في خدمة «إسرائيل»: الولايات المتحدة تقمع النشاط الطلابي

الأربعاء 12 آذار 2025
من احتجاج طلابي في جامعة كولومبيا الأمريكية. تصوير جود طه.

«شالوم، محمود». كانت هذه الكلمات التي رافقت صورة محمود خليل على الحساب الرسمي للبيت الأبيض على إنستغرام يوم الإثنين، 10 آذار، بعدما سبقتها رسالة من الرئيس دونالد ترامب يحتفل فيها باعتقال خليل، الطالب الفلسطيني الناشط في جامعة كولومبيا، وأحد أبرز وجوه الحركة الطلابية المناهضة للإبادة في غزة في الجامعة.

اعتُقل خليل خارج شقته المملوكة للجامعة على يد عميلين من وزارة الأمن الداخلي كانا يرتديان ملابس مدنية، طلبا من خليل تأكيد هويته قبل إبلاغه بأن وزارة الخارجية ألغت تأشيرته. وعندما حاولت زوجته، الحامل في شهرها الثامن، التدخل، هدّدها الضباط بالاعتقال أيضًا.

لكن خليل لم يكن يحمل تأشيرة، بل كان مقيمًا دائمًا بشكل قانوني في الولايات المتحدة. وعندما أخرجت زوجته البطاقة الخضراء لتريها للضباط، سمِعت أحدهم وهو يسأل عبر الهاتف بدهشة: «هل لديه بطاقة خضراء؟» وبعد لحظات من الصمت، جاءه الرد: «حسنًا، لقد ألغيناها أيضًا».

تقول إيمي جرير، محامية خليل، إن وزارة الأمن الداخلي رفضت تقديم مذكرة اعتقال مكتوبة، وأغلقت الخط فجأة عندما أصرّت على طلب مبرر قانوني لاحتجازه.

لأكثر من 24 ساعة بعد اعتقاله، كان مكان خليل مجهولًا، حيث رفضت وكالة الهجرة والجمارك (ICE) تأكيد موقعه لمحاميته أو عائلته. ومنذ ذلك الحين، تم نقله إلى مركز احتجاز تابع للوكالة في ولاية لويزيانا، حيث يخوض فريقه القانوني معركة لوقف ترحيله.

في 29 كانون الثاني، وقع ترامب أمرًا تنفيذيًا يستهدف بشكل مباشر الطلاب الدوليين المشاركين في النشاط المؤيد لفلسطين، في تصعيد غير مسبوق لتجريم المعارضة السياسية.

وجّه الأمرُ وزارة العدل الأمريكية لاتخاذ «إجراءات فورية» ضد «التهديدات الإرهابية وأعمال الحرق العمد والتخريب والعنف ضد اليهود الأميركيين»، كما حشد الموارد الفدرالية لمواجهة ما تصفه الإدارة بـ«الانفجار في معاداة السامية داخل حرم الجامعات وفي الشوارع» منذ السابع من أكتوبر.

لكن خبراء قانونيين يحذرون من أن الصياغة الفضفاضة لهذا القرار تمنح السلطات صلاحيات واسعة لقمع الطلبة وأعضاء هيئة التدريس والنشطاء، لا سيما أولئك الحاصلين على تأشيرات مؤقتة،[1] مما يعزز مناخًا من الترهيب القانوني.

الآن، وبعد أسابيع قليلة من توقيعه، بدأت النتائج الفعلية للأمر التنفيذي تتكشف، حيث استُخدم لتبرير اعتقال خليل وتهديده بالترحيل. ويشير اعتقاله إلى نية الإدارة توسيع نطاق التنفيذ ليشمل، إلى جانب حاملي التأشيرات المؤقتة، حاملي البطاقة الخضراء وغيرهم من المشاركين في النشاط المؤيد لفلسطين. هذا ما أوضحه ترامب نفسه حين احتفل باعتقال خليل قائلًا: «هذا هو أول اعتقال من بين اعتقالات كثيرة قادمة».

