نشرت نسخة مطولة من المقال في مجلة لندن ريفيو أوف بوكس في 7 آذار 2024.
قُتل أكثر من 43 ألف شخص بالأسلحة النارية في الولايات المتحدة عام 2023، ما يعني قرابة وفاة واحدة كل 12 دقيقة. كان أكثر من نصف تلك الوفيات حالات انتحار أو حوادث، وقرابة 19 ألفًا منها حالات قتل، فيما كانت الأسلحة أحد أهم أسباب الوفاة بين الأطفال والمراهقين. وفقًا لأرشيف العنف المسلح، الذي يعرّف إطلاق النار الجماعي بأنه حادث يؤدي إلى مقتل أو إصابة أربعة أشخاص فأكثر، وقع 656 حادث إطلاق نار جماعي في الولايات المتحدة العام الماضي. وفي العام الذي سبقه، كان هناك قرابة 48 ألف حالة وفاة بالأسلحة النارية، و647 حادث إطلاق نار جماعي. وفي حادثين منها فقط -فصلت بينهما عشرة أيام في أيار 2022، أحدهما في بقالة في ولاية نيويورك، والآخر في مدرسة ابتدائية في تكساس- توفي ما مجموعه 31 شخصًا، من بينهم 19 طفلًا. وفي كلتا الحالتين، استخدم المسلّح بندقية من طراز AR-15، مطلقًا طلقات من عيار 0.223.
في شباط 2023، قدم عضو الكونغرس الجمهوري عن ولاية ألاباما، باري مور، مشروع قانون في مجلس النواب الأميركي يدعو لتصنيف «البندقية من طراز AR-15، التي تطلق طلقات من نوع ريمنغتون عيار 0.223 أو طلقات من نوع ناتو عيار 5.56*45 ملم، سلاحًا وطنيًا للولايات المتحدة». لم يكن لدى الولايات المتحدة قط «سلاح وطني»، ونظرًا لفشل مشروع مور، لا يزال الأمر كذلك. ولكن لماذا اقتُرحت هذه الفكرة، ولماذا اختيرت بندقية AR-15 بالتحديد؟ كيف يمكن أن يُقترح السلاح الهجومي المستخدم في بعض أكثر حوادث إطلاق النار الجماعية دمويةً، بكل جدية، ليكون رمزًا رسميًا للولايات المتحدة؟
يملك 32% من الأميركيين أسلحة، ويملك خُمس هؤلاء بندقية واحدة على الأقل من طراز AR-15. عام 2020، كان حوالي ربع الأسلحة النارية المصنعة في الولايات المتحدة من طراز AR-15، وكانت 20-30 مليون بندقية منها في أيدي المواطنين. عام 2022، أظهر استطلاع لإبسوس والواشنطن بوست أن 81% من مالكي بنادق AR-15 كانوا من الذكور و74% من البيض، رغم أن التسويق العنيف يعمل على توسيع قاعدة المستهلكين، خاصة بين النساء البيضاوات. المالك الاعتيادي لسلاح AR-15 هو رجل في منتصف العمر، يسكن الضواحي في ولاية جمهورية، ويتمتع بدخل أعلى من المتوسط، واحتمال كونه جمهوريًا يفوق احتمال كونه ديمقراطيًا بأربعة أضعاف (رغم أن ملكية السلاح في الإجمال تنقسم بشكل أكثر تقاربًا بين مؤيدي الحزبين).
الأسلحة النارية في الولايات المتحدة، أكثر من أي مكان آخر في العالم، هي سلع متداولة في سوق ضخمِ الإنتاجِ والاستهلاك.
منذ انتهاء الحظر الفيدرالي على الأسلحة الهجومية الذي كان مفروضًا بين عامي 1994 و2004، نمت المبيعات بلا هوادة وتفجرت في أوقات الأزمات، كالكوارث الطبيعية، والاضطرابات المدنية، والأوبئة، أو عندما تلوح احتمالية سن تشريعات للحد من انتشار الأسلحة، كما يحدث عند وقوع إطلاق نار جماعي أو اقتراب الانتخابات الفيدرالية. عام 2008، أدى فوز أوباما إلى ما أسمته صناعة الأسلحة «طفرة باراك». وكان الانخفاض الكبير الوحيد منذ ذلك الحين هو «ركود ترامب»، عندما تضاءل الطلب بعد فوزه في انتخابات عام 2016.
