العام الإسرائيلي] قاعد بتطلع وكل الدنيا بتطلع» 

بحسب منظمة الصحة العالمية، يشكّل الإضراب الطويل عن الطعام خطرًا كبيرًا قد يؤدي لتلف دائم للجهاز العصبي، ويشكل نوع الإضراب وظروف الاحتجاز (درجة الحرارة والرطوبة)، والضغط النفسي عوامل تؤثر على المضرب.

وبحسب التقرير فإنه في الأسبوع الثاني والثالث يصاب المضرب بضعف شديد في الجسم، يرافقه دوار واختفاء تدريجي لمشاعر الجوع والعطش، مع إحساس دائم بالبرودة، في الأسبوعين الثالث والرابع يحدث تدهور تدريجي في كل الأعراض المذكورة وفي مراكز التفكير. وفي الأسبوع الخامس يحدث تقلّص في الرؤيا والسمع ويصعب البلع ويمكن أن تحدث وفاة مفاجئة نتيجة تغير ضربات القلب.

تتبع اللبدي منذ الإفراج عنها نظامًا غذائيًا أوصى به الأطباء الذين تراجعهم في المدينة الطبية في عمّان إضافة لأدويتها، إذ لن يكون بمقدورها تناول الخبز أو الأرز قبل شهرين، وفي أول خمسة أيام تناولت الشوربات فقط، ثم أصبح بإمكانها تناول البطاطا المسلوقة والموز المهروس مدة ثلاثة أسابيع، وبعدها سيصبح بإمكانها تناول القليل من اللبن، كما تشرح.

وتقول «الظروف لسا صعبة شوي عم بواجه مشاكل صحية (..) لكن أهم إشي إني تحررت».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية