هلع في الأسواق: لماذا اهتزت البورصات العالمية؟

الخميس 15 آب 2024
أ ف ب

(هذه ترجمة مختصرة لحلقة نشرها الكاتب عبر يوتيوب بتاريخ 10 آب 2024.)

كان يوم الإثنين الخامس من آب من أسوأ الأيّام للأسواق الماليّة العالميّة منذ سنوات؛ فقد انهارت الأسهم في الولايات المتحدة وأوروبّا واليابان يوم الجمعة، ومرّة أخرى الإثنين قبل أن تشهد تعافيًا جزئيًّا. كما شهدت عائدات السندات وأسعار صرف العملات الأجنبيّة تقلّبات حادّة. وارتفع مؤشّر ڤيكس – وهو مقياس للتقلب المتوقع في سوق الأسهم الأمريكيّة – إلى أعلى مستوى له منذ انهيار جائحة «كوفيد-19» عام 2020. 

يتتبّع مؤشّر ڤيكس مدى ارتفاع تكلفة خيارات الأسهم، ويمكن اعتباره مؤشّرًا على مدى قلق المستثمرين من تحرّكات كبيرة قد يشهدها السوق في المستقبل القريب (صعودًا أو هبوطًا). لمعظم العام، كان المؤشّر مستقرًّا عند حوالي 12، وهو مستوى منخفض نسبيًّا، ويشير إلى توقّع المستثمرين لحالة من الهدوء في السوق؛ لكنّه ارتفع بشكل كبير إلى حدّ 65 يوم الإثنين، قبل أن يعود إلى مستوى أكثر اعتدالًا عند 22. 

كانت اليابان في مركز العاصفة؛ فقد انخفض مؤشّر أسعار الأسهم في طوكيو، «توبكس»، بنسبة 12.2% يوم الإثنين، بعد أن كان قد بلغ أعلى مستوى له على الإطلاق قبل ثلاثة أسابيع فقط، وقد أدّت حركة البيع الهائلة هذه إلى محو جميع مكاسبه التي حقّقها منذ بداية العام. وصفت الصحافة الحدث بأنّه أسوأ انهيار شهدته السوق اليابانيّة منذ عام 1987. في اليوم التالي، ارتدّ المؤشّر بنسبة 9%، ما دفع بصحيفة «فاينانشال تايمز» إلى وصفه بأنّ «التداول فيه يشبه أسهم البنسات» [زهيدة الثمن وعالية المخاطر]، وهو ليس بالوصف الذي ترغب بسماعه عن ثالث أكبر اقتصاد في العالم. 

وشَهِدَت الأسواق الأمريكيّة، والتي كانت قويّة طوال العالم، انخفاضًا بنسبة تقارب 8% من المستويات العالية التي بلغتها مؤخّرًا، وكذلك تراجع مؤشّر «ناسداك» المختصّ بشركات التكنولوجيا بنسبة تقارب 13% خلال أيّام التداول الثلاثة الأولى من الشهر. أما أسهم «السبعة الرائعون» – وهو مصطلح صاغه مايكل هارتنت من «بنك أمريكا» قبل عامٍ تقريبًا لوصف أسهم أهمّ شركات التكنولوجيا التي يركّز عليها المستثمرون الأفراد – فخسرت حوالي تريليون دولار في غضون يومين فقط.

إذن؛ ما الذي يحدث في الأسواق؟ 

كما هو الحال دائمًا مع الأسواق، ليس هناك إجابة بسيطة وسريعة، لكنّ الشرارة التي أشعلت انفجارات هذا الأسبوع، كان تقرير الوظائف الأمريكيّة الصادر يوم الجمعة الماضي، والذي أظهر تباطؤًا أكبر بكثير ممّا كان متوقّعًا في «وول ستريت». 

ولكي تتحوّل شرارة إلى حريق، تحتاج إلى الوقود، وقد كان هناك الكثير من الوقود الجافّ في انتظار إشعاله. فقد أظهر مسح لمؤشّر قطاع التصنيع الأمريكيّ (ISM)، الصادر في اليوم السابق، أنّ النشاط الاقتصاديّ في القطاع الصناعيّ شَهِدَ انكماشًا بمعدّل أسرع من الشهر السابق، وكان الانكماش الرابع على التوالي. 