يعود استخدام الجيش الأميركي لبندقية AR-15 إلى حرب فيتنام، وقد باتت البندقية مألوفة لدى معظم الأميركيين عبر البرامج الإخبارية والأفلام وألعاب الفيديو. صُممت البندقية لتسهّل على الجنود المشاة المناورة وإطلاق النار، وهي أقصر وأخف وزنًا بكثير من بندقية الصيد الاعتيادية. تطلق جميع بنادق AR-15 تقريبًا ذخيرة من عيار 0.223، وهي خرطوشة تحتوي على رصاصة قطرها 0.223 بوصة («طلقة الناتو» التي اقترحها مور كذلك مطابقة في الحجم تقريبًا). وهذا حجم صغير نسبيًا بالنسبة لبندقية، ما يعني أن الجندي يستطيع حمل طلقات أكثر بكثير مما لو كان مزودًا بسلاح من عيار أكبر. للبندقية قبضة مماثلة لقبضة المسدس، ومستودع مقوّس كبير لحمل الذخيرة، وعادة ما يكون كعبها (الطرف المثلث للبندقية التي يسند إلى الكتف) قابلًا للتعديل، للتكيف مع وضعيات مختلفة لإطلاق النار أو ارتداء الدروع وغيرها من المعدات.
صُممت الـAR-15 لتكون تركيبية، يمكن تفكيكها بسهولة في الميدان للتنظيف والصيانة. وهذا ما جعلها عن غير قصد مثالية للتسويق: فهناك دومًا ملحق جديد يُضاف، وميزة تُحسّن، وتفاصيل تُعدّل. العديد من معجبيها لا يسمونها «بندقية»، بل «منصة» يمكنك استخدامها لبناء تصميمك الخاص. إذ يمكن لمالكها تعديل أي شيء تقريبًا: السبطانة، والمستودع، والمقبض، وحتى المُستقبِل (الجزء الذي يحمل آليات التلقيم والتذخير وإطلاق النار)، كما يمكن تزويدها بمناظير للتصويب، وأغطية معدنية مثقبة تحمي السبطانة، وكشّافات، وغيرها من الملحقات. في الأصل، كانت بندقية AR-15 سوداء اللون -ومن هنا جاء لقبها في حقبة فيتنام، «البندقية السوداء»- ولكنها باتت الآن تتوفر في مجموعة متنوعة من الألوان والتصميمات، من الأخضر الليموني المصقول، إلى ألوان العلم الأميركي، إلى هالو كيتي، ما منحها اسم «باربي البنادق». هناك اختلاف مهم بين النماذج العسكرية من البندقية مثل M16 -وهو الاسم الذي أطلقه الجيش الأميركي على الـAR-15 عندما بدأ استخدامها في الستينيات- والنماذج التي تباع في المتاجر، وهو أن الأخيرة لا توفر خيار إطلاق نار «آلي». أي أن الـAR-15، ما لم تُعدل بشكل غير قانوني بعد الشراء، لن تعمل مثل الرشاش في الأفلام، بل يجب سحب الزناد عند كل طلقة، كما هو الحال مع البندقية نصف الآلية التقليدية.
لدى معجبي AR-15 مجموعة من الحيل التي تهدف إلى إظهار أن المطالبين بحظر الأسلحة الهجومية لا يفهمون إطلاقًا ما يطالبون بحظره. تنتشر على الإنترنت مقاطع لسياسيين أميركيين وهم يخطئون في التعرف على أجزاء البندقية أو يتلعثمون عند الحديث عن ميزاتها. لكن أكثر الأخطاء شيوعًا هو ببساطة ما ترمز إليه الحروف «AR». فالإجابة ليست «بندقية هجومية» (Assault Rifle) بل «بندقية آرمالايت» (Armalite Rifle)، على اسم شركة الأسلحة الصغيرة في جنوب كاليفورنيا التي اخترع فيها يوجين ستونر الـAR-15 في خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت النسخة الخامسة عشر من نوعها.
وُلدت «رأسمالية السلاح» مع نهاية الحرب العالمية الثانية، حين تزامنت وفرة الأسلحة الفائضة الرخيصة مع ارتفاع النزعة الاستهلاكية، والهستيريا المناهضة للشيوعية، والتوتر العرقي، خاصة في المدن.
ستونر هو بطل كتاب كاميرون ماكويرتر وزوشا إلينسون «البندقية الأميركية: القصة الحقيقية للـAR-15». في كتابهما، يظهر ستونر وكأنه تجسيد لصورة الولايات المتحدة عن نفسها في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية: نزعة فردانية مسلحة طائشة، خاضت سبعين عامًا من الحروب الإمبريالية والسخط الداخلي، ولا تزال تعتبر نفسها حسنة النية، وتتفاجأ -بغطرستها- بالدمار الذي يحيط بها.
لست متأكدًا من أن هذا كان مقصد ماكويرتر وإلينسون. يروي الكتاب حياة ستونر كما لو كان شخصًا عاش الحلم الأميركي، أو اقترب منه كثيرًا، لولا أن الـAR-15 أفلتت من أمثاله، وانجرفت نحو مسار مدمر. يقتبس الكتاب قول ابنة ستونر إنه في الخمسينيات، عندما كان أبًا شابًا مشغولًا باختراع الأسلحة في مرآب منزله في كاليفورنيا، بدا المستقبل بالنسبة له «مفتوحًا على مصراعيه». وبينما كان أطفاله في المدرسة يتدربون على ما يجب فعله إن هاجم السوفييت، كان ستونر «يعمل على صنع سلاح يساعد أميركا على هزيمة هؤلاء الشيوعيين. كان ستونر يعلم أن بندقيته يمكن أن تساعد القوات الأميركية في مواجهة بنادق الـAK-47 المتينة التي يستخدمها المتمردون في جميع أنحاء العالم».
كان ستونر يعتقد أن عمله كان «جذابًا ولكنه نبيل في الوقت نفسه». تتميز قصة حياته بطابع أميركي للغاية: حكاية عن العصامية والجسارة والتفاني والإبداع والتفكير غير التقليدي الذي نال في النهاية إعجاب القيادة العسكرية للبلاد، رغم الجمود البيروقراطي وجهود أصحاب المصالح الكبيرة. بعد التغلب على كل هذه العقبات، مات الرجل الهادئ الذي سكن الضواحي ولم يذهب إلى الجامعة قط مليونيرًا وبطلًا، على الأقل بالنسبة للبعض في صناعة الأسلحة. بالنسبة لماكويرتر وإلينسون، فإن مأساة قصة ستونر هي أن فضائله لم تعد شائعة في الدولة التي قدم لها اختراعه: «لقد أراد حماية البلد الذي أحبه، ولكن اختراعه بات معروفًا كأداة لقتل الأميركيين الأبرياء».
لطالما ركزت تغطية الحوادث المتعلقة بالسلاح على الأفراد: عقل مطلق النار، ورعب ضحاياه، ومعاناة من تركوهم وراءهم، والمشرعون العاجزون أو المعيقون. تبدأ معظم الكتب التي تتحدث عن الأسلحة في الولايات المتحدة بقصة مروعة عن حادث إطلاق نار، تُروى بشكل مشوّق كما لو أنها حدثت في فيلم. في كتاب «البندقية الأميركية» تدور هذه القصة حول الرجل الذي أطلق أكثر من ألف طلقة على حشد من رواد حفل في لاس فيغاس، في الأول من تشرين الأول 2017، ما أسفر عن مقتل ستين شخصًا. يتعامل ماكويرتر وإلينسون مع الـAR-15 -التي كثيرا ما يسميانها «بندقية ستونر»- كامتداد لمبتكرها، رغم أن شركة كولت اشترت حقوق إنتاجها عام 1959. (بعد انتهاء صلاحية براءة الاختراع عام 1977، بدأت شركات أخرى بإنتاجها، ومع مطلع الألفيات، اشترت شركة أسهم خاصة في نيويورك غالبية قاعدتها التصنيعية). يُقدَّم كل جانب من جوانب الكتاب من خلال شخصية محددة تتمثل وظيفتها في تصوير الإحباط «الليبرالي» أو الحزن «المأساوي» أو الريبة «التحررية»، سواء كانت هذه الشخصية مناصرًا للحد من الأسلحة يشعر بالإحباط، أو أحد الأهالي المدمرين، أو مؤيدًا للاتحاد الوطني للأسلحة (NRA). تبدو استراتيجية السرد هذه جذابة، بأبطالها المعيبين، وشخصياتها الكبيرة، وحبكاتها الجانبية، وضحاياها والناجين منها، ولكنها كذلك تحد رواية ماكويرتر وإلينسون بشكل كبير. فرواية القصة بهذه الطريقة تقدم الحقائق المادية للحياة الأميركية الحديثة باعتبارها صفات فردية، لا اتجاهات أو بنى مغروسة في السياسة والثقافة المعقدة للولايات المتحدة المعاصرة. لا يمكن فهم حضور الـAR-15 في أميركا من خلال القصص الفردية وحدها.
عالم الـAR-15 مشبع بنذر الشؤم، فهناك حديث لا ينقطع عن «الطريقة التي يسير بها العالم هذه الأيام»، أو «الاتجاه الذي يسير فيه المجتمع»، فيما تبدو حالات الطوارئ، بما فيها الحروب الأهلية، دومًا قاب قوسين أو أدنى
على عكس ما يذهب إليه ماكويرتر وإلينسون، فإن «القضية الأساسية» هنا تتجاوز السؤال «كيف يمكننا كمجتمع أن نبقي هذا السلاح بعيدًا عن أيدي من لا ينبغي أن يمتلكوه؟» أو التوصية بأن «على كل مصمم سلاح أن يتحمل مسؤولية التفكير بماهية اختراعه» (بكلمات جيم سوليفان، الزميل القديم لستونر، التي يختتم بها الكتاب). فالمشكلة لا تكمن في «المجرمين والمهملين والمجانين» فحسب، على حد تعبير الرئيس السابق ليندون جونسون عند توقيعه على قانون الحد من الأسلحة لعام 1968.
تحتل الأسلحة موقعًا أساسيًا في الأساطير الأميركية. في النسخة الوطنية من تاريخها، من «الثورة» المتخيلة، إلى الغزوات المتجهة غربًا، إلى رجال الشرطة الذين يبقون الشوارع آمنة، فإن الأسلحة هي أدوات خلق أميركا لذاتها. «ولد هذا البلد وفي يده بندقية»، كتب فيليب شارب عام 1938 في كتابه «البندقية في أميركا». «في الواقع، لقد قادت البندقية لولادة هذه الولايات المتحدة. الولايات المتحدة والبندقية لا ينفصلان». وما زالا لا ينفصلان، لكن هذه البندقية أصبحت اليوم آلة قتل نصف آلية عالية التقنية، باللون الأخضر الليموني، محفوظة في مرآب في إحدى الضواحي. لم يكن هذا ما كان دار في ذهن شارب.
يقدم كتاب أندرو ماكفيت الممتاز «بلد السلاح: رأسمالية السلاح والثقافة والسيطرة في أميركا أثناء الحرب الباردة» تفسيرًا أفضل للحالة الراهنة. يؤكد ماكفيت على حقيقة عادة ما يتم إهمالها، وهي أن السلاح سلعة. فالأسلحة النارية في الولايات المتحدة، أكثر من أي مكان آخر في العالم، هي سلع متداولة في سوق ضخمِ الإنتاجِ والاستهلاك. وُلدت «رأسمالية السلاح» القوية والمربحة مع نهاية الحرب العالمية الثانية، حين تزامنت وفرة الأسلحة الفائضة الرخيصة مع ارتفاع النزعة الاستهلاكية، والهستيريا المناهضة للشيوعية، والتوتر العرقي، خاصة في المدن. من هذا المنظور، فإن المشكلة في نهاية المطاف لا تكمن في السلاح، بل في التكوين الاجتماعي الذي ظهرت فيه هذه الأسلحة بهذه الكثرة.
يقدم ماكفيت بعض السياق اللازم لفهم القصص الفردية التي يسردها كتاب ماكويرتر وإلينسون، لا سيما الرابط بين هذه القصص و«حرية» رأسمالية السلاح الأميركية، التي يُوجهها السوق. تتعلق إحدى القصص بالإفادة القضائية التي قدمها ممثل مجموعة فريدوم، وهي شركة أسهم خاصة تملك شركة بوشماستر، التي صنّعت بندقية AR-15 المستخدمة في قتل 20 طفلًا و7 بالغين في مدرسة ساندي هوك الابتدائية في كونيتيكت عام 2012. عند سؤاله عن سبب توسيع بوشماستر للإنتاج بعد حادث إطلاق النار، أشار ممثل المجموعة إلى أن البندقية كانت «إحدى منتجاتنا ذات هامش الربح المرتفع»: «لقد كانت مأساة ضخمة ومروعة، لكن تأثيرها على القرارات الرأسمالية طويلة المدى للشركة… لم يكن عاملًا يؤخذ بالحسبان. كنا نعمل في مجال تصنيع الأسلحة بشكل قانوني لبيعها بشكل قانوني لملاك الأسلحة القانونيين. لذا، لم يكن هناك ما نستطيع فعله سوى الاستيقاظ وصنع الأسلحة صباح يوم الاثنين». مثلما يتكثف المرق في مكعبات، تتكثف الرأسمالية في رأسمالية السلاح.
يفوق عدد الأسلحة المملوكة للأفراد في الولايات المتحدة عدد السكان فيها بسبعين مليونًا، إذ يبلغ عددها حوالي 400 مليون قطعة سلاح. وتشكل بنادق AR-15 حوالي 5% من هذا المجموع، لكنها حاليًا البندقية الأكثر مبيعًا في البلاد. «جماعة الـAR هم قلب وروح عضوية الاتحاد الوطني للأسلحة»، كما قال مسؤول تنفيذي سابق فيه للواشنطن بوست. بالنسبة للاتحاد، فإن ما يسميه «بندقية أميركا» هو «أولويته الأولى». اليوم، ترتبط البندقية ارتباطًا وثيقًا ليس فقط بعمليات إطلاق النار الجماعية، بل أيضًا بالحركات والميليشيات اليمينية المتطرفة والعنصرية البيضاء، لكن ذلك لا يزعج الاتحاد الوطني للأسلحة. تتمثل مهمة الاتحاد الأساسية في الدفاع المسلح جيدًا والممول بكثافة عن التزامه السياسي الأهم، وهو التفسير غير القابل للنقاش للتعديل الثاني للدستور الأميركي، الذي ينص على أنه «نظرًا إلى أن الميليشيا المنظمة تنظيمًا جيدًا ضرورية لضمان أمن الدولة الحرة، فإن حق الشعب في حيازة السلاح وحمله لا يجوز تقويضه». لقد أصبحت بندقية AR-15 الرمز الأقوى لهذا الالتزام، وهذا ما يجعل السياسيين من أمثال مور وداعمي مشروعه -الذين منحهم الاتحاد الوطني للأسلحة تصنيفًا متقدمًا ودعمًا كبيرًا لحملاتهم الانتخابية- يقدمون مثل هذا المشروع.
يفوق عدد الأسلحة المملوكة للأفراد في الولايات المتحدة عدد السكان فيها بسبعين مليونًا، إذ يبلغ عددها حوالي 400 مليون قطعة سلاح. وتشكل بنادق AR-15 حوالي 5% من هذا المجموع، لكنها حاليًا البندقية الأكثر مبيعًا في البلاد.
حمل العديد من المشاركين في «تمرد» الكابيتول هيل عام 2021 أعلامًا تحمل صور بنادق AR-15 مع شعار «تعال وخذها»، أو «مولون لابيه»، وهي عبارة يونانية تعني «تعال! خذ!»، يروى أن الملك ليونيداس قالها عندما طلب زركسيس من الإسبرطيين إلقاء أسلحتهم.[1] لقد وصلنا إلى نقطة مفادها أنه حتى لو تمكن أحد ما بطريقة ما سن تشريع للحد من الأسلحة في الولايات المتحدة، وحتى لو كان يقيد الأسلحة الهجومية فقط مثل بندقية AR-15، فمن المرجح أن يؤدي تنفيذه إلى عنف على نطاق واسع. لكن احتمالات إقرار مثل هذا التشريع تبقى ضئيلة للغاية، بغض النظر عن عدد الأطفال الموتى. عام 1989، كتب الباحث الدستوري سانفورد ليفينسون أنه «يكاد يكون من المستحيل أن نتصور أن السلطة القضائية يمكن أن تلغي قرارًا من الكونغرس يقضي بمنع المواطنين العاديين من حيازة الأسلحة الهجومية». اليوم، ليس من المستحيل على الإطلاق أن نتصور ذلك. فقد أيدت المحكمة العليا الأميركية، التي ستقرر في نهاية المطاف شرعية أي قانون جديد للأسلحة النارية، أحد أهم الأسس في تفسير الاتحاد الوطني للأسلحة للتعديل الثاني، حين خلُصت في قضية «مقاطعة كولومبيا ضد هيلر» إلى أن الدستور يمنح الأفراد، وليس فقط «الشعب» أو أعضاء «الميليشيا المنظمة تنظيمًا جيدًا»، الحق في «حيازة السلاح وحمله». كان ذلك عام 2008، ومنذ ذلك الحين، ازدادت المحكمة يمينية.
لهذه الأسباب وغيرها -بما في ذلك صعوبة السيطرة على الملايين من بنادق AR-15 المتداولة بالفعل، ناهيك عن مئات الملايين من الأسلحة الأخرى- تخلى ماكفيت، مثل كثيرين غيره، عن التدابير التقليدية للحد من الأسلحة، فكتب: «ببساطة، ما من طريقة عملية لتقليص ترسانة الأسلحة النارية الخاصة المنتشرة على امتداد البلاد إلى مستويات يمكن أن يكون لها تأثير كبير على معدلات الوفيات السنوية بالعنف المسلح». ومع ذلك، فهو يختلف عن غيره في اعتقاده بأن نقطة اللاعودة مرت منذ عقود، قبل أن تصبح بندقية AR-15 «البندقية المفضلة للمواطن-المستهلك الأميركي، الذي يلعب دور المواطن-الجندي». يجادل ماكفيت بأن الستينيات، لا التسعينيات أو الألفيات، كانت العقد الذي صاغ ثقافة السلاح الأميركية، والذي ضاعت فيه فرصة عكس المسار إلى الأبد. فرض قانون الحد من الأسلحة لعام 1968، الذي أُقر في أعقاب الانتفاضات الجماهيرية في واتس وديترويت وأماكن أخرى، بعض القيود البسيطة، منهيًا بيع الأسلحة للقاصرين و«المعاقين عقليًا»، وصعّب على تجار الأسلحة الحصول على تراخيص أو التلاعب بسجلاتهم. لكن سياسته الأساسية، أي الحد من واردات المسدسات الرخيصة التي كانت تتدفق إلى الولايات المتحدة بمئات الآلاف كل عام، لم تؤد إلى خفض المعروض من الأسلحة لأنها لم تفعل شيئًا لوقف استيراد قطع غيارها أو الحد من الإنتاج المحلي. كان الأثر الرئيس للقانون هو تحفيز لوبي الحق في السلاح. بعد ذلك، يقول ماكفيت، «لم يكن هناك عودة إلى الوراء»؛ فقد قاد «ظهور حركة الحد من الأسلحة إلى تشدد حركة الحق في حمل السلاح، وليس العكس». بحلول عام 1980، كان الاتحاد الوطني للأسلحة، الذي بات أشد تطرفًا، جاهزًا لإعلان أول تأييد رئاسي له، لرونالد ريغان. وفي عام 1986، صدر قانون حماية مالكي الأسلحة النارية، ملغيًا أو محيّدًا حتى التدابير الخفيفة التي فرضها قانون عام 1968.
لم يفوّت كتاب «البندقية الأميركية» أي تفصيل في قصة الـAR-15، ولكنه فعل كل ما في وسعه لتجنب اتخاذ موقف سياسي. على النقيض من ذلك، لا يخجل كتاب «بلد السلاح» من السياسة، خالصًا إلى مقترحات يعترف ماكفيت بأنها «قائمة أمنيات مستحيلة»: التراجع عن التفسيرات المتطرفة للتعديل الثاني و«إلغاء عنف الدولة»، بما يشمل «نزع سلاح قوات الشرطة». من الصعب التوفيق بين آمال ماكفيت هذه وتحليلاته. فاستنادًا إلى منطق روايته التاريخية، من شأن هذه المقترحات الجذرية أن تقود إلى ردود فعل أشد تطرفًا.
اليوم، ترتبط بندقية AR-15 ارتباطًا وثيقًا ليس فقط بعمليات إطلاق النار الجماعية، بل أيضًا بالحركات والميليشيات اليمينية المتطرفة والعنصرية البيضاء، لكن ذلك لا يزعج الاتحاد الوطني للأسلحة.
بحسب استطلاع إبسوس والواشنطن بوست، فإن السبب الأكثر شيوعًا لامتلاك بندقية AR-15 اليوم هو «الدفاع» عن المنزل والأسرة. (والثاني هو إطلاق النار على أهداف مخصصة، والثالث هو «لأنني أستطيع». فعلى حد تعبير أحد أعضاء مجلس إدارة الاتحاد الوطني للأسلحة، فإن جزءًا كبيرًا من جاذبية البندقية يتلخص في امتلاكها نكاية باليسار). يركز كثير من الإعلانات، والمحتوى الذي ينشره المدافعون عن الأسلحة على الإنترنت، على الشعور بكونك محاصرًا، ووحيدًا، وضعيفًا جسديًا واجتماعيًا في لحظات الأزمات. يسرد أحد هذه الفيديوهات «خمسة أسباب لامتلاك بندقية AR-15 (خاصة الآن)»: «للدفاع ضد عمليات الاقتحام التي تشمل عدة مشتبه بهم يحاولون قتلك»؛ «للدفاع عن نفسك أثناء الاضطرابات المدنية»؛ «لحماية نفسك خلال الكوارث الطبيعية أو أسوأ السيناريوهات الممكنة»؛ «لأن الجميع يمتلكونها، بما في ذلك المجرمين»؛ و«لأنك لا تثق في الحكومة». وكما يقول آيزاك بوتكين، المسيحي الإنجيلي والمصمم في شركة تي ريكس للأسلحة في «لماذا يحتاج الجميع إلى بندقية AR-15»، وهو مقطع فيديو مدته ثلاثون دقيقة نال أكثر من 3.4 مليون مشاهدة، «يمكن للـAR-15 أن تكون سلاحًا حربيًا، وفي الوقت نفسه، أفضل منصة للاستخدام المدني.. إذا كنت تمتلك سلاحًا ناريًا، وهو ما يجب أن تفعله، فعليه أن يكون بندقية AR-15. وإذا اضطررت يومًا ما لاستخدام هذا السلاح الناري، وهو ما آمل ألا يحدث، فسوف تريد أن يكون هذا السلاح بندقية AR-15».
من المفارقة أن الرجولة التي تؤكد عليها بندقية AR-15 لدى العديد من مالكي الأسلحة تبدو مصحوبة بضعف «غير رجولي» تجاه العالم. لكن عالم الـAR-15 مشبع بنذر الشؤم، فهناك حديث لا ينقطع عن «الطريقة التي يسير بها العالم هذه الأيام»، أو «الاتجاه الذي يسير فيه المجتمع»، فيما تبدو حالات الطوارئ، بما فيها الحروب الأهلية، دومًا قاب قوسين أو أدنى. تنقل الواشنطن بوست عن أعضاء الميليشيات اعتقادهم «بأن شيئًا خطيرًا يتصاعد داخل المجتمع الأميركي، وأن حريقًا ما يلوح في الأفق، حتى لو لم تكن خطوط المعركة واضحة تمامًا بعد. هذا ما يعيدهم إلى الغابة حاملين بنادقهم». من وجهة نظر المحاصرين أو الذين سيُحاصرون قريبًا، مثل بوتكين، يريد معارضو الـAR-15 أن يجعلوك «في موقف ضعيف»، «معتمدًا تمامًا على شخص آخر». يؤكد بوتكين أنه لا يبالغ على الإطلاق عندما يقول إن «الجميع» يحتاجون إلى بندقية AR-15: «أنا لا أتحدث فقط عن الذكور في سن الخدمة العسكرية… أنا أتحدث عن الجميع، أنا أتحدث عن الأشخاص الأصغر حجمًا والأصغر سنًا والأكبر سنًا والمعاقين؛ خاصة الأشخاص الذين قد يكونون أضعف من غيرهم، أنا أتحدث عن الأشخاص الذين يحتاجون إلى مزيد من الحماية، أنا أتحدث عن أمي».
لا ينبغي صرف النظر عن مثل هذا الكلام باعتباره تبريرًا زائفًا لشيء لا يمكن تبريره. هناك بالطبع نسخة ذكورية وغالبًا بيضاء من هذه الحجج يستشهد بها أنصار تفوق البيض كأساس لـ«حقهم» في الكراهية المسلحة، أو لدعم ما يسمونه «ميليشيا من فرد واحد». لكن التركيز على «الدفاع» والهشاشة أمام تقلبات عالم غامض يُظهر أنه بالنسبة للكثيرين، فإن «حقوق السلاح هي حقوق مدنية»، كما قال أحد أعضاء الميليشيات للواشنطن بوست. لقد أصبحت سياسات الأسلحة النارية في الولايات المتحدة بمثابة سياسات هوية، وأصبح سلاح AR-15، أكثر من أي سلاح آخر، رمزًا ليس لحرية الاستهلاك فحسب، بل أيضًا لحرية التعبير أو حتى الإيمان. «إذا كنت مسلحًا ببندقية AR-15 فسيعاملك الناس بشكل مختلف»، يقول أحد أعضاء الميليشيات للواشنطن بوست. إن من يشعرون بأن الاقتصاد السياسي لليبرالية الأميركية قد همّشهم يرون في البندقية وسيلة تمكّنهم من ألا يكونوا مجرد متلقّين للتاريخ. وهذا ما يجعل فكرة «أسوأ السيناريوهات الممكنة» جذابة للغاية. تبدو بندقية AR-15 وكأنها توفر طريقة لتحقيق الاستقلال والحرية اللذين تعد الأساطير الوطنية بهما ولكن الواقع ينفيهما، مانحة مالكها فرصةً لترك بصمة في العالم.
-
الهوامش[1] كان ذلك خلال معركة ترومبيل التي وقعت عام 480 قبل الميلاد بين جيش فارس بقيادة الملك زركسيس (المعروف كذلك بخشايارشا الأول أو أحشويروش الأول) وجيش الإغريق بقيادة ملك إسبرطة ليونيداس. ورغم مقاومة الإسبرطيين فقد انتهت المعركة بانتصار ساحق للفرس، واصلوا بعدها الغزو إلى أثينا وأحرقوها.