عودة إلى ما بعد 11 سبتمبر

منذ السابع من أكتوبر، تصاعدت الاحتجاجات الطلابية ردًا على الإبادة الجماعية التي ترتكبها «إسرائيل» في غزة، والتي أسفرت عن استشهاد ما يقارب 50,000 فلسطيني. وبينما يواجه النشطاء الفلسطينيون حملات قمع جامعية، وتهديدات أمنية، وهجمات عبر الإنترنت، فإنهم الآن أمام خطر أشد: الترحيل القسري.

«ما حدث في 7 أكتوبر يشبه إلى حد كبير تأثير 11 سبتمبر، فقد غيّر بشكل جذري أولويات إنفاذ القانون والسياسات المرتبطة به. خلق هذا الوضع بيئة تمنح الحكومة صلاحيات غير محدودة لقمع المعارضين»، تقول ديالا شماس، المحامية في مركز الحقوق الدستورية في نيويورك.

تضيف شماس أن المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة تحاول منذ سنوات دفع السلطات إلى التحقيق مع الطلاب بسبب نشاطهم، مستخدمين مختلف القنوات القانونية لقمع النشاط المؤيد لفلسطين. «واليوم، هم ببساطة يغتنمون الفرصة». 

فيما يتعلق بقضية خليل، تقول شمّاس إن هذا هو أول اختبار فعلي للسياسات التي أعلنها ترامب، والتي ترسل إشارة واضحة إلى نظام الهجرة لاستهداف وقمع النشاط المؤيد لفلسطين داخل الجامعات.

«كونهم بدؤوا بإلغاء البطاقة الخضراء -بشكل واضح وغير قانوني تمامًا- يشير إلى أنهم يهدفون إلى إرسال أشد الرسائل الممكنة تخويفًا»، قالت شمّاس. «هذه قضية تجريبية لمعرفة مدى قدرة المعارضة على مواجهة الاستبداد.. بدلًا من الخضوع، ينبغي على الجامعات أن تعزز جهودها في حماية طلابها».

لكن الجامعات نفسها أصبحت جهات نشطة في الحملة القمعية. ففي الوقت الذي خرج فيه آلاف الأشخاص، بمن فيهم طلاب وأساتذة ومنظمات حقوقية كبرى، إلى شوارع نيويورك للمطالبة بالإفراج عن خليل، التزمت جامعة كولومبيا إلى حد كبير بالصمت بشأن اعتقاله.

محمود خليل في إحدى الفعاليات المناصرة لفلسطين في جامعة كولومبيا. تصوير ناندهيني سرينيفاسان.

كانت كولومبيا قد تعهدت سابقًا بحماية طلابها من ملاحقة سلطات الهجرة بموجب سياسة «ملاذ الحرم الجامعي»، إلا أن تصرّفاتها الأخيرة تشير إلى تغيير هادئ في التزامها بهذا الوعد لصالح الامتثال لتوجيهات ترامب. قبل ساعات فقط من اعتقال خليل، أصدرت الجامعة تحديثًا لتوجيهاتها حول «الزيارات المحتملة» لوكلاء وكالة الهجرة والجمارك للحرم الجامعي، مطالبةً أعضاء هيئة التدريس والموظفين بعدم التدخل في حال سعى العملاء إلى دخول المباني الجامعية دون مذكرة قضائية، وفقًا لما كشفه موقع زيتيو.

بالنسبة لكثير من النشطاء، لا يمثل اعتقال خليل مجرد اختبار لمدى تطبيق حملة القمع التي يقودها ترامب، بل هو رسالة تحذيرية إلى الجامعات في جميع أنحاء البلاد. إذ تأتي عملية احتجازه بعد أيام فقط من قرار إدارة ترامب قطع 400 مليون دولار من المنح الفيدرالية عن جامعة كولومبيا، متهمةً إياها بالفشل في التصدي لمعاداة السامية.

