ماذا لو نفدت قنابل أمريكا؟

الأحد 21 نيسان 2024
طائرة محملة بالمساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا في كانون الثاني 2022. تصوير ستيفاني بارج. أ ف ب.

هذه ترجمة بتصرف لمقال نشر في مجلة ريزون (Reason) في الأول من نيسان 2024.

الكل يعلم أن الولايات المتحدة تمتلك أقوى جيش في العالم. ولا يكاد أحد يقترب من قدرات واشنطن في ملاحقة أعدائها وإسقاط قنابلها عليهم عن بعد منتصف العالم. لكن ماذا لو نفدت قنابل أمريكا؟

تحكي مدينة أفديفكا الأوكرانية حكاية ذات مغزى. ففي 17 شباط الماضي سقطت المدينة بعد هجوم روسي لشح الذخيرة لدى المدافعين عنها. ورغم ادعاء السلطات الأوكرانية بأنها أشرفت على انسحاب منظم، إلا أن المقاتلين واجهوا محنة مريعة. هربت مجموعة من الجنود في سيارة متهالكة، تعثرت في الوصول إلى الأمان بعد أن فجرت قذيفة روسية أحد إطاراتها، بحسب غاليوم بتاك، المراسل الحربي الفرنسي. صور الجنود أنفسهم وهم يمرون بجانب معلم معروف، لافتة كتب عليها «أفديفكا أوكرانية»، بينما القنابل الروسية تتساقط حولهم.

غالبًا ما يركز جدل السياسات الخارجية الأمريكية حول مسائل التمويل وقوة الإرادة السياسية، وما إذا كان دافع الضرائب الأمريكي يملك الصبر للاستمرار في دعم مغامرات ما وراء البحار، ونادرًا ما تركز النقاشات على الحدود الأخلاقية والمعنوية للتورط الأمريكي ما وراء البحار. بيد أن الحروب الدائرة في أوكرانيا والشرق الأوسط قد أجهدت الحدود المادية للقوة الأمريكية كذلك. ببساطة، لم يعد بوسع المصانع تصنيع ما يكفي من الذخيرة لمواكبة كافة التزامات واشنطن، بغض النظر عن كمية المال التي تضخ فيها.

لم يتوقع المخططون السابقون في البنتاغون «ذلك النوع من القتال العنيف الطويل الذي شهدناه في أوكرانيا»، كما تجاوز معدل النيران «أي نوع من فرضيات التخطيط التي [اعتقدت وزارة الدفاع الأمريكية] أنها ستحتاجها لمعاركها»، يقول جوش بول، المسؤول السابق المشرف على تصدير السلاح في وزارة الخارجية الأمريكية.

تعتبر قذيفة المدفعية عيار 155 ملم، وهي سلاح أساسي في الحرب الحديثة، رمزًا لهذه المشكلة. إذ أنتجت الولايات المتحدة 28 ألف قذيفة في تشرين الأول 2023، بمعدل يصل إلى 336 ألف قذيفة سنويًا. بينما أعطى مسؤولون أوروبيون مختلفون تقديرات مختلفة في تشرين الثاني 2023، لقدرة الإنتاج الأوروبي المشترك، تتراوح ما بين 400 ألف و700 ألف قذيفة سنويًا. وقد زادت كلتا المنطقتين إنتاجهما.

إلا أن الحرب في أوكرانيا تستهلك قذائف عيار 155 ملم بتسارع أعلى بكثير من كافة منتجيها. أرسلت الولايات المتحدة أكثر من مليوني قذيفة مدفعية خلال عام ونصف. لذلك فإن المخزون الاحتياطي الذي قد تحتاجه الولايات المتحدة لخوض حروبها المستقبلية يتضاءل، ويلزم حوالي خمس سنوات لتجديد المخزون الأمريكي الاحتياطي من عيار 155 ملم ليعود إلى مستويات ما قبل 2022، وذلك بحسب تقرير نشر في المركز غير الربحي للدراسات الاستراتيجية والعالمية في كانون الثاني 2023. أما الأسلحة الأخرى مثل صواريخ ستينغر المضادة للطائرات، وصواريخ جافلين المضادة للدبابات، فستحتاج لفترة أطول لتجديد مخزونها الاحتياطي. 

كان هذا قبل الحرب الأخيرة في غزة، التي استهلكت كميات هائلة من الذخيرة. وقد حافظت إدارة بايدن، التي نشرت قوائم محددة عن الأسلحة التي أرسلت إلى أوكرانيا، على صمتها حول تفاصيل دعمها لـ«إسرائيل» بالذخائر. إلا أن قائمة مسربة إلى شبكة بلومبيرغ تبين أن الولايات المتحدة قد أرسلت 57 ألف قذيفة مدفعية ومئات الصواريخ الموجهة إلى «إسرائيل» في الشهر الأول من الحرب وحده.

اعتاد الأمريكيون على خوض صراعات لا تنتهي، التي سميت «حروبًا إلى الأبد»، والتي تستدام بدعم من الاقتراض المالي وإجماع الحزبين. إلا أن الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط تظهر الآن بأن كل المال وقوة الإرادة السياسية في العالم لا يستطيع التغلب على القيود المادية. فحتى إن لم يستنفد المال، فإن القنابل تستنفد.

يقول دان كولدويل، وهو من قدامى المحاربين في العراق ومستشار السياسات العامة لأولويات الدفاع، «وصلنا إلى نقطة في مخزون احتياطي ذخيرتنا العسكرية حيث كل ما يتعلق بسياسة أمريكا الخارجية أصبح قضية ما هو «ممكن» وليس ما «يجب». ويقول كولدويل الذي يكتب حول نقص الذخيرة منذ سنوات، «إن هذا ليس واقعًا يمكن التغلب عليه سريعًا بإنفاق عشرات مليارات الدولارات على قاعدة التصنيع العسكري».

نقص السلاح الأوكراني

واجهت أوكرانيا نقصًا بالسلاح منذ الغزو الروسي في شباط 2022. وقد حذر الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في تشرين الثاني 2023 بأن «المستودعات فارغة» عبر أوروبا، وذكر بالمشكلة في خطاب نهاية العام في الشهر التالي.

بعدها بعدة أسابيع، وفي مؤتمر عبر الفيديو مع القادة الأجانب، قال رستم أوميروف، وزير الدفاع الأوكراني، إن الأمة تواجه «مشكلة حقيقية وملحة» فيما يخص الذخيرة والعتاد. وفي وقت مقارب، منح رجال المدفعية الأوكرانيين فريق أخبار السي إن إن جولة في مخابئ المستودعات بالقرب من خطوط الجبهة، أشار فيها الجنود إلى الرفوف شبه الفارغة وادعوا بأنهم قد أجبروا على إطلاق طلقات دخانية بدلًا من القذائف المتفجرة.

ورغم أن الأوكرانيين يمكن أن يكونوا بالغوا في تصوير نقص الذخائر لإضفاء تأثير درامي، إلا أنه يصعب المراوغة بالأرقام. فقد انتقلت أوكرانيا من إطلاق ما بين أربعة آلاف وسبعة آلاف قذيفة مدفعية في اليوم الواحد في أواخر عام 2023، بحسب التقديرات الأوروبية التي نقلتها وكالة أسوشيتد برس، إلى ألفي قذيفة مدفعية يوميًا في كانون الثاني 2024، وذلك، بحسب رسالة من أوميروف إلى نظرائه الأوروبيين.

تحدث تشيت، وهو متطوع أمريكي يحارب مع القوات الأوكرانية في أفديفكا، حول القضية بشرط عدم الكشف عن اسمه الحقيقي. قبل بضعة أسابيع من سقوط أفديفكا قال إن «روسيا تطلق قذائف أكثر بشكل ملحوظ على كافة الجبهات». وقد ادعى بأن القوات الروسية كانت أقدر على شن الهجمات نظرًا لعدم التوازن في الذخائر. وحذر بأن النقص لدى أوكرانيا «يزداد سوءًا». وبعد سقوط أفديفكا، أكد تشيت بأن نقص العتاد والذخيرة كان سببًا رئيسًا في تقهقر الأوكرانيين، إلى جانب الدعم الجوي الواسع للمهاجمين الروس.

اعتاد الأمريكيون خوض صراعات لا تنتهي، إلا أن الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط تظهر الآن بأن كل المال وقوة الإرادة السياسية في العالم لا يستطيع التغلب على القيود المادية. فحتى إن لم يستنفد المال، فإن القنابل تستنفد.

لطالما أطر المسؤولون الأمريكيون القضية على أنها انعدام لقوة الإرادة السياسية لدى داعمي أوكرانيا لإنفاق المال على الحرب. جفّ التمويل الأمريكي لأوكرانيا في نهايات 2023، وأمضى الكونغرس أشهرًا يناقش إرسال المزيد. في كانون الثاني 2024، قالت سيليست والندر، مساعدة وزير الدفاع لشؤون الأمن الخارجي، للصحافيين إن «الوحدات الأوكرانية لا تملك مخزونًا أو تموينًا من الذخيرة التي تحتاجها»، ويرغب البنتاغون من الكونغرس «المضي قدمًا بتمرير قرار لملحق» حزمة المساعدات. وعندما سقطت أفيديفكا، وضع البيت الأبيض اللوم مرة أخرى على «عدم تحرك الكونغرس» بشأن نقص الذخيرة.

إلا أن غالبية المال في حزمة المساعدات التكميلية «ستذهب إلى عقود الذخيرة والسلاح التي ستحتاج إلى سنوات لتلبيتها»، بحسب كولدويل.

كثيرًا ما تبدو أرقام الميزانيات العسكرية الضخمة منفصلة عن الواقع. ففي ظل استعداد الاحتياطي الفيدرالي الراضي لطبع المزيد من المال باستمرار، يصعب إدراك الفرق الفرق بين 10 مليارات دولار و20 مليارًا، وبين 500 مليار دولار و750 مليارًا. إلا أن كل دولار يمثل ضغطًا على الموارد المادية، التي يعد بعضها محدودًا أكثر من البعض الآخر.

لم يعد المجمع الصناعي العسكري الأمريكي على مستوى عالٍ من التنافسية. فبينما كانت الحكومة في السابق تشتري من شركات أصغر وأكثر تخصصية، بات يسيطر على تصنيع السلاح في الولايات المتحدة اليوم تكتلات أكبر، مثل لوكهيد مارتن، ونورثروب غرومان، وآر تي إكس (المعروفة سابقا باسم ريثيون)، وبووينغ، وجينرال داينامكس. «إن شركات التصنيع الحربي الهائلة هذه… تجني الجزء الأكبر من أرباحها من الأبحاث والتطوير، ومن الأنظمة الجديدة. إذا نظرنا إلى لوكهيد التي تنتج كل شيء من ذخيرة المدفعية إلى [طائرات] إف-35، من أين تجني المال؟ من الإف-35»، يقول بول، المسؤول السابق في وزارة الخارجية. «في السابق كان لديك شركات أصغر بكثير لا تنتج سوى الذخائر. كان من الأسهل تكثيف الإنتاج حينها، لأن الحافز المباشر للشركات لتوسعة إنتاجها في تلك الحالة أكبر بكثير».

تبدأ دورة حياة النوع الأساسي من قذائف 155 ملم كسبائك فولاذية في سكرانتون بنسلفانيا. يوضع الفولاذ في فرن بدرجة حرارة ألفين يُشكل عبر أذرع آلية على شكل أنبوب. يبرد الأنبوب ثم يسخن مرة أخرى، ويتشكل كقذيفة على شكل طلقة، ثم يشحن إلى أوهايو ليُحشى بالمتفجرات. أخيرًا، يثبّت جنود المدفعية على خطوط الجبهة فتيلًا على مقدمة القذيفة، ثم تعبأ في المدفع إلى جانب حشوات الرماية. 

تبدو هذه العملية بسيطة بما يكفي لزيادة الإنتاج، وقد كانت كذلك إلى حد كبير. فقد ضاعفت الولايات المتحدة إنتاجها من قذائف عيار 155 ملم على مدار الحرب الأوكرانية إلى معدل 14 ألف قذيفة في الشهر في شباط 2022، ويهدف المسؤولون العسكريون لإنتاج 100 ألف قذيفة في الشهر بحلول تشرين الأول 2025. وقد أعلنت أوكرانيا نفسها عن خطط لبناء مصانع ذخيرة جديدة على أراضيها بمساعدة الشركات الأمريكية، رغم أن وزير الصناعات الاستراتيجية لديها، ألكسندر كميشين، قال في كانون الأول 2023 إن خطوط الإنتاج ستحتاج لسنوات حتى تباشر العمل.

التنافس على الذخيرة

في المقابل، تعد الذخائر الدقيقة والأنظمة المضادة للطائرات والذخائر بعيدة المدى مشكلة أصعب، («الذخائر بعيدة المدى» هي أسلحة تطلق من على بعد مسافة، وتشمل صواريخ كروز والقنابل الانزلاقية). غالبًا ما تتطلب هذه الأسلحة قطعًا إلكترونية متطورة وعمالًا مهرة، بما فيهم عمال حاصلون على تصاريح أمنية.

«يتمثل أكبر تحدٍ يواجه الولايات المتحدة فيما يتعلق بإنتاج التصنيع العسكري للذخائر الأكثر تطورًا في تقلص العمالة الماهرة القادرة على إنتاج هذه الذخائر، وإجراءات التعاقد المعقدة»، يقول نيكولاس هيراس، مدير قسم الاستراتيجيات في مؤسسة نيولاينز للاستراتيجيات والسياسات، وهي مؤسسة غير ربحية مقرها واشنطن.

يشير تشيت، المتطوع الأمريكي في أوكرانيا، إلى إحدى تبعات نفاد الذخائر المتطورة. إذ يقول إن روسيا تمكنت من ترويع المدن الأوكرانية بمسيّرة شاهد الإيرانية الصنع والزهيدة الثمن، وأجبرت أوكرانيا على استهلاك ذخيرتها الحديثة المضادة للطائرات عالية الجودة. أما الصواريخ القديمة المضادة للطائرات فقد تعطلت أحيانًا وتحطمت. في تشرين الثاني 2022، قتل صاروخ أوكراني عن طريق الخطأ مزارعيْن بولندييْن وتسبب برعب من الحرب في بولندا. وبعدها بسنة، نسف صاروخ دفاع جوي أوكراني سوقًا في مدينة كوبيانسك الأوكرانية، ليقتل 17 مدنيًا عن طريق الخطأ.

يدعي تشيت أن هذين النوعين من الحوادث – اختراقات المسيّرات الروسية وأخطاء الدفاعات الجوية الأوكرانية – قد تكررت أكثر بكثير مما قد تعترف به الحكومة الأوكرانية.

تعد الذخائر الدقيقة والأنظمة المضادة للطائرات والذخائر بعيدة المدى مشكلة أصعب، غالبًا ما تتطلب هذه الأسلحة قطع إلكترونية متطورة وعمالًا مهرة، بما فيهم عمال حاصلون على تصاريح أمنية.

كما أن كل نوع من الأسلحة له احتياجات إنتاجية مختلفة، فإن للصراعات المختلفة كذلك احتياجاتها المختلفة، على الرغم من تقاطع الكثير منها. «ما تحتاجه تايوان من السلاح ليس بالضبط ما تحتاجه أوكرانيا»، يقول بول. فتايوان جزيرة، لذلك هي بحاجة للمزيد من الأسلحة المضادة للسفن. أما أوكرانيا، فهي تحاول استرداد أراضٍ غزتها روسيا، لذلك فالمناوشات البحرية محدودة على طول شواطئها. إلا أن كلا الدولتين تحتاجان إلى صواريخ باتريوت لإسقاط الطائرات المعادية.

بيد أن التنافس بين أوكرانيا و«إسرائيل» على المخزون المحدود للسلاح أشد مباشرةً، حيث أن كلتاهما تحاربان حروبًا بالمدفعية الثقيلة على الأرض. تخزن الولايات المتحدة كميات كبيرة من الذخيرة في «احتياطي المخزون الحربي للحلفاء – إسرائيل» (WRSA-I) المخصص، كما يوحي الاسم، لاستخدام الولايات المتحدة و«إسرائيل» أو حلفاء آخرين. جاء جزء كبير من ذخيرة المدفعية الأوكرانية في بواكير 2023 من هذا المخزون الاحتياطي. إلا أنه «لأسباب سياسية كما هو لتحليلات عسكرية، أعادت الولايات المتحدة إرسال [هذه الذخيرة] إلى إسرائيل»، يقول بول.

تنامي الحماس لمساندة «إسرائيل» في الحرب دفع بول، الذي يدعم بشدة المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، إلى تقديم استقالة علنية من منصبه. وقد أخبر مجلة النيويوركر، بأن الحد من حصول «إسرائيل» على السلاح، قد يجبر القادة الإسرائيليين أن يصبحوا أكثر «انتقائية» في هجماتهم، إلا أن التوجه داخل حكومة الولايات المتحدة كان: «لا يهم، فلنعطهم السلاح». وبعبارته، فقد استخدمت «إسرائيل» بعدها كمًا «جنونيًا» من السلاح ضد غزة. 

تطلق القوات الأوكرانية حوالي 240 ألف قذيفة مدفعية شهريًا، على طول مئات الأميال من خطوط الجبهة الأمامية بما فيها المدن والأرياف. في حين أطلق الجيش الإسرائيلي في شهري تشرين الأول والثاني الماضيين وحدهما 100 ألف قذيفة مدفعية، ما يعادل 50 ألف شهريًا في منطقة طولها 25 ميلًا. وعلى عكس أوكرانيا، تمتلك «إسرائيل» تفوقًا جويًا كاملًا، بالتالي كانت كذلك تلقي عددًا هائلًا من القنابل الأمريكية الصنع من طائراتها الحربية.

بنهاية عام 2023، كان حوالي 70% من منازل غزة قد تدمر، وهو معدل يقارن بأكثر المدن دمارًا جراء معارك الحرب العالمية الثانية. كما قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين بما يعادل 1% من سكان غزة ما قبل الحرب.

«لدى إسرائيل مخزونها الاحتياطي الكبير الخاص من السلاح، وهي حرة في استخدامه كما تشاء، لكننا كنا نسرّع التسليم لهم لتمكينهم من مواصلة إطلاق النار بذات الوتيرة»، يقول بول.

عدم الجهوزية لحروب مستقبلية

في الأثناء، تمددت الحرب عبر الشرق الأوسط. إذ بدأت جماعة الحوثي بتهديد السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر. أرسلت الولايات المتحدة وعددًا من حلفائها أسطولًا بحريًا إلى اليمن، لكن الحوثيين استمروا بتحدي مطالب الأمريكيين ومهاجمة السفن. هاجمت بحرية الولايات المتحدة وحلفاؤها في 12 كانون الثاني مخابئ السلاح والمطارات في أنحاء اليمن. وأُطلق الحجم الأكبر من النيران من السفن الأمريكية، التي أطلقت ما لا يقل عن 80 صاروخ توماهوك.

بددت البحرية الأمريكية مخزون عام كامل من الصواريخ في ليلة واحدة فقط. حيث تنتج المصانع الأمريكية بضعة عشرات من صواريخ توماهوك في السنة؛ طلبت البحرية 70 منها في السنة المالية 2022، و50 فقط في السنة المالية 2023. (ويُعتقد أن الجيش الأمريكي لديه مخزون احتياطي من بضعة آلاف من صواريخ توماهوك). أعرب بايدن عن رغبته في إطالة أمد الصراع لمدة زمنية طويلة بدون نهاية محددة. في 18 كانون الثاني، قال بايدن للصحافيين: «هل توقف [الغارات الجوية] الحوثيين؟ كلا. هل ستتواصل؟ نعم». وقد تواصلت الغارات الجوية منذ ذلك الحين، حيث أطلقت البحرية دفعة أخرى من صواريخ توماهوك على اليمن في الرابع من شباط.

«تزداد الحاجة إلى ذخائر مواجهة متطورة في مسرح الأحداث حيث الحرب البحرية حاسمة، ولهذا يهدد صراع طويل الأمد وربما منتشر في البحر الأحمر، جهوزية الولايات المتحدة على الرد في المحيطين الهادئ والهندي»، يقول هيراس من مؤسسة نيولاينز.

أما مايك بلاك، الملازم السابق في قسم الصيانة في سلاح الجو الأمريكي والمعروف بتعليقاته اللاذعة على وسائط التواصل الاجتماعي، فقد كان أكثر جرأة فيما يتعلق في الإسراف في الهجمات ضد الحوثيين: «سيحتاج الأمر حتى 2026 لتعويض ما أُطلق هنا. آمل أن يكون تدمير المسيرات المرتجلة الرخيصة وأنظمة الرادار التجارية يستحق ذلك». وقد أضاف لاحقًا في النقاش أن «كمية المواد التي سنحرقها في نزاع مع إيران ستحتاج إلى سنوات لتعويضها».

الجيش ليس تاجر تجزئة؛ هو لا يستفيد من التخلص من مخزونه سريعًا. تستدعي حرب مع الصين قوة نارية تفوق بكثير ما تحتاجه حملة محدودة ضد «مسيرات مرتجلة رخيصة وأنظمة رادار تجارية». عندما أجرى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية سلسلة من ألعاب الحرب تحاكي حربًا على تايوان، استنتج أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تطلق «حوالي خمسة آلاف صاروخ دقيق بعيد المدى» خلال ثلاثة أو أربعة أسابيع من المعارك. 

«لدى إسرائيل مخزونها الاحتياطي الكبير الخاص من السلاح، وهي حرة في استخدامه كما تشاء، لكننا كنا نسرّع التسليم لهم لتمكينهم من مواصلة إطلاق النار بذات الوتيرة»

في هذا السيناريو، ستضطر الولايات المتحدة لاستخدام أنواع مختلفة من الصواريخ لضرب أنواع مختلفة من الأهداف، بما فيها السفن والمطارات، لكن عقبات الإنتاج قد تؤثر عليها جميعًا في وقت واحد. «المسألة الحاسمة هي أنه ليس السلاح المنتج النهائي وحده الذي يهم، بل المكونات الثانوية كذلك، مثلًا المراوح التوربينية للصواريخ»، يقول إلبريدج كولبي، مؤلف استراتيجية الدفاع القومي لإدارة ترامب، في مقابلة أجرتها معه سي-سبان في كانون الأول 2023. إن نقصًا في نوع من أنواع المحركات التوربينية سيعطل إنتاج عدة أنواع من الصواريخ المختلفة. 

ليست البحرية الأمريكية اللاعب المهم الوحيد. إذ ستشكل اليابان وكوريا الجنوبية حلفاء أساسيين للولايات المتحدة في أي مواجهة في المحيط الهادئ. وقد أرسلت كلتا الدولتين بعض ذخائرهما لدعم أوكرانيا في الحرب. ورغم أن قانون كوريا الجنوبية يمنع مد مناطق الصراع بالسلاح، إلا أنها وافقت عام 2023 على «إقراض» الولايات المتحدة نصف مليون قذيفة عيار 155 ملم. كذلك الأمر بالنسبة لليابان التي وافقت على إرسال صواريخ باتريوت إلى الولايات المتحدة، من أجل تعويض المخزون الاحتياطي الأمريكي الذي تم إرساله إلى أوكرانيا.

أما الجيش التايواني فسيكون بالطبع خط الدفاع الأول. ولكن هنالك مشتريات بمبلغ 19.17 مليار دولار لأسلحة أمريكية تم طلبها ولم تستلمها تايوان بعد، بحسب دراسة أجرتها مؤسسة كاتو عام 2023. ربما لأن احتمالية نشوب صراع تبدو بعيدة، يرى مؤلفو الدراسة أنه كان على تايوان الانتظار أكثر من زبائن الولايات المتحدة الآخرين لاستلام أسلحتها.

يتصاعد التنافس على التسلح بين حلفاء الولايات المتحدة. فقد خلقت الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط ما يدعوه بول «موجات صدمية» من الطلب، حيث أن الدول القريبة من مناطق الصراع مثل بولندا قد بدأت ببناء جيوشها الخاصة. هنالك تنافس ليس بين الدول المتحاربة على الأسلحة الأمريكية فحسب، بل وبين الدول التي تستعد من أجل الحرب أيضًا.

مشاكل لا يستطيع المال حلها

تعهدت الولايات المتحدة بالتزامات عسكرية أكبر بكثير مما تستطيعه مصانعها توفيره. هنالك «تعارض بين ما نحن فيه وبين ما نتمنى أن نكون عليه»، قال كولبي خلال نقاش استضافته مؤسسة هوفر المحافظة في العام الماضي. «والمشكلة أنك لا تستطيع أن تحل الأمر من خلال الإنفاق العسكري».

هذا ليس الانطباع الذي يعطيه القادة الأمريكيون. في مقابلة مع برنامج «60 دقيقة» في تشرين الأول 2023، استخف بايدن بسؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على دعم أوكرانيا و«إسرائيل» في وقت واحد، قائلًا: «نحن الولايات المتحدة الأمريكية بحق السماء. أقوى أمة في العالم، بل في تاريخ العالم».

يقول كالدويل مستشار السياسة العامة أن السياسيين «يكذبون بشأن هذه القيود» ويتظاهرون بأن «الأمر الوحيد الذي يعيق السياسة الخارجية الأمريكية هو انعدام قوة الإرادة». ويقول إنه «يستحيل حسابيًا» على الولايات المتحدة الاستمرار بتموين مجهود الحروب المختلفة بذات المعدل الذي كانت عليه، حتى وإن لم تلح حروب جديدة في الأفق.

Leave a Reply

Your email address will not be published.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية