«من يريد من السوريين أن يغادر إلى سوريا الله يسهل عليه»، هكذا صرّح وزير الداخلية الأردني مازن الفراية في مقابلة تلفزيونية مؤخرًا، إذ برأيه، ومع سقوط النظام السوري زالت الأسباب التي كانت تدفع السوريين للجوء إلى الأردن، سواء لناحية تجنّب التجنيد الإلزامي أو الملاحقة الأمنية من النظام السابق.
يعيش في الأردن حوالي 1.3 مليون لاجئ سوري، قرابة نصفهم مسجلون لدى مفوضيّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويشكلون حوالي ربع اللاجئين السوريين المقدرين بحوالي 5.5 مليون لاجئ، يتوزعون في دول المنطقة والعالم. ورغم أن الأردن أتاح خيار العودة الطوعية للاجئين السوريين خلال سنوات الأزمة السورية وانخرط في برامج دولية عدّة لتسهيل هذه العملية، إلا أن دراسة مسحية نفذتها الأمم المتحدة العام الفائت، قال فيها 97% من المستطلعة آراؤهم إنهم لا ينوون العودة لسوريا، خلال عام من وقت إجراء الاستطلاع، بسبب مشاكل الأمن وبسبب نقص الخدمات الأساسية وغيرها من القضايا في سوريا.
شجعت سيطرة فصائل المعارضة على العاصمة دمشق وإسقاط نظام بشار الأسد اللاجئين السوريين على التفكير بالعودة لبلادهم مع «وقف الأعمال العسكرية». فيما قال الفراية إن ظروف عودة اللاجئين السوريين أصبحت «مهيأة إلى حد كبير»، مؤكدًا أن الداخلية الاردنية تنسق مع المعارضة السورية المسلحة لتسهيل حركة عودة السوريين لبلادهم.
«بدي أرجع حتى لو على خيمة»
في اليوم الأول لإسقاط النظام في سوريا، عاد 500 سوري إلى البلاد من معبر جابر، والذي كان قد أغلق قبلها بسبب الظروف الأمنية على الجانب السوري من المعبر. وقد شهد المعبر خلال الأيام الماضية حركة متزايدة، بحسب ما لاحظ موظفو أمنٍ وعاملون في مجال نقل الركاب بين طرفيْ الحدود.
يأمل محمد، 29 عامًا، أن يكون أحد هؤلاء المغادرين إلى سوريا مع نهاية هذا الأسبوع، فور تأمينه تكلفة المواصلات وتحصيله بقية ديونٍ من المعارف واستصدار ورقة العبور، وهي تذكرة مرور تصدرها السفارة السورية لتمكين السوريين الذين لا يحملون جواز سفرٍ ويكلف استصدارها خمسين دولارًا.[1] جاء محمد إلى الأردن عام 2012 من حمص، وقد أسس عائلة وأنجب طفلين، لكنّه اليوم يفكّر جديًا بالعودة لسوريا، أملًا في أن يتحسّن وضعه المادي، خاصة وأنه يعمل اليوم في المياومة.
«أول ما فوت، رح ياخدوني عسكري أو ع الجبهة أو ع السجن»، يقول محمد الذي لم يفكر بالعودة خلال السنوات الماضية، إذ غادر سوريا وهو يبلغ من العمر 16 عامًا متخوفًا من العودة لها بعد أن بلغ عمر التجنيد. لكنه اليوم يتطلع للقاء والده الثمانينيّ الذي عاد ليستقر في سوريا، ولينضم لوالده الذي كان قد لجأ إلى الأردن لكنه عاد إلى سوريا بعد ثلاثة أعوام من اللجوء إذ لم يحتمل الغربة. بنى الأب غرفةً ليعيش فيها في محيط ممتلكاتهم المدمّرة بسبب الحرب، وهي خطة تشبه لحد كبير ما ينوي ابنه فعله، «بدي أرجع حتى لو راح أشتري خيمة وأقعد فيها»، كما يقول.
رأي تشاركه إياه زوجته. حتى لو كانت مغادرتهم إلى سوريا تعني عدم قدرتهم على العودة للاستقرار في الأردن بشكل قطعي مستقبلًا، إذ خلال السنوات الماضية كان الزوج يعمل فقط لتحصيل مصروف يومه بالحد الأقصى دون القدرة على تلبية التزاماته من الإيجار والمأكل. اليوم تأمل العائلة الاستقرار في حمص، والعثور على عمل فيها، أو على الأقل تدبّر أمورهم والعودة للعمل الفلاحي الذي كان مصدر رزقهم قبل اللجوء.
يقول أحد العاملين في مكاتب السياحة إن عددًا كبيرًا من اللاجئين الذين يعيشون في مخيم الزعتري يرغبون بالعودة نظرًا لظروفهم المعيشية القاسية، إذ استقبل مكتبه خلال اليومين الماضيين 60 اتصالًا على الأقل من أبناء المخيم ممن يسألون عن الإجراءات وتكلفة التوصيل التي تشكل عائقًا بالنسبة لكثير منهم. وبحسب المسح الاجتماعي والاقتصادي الذي أجرته المفوضية، انخفضت دخول اللاجئين السوريين من 255 دينارًا إلى 239 دينارًا خلال الربع الأول من العام الحالي، جميعها تنفق لتغطية تكاليف المعيشة الأساسية، فيما تصل نسبة الأسر التي عليها ديون مرتفعة إلى 93%.
ترّقب الاستقرار
على مجموعات فيسبوك تضمّ لاجئين سوريين في الأردن، تكاد منشورات الاستفسار عن إجراءات العودة وعروض بيع الأثاث لا تتوقف. باع سليمان، 34 عامًا، مؤخرًا مقتنياته بسعر رخيص حتى يعود لسوريا في أسرع وقت، إلا أنه لم يتمكن من عبور حدود جابر جراء عدم استكمال أوراقه. كان سليمان يحمل هويته السورية ودفتر الجيش والمفوضية، لكن لم يعلم بحاجته لورقة عبور من السفارة السورية في عمان.
في المقابل، فإن بعض العائلات التي قابلناها تفكر في أن تمنح قرار العودة لسوريا وقتًا أكثر. تعتقد هنوف، 20 سنة، وعائلتها أنه من الأفضل تأجيل فكرة العودة لمنزلهم في مدينة حمص لشهور على الأقل. لجأت العائلة من الشام إلى الأردن عام 2013 جراء موقفهم المعارض لنظام الأسد، واستقرّت في المفرق لـ12 عامًا، حيث رزقت العائلة بابنين آخرين والتحقت هنوف بإحدى الجامعات الأردنية وعمل والدها في البناء بعد أن عمله بالعقار في سوريا.
حتى قبل تغير النظام لطالما راودت فكرة العودة أفراد العائلة. واليوم مع تغيّر الأوضاع تقول هنوف: «مستحيل نرجع وهي لسه ما استقرت، وقبل ما تتحسن الأوضاع والعملة والرئاسة، لسا ما في قانون ولا إشي»، خصوصًا أن مغادرتهم تعني وقف هنوف دراستها الجامعية والحاجة لاستكمالها في مكان آخر.
وربما يكون الأهم، أن عودتهم لسوريا تعني بالضرورة عدم قدرتهم على القدرة على العودة للاستقرار في الأردن أو فقدان حقهم كلاجئين مسجلين في المفوضية، إذ تنص ورقة العبور على أن مغادرة اللاجئين نحو بلده هي عودة نهائية، أو «تذكرة باتجاه واحد»، كما يصفونها. كما تشعر العائلة بالقلق أيضًا حيال أمن المدن السورية في ظل الضربات الاسرائيلية، «صحيح بشار راح، بس لسه ما بنعرف تحت إيد مين راح تصير البلد»، إذ يخبرها اقاربها في سوريا عن القصف الإسرائيلي المستمر.
View this post on Instagram
يخطط سالم، 24 عامًا، لترك العمل في على بسطة كتب والعودة لسوريا في أقرب وقت. وبالفعل توجه للسفارة السورية وفوجئ بوقوف أعداد كبيرة من السوريين في طوابير لتجديد جوازات سفرهم مجانًا، وخلال وقت قصير. وهي الخدمة التي كانت تستغرق قبلًا وقتًا طويلًا، وتتراوح تكلفتها ما بين 300-800 دولار بحسب المدة اللازمة لإصدار الجواز. على أية حال، فإن عودة سالم ستكون دون عائلته التي تترقب الأوضاع الأمنية والاقتصادية لسوريا. يتفهم سالم مخاوف أسرته من المستقبل وخططهم المتأنية لترتيب العودة ونقل حاجياتهم، إلّا أن رغبته بالعودة والبحث عن منزل العائلة الذي غادره صغيرًا تفوق كل شيء، «بالنهاية أنا سوري واللي بيصير عليهم بصير علي».
في ضوء هذا التوجس، ستعتمد عودة اللاجئين السوريين لبلادهم بشكل أساسي على استقرار الأوضاع بأراضيهم، وعلى شكل الحكم الذي سيتم الاتفاق عليه بين فصائل المعارضة، والحكومة المركزية. يتوقّع وزير تطوير القطاع العام الأسبق، ماهر المدادحة، ألّا تكون هنالك عودة للسوريين إلى بلدهم خلال الشهور الستة القادمة، تحديدًا حتى يضمنوا استقرار الأوضاع، خاصة في ظل احتمال حصول فوضى ما.
من ناحيتها، قالت مفوضية اللاجئين إنها لا تشجع ولا تسهل عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم في الوقت الحالي إذ أن «الأوضاع الحالية غير مناسبة لعودتهم الآمنة»، مؤكدة أن ما يُقال عن تقليصها للمساعدات أو قطعها بهدف إجبار اللاجئين على العودة إلى بلدهم غير صحيح.
على أي حال، يمكن القول إن ملف اللاجئين سيكون حاضرًا بقوة على طاولة المرحلة المقبلة بين الأردن والسلطات السورية. فيما يقول محللون إن على الأردن تشكيل لجنة لمتابعة القضية وإرساء خطة جادة لتهيئة مزيد من الظروف المواتية أسوةً بالخطط التي أطلقت لاستقبال اللجوء وإنشاء المخيمات.
أما بالنسبة للاجئين السوريين في المنطقة، فقد عائد مئات آلاف السوريين اللاجئين في لبنان إلى سوريا خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان، وبعد سقوط الأسد عاد نحو 6 آلاف، ومن تركيا عاد سوريون إلى بلدهم مع فتح السلطات هناك للمعابر الحدودية المغلقة من 2013.
وفي أوروبا أخذت دول مثل فرنسا والنمسا وألمانيا واليونان والسويد والدنمارك والنرويج تعلق طلبات اللجوء التي تخص السوريين، وأعلن بعضها إعداد برنامج لتنظيم عمليات الإعادة والاستعداد للترحيل أو حتى مراجعة تراخيص الإقامة التي قدمت لهم.
1) بحسب لاجئين سوريين قابلناهم، لا يمكن حتى اليوم للاجئين السوريين في الأردن أن يصدروا جوازات سفر سورية للمرّة الأولى، وإنما يمكن لهم تجديد جوازات قديمة كانت قد انتهت صلاحيتها، ولذا يحتاج من لا يملكون جوازات سفر لورقة العبور.