في الوقت ذاته، صعّدت الجامعة من إجراءاتها التأديبية ضد الطلاب المؤيدين لفلسطين، حيث طردت ثلاثة نشطاء في شباط، في أول عملية طرد سياسي تشهدها الجامعة منذ الاحتجاجات المناهضة لحرب فيتنام في عام 1968.

يقول إريك لي، وهو محامٍ مختص بشؤون الهجرة مثّل أحد الطلاب الذين واجهوا إجراءات تأديبية بسبب نشاطهم المؤيد لفلسطين، إن الجامعات لم تعد تكتفي بمراقبة حرية التعبير، بل أصبحت تلعب دورًا مباشرًا في ترحيل الطلاب.

«الجامعات تقول دائمًا إن الضمانات الدستورية المنصوص عليها في التعديل الأول لا تنطبق عليها لأنها ليست جهة حكومية، على الأقل الجامعات الخاصة»، يقول لي. «لكن الواقع هو أنه عندما تعاقب الطلاب وتبلغ عنهم وزارة الأمن الداخلي عبر نظام SEVIS، فإنها عمليًا تساهم في ترحيلهم لمجرد تعبيرهم عن آرائهم السياسية، رغم أن التعديل الأول يحمي هذا النوع من الخطاب».[2]

هذه ليست مجرد تكهنات. فوفقًا لمنظمات حقوقية فلسطينية، تكشف رسائل بريد إلكتروني مسربة ووثائق داخلية من بعض الجامعات أن الإدارات تلقّت تعليمات حكومية بالإبلاغ عن الطلاب المشاركين في الاحتجاجات إلى السلطات الفدرالية. بالإضافة لذلك، فإن أي طالب يُدان حتى بمخالفات بسيطة -مثل الاعتصام داخل مبنى جامعي أو توزيع منشورات تعتبر «تحريضية»- يتم تحويله فورًا إلى إدارة الهجرة والجمارك (ICE) لمراجعة وضع تأشيرته.

«لدينا تسريبات لمحادثات إدارية جرت بين مجلس الأمناء ومسؤولين حكوميين على مستوى الولاية ومكتب التحقيقات الفدرالي (FBI)»، يقول مصدر مطّلع على سياسات الجامعات لحبر. «اقتُرحت عدة صفقات: إما أن تسمح إدارات الجامعات لوكالة الهجرة والجمارك وأجهزة إنفاذ القانون بالعمل بحرية داخل الحرم الجامعي، أو أن تسلم أسماء جميع الطلاب المعروفين بنشاطهم المؤيد لفلسطين».

يشبه هذا التعاون المباشر بين الجامعات وأجهزة الأمن التكتيكات التي اتُبعت بعد أحداث 11 سبتمبر، حين استُهدف الطلاب العرب والمسلمون الحاصلون على تأشيرات إقامة تحت ذريعة الأمن القومي.

فبعد 11 سبتمبر، عزز مكتب التحقيقات الفدرالي تعاونه مع شرطة الجامعات، حيث كلفها بمراقبة الطلاب القادمين من الشرق الأوسط. وبحلول عام 2003، صعّدت وزارة الأمن الداخلي هذه الإجراءات، مطالبةً الجامعات بتقديم تقارير مفصلة عن المعلومات الشخصية والأكاديمية لجميع الطلاب الأجانب. أيُّ تغيير غير مصرح به في العنوان أو التخصص الدراسي كان يمكن أن يؤدي إلى ترحيل فوري، مما حول الجامعات فعليًا إلى مراكز مراقبة لصالح سلطات الهجرة الفدرالية.

اليوم، يسود الخوف أحاديث الطلاب في وسائل التواصل الاجتماعي، والمحادثات المشفرة، والغرف المغلقة في السكن الجامعي. بعض الطلاب محوا أرشيفهم الرقمي بالكامل، ماسحين سنوات من المنشورات الداعمة لحقوق الفلسطينيين. آخرون توقفوا عن حضور الاحتجاجات نهائيًا، خشية أن يتم استهدافهم.

«أصبحت شديد الحذر في الطريقة التي أمارس بها نشاطي، بسبب وضعي القانوني في هذا البلد»، يقول طالب أردني مقيم في الولايات المتحدة، وهو في طور التقدم بطلب الجنسية الأميركية. «في البداية حاولت أن أبقى ضمن حدود النشاط الرقمي -توعية الناس عبر الإنترنت، ومشاركة المعلومات- لكن حتى ذلك أصبح يبدو محفوفًا بالمخاطر… في الحقيقة، قررت مؤخرًا الابتعاد تمامًا عن وسائل التواصل الاجتماعي».

ويضيف: «لم أعد أشعر بالراحة لوجود أثر رقمي لي يمكن الوصول إليه. في السابق، كنت أعتقد أنه طالما أتحدث من منظور إنساني، فلن يكون هناك خطر. لكن الآن، بصراحة، أنا خائف». 

مؤسسات صهيونية وراء الحملة 

رغم أن ترامب هو من وقع الأمر التنفيذي، فإن اللوبي الصهيوني، بمؤسساته البحثية ومنظماته الطلابية، كان المهندس الحقيقي له، من خلال تعقب النشطاء، وإدراجهم في قوائم سوداء، وتسليم أسمائهم تمهيدًا لترحيلهم المحتمل.

أمضت منظمات مثل «بيتار أميركا» و«كناري ميشن» و«شيريون كولكتيف» سنوات في إعداد قوائم سوداء للنشطاء المؤيدين لفلسطين، حيث تعمدت التشهير بهم، ونشر صورهم وانتماءاتهم السياسية بهدف تدمير مستقبلهم المهني والأكاديمي وحتى وضعهم القانوني كمغتربين.

تحويل الترهيب إلى سلاح سياسي أصبح استراتيجية ممنهجة للوبي الصهيوني الذي أنشأ شبكات مراقبة واسعة لإسكات الأصوات المعارضة. منظمة «كناري ميشن»، التي تدير قائمة سوداء على الإنترنت منذ 2015 على الأقل، تستهدف الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والنشطاء الذين ينتقدون «إسرائيل»، وتصنفهم في خانة «مروجين للكراهية ضد أميركا وإسرائيل واليهود». هذه القوائم تظهر لاحقًا في عمليات التدقيق الأمني، والمراجعات الوظيفية، وحتى ملفات الهجرة، مما يجعل النشاط السياسي مخاطرة قانونية ومهنية.

أما «شيريون كولكتيف»، فقد ذهبت أبعد من ذلك، حيث تتفاخر المنظمة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة وتتبع الأفراد رقميًا تحت شعار «ملاحقة وكشف معادي السامية بلا هوادة». خلال الإبادة الجماعية في غزة، كثّفت المنظمة جهودها، حيث بدأت بنشر قوائم علنية لأفراد تزعم أنهم «معادون للسامية»، ووصل بها الأمر إلى عرض مكافآت تصل إلى 15,000 دولار مقابل معلومات عن سياسيين، و250 دولارًا لقاء معلومات عن النشطاء الطلابيين.

في الوقت نفسه، تحولت «بيتار أميركا»، الفرع الأميركي للحركة الصهيونية اليمينية المتطرفة التي أسسها زئيف جابوتنسكي عام 1923، من المراقبة إلى التنفيذ المباشر. فقد تعهدت المنظمة بتوثيق أسماء المشاركين في التظاهرات المؤيدة لفلسطين وتسليم المعلومات إلى إدارة ترامب.

​​كان خليل نفسه هدفًا لأسابيع من المضايقات والتشهير العلني، بقيادة شخصيات صهيونية داخل الحرم الجامعي ومنظمات خارجية مثل «بيتار أميركا» و«كناري ميشن»، اللتين تفاخر أعضاؤهما علنًا بتعقب تحركاته وإبلاغ سلطات الهجرة عنه.