كان ثمّة أيضًا بعض تقارير الأرباح الضئيلة، على سبيل المثال في «مايكروسوفت»، حيث تباطأ نموّ الخدمات السحابيّة قليلًا إلى 29% على أساس سنويّ، مقارنة بـ 31% في الربع الماليّ السابق. قد لا يبدو هذا أمرًا جللًا، إلّا إن كانت أسعار هذه الأسهم مرتفعة للغاية بسبب التوقّعات التي تتطلّب أداء مثاليًّا أو نموًّا مستمرًّا دون أيّ انحراف. 

كما يبدو أنّ نموّ إيرادات شركة «آبل» يشهد حالة من الركود أيضًا، في ما تُعلّق إدارتها آمالها الآن على الذكاء الاصطناعيّ – مثلما يفعل الجميع – الأمر الذي يأمل المستثمرون أن يعيد هذا النموّ مرّة أخرى. لكن حتّى الآن، من الصعب معرفة كيف يمكن أن يتحقّق ذلك. وفقًا لـ«بلومبرغ»، إذا لم ينجح الذكاء الاصطناعيّ في تحقيق العوائد المرجوّة، فإنّ «آبل» ستبدو أكثر شبهًا بشركة «كوكا كولا» من كونها شركة تكنولوجيا ذات نموّ مرتفع. 

فجأة، باتت الأسواق التي كانت تُسعِّر بافتراض تحقيق هبوطٍ ناعمٍ ومضمون (أي انتهاء التضخّم من دون ركودٍ) ومن دون وجود مخاطر سياسيّة، ترجّح احتمالات حدوث هبوطٍ حادّ. فمع نهاية الأسبوع الماضي، قالت شركة «غولدمان ساكس» إنّها تعتقد الآن بوجود فرصة بنسبة 25% لوقوع الولايات المتّحدة في ركودٍ خلال العام المقبل، مقارنة بتوقّعها السابق الذي كان بنسبة 15%. 

الارتفاع الأخير الذي شهده سوق الأسهم كان مدفوعًا بشكل كبير بمستهلكي الولايات المتّحدة، وقوّة المستهلك تعتمد على سوق العمل. في حين هدأت معدّلات التضخّم الأمريكيّة – ما يعني أنّ الأسعار لم تعد ترتفع – لا يزال المستهلكون يواجهون ارتفاعًا في الأسعار. وفقًا لـ«البنك الاحتياطي الفيدرالي» في سان فرانسيسكو، فقد أنفقت العائلات الآن مدّخراتها الزائدة التي راكمتها خلال جائحة «كوفيد-19». ومع استيعاب المستثمرين لحقيقة أنّ ستّة من بين آخر سبعة تقارير رئيسيّة عن سوق العمل الأمريكيّة كانت مخيّبة للآمال، بدأوا في التشكيك في تقييمات سوق الأسهم. 

بسبب اختلاف التوقيت بين البلدين، كان السوق اليابانيّ مغلقًا خلال جزءٍ كبير من عمليّات البيع في السوق الأمريكيّة يوم الجمعة. يمكن أن يُعزى جزء كبير من الانخفاض في السوق اليابانيّ إلى مجرّد التأثّر بالسوق الأمريكيّ، فمن عادة السوق الأمريكيّ أن يجرّ أسواقًا أخرى في اتّجاهه، لكنّ المستثمرين اليابانيّين كانوا أيضًا يستوعبون الزيادة المفاجئة في أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساسٍ التي جرى الإعلان عنها يوم الأربعاء السابق، وقد بدأوا بالذعر بمجرّد أن فُتِحَ سوقهم يوم الإثنين. 

يمكن لحركة واحدة كبيرة في سوقٍ معيّن أن تؤدّي إلى حركات كبيرة في أسواق أخرى بسبب الترابط بين الأسواق والطريقة التي تعمل بها إدارة المخاطر المؤسّساتيّة. زيادة أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اليابان قد لا تبدو حركة كبيرة، لكنّها كانت إعلانًا مفاجئًا، وهي أعلى نسبة فائدة تسجّلها اليابان منذ عام 2008. كما أنّ صنّاع القرار أعلنوا عن خفض عمليّات شراء السندات الشهريّة إلى النصف، وألمَحوا إلى أنّ ثمّة زيادات أخرى في أسعار الفائدة في الطريق. كان هذا تغيّرًا كبيرًا. 

قلق في اليابان

كانت الأسهم اليابانيّة قد وصلت إلى مستويات قياسيّة جديدة خلال الصيف، وكان الينّ في اتّجاه هبوطيّ طويل الأمد، الأمر الذي بدأ يتسبّب بالمشاكل. بحلول حزيران، كان الينّ في أضعف مستوياته مقابل الدولار منذ 34 عامًا. ولم يقتصر الأمر على الدولار فقط، بل أيضًا أظهر الينّ ضعفًا أمام جميع عملات الأسواق المتقدّمة الأخرى. 

في حين أنّ صنّاع القرار اليابانيّون أرادوا التضخّم، إلّا أنّهم كانوا قلقين من أنّ الينّ الضعيف سيستبّب بالنوع الخاطئ من التضخّم الذي ترتفع فيه كلفة السلع المستوردة بدلًا من ارتفاع تكلفة السلع والخدمات اليابانيّة. وهذا يعني أنّ الأموال ستخرجُ من اليابان دون أن تسهم في تعزيز الاقتصاد المحلّيّ. 

يسعى صنّاع القرار إلى تحفيز التضخّم، ما سينعكس إيجابًا على الشركات اليابانيّة التي ستضطرّ عندها إلى زيادة الأجور، ما سيؤدّي إلى دورة إيجابيّة فيها يكسب العمّال اليابانيّون أكثر فينفقون أكثر، وبذلك يعيدون النشاط إلى الاقتصاد. 

كانت معدّلات التضخّم الأساسيّة في اليابان قد تجاوزت هدف «بنك اليابان» المتمثّل بـ 2% لمدّة 27 شهرًا، وكان هناك قلق من تأثير تراجع الينّ السلبيّ على إنفاق المستهلكين. وقد أشار تقرير لـ«فاينانشال تايمز» بأنّ المسؤولين اليابانيّين مارسوا ضغوطًا على البنك لزيادة أسعار الفائدة ووقف تراجع الينّ. وكان لزيادة سعر الفائدة بتاريخ 31 تمّوز أثر على الينّ الذي سُرعان ما استعاد قوّته، في ما شَهِدَت سوق الأسهم عمليّات بيع مكثّفة يومي الخميس والجمعة، حيث كانت شركات «تويوتا» و«باناسونيك» وأكبر البنوك اليابانيّة من بين أكبر الخاسرين. 

كانت تويوتا قد أعلنت لتوّها عن تحقيق أرباح قياسيّة، وذلك بسبب سعر الصرف الملائم لها وكذلك زيادة اهتمام المستهلكين بالسيارات الهجينة عوضًا عن السيارات الكهربائيّة بالكامل. هذا بالإضافة إلى ضعف الينّ الذي يعزّز من قيمة أرباح المصدّرين اليابانيّين الأجنبيّة. وقد أدّى انخفاض سعر الينّ إلى إضافة 2.5 مليار دولار إلى أرباح الشركة التشغيليّة على مدار فصل ماليّ. المشكلة في ذلك هي أنّه لو جرت تقوية الينّ – كما حدث – فسوف يحدث العكس. 

«ما يجعل السوق اليابانيّة مثيرة للاهتمام هو أنّ اليابان تعيش دورة اقتصاديّة مختلفة تمامًا عن بقيّة العالم؛ فهي تحاول تحفيز التضخّم في حين يكافحه العالم، والآن ترفع أسعار الفائدة بينما تتّجه دول العالم لتخفيضها أو تفكّر في ذلك».

على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، راجت التجارة بالفارق في أسعار فائدة الينّ – والتي تتضمّن الاقتراض بسعر فائدة منخفض في اليابان لتمويل الاستثمار في أصولٍ في أماكن أخرى توفّر عوائد أعلى – وشَهِدَت انفجارًا بسبب معدّلات الفائدة المنخفضة للغاية في اليابان مقارنة بمعدّلات الفائدة الأعلى في بقيّة أنحاء العالم. يمكن من خلال التجارة بالفارق في أسعار الفائدة شراء سندات أجنبيّة لكسب فرق أسعار الفائدة، أو يمكن شراء أصول أخرى ذات مخاطر. تنجح هذه التجارة فقط طالما أنّ سعر الصرف الأجنبيّ لا يتغيّر بشكل كبير ليمحو كلّ الأرباح، أو حتّى يتسبّب بالخسائر. 

معدّلات الفائدة المنخفضة في اليابان وتزامنها مع معدّلات الفائدة المرتفعة حول العالم – خاصّة في الأعوام الأخيرة، حيث رفعت العديد من البنوك المركزيّة الفوائد لمكافحة التضخّم – كانا سببًا في زيادة شعبيّة هذه التجارة بشكل كبير. ولم يقتصر الأمر على مضاربي «فوركس» فقط، بل كذلك غالبًا ما تحتفظ الشركات اليابانيّة بدخلها الأجنبيّ في الخارج للاستفادة من معدّلات الفائدة الأعلى المتاحة. 

أدّت بيئة العوائد المنخفضة في اليابان على مدار الـ35 عامًا الماضية بها لأن تصبح من بين أكبر مصدّري رأس المال في العالم؛ إذ يمتلك اليابانيّون أكثر من تريليون دولار من سندات الخزانة الأمريكيّة ونصف تريليون من سندات اليورو. ويقدّر «بنك كوميرز» إجماليّ الاستثمارات اليابانيّة الدوليّة بحوالي أربعة تريليونات دولار. 

أدّى الارتفاع السريع في قيمة الينّ نتيجة رفع سعر الفائدة إلى إرغام صناديق التحوّط وغيرها من مستثمري الروافع الماليّة على التخلّي سريعًا عن تجارة الفارق في أسعار الفائدة. وكان لهذا تأثير كبير على تقلّب الأسواق العالميّة بشكل حادّ خلال الأيّام العشرة الأخيرة تقريبًا، حيث أسرع المستثمرون إلى التخلّص من الأصول التي اشتروها عن طريق الاقتراض بالينّ. 

حاليًّا، قد تكون السوق اليابانيّة هي الأكثر إثارة للاهتمام في الأسواق. خلال أزمة سوق الأسهم عام 1987، تراجعت الأسهم اليابانيّة بنسبة 15% تقريبًا، وهي نسبة أقلّ بكثير من الانخفاض الذي حدث في الولايات المتّحدة بنسبة 23%. في ذلك الوقت، بدا أنّ السوق اليابانيّ يؤدّي بشكل أفضل لأنّ «وزارة الماليّة» دفعت أكبر أربع شركات أوراق ماليّة في البلاد للبدء بشراء الأسهم لمنع السوق من الانهيار. لكن، ومنذ عام 1990، دخلت اليابان في حالة من التراجع. 

في عام 1989، من بين أكبر 50 شركة في العالم، كانت 32 شركة يابانيّة، فيما شكّل سوق الأسهم اليابانيّة ما نسبته 45% من السوق العالميّة، مقارنة بنسبة 33% للولايات المتّحدة. أمّا اليوم، فقد تراجعت نسبة سوق الأسهم اليابانيّة إلى 4.5% من السوق العالميّة فقط، وقد تبقّت شركة واحدة فقط (تويوتا) من ضمن أكبر 100 شركة في العالم. 

تكافح اليابان بصعوبة للتعافي منذ 35 عامًا؛ فقد بلغت ديونها العامّة 9.2 تريليون دولار منذ آذار 2023 وبنسبة 263% من الناتج المحلّيّ الإجماليّ، والتي تعدّ أعلى نسبة دين إلى ناتج محلّيّ إجماليّ في الدول المتقدّمة، وأكثر من ضعف نسبة الدين إلى الناتج المحلّيّ الإجماليّ في الولايات المتّحدة. يشكّل سداد هذا الدين تحدّيًا بالفعل، وسيكون الأمر أكثر صعوبة إذا ارتفعت الأسعار وجرى التخلّي عن برنامج التحكّم في منحنى العائد. 

سجّلت الأسهم اليابانيّة عددًا من الأرقام القياسية خلال الأسبوع الماضي، فمجمل تراجعها البالغ 20% خلال ثلاث جلسات من الخميس إلى الإثنين كان الأكبر على الإطلاق، ما أدّى إلى محو 1.1 تريليون دولار من قيمة سوق الأسهم. وفي يوم الثلاثاء، انتعش سوق الأسهم مرّة أخرى بنسبة بلغت 10% تقريبًا، مسجّلًا أكبر انتعاش منذ 16 عامًا. 

ما يجعل السوق اليابانيّة مثيرة للاهتمام هو أنّ اليابان تعيش دورة اقتصاديّة مختلفة تمامًا عن بقيّة العالم؛ فهي تحاول تحفيز التضخّم في حين يكافحه العالم، والآن ترفع أسعار الفائدة بينما تتّجه دول العالم لتخفيضها أو تفكّر في ذلك. 

خلال العام الماضي، بدا أنّ اليابان قد تعود أخيرًا لتحقّق نموًّا اقتصاديًّا، لكن، على مدار العقود الثلاثة الماضية اختبرت البلاد العديد من مثل هذه اللحظات الكاذبة، فالدولة تواجه مشاكل بنيويّة كبيرة لن تختفي، مثل شيخوخة السكّان، والنموّ المنخفض، والدين العامّ المرتفع. 

شركات التكنولوجيا وأحلام الذكاء الاصطناعي

على مدار الأيّام القليلة الماضية، عكس مؤشّر «S&P 500» [الذي يتتبع أسهم أكبر 500 شركة في الولايات المتحدة] تقلص الخسائر التي تكبّدها المستثمرون إلى ما يقارب الصفر، خلال أسبوع شمل بعضًا من أسوأ وأفضل الأيّام في سوق الأسهم الأمريكيّة منذ قرابة العامين. أضاف تقرير الوظائف إلى المخاوف من أنّ ارتفاع أسعار الفائدة قد بدأ أخيرًا يؤثّر في الاقتصاد الأمريكي، من خلال تقليص عمليّات التوظيف لدى الشركات وقابلية المستهلكين للإنفاق. وهذا بالكاد كان مفاجئًا؛ فهذه هي الآليّة التي تعمل من خلالها أسعار الفائدة على تقليص التضخّم، ومن الجيّد أن يأخذ المستثمرون المخاطر بعين الاعتبار عند الاستثمار. 

قد يكون من غير المنطقيّ إلقاء اللوم على تراجع تجارة الفارق في أسعار فائدة الينّ وأَثَر ذلك على تراجع سوق الأسهم الأمريكيّة، حيثُ أنّ تجارة الينّ لم تكن المحرّك الرئيسيّ للارتفاع في سوق الأسهم الأمريكيّة خلال الأعوام القليلة الماضية. القلق داخل سوق الأسهم الأمريكيّة يعود لكون «السبعة الرائعين» – الذين كانوا يحركون عوائد سوق الأسهم لفترة جيّدة – يفشلون في تلبية التوقّعات المرتفعة جدًّا التي يحملها المستثمرون تجاههم. 

حتّى نهاية تمّوز، ساهم «السبعة الرائعون» بنسبة 52% من العائد السنويّ لمؤشّر «S&P 500». وإذا استبعدنا «تسلا» التي تشهدُ هبوطًا منذ ثلاثة أعوامٍ من تلك المجموعة، فإنّ مساهمة الشركات الستّة المتبقّيّة في عوائد المستثمرين الأمريكيّين ستكون أعلى. منذ فترة وشركات التكنولوجيا الكبرى تجري عمليّات تسريح للموظّفين، والأكثر إثارة للقلق هو أنّ مَنْ هُم داخل هذه الشركات يبيعون أسهمهم، ما يُشير إلى احتمال كونهم أقلّ تفاؤلًا بمستقبل الذكاء الاصطناعيّ مقارنة ببقيّة السوق. 

المسؤولون في المستويات العليا في شركات مثل «أمازون»، «ميتا»، «نفيديا»، «آبل»، «مايكروسوفت»، و«تسلا»، جميعهم يبيعون أسهمهم. نهاية الأسبوع الماضي، عَلِمْنا أنّ شركة «بيركشاير هاثاوي» التابعة لرجل الأعمال والمستثمر الأمريكيّ وارن بافيت، قد باعت 390 مليون سهم من «آبل»، وهو ما يمثّل حوالي نصف حصّتها. وقد بدأ بافيت بتقليص مركزه في العام الماضي، لكنّه زاد من وتيرة مبيعاته بشكل كبير خلال عام 2024. 

صدر الحكم الأخير في قضيّة مكافحة الاحتكار ضدّ «غوغل» –الذي أقرّ باحتكارهم في محركات البحث– يوم الإثنين. وهذا لم يكن سيّئًا فقط لـ«ألفابيت» [المالكة لـ«غوغل»]، ولكن أيضًا لـ «آبل»، حيث أظهرت الوثائق القضائيّة أنّ «غوغل» دفعت لـ«آبل» 20 مليار دولار في عام 2022 فقط، وهو مبلغ ضخم يمثّل جزءًا كبيرًا من أعمال خدمات «آبل» التي تشمل متجر التطبيقات وكذلك خدمة الدفع «آبل باي». وإذا لم يُسمح لـ«ألفابيت» بعد الآن بدفع الأموال لـ«آبل» لتكون محرّك البحث الافتراضيّ على أجهزتها، فقد تترك «آبل» الاختيار للعملاء – كما تفعل في أوروبّا – حيث يختار معظم العملاء «غوغل»، ولكن دون أن تتلقّى «آبل» أيّ أموال لقاء ذلك. 

لم تكن أرباح شركات التكنولوجيا الكبرى في الولايات المتّحدة سيئة على الإطلاق. مثلًا، إذا نظرنا إلى أعمال «ألفابيت» الأساسيّة، فهي تعمل بشكل جيّد. لكنّ «ألفابيت»، مثل غيرها، تنفق ثروة على الذكاء الاصطناعيّ الذي لا يزال بعيدًا عن تحقيق الأرباح، ولا يبدو أنّ ثمّة مسارًا واضحًا لتحقيق ذلك أيضًا. الأمر نفسه ينطبق على جميع شركات التكنولوجيا الكبرى باستثناء «تسلا»، التي كان تمرّ بعام سيّء بسبب تراجع الطلب على سيّاراتها. 

«القلق داخل سوق الأسهم الأمريكيّة يعود لكون كبريات شركات التكنولوجيا – التي كانت تحرك عوائد سوق الأسهم لفترة جيّدة – تفشل في تلبية التوقّعات المرتفعة جدًّا التي يحملها المستثمرون تجاهها».

لا يزال غير واضح كيف تخطّط شركات التكنولوجيا الكبرى لاسترداد الأموال التي تنفقها على الذكاء الاصطناعيّ. والمثير للاهتمام أنّ دراسة حديثة من «جامعة واشنطن» وجدت أنّ تضمين مصطلح «الذكاء الاصطناعيّ» في وصف المنتج يجعلُ المستهلكين أقلّ قابليّة لشراء المنتج بشكل كبير. إذًا، لا يقتصر الأمر على غياب أيّ مسار نحو كيفيّة تحقيق الأرباح، بل من الممكن أن يكون العملاء يتجنّبون المنتجات التي تحمل علامة الذكاء الاصطناعيّ. كما يجادل باحثون من «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» في تقرير حديث أنّ أنواع الذكاء الاصطناعيّ التي تطوّرها شركات التكنولوجيا الكبرى ليست مصمّمة لمعالجة المشكلات المعقّدة التي قد تبرّر تكاليفها الباهظة، وقد لا تنخفض التكاليف كما يتوقّع كثيرون. 

لبعض الوقت، كانت التجارة في أسهم التكنولوجيا الكبرى مزدحمة، وقد حقّق المستثمرون ثرواتٍ بامتلاكهم لهذه الأسهم، لكن من الممكن أنّهم يشعرون ببعض التوتّر الآن. 

لقد كان أسبوعًا مثيرًا في الأسواق، في ظلّ تساؤل كثيرين عمّا إن كنّا نمرّ في فترة تغيّر للنظام. لقد نما الناتج المحلّيّ الإجماليّ الحقيقيّ للولايات المتّحدة بمعدّل سنويّ بمقدار 2.8% في الربع الماليّ الثاني من عام 2024، ما يعني أنّ الاقتصاد ليس في حالة سيّئة، وأغلب أسواق الأسهم العالميّة قد عكست معظم خسائر يوم الإثنين. لكنّ التقلّبات أصبحت أعلى ممّا كانت عليه في السابق، ولا تزال العديد من تقارير الأرباح الكبيرة في انتظار الكشف عنها. قد تكون إحدى الدروس الكبيرة من هذا الأسبوع هي أنّ الذعر لا يجدي عادة أثناء عمليّات البيع الكبيرة.

Leave a Reply

Your email address will not be published.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية