يأتي انتخاب العماد جوزيف عون رئيسًا للبنان بعد أكثر من سنتين من شغور المنصب في لحظة إقليمية جديدة. فبعد الحرب على غزة ولبنان وما لحقها من تداعيات ستبقى ترافقنا لوقت طويل، سقط نظام بشار الأسد في 11 يومًا. وبعد توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار وصف بالهش، يفترض أن تنسحب بموجبه القوات الإسرائيلية بالكامل من جنوب لبنان خلال 60 يوم من إعلانه، لم يبق منها إلا أيام قليلة.
بالتالي، يأتي رئيس الجمهورية الجديد وعلى أجندته ملفات عديدة وشائكة، كثير منها -إن لم يكن كلها- تحتاج إلى تحقيق تفاهمات إقليمية ودولية، وهو ما جرت العادة على كونه شرطًا لإحراز التقدم في الملفات اللبنانية.
حول خلفيات انتخاب جوزيف عون والتداعيات السياسية الداخلية والإقليمية المحتملة له، ومآلات اتفاق وقف إطلاق النار مع اقتراب انتهاء مهلة الستين يومًا، حاورنا الكاتب والمحلل السياسي اللبناني قاسم قصير.
حبر: حتى أسابيع قليلة قبل انعقاد مجلس النواب اللبناني، لم يكن جوزيف عون مرشح أيٍ من القوى السياسية الأساسية في لبنان. ما الذي استجد داخليًا وإقليميًا حتى تمكن لبنان من التوافق عليه كرئيس للجمهورية بعد أكثر من سنتين من شغور المنصب؟
قاسم قصير: رغم أن اسم العماد عون مطروح منذ سنتين للانتخابات إلا أن معظم الأطراف اللبنانية كانت ترفضه، إما لأسباب سياسية أو شخصية أو دستورية. الوزير جبران باسيل منذ الأساس كان يرفض ترشيح العماد جوزيف عون بسبب خلافات شخصية معه، لأنه كان قد عين في عهد العماد ميشال عون واختلف مع التيار الوطني الحر. القوى السياسية الأخرى مثل القوات اللبنانية وبعض المعارضين كان لديهم مرشحون آخرون مثل جهاد أزعور، وميشال معوض، وزياد حايك، وغيرهم، ولم يكونوا يطرحون اسم العماد جوزيف عون لأنهم كانوا يريدون طرح شخصية من قبلهم. الثنائي حركة أمل وحزب الله كان يعتبر أن ترشيح العماد جوزيف عون أمامه مشكلة دستورية، لأنه موظف [دولة من الفئة الأولى] ويحتاج إلى تعديل دستوري، هذه كانت الحجة الأساسية. كما كان لديه مرشح آخر هو الأستاذ سليمان فرنجية، ومرشحون آخرون احتياط مثل السفير جورج خوري، واللواء البيسري وغيره. الوحيد الذي طرح اسم العماد جوزيف عون علنًا قبل عدة أسابيع هو الأستاذ وليد جنبلاط، بعد زيارة قام بها إلى فرنسا ولقائه مع الرئيس ماكرون. وكان هناك بعض النواب يطرحون اسم العماد جوزيف عون.
لكن ما جرى هو أن حدثين كبيرين حصلا في لبنان والمنطقة. الأول هو الحرب الإسرائيلية على لبنان مما جعل الجيش اللبناني محور اهتمام القوى الدولية والإقليمية، وهذا الحدث دفع باتجاه ترجيح اسم العماد جوزيف عون بسبب تلقيه دعمًا واضحًا من قوة دولية وإقليمية. الحدث الآخر هو سقوط الرئيس بشار الأسد والذي أدى إلى انتهاء ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية من قبل حركة أمل وحزب الله، ما دفع للبحث عن خيارات أخرى.
حتى قبل 48 ساعة [من الانتخابات]، كانت القوات اللبنانية وقوى المعارضة لا ترجح اسم العماد جوزيف عون، وكانت تطرح كبديل اسم الوزير السابق جهاد أزعور. لكن التدخل السعودي والأمريكي والمدعوم فرنسيًا ومصريًا وقطريًا هو الذي رجح اسم العماد جوزيف عون. يعني بوضوح وبدون أي مواربة، أتى موفد سعودي تحدث بشكل واضح وصريح عن أن وصول العماد جوزيف عون هو الذي يمكن أن يساعد بتقديم المساعدات إلى لبنان، وأن السعودية تريد دعم وصول العماد جوزيف عون، وهذا الموقف تقريبًا أبلغه كذلك المبعوث الأمريكي آموس هوكستاين. القطريون كانت لديهم خيارات أخرى لكنهم لم يعارضوا. المصريون رحبوا. والفرنسيون دعموا هذا الخيار. وهذا ما أدى بقوى المعارضة والقوات اللبنانية لدعم جوزيف عون.
طبعًا الكتلة السنية كذلك دعمت بشكل صريح. الأستاذ سليمان فرنجية أعلن عن انسحابه، والأستاذ زياد بارود أعلن عن انسحابه. بقي الثنائي. الثنائي لم يكن لديه فيتو على وصول العماد جوزيف عون، حسب ما تحدث مسؤولون في حزب الله. لكن لم يكونوا يريدون أن يأتي العماد جوزيف عون بدون توافق معهم. لذلك عمدوا في الجلسة الأولى إلى التصويت بورقة بيضاء ومن ثم عقد لقاء بين مسؤولين في حركة أمل وحزب الله مع العماد جوزيف عون وصوتوا في الجلسة الثانية. وقيل إن هذه الموافقة تمت في ظل تفاهمات معينة.
تقديري أن اللحظة الإقليمية والدولية والداخلية هي التي أدّت إلى وصول العماد جوزيف عون. لولا كل هذه التطورات لما كان العماد جوزيف عون هو المرشح الأقوى والوحيد، ولكنّا ذهبنا إلى خيارات أخرى، خصوصًا أن هناك مصلحة لبنانية اليوم بالحصول على دعم دولي وإقليمي للإعمار، ولإعادة ترتيب وضع البلد، ولمتابعة انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان. كل ذلك شكل عاملًا مهمًا من أجل وصول العماد جوزيف عون إلى رئاسة الجمهورية.
خلال العدوان الأخير على لبنان، أعيد فتح ملف الرئاسة بقوة وكان البعض يدفع باتجاه انتخاب رئيس حتى في ظل الحرب، من باب استثمار ما رأوه لحظة ضعف لحزب الله. لماذا لم ينجح هذا المسعى برأيك؟
هذا طُرح من قبل قوى معارضة لحزب الله، كالقوات اللبنانية واللواء أشرف ريفي وبعض الشخصيات اللبنانية وقوى المعارضة، واعتبرت هذه القوى أن هذه هي اللحظة المناسبة من أجل الإتيان بنظام سياسي معارض لحزب الله. رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع طرح أنه يمكن عقد جلسة لمجلس النواب حتى بدون نواب الشيعة. وهذا لقي ردود فعل سلبية في الداخل اللبناني.
تقديري أن لبنان مبني على التوافق، وأي رئيس غلبة لا يمكن أن يحكم لبنان، سواء كان من قبل فريق أو آخر. لا يمكن أصلًا حصول انتخابات رئاسية بدون موافقة رئيس مجلس النواب وحزب الله نظرًا لأنهم يشكلون الكتلة الشيعية الوحيدة في البرلمان. وهذا ما أدى إلى فشل انعقاد جلسة لمجلس النواب خلال الحرب، نظرًا لمعارضة الرئيس نبيه بري، وهو بيده إمكانية الدعوة إلى انعقاد جلسة.
ثانيًا، رغم أن حزب الله تلقى ضربة قاسية من قبل العدو الإسرائيلي بسبب عدد الشهداء واغتيالات القيادة لكنه لا يزال قوة سياسية وشعبية داخلية، ولا يمكن التعاطي معه أنه هزم على المستوى السياسي والشعبي. صحيح أنه تلقى ضربة قاسية لكنه بقي صامدًا وهو يتمتع بقوة داخلية مهمة جدًا. لذلك فشلت كل تلك الدعوات، ووعد الرئيس نبيه بري خلال الحرب بأنه عند وقف إطلاق النار سيتم الدعوة لعقد جلسة مجلس النواب، وهذا ما حصل.
طبعًا عندما حدد الرئيس بري جلسة مجلس النواب في التاسع من كانون الثاني، أي قبل حوالي أسبوعين من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، لم يكن أحد يتوقع أن التطورات في سوريا ستحصل بهذه السرعة. لذلك شكل انهيار النظام السوري أيضًا ضربة قاسية للتحالف بين ثنائي حركة أمل وحزب الله والأستاذ سليمان فرنجية وغيرهم. وهذا عزّز فكرة وصول رئيس يحظى بدعم دولي وإقليمي.
لكن رغم كل ذلك، لا يمكن الإتيان برئيس بدون توافق، خصوصًا إذا كنا نتحدث عن العماد جوزيف عون لأنه يحتاج إلى 86 صوتًا في إطار موضوع التعديل الدستوري، لذا كان لا بد من التوافق على اسمه في ظل عدم إمكانية وصول غيره من المرشحين الآخرين المطروحين من قبل قوى المعارضة.
تقديري أنه رغم أهمية التطورات التي حصلت في المنطقة وبسبب العدوان الإسرائيلي، هناك توازنات دقيقة على المستوى الطائفي والسياسي في لبنان لا يمكن تجاوزها. المرة الوحيدة التي تم فيها تجاوزها على مستوى الانتخابات الرئاسية كانت عند حصول الاجتياح الإسرائيلي في 1982، حيث فرضت القوات الإسرائيلية انتخاب بشير الجميل رئيسًا للجمهورية، لكن لم يستمر برئاسته إلا أيامًا قليلة وتم اغتياله. وكذلك عندما تم التمديد للرئيس إميل لحود بفعل الضغط السوري وفي ظل معارضة داخلية حصل تدخل دولي كبير وأدّى إلى خروج السوريين من لبنان. أي رئيس يُفرض بالقوة بدون الأخذ بالاعتبار الواقع الداخلي سيؤدي إلى تداعيات داخلية، وصراعات حزبية أو سياسية أو طائفية. نحن أمام نظام فيه مشكلة مركزية. النظام اللبناني هو نظام توافقي وديمقراطي في الوقت نفسه. لا يمكن تجاوز الطوائف الكبرى في أي تسوية وفي الوقت نفسه هناك انتخابات، ومن هنا تتداخل الأمور، مما يؤدي إلى تعطيل النظام، وهذا يحتاج إلى ما يمكن تسميته تطوير النظام إما وفق اتفاق الطائف والتعديلات التي حصلت، أو وفق قراءات أخرى، وهناك عدة وجهات نظر في كيفية تطوير النظام السياسي اللبناني.
هل يمكن أن تتوسع أكثر في ماهية الرسائل التي أراد ثنائي حزب الله وحركة أمل توجيهها عبر التصويت لعون في الجلسة الثانية وليس في الأولى من الانتخابات؟ وبحسب قراءتك ومعطياتك، ما التطمينات التي تلقاها الثنائي في اللقاء الذي جمعه مع جوزيف عون ما بين الجلستين، حتى يحدث هذا التغيير في الموقف؟
بعض المصادر السياسية والإعلامية والدبلوماسية تشير إلى أن الرئيس بري كان وعد الموظفين الأمريكيين والسعودين بأنه سيصوت للعماد جوزيف عون. لكن رغم هذا الوعد فإن الثنائي لم يصوت في الجلسة الأولى، برأيي للتمايز عن بقية القوى، خصوصًا أن بقية القوى لم تكن تستطيع الإتيان بالـ86 صوتًا التي يحتاجها وصول العماد جوزيف عون. هذا التمايز كان للقول إن مجيء العماد جوزيف عون لم يتم فقط من قبل القوى الخارجية أو الجهات الداعمة له، أو قوى المعارضة والقوات اللبنانية، وأنه لولا حركة أمل وحزب الله لما كان قد نجح.
النقطة الأخرى أنه قد تكون حصلت لقاءات قبل جلسة الانتخاب قدمت فيها ضمانات معينة. فحسب بعض المعلومات، الأمريكيون وعدوا باستكمال تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. السعوديون والقطريون وعدوا بتقديم مساعدات للبنان من أجل إعادة الإعمار. لكن يبدو أن هناك بعض النقاط المرتبطة برئيس الجمهورية، منها اختيار رئيس الحكومة ووزارة المالية ومنها الأداء في المرحلة المقبلة.
فبحسب بعض المعلومات، أكد رئيس الجمهورية أنه لا يمكن الإتيان برئيس حكومة استفزازي. طبعًا اختيار رئيس الحكومة يتم من قبل البرلمان، لكن رئيس الجمهورية له دور بتحديد موعد الاستشارات وتشكيل الحكومة بالتعاون مع البرلمان. ثانيًا، هناك عُرف بأن وزارة المالية تكون للطائفة الشيعية، طبعًا في بعض الفترات لم تكن، لكن في السنوات العشر الأخيرة كانت كذلك. وهذا لأن أي قانون يصدر عن مجلس النواب أو مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، يجب أن يأخذ توقيع وزير المالية، خصوصًا القوانين أو المراسيم التي تترتب عليها أمور مالية. لذلك يصبح وزير المالية شريكًا في أي قرار سياسي كبير.
رأيي أن الشكل هنا أهم من المضمون. فعندما يلتقي المرشح لرئاسة الجمهورية مع وفدي أمل وحزب الله بين الجلستين ويتم تصوير اللقاء ونشر هذه الصورة، وننتظر ساعتين من أجل حصول جلسة ثانية، فهذا لإرسال رسالة للداخل والخارج أنه لولا نواب أمل والحزب الله لما انتخب جوزيف عون، وكان يمكن ألا ينتخب حتى لو كان هناك ضغط. واليوم السفير الإيراني -رغم أن البعض الآن يعتبر أن إيران لم تعد فاعلة في المشهد اللبناني- يقول بشكل علني إنه لولا حزب الله لما انتخب جوزيف عون، وإن عون ليس معاديًا لإيران، وعلاقته بإيران جيدة.
البعض قرأ في خطاب القسم الذي ألقاه عون إشارات اعتبرت موجهة للمقاومة، من قبيل الحديث عن احتكار الدولة للسلاح، وضبط الحدود، والحياد الإيجابي. ما الذي فهمته من هذه التصريحات؟
بالنسبة لاحتكار السلاح، هو موقف مبدئي. لا يمكن لرئيس الجمهورية إلا أن يقول إن الدولة تحتكر السلاح، لكن الأمور مرتبطة أولًا بالاستراتيجية الدفاعية، وثانيًا بالواقع على الأرض. لماذا أصلًا نشأت المقاومة؟ لم ينشأ حزب الله عام 1982 إلا بسبب الاحتلال الاسرائيلي، وطالما هناك احتلال اسرائيلي ستكون هناك مقاومة وسيكون هناك سلاح.
طبعًا، المقاومة في لبنان وحزب الله بالذات، إضافة لدوره التحريري أو مواجهة العدوان، كان له في السنوات الماضية دور إقليمي كبير في المنطقة، وأخذ على عاتقه أن يكون جزءًا من محور المقاومة لدعم الشعب الفلسطيني. الآن بعد حرب الإسناد والعدوان الإسرائيلي على لبنان، وما جرى في سوريا، والمتغيّرات التي حصلت في المنطقة، الدور الإقليمي لحزب الله تراجع، ويبقى الدور الذي له علاقة بالعدو الإسرائيلي. هذا الموضوع برأيي يحتاج اليوم إلى بحث جديد، لأنه بغض النظر عما قاله رئيس الجمهورية لا يمكن أن تقوم المقاومة بنفس الدور الذي قامت به قبل حرب الإسناد وقبل العدوان الإسرائيلي. نحتاج اليوم إلى مقاربة جديدة.
من الجانب النظري، الدولة تحتكر السلاح. طبعًا في لبنان هناك نوعان من السلاح، هناك السلاح الخفيف وهو موجود عند كل اللبنانيين؛ هناك حوالي مليوني قطعة سلاح تنتشر في كل لبنان، وهناك السلاح الثقيل أي الصواريخ، والصواريخ مطلوبة لمواجهة العدو الإسرائيلي. المطلوب اليوم إيجاد صيغة للحفاظ على دور هذا السلاح في مواجهة العدو الإسرائيلي، وهذا ما يسمى اليوم بناء استراتيجية دفاعية.
لذلك، بالمبدأ ما قاله الرئيس عون من أن الدولة تحتكر السلاح هو الطبيعي. لكن كيف يمكن تطبيق ذلك على الأرض في ظل استمرار العدو الإسرائيلي باحتلال الأراضي أو استمرار التهديدات الإسرائيلية باحتلال الأراضي؟ هذا يحتاج إلى حوار وطني واستراتيجية دفاعية. خطابات القسم والبيانات الوزارية في لبنان مهمة، لكن التطبيق مرتبط بالوقائع وليس فقط بالنيات السليمة.
موضوع وقف إطلاق النار وما بعد انتهاء مهلة الستين يومًا كان أيضًا واحدًا من الأمور التي ذكرت في خطاب القسم، من قبيل الحديث عن منع الاعتداءات الاسرائيلية وإزالة الاحتلال وردع العدوان وكذلك دعم الجيش اللبناني. برأيك كيف يمكن أن ينعكس هذا الكلام على الأرض من حيث إلزام «إسرائيل» باتفاق وقف إطلاق النار؟ وما توقعاتك لما بعد انتهاء المهلة؟
هناك وعود أمريكية بحصول الانسحاب الإسرائيلي، وإن كان لا يمكن الركون إلى الوعود الأمريكية. المصادر الإسرائيلية بدأت تسرب معلومات عن أن «إسرائيل» قد تبقى في بعض النقاط. برأيي إذا لم تنسحب القوات الإسرائيلية من كافة الأراضي اللبنانية حتى 27 كانون الثاني سيكون ذلك مبررًا لبقاء قوى المقاومة. لذلك قد تكون المصلحة الأمريكية اليوم تقتضي حصول الانسحاب.
إذا لم يحصل الانسحاب من كافة الأراضي يجب مواصلة الضغط، وإذا استمرت الاعتداءات الإسرائيلية، يجب التفكير جديًا بكيفية مواجهة هذه الاعتداءات. طبعًا هناك في لبنان عدة وجهات نظر، الأولى تعتبر أن مهمة الدولة والجيش اللبناني مواجهة الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية، وأن على الجيش اللبناني القيام بدوره. وهناك وجهة نظر ثانية تقول إنه إذا لم يستطع الجيش اللبناني والحكومة القيام بدورهما مع الجهات الدولية، يجب أن تنشأ مقاومة شعبية حقيقية، وليس بالضرورة حزب الله، لأن هناك اليوم دعوة صريحة من قبل قوى وطنية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
طبعًا لا يمكن استباق الأمور، والأفضل الانتظار حتى السابع والعشرين. هناك كلام نقل عن آموس هوكستاين من أنه وُعد من قبل الإسرائيليين بالانسحاب وهناك جدول للانسحاب. وبدأ الجيش الإسرائيلي بالفعل ينسحب من بعض المناطق. لكن على ضوء ما سيحصل سنكون أمام مرحلة جديدة. لأنه إذا كان الأمريكيون وبعض الجهات الخارجية والداخلية يريدون نزع ذريعة بقاء سلاح حزب الله، يجب أن يحصل الانسحاب بالكامل. إذا بقي الجيش الإسرائيلي محتلًا، لا يمكن القول لحزب الله أو لبيئة حزب الله تعالوا لنرى ماذا سيحصل للسلاح. من هنا، قد تكون مصلحة الأمريكيين اليوم في الانسحاب الإسرائيلي. لكن المشروع الإسرائيلي قد يختلف أحيانًا عن الرغبات الأمريكية. برأيي سنكون أمام تحدٍ كبير بعد السابع والعشرين من كانون الثاني، وعلى ضوئه يمكن الحديث عمّا سيحصل.
بالنسبة لملف إعادة الإعمار، أي دور يمكن أن يلعبه جوزيف عون؟ هل يمكن أن يفتح الباب لدخول قوى إقليمية ودولية على هذا الخط؟
حسب ما نقل، هناك وعود سعودية وقطرية بالمساهمة في إعادة الإعمار. الفرنسيون أقاموا خلال الحرب مؤتمرًا في باريس من أجل دعم ومساعدة لبنان. ومن ضمن الأجواء التي نشرت في بيروت أن وصول العماد جوزيف عون سيساعد في إعادة الإعمار. اليوم حصل أول اتصال بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والعماد جوزيف عون ودعاه لزيارة السعودية، ووعد عون بزيارة السعودية في أول زيارة خارجية. كما أن هناك معلومات عن احتمال زيارة الرئيس الفرنسي للبنان. تقديري أنه سيكون من مصلحة الدول العربية وبعض الدول الأجنبية دعم إعادة الإعمار وعدم ترك هذا الملف لإيران ولحزب الله. وطبعًا رئيس الجمهورية يلعب دورًا مهمًا في الاتصالات بالتعاون مع الحكومة.
الأيام المقبلة ستشهد بداية الحديث عن هذا الملف، إضافة إلى أن العمل بدأ من قبل الحكومة بالإحصاءات، كذلك مجلس الجنوب وبعض مؤسسات الدولة. طبعًا حزب الله لم ينتظر الدولة والحكومة لحين وصول مساعدات، وبدأ يوزع مساعدات ويجري إحصاءات ويتعاون مع الجهات المحلية كالبلديات. هذا الملف سيكون من أهم الملفات. فمن ضمن الملفات ذات الأولوية هناك أولًا الانسحاب الإسرائيلي ووقف إطلاق النار، والملف الثاني الإعمار، والملف الثالث إعادة بناء المؤسسات والدولة اللبنانية. وطبعًا هناك ملف الاقتصاد.
برأيي سيكون الإعمار عنوانًا لمن سيكون له الفعالية في لبنان. عام 2006 لعبت قطر دورًا مهمًا. طبعًا السعودية كان لها دور، كذلك إيران والإمارات والولايات المتحدة، لكن الدور القطري كان الأكبر. لذلك حين حصلت أحداث 7 أيار 2008، استفادت قطر من هذا الدعم الكبير واحتضنت اجتماعات الدوحة وحصل اتفاق الدوحة. اليوم يمكن أن تدخل تركيا على الخط في ظل تنامي الدور التركي في المنطقة. سنكون أمام تنافس إقليمي ودولي في ملف الإعمار، لأنه سيشكل مدخلًا لأي قوة من أجل التأثير في الوضع اللبناني الداخلي.
لكن هل هناك دولة ستتولّى الجزء الأكبر من إعادة الإعمار كما حصل في 2006 أم أن الأمور ستتوزع بشكل أكبر؟
لا يوجد معلومات. لكن طبعًا إيران وعدت على لسان مسؤوليها وعلى لسان قيادي حزب الله بأنها لن تترك هذا الملف. إذا حصل أي تقصير أو أي تأخير من قبل الحكومة والدول الأخرى إيران ستكون هي الحاضرة. لذلك سنكون أمام نوع من التنافس الإقليمي والدولي.
عندنا ملف كبير جدًا هو إعمار القرى الحدودية، وهذا ملف له بعد اقتصادي وله بعد أمني وعسكري. وهذا يحتاج إلى دعم أمريكي مباشر في حال أن الإسرائيليين عمدوا إلى تأخير ذلك، لأن هناك عشرات القرى تم تدميرها بشكل كبير. فإلى جانب الضاحية والبقاع وعموم المناطق في الجنوب، هناك قرى حدودية كبيرة مثل ميس الجبل، ومركبا، وعديسة، وعيتا الشعب، والطيبة، وكفركلا، ورامية، والخيام، والناقورة، وقوزح، والضهيرة… هذه مناطق حدودية تم تدميرها بنسب 75% و80%، وتحتاج لإمكانيات كبيرة، وتحتاج إلى ألا يعارض الإسرائيليون إعادة الإعمار، وهذا طبعًا سيكون أحد التحديات. لذلك تحدي إعادة الإعمار ليس تحديًا اقتصاديًا وماليًا فقط، هو أيضًا تحد سياسي وأمني.
فيما يتعلق بالعلاقة مع الإدارة الجديدة في سوريا، كيف تتوقع أن يؤثر انتخاب جوزيف عون هذه العلاقات غير المتبلورة حتى الآن، تحديدًا وأن الإدارة السورية الجديدة كانت من أوائل الأطراف الإقليمية التي تحدثت بوضوح عن دعم خيار جوزيف عون؟
مباشرة بعد انتخاب العماد جوزيف عون، قام رئيس الحكومة مع وزير الخارجية ومسؤولي الأجهزة الأمنية بزيارة سوريا واللقاء مع أحمد الشرع. نحن لنا مصلحة في لبنان بأن يكون لنا علاقة قوية مع سوريا الجديدة، لأن هذه العلاقة تساعد في الجانب الأمني والاقتصادي، والعلاقة بين البلدين علاقة مهمة جدًا لأن سوريا هي المدخل إلى كل الدول العربية.
أحمد الشرع في أول لقاء مع الأستاذ وليد جنبلاط تحدث عن وصول جوزيف عون. لذلك أنا تقديري أن وصول عون وتشكيل حكومة جديدة سيساعد في ترتيب العلاقات. رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي ربما استبق تشكيل الحكومة لكي يكون هو عنوان إعادة ترتيب العلاقات، وقام بزيارة حتى قبل حصول استشارات نيابية لاختيار رئيس حكومة. هناك مصلحة لبنانية لترتيب العلاقات. وجود العماد جوزيف عون يساعد في ذلك، خصوصًا أنه يحظى بدعم سعودي وقطري وأمريكي. وطبعًا العلاقات مع تركيا جيدة، ويمكن أن تلعب تركيا دورًا مهمًا في تحسين العلاقات. وما قاله أحمد الشرع خلال لقائه مع الوفود اللبنانية وآخرها مع رئيس الحكومة الحالي يؤكد الحرص على ذلك.
لكن تبقى الأمور مرتبطة بما يحدث على الأرض، لأنه يمكن أن تحصل خلافات ومشاكل، وهناك في سوريا وجهة نظر تاريخية بأن لبنان تابع لسوريا. برأيي المواقف الرسمية لأحمد الشرع جيدة، لكن العهدة في التنفيذ. نحتاج إلى علاقة جيدة مع سوريا، لأن سوريا هي الرئة التي يتنفس بها لبنان على صعيد علاقاته مع العالم العربي والإسلامي.