قبل يوم واحد فقط من اعتقاله، أرسل خليل نداءً عاجلًا إلى إدارة جامعة كولومبيا، بمن فيهم الرئيسة المؤقتة كاترينا أرمسترونغ، موضحًا أنه يتعرض لحملة تشهير منظمة وقاسية تهدف إلى تجريده من إنسانيته. «منذ الأمس، أتعرض لموجة من الكراهية، بما في ذلك دعوات لترحيلي وتهديدات بالقتل»، كتب خليل في رسالته.

عبّر خليل عن خوفه العميق على سلامته، قائلًا لمسؤولي الجامعة: «لم أستطع النوم، خوفًا من أن تأتي سلطات الهجرة أو شخص خطير إلى منزلي. أنا بحاجة ماسة إلى دعم قانوني». لكن جامعة كولومبيا لم تقدم أي استجابة ذات مغزى. وبعد 24 ساعة فقط، تم اعتقال خليل.

لم يكن خليل المستهدف الوحيد. فقد كانت نردين كسواني، رئيسة مجموعة «في حياتنا» الناشطة لأجل فلسطين، كذلك واحدة من المستهدفين، حيث تواجه تهديدات مستمرة، بما في ذلك مكافأة، وضعتها «بيتار أميركا»، قدرها 1,800 دولار لمن يدلي بمعلومات عنها.

«المكافأة هي جائزة لأي شخص يسلمني جهاز بيجر»، تقول كسواني لحبر، في إشارة إلى العملية الصهيونية لتفجير أجهزة البيجر في لبنان بتاريخ 17 أيلول 2024، والتي قتلت ما لا يقل عن 12 شخصًا، بينهم طفلان، وأصابت قرابة ثلاثة آلاف. «هذا ليس مجرد تهديد؛ إنه تحريض مباشر على العنف، ويكشف مدى الجرأة التي يشعر بها مؤيدو الصهيونية». 

لكن كسواني ترى أن هذا القمع ليس مؤشرًا على قوتهم، بل على تصاعد تأثير الحركة. «هدفهم هو عزلنا وإسكاتنا، لكن كل ما فعلوه هو كشف مدى استعدادهم للذهاب إلى أقصى حد في سبيل الدفاع عن الإبادة الجماعية. بدلًا من إضعافنا، زادت هذه الهجمات من التزامنا وعززت شبكاتنا».

جامعة كولومبيا بؤرةً للقمع 

لا يوجد مكان تجلّت فيه حملة القمع ضد النشاط المؤيد لفلسطين أكثر من جامعة كولومبيا، التي شهدت إحدى أكبر الحركات الطلابية وأكثرها صخبًا، وكان خليل ركيزة أساسية فيها. لذا، لم يكن اعتقاله مجرد حدث سياسي بارز، بل خسارة للمجتمع الطلابي لشخصية قيادية كانت في قلب «اعتصام التضامن مع غزة». حيث تقدم إلى الواجهة كمفاوض رئيسي مع الجامعة، بينما أُجبر العديد من الآخرين على العمل من الظل خوفًا من القمع.

وصفت الطالبة مريم إقبال، زميلته في كولومبيا، خليل في منشور عاطفي على إنستغرام بأنه «صوت العقل» الذي كان يجمع الحركة معًا كلما أصبح القمع لا يُطاق، مشددةً على ثباته في مواجهة القمع، حيث كان دائمًا يظهر بلا قناع، بلا خوف، رغم المخاطر المتزايدة.

على مدار الـ16 شهرًا الماضية، شهدت جامعة كولومبيا احتجاجات حاشدة واعتصامات طلابية دعمًا لفلسطين، إلى جانب إجراءات تأديبية وتهديدات ضد المنظمين المؤيدين لفلسطين، وتواطؤ سري بين الإداريين والمانحين واللوبي الصهيوني وشرطة نيويورك لمراقبة النشاط الطلابي وقمعه.

من فعالية طلابية مناصرة لفلسطين في جامعة كولومبيا في نيسان 2024. تصوير جود طه.

بلّغ طلاب كولومبيا عن تعرضهم للترهيب من قبل أمن الجامعة، والمضايقات الإلكترونية، والتهديدات بالاغتصاب، والتشهير الإلكتروني (doxxing)، وحتى العنف الجسدي على يد شرطة نيويورك. بعض النشطاء طُردوا من السكن الجامعي، وحُرموا من الرعاية الصحية، والوجبات، وحتى فرص العمل داخل الحرم الجامعي.

«لا أشعر بالأمان»، تقول ريم، طالبة فلسطينية تدرس في كولومبيا، لحبر، وقد تم تغيير اسمها لحماية هويتها. «بصفتي غير أميركية، فأنا أدرك في كل مرة أشارك فيها في تنظيم أي فعالية أنني أعرّض نفسي للخطر، حتى لو كانت فعالية من المفترض أن تكون منخفضة المخاطر، مثل وقفة صامتة. أعلم أنني أواجه خطر الترحيل».

منذ اعتقال خليل، أصبحت ريم خائفة جدًا من مغادرة سكنها في جامعة كولومبيا، حيث تعيش مع زميلاتها، وفقًا لما قالت لحبر. وأوضحت أنها اضطرت إلى إبلاغهن بعدم فتح الباب لأي شخص، وأنها لم تعد تشعر بالأمان حتى عند الذهاب إلى محاضراتها.

ومخاوفها ليست بلا أساس. وفقًا لتقرير نشره موقع «The Intercept»، نظّم أعضاء مجموعة «خريجو كولومبيا من أجل إسرائيل»، وهي مجموعة واتساب تضم أكثر من 1,000 عضو، حملة للإبلاغ عن الطلاب المحتجين سعيًا لترحيلهم.

تكشف لقطات من المحادثات داخل المجموعة عن مناقشات حول تحديد وتتبع المتظاهرين، ومشاركة روابط خط تبليغ لوكالة الهجرة والجمارك، واستخدام تقنية التعرف على الوجه لمساعدة السلطات القانونية. كما ناقش الأعضاء التعاون مع وكالات فيدرالية، وأعضاء مجلس أمناء كولومبيا، وكبار المانحين، للضغط على الجامعة لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد النشطاء. حتى أن بعضهم تفاخر بامتلاك «قائمة» تضم أسماء طلاب وأعضاء هيئة تدريس مستهدفين، وبدأوا بوضع خطط لربط النشطاء الأميركيين بتهم الإرهاب من خلال التحقيق في مصادر تمويلهم.

منذ اعتقال خليل، أضافت «كناري ميشن» خمسة طلاب وأساتذة آخرين من جامعة كولومبيا إلى قائمتها كمرشحين للترحيل.

حتى الطلاب اليهود المناهضون للصهيونية لم يسلموا من الاستهداف. إذ أطلق أعضاء المجموعة عليهم لقب «كابو» -وهو مصطلح مهين يُشير إلى السجناء اليهود الذين أجبروا على العمل كحراس في معسكرات الاعتقال النازية- وطالبوا بالحصول على قوائم أعضاء منظمات يهودية مناهضة للصهيونية، مثل «الصوت اليهودي من أجل السلام».

التكيف والمواجهة 

رغم التهديدات المتصاعدة بالترحيل التي تلاحق النشطاء المؤيدين لفلسطين، سارعت المؤسسات الحقوقية ومنظمات الحريات المدنية إلى التحرك، حيث بدأت بإعداد فرق للدفاع القانوني، ورفع دعاوى قضائية لوقف تنفيذ الأمر التنفيذي، وإعادة التركيز إلى القضية الأساسية؛ فلسطين.

«ما يقلقني أكثر هو أن يتوقف الناس عن التنظيم والتعبير عن آرائهم؛ أي أن يقوموا بعمل الحكومة نيابةً عنها»، تقول شماس. «هذا ما يجب أن نحذر منه. جزء كبير من الخطاب بدأ يتحول تلقائيًا نحو الحديث عن القمع داخل الجامعات، بدلًا من التركيز على ما ينظم الناس من أجله بالفعل: الإبادة الجماعية». وتضيف: «التحدي الآن هو إيجاد طريقة للحفاظ على هذا التوازن، وضمان شعور الناس بالحماية».

في مختلف الجامعات، تشكلت شبكات لحماية الطلاب الأكثر عرضة للخطر من خلال توفير خدمة اتصال مباشر للدعم القانوني، وورشات «اعرف حقوقك»، وأدوار مساندة من وراء الكواليس للطلاب الذين يواجهون تهديدات قانونية متزايدة.

يؤكد عبد أيوب، المدير التنفيذي للجنة مكافحة التمييز الأميركية-العربية (ADC)، على أهمية هذه الجهود الجماعية. «نعيد توجيه الكثير من عملنا نحو استراتيجية قانونية: رفع الدعاوى، والدفاع عن الطلاب، وتقديم الخدمات المباشرة، وإطلاق خط ساخن للدعم القانوني، والاستجابة لطلبات المساعدة من المجتمع»، يقول أيوب. حيث أطلقت اللجنة خطًا ساخنًا للمساعدة القانونية، يتيح للطلاب التواصل مع محامين في حال تعرضهم للاعتقال أو الاستجواب أو التهديد بالترحيل.

في مواجهة هذا القمع، تكيف الطلاب عبر أساليب جديدة في تنظيمهم. فبدلًا من الاعتصامات والمخيّمات الاحتجاجية -التي كانت من أكثر أشكال الاحتجاج وضوحًا- تحولت استراتيجياتهم إلى نهج أكثر لامركزية، يشمل حلقات نقاش تعليمية، وحملات مقاطعة، وتوعية سياسية، وتنظيم رقمي.

من فعالية مناصرة لفلسطين نظمها أساتذة في جامعة كولومبيا في نيسان 2024. تصوير جود طه.

مع انتشار خبر اعتقال خليل، اندلعت موجة من الغضب والتضامن في الولايات المتحدة. فبعد يوم واحد من اعتقاله، تظاهر الآلاف في شوارع مدينة نيويورك، مطالبين بالإفراج عنه ومنددين بمحاولة إدارة ترامب تجريم النشاط المؤيد لفلسطين. فيما يجري التخطيط لمظاهرات في نيويورك وخارجها. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تصاعدت حملة تطالب بحريته تحت وسم FreeMahmoudKhalil#، ضمت نشطاء وأكاديميين ومنظمات حقوقية. 

حتى الآن، لا يزال خليل رهن الاحتجاز لدى وكالة الهجرة والجمارك، في الوقت الذي يواصل فيه فريقه القانوني العمل على الإفراج عنه. وقد أصدر قاضٍ فدرالي قرارًا مؤقتًا بوقف ترحيله، مما أتاح لمحاميه فرصة للطعن في قانونية اعتقاله والإلغاء غير المسبوق لبطاقته الخضراء من قبل وزارة الخارجية.

«الأهم هو أن ندرك أن الأمر لا يتعلق بالنشطاء فقط»، تقول كسواني. «إذا سمحنا لهم بتجريم النشاط المؤيد لفلسطين اليوم، فسيستخدمون الأساليب ذاتها لقمع كل الحركات التي تناضل من أجل العدالة. وهذا يعني أن علينا بناء مجتمعات تحمي المنظمين، وترفض الامتثال للقمع، وتؤسس هياكل قادرة على الصمود، بما في ذلك صناديق للدفاع القانوني، وشبكات دعم متبادل، ومساحات للتعليم السياسي الحقيقي، لا تخضع لرقابة الدولة».

  • الهوامش

    [1] مثل تأشيرات F-1 وJ-1 وH-1B.

    [2] نظام SEVIS هو نظام معلومات الزوار الطلبة وزوار التبادل. وهو نظام تستخدمه وزارة الأمن الداخلي الأمريكية لجمع واستقبال المعلومات عن الطلاب والزوار الذين يحملون تأشيرات مؤقتة لأغراض تعليمية أو ثقافية.

Comments are closed.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية