«لأجيال عديدة، كانت شعوبنا بلا صوت في العالم. كنا الشعوب التي لا يحسب لها حساب، التي يتخذ الآخرون قراراتها عنها، مقدمين مصالحهم، كنا الشعوب القابعة في الفقر والإذلال. ثم طالبت أممنا بالاستقلال، بل قاتلت من أجله، وحققته. ومع الاستقلال أتت المسؤولية (..) كنا نعرف كيف نعارض ونهدم، ثم واجهتنا فجأة ضرورة منح استقلالنا مضمونًا ومعنى (..) اليوم في هذه القاعة، يجتمع قادة تلك الشعوب التي لم تعد ضحية الاستعمار. لم تعد أدوات للغير ودمى لقوى لا تستطيع أن تؤثر فيها. اليوم، أنتم تمثلون شعوبًا حرة، شعوبًا باتت لها مكانة مختلفة وموقع في العالم».
من كلمة الرئيس الإندونيسي السابق أحمد سوكارنو في افتتاح المؤتمر الآسيوي الإفريقي، باندونغ، 18 نيسان 1955.
قبل سبعين عامًا، بين 18 و24 نيسان 1955، انعقد المؤتمر الآسيوي الإفريقي الذي ارتبط اسمه بمدينة باندونغ الإندونيسية التي نُظم بها، والذي حضره ممثلون عن نصف سكان العالم في ذلك الوقت. يعد المؤتمر المذكور لحظة فارقة في تاريخ العلاقات الدولية نظريًا وتطبيقيًا، فهو أول اجتماع دولي لممثلي المجتمعات غير الأوروبية في التاريخ الحديث؛ هذه المجتمعات التي رزحت لعقود -وفي بعض الحالات لقرون- تحت استغلال وإذلال المستعمر الغربي.
مثلت اللغة المستخدمة في المؤتمر كذلك عنصرًا مهمًا، كونها انتقلت من هموم الطبقات الشعبية الآسيوية والإفريقية التي ضحت وناضلت ضد الاستعمار لتتخذ شكل خطاب سياسي دبلوماسي رسمي ينادي بالمساواة بين جميع الدول مهما كان حجمها وقوتها، بالتوازي مع إدانة مبدئية للاستعمار باعتباره شرًا يجب التخلص منه، بعدما كان يعتبر ويُقَدم من قبل قطاعات واسعة من النخب الغربية، والنخب غير الغربية المتواطئة معها، على أنه وسيلة لنقل التحضر للشعوب الأخرى.[1]
لكن الأهم ربما هو أن المؤتمر مثّل انطلاقًا لمشروع فعلي حاول ليس فقط تقريب الدول الآسيوية والإفريقية، بل خلق مؤسسات وأطر تعاون تسهم في تنميتها ذاتيًا، بعيدًا عن التبعية والاعتماد على المستعمرين السابقين، إضافة لرفع صوت شعوبها وتشكيل كتلة تحمل مطالبهم في المحافل الدولية. هذا الاتجاه بات يعرف باسم «روح باندونغ»، التي تبددت في العقدين الأخيرين من القرن الماضي. لكن السعي لإحيائها ما يزال حاضرًا.
ولادة حتمية
جاء مؤتمر باندونغ في فترة مليئة بالأحداث السياسية المتسارعة والمفصلية. ففي آب 1953 دبرت الاستخبارات الأمريكية والبريطانية انقلابًا على حكومة محمد مصدق الوطنية في إيران، كان ذلك بعد ثلاث سنوات من الحرب الكورية التي أزهقت أرواح مئات آلاف الكوريين والصينيين وكان من نتائجها تقسيم شبه الجزيرة الكورية وتوقيع معاهدة دفاع مشترك أميركية – كورية جنوبية. تبع ذلك إنشاء أحلاف عسكرية لاحتواء النفوذ الشيوعي السوفييتي والصيني، فتأسست منظمة معاهدة جنوب شرق آسيا في أيلول 1954، وبعدها بأربعة أشهر حلف بغداد. كل تلك المتغيرات وغيرها أفهمت قادة الاستقلال والتحرر الوطني في آسيا وإفريقيا أن النظام الاستعماري الكلاسيكي الذي بدأ بالتهاوي إبان الحرب العالمية الثانية سُيعاد إنتاجه أميركيًا بأشكال أخرى تضمن التبعية أحادية الجانب تجاه المركز. لذا كان لا بد من التحرك، بالأخص في ظل أن القوة العسكرية الأميركية لن تتوانى عن إظهار أقصى ما تمتلكه من تطور تقني لقمع الشعوب النامية. هذا ما أظهرته أهوال استخدام السلاح النووي ضد اليابان، ولاحقًا الإكراه العسكري في كوريا وفيتنام وفي الحروب العربية-الإسرائيلية وغيرها.
بالتأكيد، لا يجوز إغفال أن إمكانية ائتلاف مجموعة من الدول المتحررة من وطأة الاستعمار وسعيها للانتقال من مفعول به إلى فاعل تاريخي، كانت ستكون أصعب لولا انتصار الاتحاد السوفييتي على الفاشية في الحرب العالمية الثانية، وفرض نفسه كقطب جديد في النظام الدولي الذي أخذ بالتشكل حينها. فقد تقاطع الاتحاد السوفييتي أيدولوجيًا واستراتيجيًا مع فكرة التحرر الوطني ومناهضة الإمبريالية، كما قدم نموذجًا اقتصاديًا واجتماعيًا للتنمية بديلًا عن النموذج الرأسمالي، الذي لا يناسب واقع البلدان المتحررة، بل ويؤبد دورها في السوق العالمية كمصدّر للمواد الخام والسلع التصنيعية الفتية. بالإضافة إلى كل ذلك، قدم التحالف السوفييتي الصيني (قبل انفراطه مطلع الستينيات) مساعدة عسكرية كبيرة لحركات التحرر الوطني، وذلك ما ظهر في انتصار الفيتناميين في معركة ديان بيان فو 1954 على قوات الاتحاد الفرنسي الاستعماري، والذي انتهى على إثرها وجوده في الهند الصينية، وقبل ذلك في دعم صمود القوات الكورية الشمالية ضد نظيرتها الجنوبية المدعومة من الغرب خلال الحرب الكورية.
حضر المؤتمر ممثلون من 29 دولة بما في ذلك الدول المنظمة،[2] وكان من أبرز الحضور رئيس الوزراء الصيني تشو إن لاي، والرئيس المصري جمال عبد الناصر، اللذين كان المؤتمر بالنسبة لبلديهما من الخطوات المبكرة في ميدان العلاقات الدولية، بعد وصول الحزب الشيوعي إلى السلطة في الصين في تشرين الأول 1949، وإسقاط الملكية في مصر في تموز 1952. هذا إلى جانب الرئيس الإندونيسي أحمد سوكارنو ورئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو، وغيرهم من ممثلي الدول التي لم يمض على استقلالها أكثر من عقد من الزمن.
كان من اللافت حضور العديد من الدول التي تتحالف أنظمتها مع الغرب الإمبريالي، بالأخص تلك القادمة من غرب آسيا، وهناك عاملان لتفسير ذلك؛ الأول هو عدم ممانعة الولايات المتحدة، ففي رده على مطلب السفير الفرنسي في واشنطن للضغط على دولتي ليبيريا وأثيوبيا بهدف الامتناع عن إرسال ممثلين للمؤتمر، أكد وزير الخارجية الأمريكي حينذاك جون فوستر دالاس على ضرورة حضور الدول الموالية للغرب بكثافة لتسجيل موقف مناهض للشيوعية. أما العامل الثاني فهو رغبة المنظمين (الهند، باكستان، إندونيسيا، سيرلانكا، مينمار) في دعوة أكبر عدد ممكن من الدول النامية على اختلاف تحالفاتها السياسية والأيديولوجية الخارجية وخلفياتها الثقافية والعرقية، وذلك لصلابة الاعتقاد الذي ساد في تلك الفترة بأن هناك العديد من القواسم المشتركة التي توحد الدول حديثة الاستقلال، مثل الحاجة الملحة للتنمية الاقتصادية والمصلحة في كبح وتيرة العسكرة وما تستدعيه من أحلاف إقليمية وتقنيات حربية ذات آثار تدميرية واسعة، ودمقرطة العلاقات الدولية من خلال نبذ محاولات الهيمنة المباشرة وغير المباشرة الصادرة عن الغرب.
بعد باندونغ استمرت المؤتمرات بالانعقاد، ومنها مؤتمر التضامن الآسيوي الإفريقي في القاهرة أواخر عام 1957 في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر، وتلاه مؤتمر الشعوب الإفريقية المستقلة في نيسان 1958 في العاصمة الغينية أكرا، وصولًا إلى أبرز تجليات المؤتمر في أيلول 1961 والذي جرى الإعلان فيه عن تأسيس حركة عدم الانحياز في العاصمة اليوغسلافية بلغراد. تنامى تأثير هذه الدول ليصل الأمم المتحدة نفسها، وذلك بالضغط لتأسيس مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) عام 1964، الذي كانت مهمته تحسين موقع البلدان النامية في السوق العالمية من خلال الدفع بالتنمية الاقتصادية على الصعيد المحلي في كل دولة. وفي العام ذاته تأسست مجموعة 77 (تضم حاليًا 134 دولة) للتنسيق حول المصالح الاقتصادية للبلدان النامية داخل وخارج إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة. هنا، دخلت مجموعة كبيرة من دول أميركا اللاتينية كمشاركة في التنسيق الآسيوي الإفريقي لدعم التنمية الاقتصادية التي أصبحت العنوان الرئيس للحراك الدبلوماسي للعالم النامي (أو العالم الثالث). لقد كان الاندفاع نحو الأمم المتحدة والاستفادة من مؤسساتها وقنواتها التنظيمية رد فعل على تسييسها من قبل الولايات المتحدة في الفترة السابقة، بالأخص عندما تدخلت المنظمة كطرف في الحرب الكورية.[3]
أفخاخ على الطريق
رغم هذه الاندفاعة، وقعت عدد من الأحداث المبكرة والمؤسفة التي شككت بجدية وإمكانية التضامن الآسيوي المنبثق من باندونغ، ومنها النزاع الحدودي الصيني-الهندي الذي تطور إلى حرب في تشرين الأول 1962 والحرب الهندية-الباكستانية التي وقعت بعد ذلك بثلاث سنوات، أما الحدث الأكبر فهو الانقلاب العسكري في أيلول 1965 ضد حكومة الرئيس الإندونيسي أحمد سوكارنو الذي كان إحدى الشخصيات المحورية في باندونغ، ولاحقًا في حركة عدم الانحياز. كان الانقلاب من الناحية العملية عبارة عن حملة تطهير دموية أقدم عليها الجيش الإندونيسي بدعم من الاستخبارات الأميركية والبريطانية ضد كوادر الحزب الشيوعي الإندونيسي -ثالث أكبر حزب شيوعي في العالم آنذاك بعد الحزبين الشيوعيين الصيني والسوفييتي- وأنصاره والإندونيسيين من أصل صيني، ما خلف مليون ضحية على الأقل، وترك البلاد لثلاثة عقود تحت حكم الديكتاتور محمد سوهارتو الذي أشرف على الحملة.[4]
إلى جانب كونه إجراءً استراتيجيًا لضرب الكتلة المناهضة للإمبريالية التي كانت آخذة بالتشكل في جنوب شرق آسيا (إندونيسيا، جمهورية فيتنام الديمقراطية، كوريا الشمالية، كمبوديا)، مثّل هذا الحدث الإبادي انتقامًا معنويًا وماديًا ضد دولة انطلقت منها روح باندونغ. وتمدد هذا الانتقام إلى إفريقيا، حين نُفذ انقلاب على الرئيس الغاني كوامي نكروما في شباط 1966، بعدما بذل جهودًا دبلوماسية وتنظيمية إلى جانب عبد الناصر وسوكارنو ولال نهرو والرئيس اليوغسلافي جوزيف تيتو بهدف تأسيس حركة عدم الانحياز.
يمكن أيضًا إدراج حرب حزيران 1967 في السياق نفسه، بمعنى أنها لم تكن حربًا ذات أبعاد عسكرية وجغرافية حققت مطامع استعمارية تاريخية محصورة بمنطقة غرب آسيا فحسب، وإنما استهدفت ضرب مصر من ناحية كونها دولة مركزية ترتبط بمشروع أممي يحاول الوقوف في وجه الهيمنة الغربية. إلا أن الهزيمة أنتجت انزياح مصر تدريجيًا نحو المعسكر الغربي بشكل كامل ترافق معه تخلٍ عن المشروع المذكور.
ورغم الوطأة الثقيلة لهذه الأحداث وغيرها،[5] إلا أنها لم تكن وحدها كفيلة بالقضاء على الفكرة الجوهرية التي خرجت من باندونغ، متخذة أشكالًا سياسية ومؤسساتية متعددة، والتي تتمحور حول بناء علاقة ندية مع الغرب الرأسمالي.
استمر السعي المحموم الذي قادته البلدان النامية ممثلة بمنظمة الأونكتاد ومجموعة 77 من أجل إرساء علاقات اقتصادية عالمية أكثر إنصافًا وعدلًا، ويمكن القول إن ذروة هذا السعي تمثلت في الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيار 1974 تحت عنوان «إعلان إقامة نظام اقتصادي دولي جديد»، الذي لو طُبق ما جاء فيه لتغير الوجه الاقتصادي للدول النامية والعالم بأسره. من أبرز النقاط التي دعا إليها الإعلان: الاتفاق على حد أدنى لأسعار السلع الأساسية التي يتم تصديرها من الدول النامية، ونظام تعريفات جمركية تفضيلية يتيح لصادرات الدول النامية المصنعة من النفاذ إلى أسواق الدول الرأسمالية، كوسيلة لتشجيع التنمية الاقتصادية في العالم النامي، وهو ما يستدعي بدوره تفهم فكرة لجوء البلدان النامية لانتهاج سياسة تجارية حمائية بهدف تشجيع التصنيع، وتسريع نقل التكنولوجيا إلى الدول النامية لتمكينها من الناحية التقنية، ومراقبة وتنظيم أنشطة الشركات متعددة الجنسيات على نحو يخدم اقتصاديات البلدان التي تمارس أنشطتها الاقتصادية فيها.
هذا الإعلان الذي قد نستغرب اليوم أنه صدر بالفعل عن الأمم المتحدة، كان إحدى العلائم البارزة على تعاظم الوزن الدولي للبلدان النامية التي كانت في مجملها واعية لأسس ومسببات التخلف الاقتصادي الذي تعاني منه؛ أي العلاقة الاقتصادية والتجارية مع الغرب القائمة على التبادل اللامتكافئ الذي يلتهم القيمة بالاستناد على احتكار أحادي الجانب للتقانة الإنتاجية، تاركًا الطرف الآخر (أي البلدان النامية) محاصرًا في قطاع تصدير المواد الأولية (التعدينية، الزراعية، التصنيعية البدائية) كضرورة لتوفير القطع الأجنبي اللازم من أجل استيراد السلع المصنعة من العالم الرأسمالي بأسعار مرتفعة. حدّ هذا الوضع من تطور القوى العاملة في البلدان النامية لمنعها من الانخراط في عملية إنتاجية معقدة، صناعية كانت أم زراعية، ناهيك عن العجز المزمن في ميزان المدفوعات الناتج عن ارتفاع أسعار الواردات الصناعية إلى البلدان النامية وتقلب أسعار المواد الأولية في السوق العالمية. أنتج ذلك فائضًا لصالح العالم الرأسمالي، يُعاد توظيفه على هيئة استثمار مباشر وغير مباشر في الدول النامية، بواسطة الشركات متعددة الجنسيات التي تنقل جزءًا من أعمالها أو حلقة من سلاسل توريدها إلى البلدان النامية والفقيرة لاستغلال العمالة والموارد الرخيصة، وبالتالي تحقيق فوائض أعلى تنتقل إلى المركز.
مسار تبدد روح باندونغ
جاء تصاعد المطالبات الصادرة عن البلدان النامية بإصلاح المنظومة الاقتصادية الدولية في سياق الأزمة المالية التي نتجت عن فك ارتباط الذهب بالدولار عام 1971[6] وما تبعها من فوضى في أسعار الصرف. فقد أثر انخفاض سعر صرف الدولار في تلك الفترة سلبًا على الاحتياطيات النقدية لبلدان العالم النامي المربوطة بالدولار وبغيره، وبالتالي انخفضت القدرة على الاستيراد وتفاقمت العجوزات في موازين المدفوعات. أما العامل الثاني فهو ارتفاع أسعار الطاقة على خلفية إقدام منظمة أوبك على صدمتين سعريتين، الأولى في 1973 والثانية في نهاية العقد، ما أطلق موجة تضخم عالمية زادت من أوضاع البلدان النامية سوءًا.
في تلك الفترة، تكاتفت الدول الإمبريالية للتصدي لهذه الأزمات من جهة وللحراك السياسي والدبلوماسي الصادر عن البلدان النامية من جهة أخرى. فأنشئت أُطرًا مؤسسية لهذا الغرض مثل مجموعة السبع عام 1975 والمنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) في 1971،[7] وهذا الأخير بالذات هو عبارة عن فعالية سنوية تضم النخب والأوليغارشيات المالية والصناعية الرأسمالية وممثليهم البيروقراطيين لمتابعة تنسيق مصالحهم. لكن هذا لا يمنع انضمام مجموعة من اقتصاديي وسياسيي العالم النامي إلى هذه الفعالية كزينة توحي بتعددية وتنوع مكونات المؤتمر واستيعابه لوجهات النظر المختلفة. ومن المهم ملاحظة أن أيًا من المنظمتين ليست منضوية تحت مظلة الأمم المتحدة على غرار الأونكتاد، وذلك ببساطة لأن الدول التي تقف وراءهما لا تشكل أغلبية في الجمعية العمومية، أي أن قراراتهما لم تكن لتكتسب تأييد الأغلبية التي هي عمليًا دول نامية وفقيرة، كما أنه لم يكن لديهما حينذاك الدرجة ذاتها من التأثير على الدول النامية مقارنة بالوقت اللاحق، لذا تم اللجوء إلى شكل غير رسمي «للتنسيق والتشاور» حول القضايا الاقتصادية والمجالات السياسية والأمنية التي تحفظ هيمنة الغرب.
المهم، في ظل الركود الاقتصادي الذي ساد العالم الرأسمالي في السبعينيات، كان هناك فائض مالي متأتٍ من السيولة الدولارية المتراكمة في خزائن الدول الأوروبية في فترة ما بعد الحرب والتي انتفت القدرة على تحويلها إلى ذهب. كما جرت إعادة تدوير مبيعات النفط (الخليجية في المقام الأول) وتوجيهها إلى المركز للاستثمار في الأصول المالية. هذا الدفق المالي جرى ضخه على شكل قروض تجاه البلدان النامية التي كانت بأمسّ الحاجة للتمويل قصير الأجل في ظل وضع اقتصادي عالمي غير مواتٍ.
نمت ديون العالم النامي على نحو انفجاري في الفترة 1970- 1984 من حوالي 74 مليار دولار إلى أكثر من تريليون دولار، تشمل الديون العسكرية وديون القطاع الخاص التي لا تدرجها إحصائيات البنك الدولي. وتجب الإشارة هنا إلى أن منح الديون لم يتم بشكل نقدي وإنما بتمويل الواردات السلعية المصنعة في العالم الرأسمالي، وهذا ما مكن الدول الرأسمالية من تحصيل أرباح فلكية من عملية الإقراض، التي أتاحت لها الاستمرار في تصدير السلع وبالنتيجة التخفيف من حدة الركود الذي ضرب اقتصاداتها. ما زاد من خطورة الأمر بالنسبة للبلدان النامية هو قيام الدوائر المالية الإمبريالية (الأميركية خصوصًا) برفع مطرد لأسعار الفائدة منذ نهاية السبعينيات وهذا ما أدى إلى وضع أصبحت فيه خدمة الدين المتراكمة (أقساط وفوائد) تلتهم جزءًا كبيرًا وأحيانًا يزيد عن حجم الأموال المقترضة حديثًا كمقدمة للدخول في حلقة مفرغة من الاستدانة، ضغطت حتى على تمويل الاستيراد، في وقتٍ أصبح فيه إنجاز تراكم رأسمالي بدائي في الاقتصادات النامية أمرًا غير واقعي وغير مطروح للنقاش بالأصل.[8]
في ظل هذه الصورة القاتمة، طلبت العديد من الدول خلال الثمانينيات إعادة جدولة ديونها، وهنا برز صندوق النقد لا كوسيط بين الدول المدينة والدائنة ومساعد للأولى في الإيفاء بالتزاماتها للثانية، بل كأداة لتشظية القطاعات العامة عبر إزالة القيود المفروضة على أسعار الصرف وفتح الاستيراد على مصراعيه وضرب جميع برامج الدعم والرعاية الاجتماعية، إلى جانب التخلص من جميع أشكال التنظيم الاجتماعي الحزبي والنقابي المعادي للسياسات الليبرالية، واستبدال جميع آمال وتطلعات التحرر الاقتصادي ببنى مفاهيمية تقدس فكرة الاستثمار الخاص وتحرير الأسواق وتستميت لجلب الاستثمار الأجنبي.[9]
بالتوازي مع ذلك، انسحبت كل من حركة عدم الانحياز، والأونكتاد، ومجموعة 77 وغيرها وبالتدريج إلى خانة غير مؤثرة على الساحة الدولية، لتقتصر أنشطتها على عقد المؤتمرات والقمم السنوية وإصدار البيانات الختامية والتقارير الرصدية وغيرها.[10]
إن ما حدث منذ عام 1975 هو -في حده الأدنى- ضرب لإمكانية استخدام جهاز الدولة كحاجز يحد من أثر المتغيرات الرأسمالية العالمية على عملية التنمية المحلية. أدى ذلك إلى حسم الصراع الطبقي لصالح الفئات البيروقراطية الفاسدة وكبار الملاكين العقاريين والبرجوازيات الوكيلة لرأس المال الأجنبي، المتناقضة مصلحيًا ليس مع الطبقات العاملة فحسب، وإنما مع قطاعاتٍ واسعة من البرجوازيات الوطنية التي كانت تسعى إلى نقل رأس المال من ميدان التبادل (التجارة، والائتمان، ونقل الأموال إلى الخارج) إلى ميدان الإنتاج.[11]
انتهى عصر باندونغ الذي استمر لعشرين عامًا وانهار تحت ضربات الرأسماليات الغربية، بعدما كان من المفترض به ممارسة تطوير الواقع الاقتصادي وفرض السيادة الإنتاجية عليه. كان هذا ما سعت إليه مجموعة كبيرة من البلدان النامية، في مقابل مجموعة أخرى حرصت على تحالفاتها مع الإمبريالية الغربية طوال فترة الحرب الباردة على الأقل، حيث استفادت الطغم السياسية-الاقتصادية لهذه المجموعة من الريوع الجيوسياسية من مساعدات اقتصادية وعسكرية، مقابل الدور التخريبي الذي لعبته لشق الصفوف.
لقد أثمر نمو البرجوازيات الوطنية المدعوم من الطبقات الشعبية في العديد من الدول إلى إنجاز الاستقلال السياسي، وتبنت هذه البرجوازيات بشكل مطلق فكرة الدولة القومية ذات المنشأ الغربي، وحاولت بناء قطاع تصنيعي في أُطر قومية، بعيدًا عن توزيع المهام الإنتاجية والتعاون لبناء هذا القطاع رفقة الدول الأخرى التي واجهت تحديات تنموية مماثلة. ترافق ذلك مع عدم وجود ضبط للأولويات الإنتاجية، فبدلًا من الاتجاه إلى تنمية الريف وتكثيف الإنتاج فيه لتلبية الحاجات الأساسية للعمال والفلاحين وإن كان على أسس ربحية، اتجهت بعض الدول النامية إلى تصنيع سلع نصف ضرورية وأحيانًا كمالية في ذلك الوقت، ما تسبب بتسرب الكثير من الأموال إلى الخارج بغية استيراد السلع الوسيطة اللازمة لإتمام عملية إنتاجية لا داعي لها إلى حد ما.
المشكلة في تجربة هذه البرجوازيات ليست وجود نمط بدائي من الرأسمالية إلى جانب تسخير جهاز الدولة لحمايته، بل في أن النمط المذكور ذا المبتغى الوطني تفجر على نحو متوحش لدى التقائه بالضغط الإمبريالي، ما أدى إلى شطب كل منجزاته وتكبيل الطبقات المُستَغلة فيه بديون لا تنتهي. وبهذا فشل باندونغ من حيث كونه «المشروع البرجوازي الوطني للعالم الثالث المعاصر»،[12] لتتبعه عقود من الفعل السياسي والعسكري الأحادي الإمبريالي المهيمن على جميع مستويات الحياة.
لكن كل ذلك لم ينف التناقض بين البلدان النامية ونظيرتها الرأسمالية المركزية. فهذه الأخيرة لا تزال وستبقى تسعى وراء تبخيس الموارد البشرية والمادية للأطراف، ماليًا وتجاريًا وأيضًا بالإكراه العسكري، فهذه وسيلتها الوحيدة لتحقيق الربح بالنظر لتركيبتها الاجتماعية الاقتصادية المعولمة. وهذا ما سيولد ردة فعل حتمية يبقى السؤال حول مدى فعاليتها مثار جدال.
بداية البحث عن إطار جديد
لم يَطُل العصر الذي يُوصف بكثير من المبالغة في الأكاديميا الغربية بأنه عصر الأحادية القطبية. فسرعان ما برزت بوادر الخلل والانهيار في الأطراف والمركز على حد سواء، لتؤشر أن هذه العولمة معيبة جدًا وأنها لا تلائم الجميع. فإلى الجانب التوترات الأمنية والحروب الأميركية التي شُنت على الدول والشعوب المستضعفة، وقعت أحداث فارقة أنتجت ردة فعل جديدة من قبل العالم اللاغربي، أي دفعت لإيجاد أُطر مؤسسية جديدة ترمي إلى كبح الاندفاعة الغربية.
من أبرز هذه الأحداث كانت الأزمة المالية الآسيوية التي ضربت مجموعة من دول جنوب شرق آسيا الواقعة بين أستراليا والصين، أي مجموعة الدول التي جرى تسويقها على أنها مثال ساطع لنجاح السوق الحر في تحقيق النمو وتطوير المجتمع، في الوقت الذي انهارت فيها بلدان الكتلة الشرقية التي اعتمدت أساليب الاقتصاد المخطط. كانت تجربة البلدان الآسيوية المذكورة مثالًا ساطعًا على الأثر الذي يمكن أن يحدثه تدخل الدولة الرأسمالية في الاقتصاد، من فرض ضرائب جمركية لحماية الشركات الوطنية، والتدخل في السوق للحفاظ على سعر صرف مناسب للتصدير، وتوزيع حصص الإنتاج للسوق العالمية على المنتجين الوطنيين الذين عملوا كبؤر تصنيعية ثانوية للشركات المتعددة الجنسيات (سامسونغ، إنتل، هيوليت-باكارد، ميتسوبيشي وغيرها)، وصولًا إلى رفع سوية القطاع التعليمي بغية تأهيل أيدٍ عاملة ماهرة.[13] كل هذا لا تجد ما يدحضه من جانب مرددي كليشيهات أسطورة السوق الحرة شرقًا وغربًا.
إلى جانب الدعم الأميركي، امتدت سلاسل التمويل متدني الفائدة في جسد الاقتصاديات التي شاع أنها تعيش نوعًا من «المعجزات التنموية». إلا أن الأمور بدأت بالتغير منذ 1995 عندما بدأت أسعار الفائدة الأميركية بالارتفاع ومعها قيمة الدولار، لتبدأ المضاربات على العملات المحلية التي كانت مرتبطة بالدولار لصالح هذا الأخير. كان ذلك بعدما أُثيرت المخاوف حول مدى تنافسية صادرات هذه الدول، بالتوازي مع واقع أن حصة الصادرات الصينية كانت آخذة بالتعاظم في التجارة الدولية. بالنتيجة، سُحب أكثر من 100 مليار دولار خلال شهري تموز وآب بواسطة المضاربين الداخليين والخارجين، لتستفحل حالة عدم الاستقرار المالي وارتفاع مستويات التضخم، ويهبط خلال بضع سنوات عشرات الملايين تحت خط الفقر في إندونيسيا وتايلاند بالدرجة الأولى إلى جانب ماليزيا والفلبين وكوريا الجنوبية.
إضافة لذلك، عززت حالة عدم الاتفاق المزمنة في إطار منظمة التجارة العالمية التفكير بأطر بديلة، بعدما شكلت اجتماعاتها سلسلة تاريخية من الفشل في تحقيق نتائج تذكر. أصل المشكلة هو رفض عدد من البلدان النامية على رأسها الهند والصين والبرازيل وجنوب إفريقيا لفتح بلدانهم للصادرات الغربية من دون قيد أو شرط. ففي مقابل مطالبة الدول الغربية بالتخفيف من الإجراءات البيروقراطية والتقليل إلى أقصى حد من التعريفات الجمركية التي تفرضها البلدان النامية على الواردات، لا تستجيب هذه الدول على سبيل المثال لاحتجاجات الجنوب العالمي على الدعم الرسمي المقدم لمزارعي الدول الغربية، في إشارة غير مباشرة إلى أن هذه الأخيرة لا تستطيع ممارسة تجارة حرة أحادية الجانب مع بلدان الجنوب. بالطبع، الحديث يدور هنا عن عصر ما قبل ترامب الذي أوقف مساهمة بلاده المالية في منظمة التجارة العالمية، وليس من المستبعد أن ينسحب منها، فهي على أي حال لا تتناسب والأجندة الحمائية التي يتبناها.
يُضاف إلى ذلك الأزمة المالية العالمية 2008-2009 وما ولدته من ركود أثّر على الاقتصاد العالمي، وأبان لمختلف المكونات والفاعلين في المجتمع الدولي مدى خطورة الارتباط الوثيق بالاقتصاد الأميركي، الذي بات جزء معتبر منه قائمًا على رأس المال المالي غير المستقر بطبيعته.
هل نشهد انبثاق البديل؟
في ظل هذه الظروف، تأسست منظمة شانغهاي للتعاون عام 2001 ومجموعة بريكس بين عامي 2009 و2010، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية 2014، كمبادرات دبلوماسية وأطر مؤسسية عملت على تعميق العلاقات الاقتصادية (بالدرجة الأولى) بين أعضائها الذين هم جميعهم من العالم اللاغربي. وتتفوق دول بريكس في الوقت الحالي على مجموعة السبع في جميع المؤشرات الاقتصادية وبالتأكيد الجغرافية والديمغرافية.
إن اعتبار بريكس آخر نتاجات روح باندونغ التي خمدت لفترة من الزمن لا يعني إعادة تبنى المنظور الشكلي التحليلي ذاته الذي يعترف بوجود دولة، أو تحالف، أو منظمة تقف في وجه الغرب وسياسته الساعية دومًا للهيمنة. بل هناك ضرورة للنظر داخل البناءات الاجتماعية والاقتصادية لدول بريكس، ومدى الاستعداد المصلحي للطبقات الحاكمة فيها لتمتين العلاقات فيما بينها، وبالتالي درجة امتناعها عن انقلابها على بعضها مقابل تحصيل علاقة أفضل مع الغرب مقابل بعض الامتيازات الاقتصادية. على سبيل المثال، الهند ثاني أكبر اقتصاد في بريكس هي عضو في تحالف كواد الذي يضم كلًأ من اليابان وأستراليا والولايات المتحدة والذي يهدف إلى احتواء الصين اقتصاديًا وعسكريًا في جنوب وجنوب شرق آسيا. كما أن البرازيل شهدت وصول شخصية مثل جايير بولسونارو اليميني المتطرف المقرّب من واشنطن إلى سدة الحكم في الفترة 2019-2023، وهو أمر لا يصب في مصلحة إعلاء مفهوم التعاون الجنوبي الجنوبي. بعبارة أخرى، السؤال الذي كان وما زال ملحًا في فهم مجموعة بريكس -والمنظمات الرديفة- ليس إذا ما كانت حكومات هذه المجموعة اشتراكية أم رأسمالية، بل إذا ما كانت هذه الرأسماليات (اللاإمبريالية وهذه نقطة في غاية الأهمية) مستعدة للتكاتف في مرحلة مفصلية من اضطراب المركز الرأسمالي التي يعد ترامب من أبرز تجلياتها.
ختامًا، نجحت حقبة باندونغ بالاستناد على دول المنظومة الاشتراكية في تثبيت فكرة التحرر الوطني نظريًا وواقعيًا، فتحررت الغالبية العظمى من المجتمعات المستعمرة -باستثناء فلسطين- وبات لجزء معتبر منها صوت على الساحة الدولية. لكنها تعثرت، مع بعض الاستثناءات، في إنجاز التنمية الاقتصادية المتمحورة على الذات والتي يُفترض بها تأمين حياة كريمة لغالبية السكان، وتمكين الطبقات المنتجة اقتصاديًا، أي إعادة إنتاج قوة عملهم إلى مستوى أرفع وأكثر علمية وإنسانية. لكن أبرز هذه الاستثناءات اليوم هي الصين التي لم تتمكن من إنجاز جزء معتبر من المهمة سالفة الذكر فحسب، وإنما أصبحت رأس حربة العالم اللاغربي بأسره، وهو ما يبقي السؤال مفتوحًا حول إمكانية بلورة مشروع لتنمية هذا العالم.
-
الهوامش
[1] قبل باندونغ كان هناك محاولات لعقد اجتماعات تناقش التحديات التي تواجه الشعوب الآسيوية، منها مؤتمر العلاقات الآسيوية الذي عُقد في آذار 1947 في نيودلهي (كان ذلك قبل استقلال الهند بخمسة أشهر تقريبًا)، وحضر المؤتمر 28 وفدًا آسيويًا بصيغة حركات تحرر أو ممثلين رسميين عن دول، إلا أن المؤتمر اقتصر على القارة الآسيوية وتحديات الشعوب المستعمرة، ولم يُكتب له الاستمرار.
[2] الدول التي حضرت إلى المؤتمر هي: أفغانستان، ليبيريا، كمبوديا، ليبيا، جمهورية الصين الشعبية، نيبال، مصر، الفلبين، إثيوبيا، المملكة العربية السعودية، ساحل الذهب (غانا حاليًا)، السودان، إيران، سوريا، العراق، تايلاند، اليابان، تركيا، الأردن، لاوس، جمهورية فيتنام الديمقراطية، جمهورية فيتنام (قبل ضمها إلى سابقتها في تموز 1976)، لبنان، اليمن. وكان من المفترض أن تدعى جنوب إفريقيا إلى المؤتمر، إلا أنه جرى استبعادها بالنظر إلى سياسة الفصل العنصري التي كانت تتبعها.
[3] Walden Bello, The Long March from Bandung to the BRICS, Focus on the Global South, 13\3\2025, accessed on 10\4\2025
[4] صدرت غالبية الأبحاث والتقارير التي بحثت الإبادة في إندونيسيا، خلال العقدين الماضيين، أي بعد توفر بعض الوثائق الأرشيفية، لكن العامل الأهم الذي ساهم في إعادة البحث في هذا الحدث المظلم هو الانهزام الأيدولوجي للفكر الاشتراكي إبان انهيار الكتلة الشرقية مطلع التسعينيات، وانحسار الخطاب الأممي الطبقي المحرض على الثورة في العالم أجمع، وبالتالي لن تكون هناك ارتدادات قوية على الرأي العام المحلي والعالمي.
[5] وقعت عشرات الانقلابات والمحاولات الانقلابية العسكرية في أميركا اللاتينية في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، والتي كان الهدف منها إيصال حلفاء واشنطن إلى سدة الحكم.
[6] لم تنجح صدمة نكسون في آب 1971 في معالجة العجز في ميزان المدفوعات الأميركي، ففك ارتباط الدولار بالذهب وفرض تعريفات جمركية بنسبة 10% وما ترافق معه وتبعه من فوضى في سوق أسعار الصرف، أدخل الحلفاء الأوروبيين واليابان في حالة من الاضطراب ودفعهم للسعي إلى إيجاد حل لهذا الوضع المستجد. وهنا عُقدت اتفاقية صيموثونيان في كانون الأول 1971، والتي قضت بإلغاء الضريبة الأميركية الأخيرة على الواردات وتخفيض سعر الدولار بنسبة 7.9% مقابل الذهب لعل ذلك يساعد السلع الأميركية في تحسين موقعها التنافسي في السوق العالمية وبالتالي التخفيف من العجز في ميزان المدفوعات، أي عودة نسبة معينة من الدولارات إلى الولايات المتحدة. إلا أن هذا لم يحدث، لأن أسعار الفائدة في الدول الأوروبية كانت أعلى من مثيلتها الأميركية، أي أن العائد على ملكية هذه الدولارات في أوروبا أعلى. في ظل هذا الوضع انهارت الاتفاقية المذكورة في شباط 1973، حيث قامت السلطات الأميركية بإعادة فرض تعرفة جمركية بنسبة 10% على الواردات. رمزي زكي، التاريخ النقدي للتخلف: دراسة أثر النظام النقدي الدولي على التكون التاريخي للتخلف في العالم الثالث، سلسلة عالم المعرفة 118 (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1989)، ص 215- 220.
[7] الانطلاقة الفعلية لمجموعة السبع كانت في أواخر آذار 1973 عندما اجتمع وزراء المالية لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا الغربية في البيت الأبيض لإجراء مباحثات حول سبل الخروج من الركود الاقتصادي الذي ضرب العالم الرأسمالي، ثم التحقت اليابان إيطاليا وكندا بالمجموعة على التوالي.
كان الاسم الأصلي للمنتدى الاقتصادي العالمي عند تأسيسه «منتدى الإدارة الأوروبي»، قبل أن يكتسب اسمه الحالي عام 1987.
[8] بلغ حجم ديون البلدان النامية في عام 2023 أكثر من 11 تريليون دولار.
رمزي زكي، فكر الأزمة: دراسة في أزمة علم الاقتصاد الرأسمالي والفكر التنموي الغربي، (القاهرة: مطبوعات مكتبة مدبولي، 1987)، ص 160 – 175.[9] المصدر السابق.
[10] حتى أن منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) التي تأسست كاحتجاج على اتفاقيات الامتياز المجحفة التي كانت ممنوحة لتكتلات شركات النفط الغربية وعلى تبخيس أسعار النفط من قبل الجهات المستوردة، جرى تجريدها بدرجة كبيرة من قدرتها على تحديد الأسعار منذ عقد الثمانينيات الذي شهد دخول البترول كسلعة رفقة العديد من السلع الأولية والمواد الخام إلى الأسواق المالية واتفاقيات البيع الآجل التي فتحت المجال للمضاربين على أسعار هذه السلع بغية تحقيق الربح بعيدًا عن العملية الإنتاجية برمتها.
[11] و. م. مالياروف، البنية الاجتماعية الاقتصادية الكولونيالية وتحولها الرأسمالي، ترجمة عارف دليلة، (بيروت: دار الفارابي، 1980)، ص 18-19.
[12] سمير أمين، بعض قضايا للمستقبل: تأملات حول تحديات العالم المعاصر، (بيروت: دار الفارابي، 1990)، ص22- 28
[13] هانس بيتر مارتين وهارالد شومَان، فخ العولمة: الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية، ترجمة عدنان عباس علي، سلسلة عالم المعرفة 238، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1998)، ص 259 – 262.
إن الدول التي انهارت اقتصادياتها خلال الأزمة هي ذاتها التي أسست رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في 1967، المنظمة التي كانت ألعوبة بيد واشنطن وموجهة لحصار وإدانة دول فيتنام ولاوس وكومبوديا إبان الحرب على الهند الصينية وما تلاها قبل أن تنتسب هذه الدول الثلاث إلى المنظمة خلال التسعينيات، وتعتبر رابطة آسيان حاليًا الشريك التجاري الأكبر بالنسبة للصين.