احتجاجات النقب

القانون والتخطيط العمراني: عن مصادرة «إسرائيل» فضاء النقب وتهويده

فلسطينيون يواجهون قوات الاحتلال، أثناء احتجاجهم على مشروع تشجير تابع للصندوق القومي اليهودي، بتاريخ 12 كانون الثاني 2022. تصوير أورين زيف. المصدر: ActiveStills.

القانون والتخطيط العمراني: عن مصادرة «إسرائيل» فضاء النقب وتهويده

الإثنين 21 آذار 2022

يقدم تاريخ الاستعمار الصهيوني لجنوب فلسطين نموذجًا لتوظيف الآليات القانونية والمعمارية لفرض أنظمة جديدة من السيادة على الأرض، وكسر الأنماط القائمة للملكية والاستخدام والعلاقات الاجتماعية-الاقتصادية. فقد استخدم الصهاينة، ومن قبلهم البريطانيون، القانون والتخطيط العمراني للتحكم بالفضاء في فلسطين، وبشكل خاص في النقب وبئر السبع.

عرّف هنري لوفيفر الفضاء على أنه نتاج ومنتج للنشاط الاجتماعي، وبناءً على ذلك يقتضي أن نفهمه على أنه عنصر هام في عملية تشكيل وتحويل العلاقات الاجتماعية للسلطة.[1] لذلك «فالقدرة على بناء الفضاء هي مصدر للسلطة لا يستهان به، سواء من جانب الجماعات المسيطرة أو التابعة».[2] من جهة أخرى، فإن تخيل الجغرافيا -بحسب إدوارد سعيد- هي عملية أيديولوجية تبادر بها مجموعات تسعى للحصول على الأرض وتعيد اختراع معانٍ للمشهدية التي تشتهيها، وتصوغ جدالًا يبرر أحقيتها بالسيادة على هذه المشهدية التي تعيد هذه الجماعات اختراعها خطابيًا.[3] 

إن تتبع عملية الاستيلاء على جنوب فلسطين عبر هذه الأدوات، مؤسس لفهم تاريخ استعمار هذه المنطقة، وصولًا إلى مرتكزات الصراع الحالي فيها.

لمحة تاريخية عن النقب وبئر السبع

يبلغ عدد قبائل بئر السبع والنقب، بحسب المؤرخ الفلسطيني الكبير عارف العارف، والذي كان قائم مقام بئر السبع أثناء فترة الانتداب البريطاني، 95 عشيرة بدوية مقسمة إلى سبع قبائل هي: الترابين والتياها والجبارات والعزازمة والحناجرة والسعيدين والأحوات. وكانت أغلبها تمكث بحسب العارف، في الجزء الشمالي والغربي من قضاء بئر السبع، وتربطها علاقات تاريخية بقبائل سيناء وشرق الأردن.[4] ويعتبر معدل سقوط الأمطار في منطقة بئر السبع صالحًا لزراعة الشعير في الشمال الغربي والقمح في الشمال، ولذلك اعتبر القضاء سلة الخبز بالنسبة لفلسطين.[5] 

أجرى كتشنر وهَلْ في سنة 1883 مسحًا لوادي عربة وجنوب فلسطين، وساعد نيوكمب لورنس العرب بمسح «النقب» من غزة إلى العقبة في سنة 1914. كما قامت بعثات مساحية مصرية تحت إدارة إنجليزية في نهاية القرن التاسع عشر بمسح شبه جزيرة سيناء، الأمر الذي أدى في سنة 1906 إلى تحديد «الخط الإداري الفاصل» بين فلسطين ومصر، وهو يمتد بين أم رشرش وطابا على خليج العقبة، إلى رفح على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.[6] 

وقد أصدر صندوق استكشاف فلسطين، وهي البعثة التي أرسلها الإنجليز في 1881 إلى فلسطين، وبعد سنوات من العمل، 26 خريطة مفصلة من ضمنها خريطة لبئر السبع والنقب تبين أسماء القبائل البدوية وأماكن انتشارها بالتفصيل.[7]

ولمّا كانت عشائر فلسطين ممتدة شرقًا نحو الأردن وغربًا نحو سيناء وذلك لطبيعة القربى والجوار والعلاقات، فقد تسبب الحد الإداري لسنة 1906 بفصل العشائر بعضها عن بعض، وأيضًا عن حقولها ومراعيها وموارد مياهها، فثارت على لجنة الحدود المصرية، وتم تعديل الاتفاقية بحيث يُسمح للأهالي بعبور الحد الإداري في أي اتجاه بكل حرية، لكن لم يسمح للجنود الأتراك حاملي السلاح بعبور الخط نحو مصر. أمّا حد قضاء بئر السبع الشرقي، وهو وادي عربة، فبقي مفتوحًا إلى درجة كبيرة خلال عهد الانتداب بأكمله.[8] 

أحكمت الدولة العثمانية سيطرتها على المنطقة حوالي عام 1900، واشترت 2000 دونم من عشيرة العزازمة. وخططت لبناء مدينة بئر السبع مع السرايا والمدارس ومحكمة العشائر والمحكمة الشرعية والبريد والقائم مقام والسوق والمحال التجارية إلخ. تدل عملية الشراء التي جرت مع العزازمة على وجود ملكية لهذه القبائل على هذه المنطقة، الأمر الذي يؤكده اللورد أكسفورد، حاكم قضاء بئر السبع، حول ملكية العزازمة لهذه الأراضي.[9] ورغم الازدواجيّة في قوانين الأراضي العثمانيّة ومشكلة تطبيقها، إلا أنّ هناك أدلّة قاطعة من الأرشيفات البريطانيّة تُبيّن أنّ عددًا لا يُستهان به من بدو بئر السبع سجّلوا أراضيهم في الطابو، وقاموا كذلك بدفع الضرائب على نحوٍ منتظم للحكومة العثمانيّة. ويشير تقرير أرشيفي عثماني من عام 1907، أنّ بدو بئر السبع دفعوا في الأعوام 1906 و1907 ضريبة العُشر على أراضيهم ومواشيهم، قُدّرت بـ30 ألف ليرة تركيّة.[10]

امرأة تنقل الماء من بئر قرب بئر السبع، قرابة 1920. المصدر: أرشيف مكتبة الكونغرس.

خاض الإنجليز، بقيادة الجنرال ألنبي، والأتراك معارك ضارية من أجل الاستيلاء على جنوب فلسطين، وتكبدوا خسائر فادحة في غزة، التي لم يتمكنوا من احتلالها إلا بعد ثلاث محاولات، فبات الوصول إلى بئر السبع أكثر سهولة، وقد احتلها الجنرال جون شيه مساء 31 تشرين الأول 1917. وأرسل ألنبي برقية إلى لندن يقول فيها إن بئر السبع قد سقطت وستكون القدس هدية عيد الميلاد. ليقوم بلفور على الفور بإصدار إعلانه في الثاني من تشرين الثاني، 1917.[11] وأكمل الإنجليز مشوارهم الدامي من الجنوب إلى باقي أجزاء فلسطين.

واعترفت حكومة الانتداب بملكية الأهالي لأراضيهم. ففي 29 آذار 1921 التقى ونستون تشرشل، وزير المستعمرات البريطاني، شيوخ بئر السبع، بحضور هربرت صامويل، أول مندوب سامٍ بريطاني صهيوني، وأكد لهم اعتراف الحكومة بملكيتهم للأراضي بحسب العرف والعادة، وطلب منهم تسجيل أراضيهم وأعفاهم من رسوم التسجيل، لكنهم لم يروا ضرورة لذلك. وفي عهد الانتداب، دفع الأهالي ضريبة العُشر على أراضيهم، وحكمت محاكم الانتداب بصحة انتقال الملكية في حالات البيع والشراء والإرث.[12] 

قدّر تعداد القبائل البدوية الفلسطينية عام 1914، في نهاية الحكم العثماني، بـ55 ألف نسمة، وإبان الانتداب البريطاني، وبحسب الوثائق الأرشيفية عام 1922، وصل التعداد 71115 نسمة، كما بلغ هذا التعداد 90 ألف نسمة قبيل عام 1948. وقد قطنت هذه القبائل البدوية، بحسب سي إس جارفيس، حاكم سيناء البريطاني، أحد أهم الأماكن الاستراتيجية في الشرق الأوسط. والنقب بالنسبة له كان أحد أهم الطرق التجارية، من حيث إنه يحد البحر الأحمر ومصر وسوريا، ومدينة بئر السبع تقع عند ملتقى طرق تجارية عدة (طريق العقبة غزة، وطريق الخليل العقبة)، ويجب ألا ننسى كيف برزت أهمية النقب الاستراتيجية أثناء مناقشات قرار التقسيم عام 1947 وما قبل ذلك في قرار لجنة بيل عام 1937. لم يتبق من بدو المنطقة بعد النزوح والتهجير إلا 10%، أي ما لا يتعدى 13 ألف نسمة من أصل 90 ألفًا.[13]

بئر السبع، قرابة عام 1950. المصدر: أرشيف مكتبة الكونغرس.

وبحسب سلمان أبو ستة، قسم الانتداب البريطاني فلسطين إلى ألوية، والألوية إلى 16 قضاء، وكل قضاء إلى مدن وقرى وأراضٍ تابعة له. فأصبحت بلاد غزة تعرف باللواء الجنوبي المقسم إلى قضائين: قضاء غزة ويشمل القرى الساحلية الجنوبية ومساحته مليون و113 ألف دونم، وقضاء بئر السبع ومساحته 12 مليون و577 ألف دونم، أي ما يساوي تقريبًا أكثر من نصف مساحة فلسطين. امتد قضاء بئر السبع في التقسيم البريطاني من الفالوجة شمالًا وغزة غربًا والخليل شرقًا، إلى أم الرشراش على خليج العقبة جنوبًا.[14] 

عمد الاستعمار البريطاني إلى أسلوب جديد في التعامل مع البدو، وحكمهم بطريقة غير مباشرة، من خلال تقوية مركز المشايخ وتوليتهم مناصب مرموقة في الدولة. وانخرط الكثير من عرب النقب في الشرطة والهجانة. وترك الإنجليز لهم محاكمهم العشائرية للبتّ في قضايا الدم والأرض والصراعات الداخلية فيما بينهم. وقاموا كذلك بتقوية الروابط والعلاقات القضائية الرسمية بين بدو سيناء وشرق الأردن، مما ساعد الإنجليز على حل الكثير من المشاكل المستعصية على حكومة الانتداب البريطانية.

سقطت بئر السبع في يد الصهاينة في معركة حاسمة في 21 كانون الثاني 1948، أي بعد 31 عامًا من سقوطها في يد الجنرال البريطاني ألنبي، ليسقط باقي القضاء الشمالي في الأشهر التالية، وخلافًا لاتفاقية الهدنة الموقعة مع مصر،[15] تابعت القوات الصهيونية لاحتلال النقب جنوبي بئر السبع، ووصلت إلى خليج العقبة لترفع العلم «الإسرائيلي» على أم الرشراش، وهي آخر نقطة فلسطينية.[16] 

صادرت «إسرائيل» أكثر من 90% من من الأراضي التاريخية للبدو الفلسطينيين. ويعيش في النقب حاليًا حوالي 150 ألفًا من البدو الفلسطينيين وهم أحفاد البدو الرحل الذين ترحلوا في المنطقة منذ فجر التاريخ بحثًا عن الكلأ والماء. وبحلول عام 1948 كانوا قد توطنوا وباتوا رعيانًا ومزارعين. وقد امتلكت العشائر البدوية مجتمعةً قرابة مليوني دونم من الأرض. وطرد من البدو حوالي 84 ألفًا من قراهم عام النكبة، وبحلول عام 1953 لم يتبق منهم سوى 11 ألفًا فقط. وتمت إزاحة 11 من أصل 19 عشيرة من المتبقين في النقب من مناطقهم التقليدية، وجرى تسفيرهم ونقلهم إلى معازل شمال شرقي النقب، في منطقة تدعى السياج.[17] أما العشائر الثمانية المتبقية فقد كانت تعيش أصلًا ضمن السياج. وتشمل منطقة السياج 386 ميلًا مربعًا، وتتضمن حوالي 10% من أراضي البدو الأصلية. وقد منع البدو من الحركة والتنقل مع ماشيتهم وزراعة أرضهم إبان الحكم العسكري، ما بين الأعوام 1948 و1966، ليجبروا على نمط جديد من العيش أنهى أسلوب حياتهم التقليدي. وقد أعلنت كافة الأراضي خارج السياج، وأكثر من نصف الأراضي داخله، أراضي دولة ومحمية للاستخدام الحصري لليهود.[18]

وهكذا أفرغت «إسرائيل» قضاء بئر السبع من أهله وأصبحوا لاجئين، باستثناء قلة من المتبقين. وبحسب سلمان أبو ستة بلغ عدد أهالي قضاء بئر السبع ما يقارب المليون نسمة عام 2008. وبلغ عدد اللاجئين منهم عام 2008، 795 ألفًا، منهم 380 ألفًا في الأردن، و375 ألفًا في غزة، و40 ألفًا في الضفة.[19] 

وقد تعرضت بئر السبع للعديد من المجازر، يذكر منها تلك التي ارتكبتها القوات الصهيونية عند دخولها المدينة، حيث تكومت الجثث فوق بعضها البعض، ونقل الناجون من المجزرة في شاحنات ألقت بهم على حدود غزة. وأما عرب العزازمة فقد طاردتهم الوحدة 101 بقيادة أرئيل شارون، على مدار عدة سنوات، وقتلتهم وطردتهم إلى مصر.[20] 

القانون كأداة لتهويد الفضاء الفلسطيني

بدأت دولة «إسرائيل» المقامة على 78% من أرض فلسطين التاريخية بإرساء عملية قانونية للاستحواذ على الأراضي التي تم تشريد سكانها الفلسطينيين وإلحاقها بالمستوطنات اليهودية. فابتُدع ما يسمى بقانون أملاك الغائبين، الذي حول الأراضي والأملاك الخاصة بالفلسطينيين قبل النكبة إلى الدولة. كما استهدفت الدولة الأراضي التابعة للقرى الفلسطينية التي بقيت داخل دولة «إسرائيل»، تحت ذريعة عدم زراعة 50% من مساحة الأرض، وبالتالي عدم وجود ملاك لها، وذلك بالاستناد إلى القانون العثماني الذي سنّه الأتراك عام 1858، الذي جاء كجزء من التنظيمات التي طالت جميع مرافق الدولة العثمانية، والذي نص على تقسيم الأراضي إلى خمسة أنواع: الملك، والميري، والوقف، والمتروكة، والموات،[21] وقد أبقى الانتداب البريطاني على القانون ولكن بتحويره بطريقة تخدم الأهداف الصهيونية.

وكان القانون يبيح للمزارعين الفلسطينيين استملاك الأرض التي يزرعونها مع حق الولاة العثمانيين باستيفاء الضرائب عنها. وبهذا استخدمت «إسرائيل» أداة قانونية لخلق أراض عامة للمستوطنات اليهودية، حتى وإن كانت هذه الأراضي تزرع من قبل الفلسطينيين، متذرعة بأنها أقل من 50% من المساحة المفترضة. وقد تم بناء ما يربو على 700 مستوطنة يهودية جديدة بهذه الطريقة.[22] كما خضعت الأراضي في فلسطين لإعادة تصنيف متكرر، بحيث اعتبرت بداية «أراض مهجورة» ثم صنفت «أراضي غائبين» وأخيرًا «أراضي إسرائيل».[23] وقد «تبنت الحكومة الإسرائيلية ما يربو على الثلاثين قانونًا، من بينها قانون الغائبين (ويعني اللاجئين الفلسطينيين)، وقانون الملكية وأنظمة الدفاع والطوارئ، للسيطرة على، وتقليص، ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وتخصيصها لليهود»،[24] فتمت مصادرة 14,397 دونم بمقتضى قانون أملاك الغائبين، والذي عَرَّف الغائب على أنه شخص كان مواطنًا للدول العربية المجاورة في الفترة الواقعة ما بين 29 تشرين الثاني 1947 و19 أيار 1948، أو كان فقط متواجدًا في هذه البلدان أو خارج «أرض إسرائيل».

بدو قرب بئر في جنوب فلسطين، قرابة عام 1950. المصدر: أرشيف مكتبة الكونغرس.

وهكذا اعتبر كل من فر إلى غزة والقدس، أو ما أصبح يسمى بالضفة الغربية، وحتى العائلات التي عادت إلى منازلها عام 1950، من الغائبين، تحت ذرائع شتى، وانتقلت أملاك الأراضي إلى حارس أملاك الغائبين، ولاحقًا إلى «عميدار»، وهي ذراع منظمة «أرض إسرائيل»؛ المؤسسة الصهيونية شبه الحكومية التي تعمل على منح اليهود الأراضي والمنازل، والتي كانت الوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي مالكا أسهمها الرئيسيين.

وقد خلقت هذه القوانين مؤسسات لها سلطات الاستيلاء على الأرض وتخصيصها بناءً على الهوية الدينية، لتسهيل نقل الملكية من ملكية عربية إلى يهودية. وبهذا باتت 93% من الأراضي في «إسرائيل» تعتبر «أراضي إسرائيل». وتجري عملية نقل الأراضي من العرب إلى الدولة بشتى الطرق، ومن بينها مصادرة أراضي اللاجئين، واعتبار الأراضي موات أو غير مستصلحة كما حصل في أراضي النقب، ونقل أراضٍ قروية جماعية للدولة، وإغلاق أراضٍ للاستعمالات الأمنية، وإقامة المستوطنات لليهود فقط على هذه الأراضي، وتصنيف أراضي الدولة كأراضٍ للشعب اليهودي وحظر بيعها، كل هذا بقرارات أحادية الجانب ليس للعرب أي طرف فيها.

لذلك تعتبر أخطر سمات مصادرة الأرض في النقب بعد الموجة الأولى من الطرد أنها كانت وما تزال تدار عبر القنوات القانونية، وهي بالتالي طريقة مقبولة وحديثة بحسب أورين يفتاحئيل، وخاصة لتطهير الفضاء في النقب.[25] وقد جعل قانون نقل الملكية عام 1950، من الحكومة وصيًا حارسًا على أملاك الغائبين. ومن ثم في ظلّ قانون حيازة الأرض عام 1953، والذي جرى تمثله على غرار قانون التنظيمات العثماني لعام 1858، والذي لم يعترف رسميًا بحيازة البدو للأرض، قامت «إسرائيل» بمصادرة 93% من أراضي النقب. وما زال هذا يجري بعد إنشاء دولة «إسرائيل»، وأصبح وسيلة نافذة لمصادرة الأرض. ولم تقدم أية تعويضات لمن صودرت أرضهم لكونها مطلوبة لاحتياجات تطوير إيجابية.[26]

اعتبر البدو بالنسبة للسياسة الحكومية الرسمية غزاة ومجرمين، بناءً على أقوال أفيغدور ليبرمان (المهاجر من الاتحاد السوفييتي السابق)، عندما كان وزيرًا للبنية التحتية عام 2002. ويعتبر الخطاب السائد في «إسرائيل» أن بدو النقب ليس لديهم حق في أراضي الدولة، رغم وضعهم كمواطنين إسرائيليين، لأن أراضي الدولة هي في واقع الأمر أراضٍ يهودية. بذلك، اختزل البدو إلى وضعية غير شرعية ومجردة من الإنسانية. فبعد مضي أكثر من نصف قرن على وجودهم كمواطنين إسرائيليين، ما زالوا غزاة غير شرعيين ومصدر تهديد للرؤية الصهيونية.[27] 

شارع رئيسي في بئر السبع قرابة عام 1950. المصدر: أرشيف مكتبة الكونغرس.

لم تسوى أكثر من 95% من مطالبات البدو التي تغطي نحو 800 ألف دونم، نصفها في أراضٍ توطن فيها اليهود. وقد وصلت التسوية بين الدولة وبدو النقب إلى 30 ألف دونم فقط. حيث لا يعكس هذا الرقم الضئيل الخطى البطيئة للنظام القضائي الإسرائيلي فحسب، بل استمرارية مقاومة عرب النقب إلى مرحلة تالية في تطور سياسات الدولة، التي تسعى لربط تسوية النزاعات حول الأرض بتمدين وإعادة موضعة البدو.[28] لذلك، فإن المشكلة الأساسية التي تواجه عرب النقب هي ملكية الأرض التي لا تعترف بها الحكومة الإسرائيلية، وتصفهم بالمقيمين غير الشرعيين عليها، لعدم وجود أوراق طابو تثبت تلك الملكية. ويتوزع فلسطينيو النقب على سبعة تجمعات معترف بها، هي رهط وتل السبع وعرعرة واللقية وشقيب السلام وحورة وكسيفة، بينما يعيش آخرون في 45 قرية غير معترف بها، وتفتقر لأبسط الخدمات اليومية الحياتية.[29] وقد حرمت الخسارة الكاملة للأرض البدو العرب بكليتهم من وسائل الإنتاج، ومصادرهم المادية واستقلالهم الاقتصادي. إذ حرموا من وسائل معيشتهم التقليدية المتمثلة في الرعي والزراعة، إلا ضمن شروط مشددة موجهة لاستمالة بعضهم وليس لاستقلاليتهم الاقتصادية. فمصادرة الأرض أفقرتهم بشدة، وما تزال مستمرة حتى الساعة.

التخطيط العمراني كأداة استعمارية

إن العمليات العمرانية والديناميات الحيزية لا تتم في فراغ، بل هي الواقع الملموس الذي يشكل ويتشكل من خلاله الخطاب السياسي الأوسع.[30] حيث يشير أنثوني كنج فيما يتعلق بتخطيط المدن، أن المستوطنات الكولونيالية هي على الأرجح مواقع لتجارب أحدث الأفكار في تخطيط المدن، وقد «اعتبرت المستوطنات في بعض الأماكن كحقول عذراء تتحقق عليها الأحلام الإمبراطورية لحرفة مخططي العمارة».[31] وكباقي الممارسات الكولونيالية، تم تبرير عملية التخطيط على أنها أكثر حضارية من استخدام السكان الأصليين للفضاء. ولم يقدم التشويه العمراني على أنه فعل عدوان وتعدٍ، بل تعبير عن الحداثة، وتم بالتالي، استخدام التأويل الحداثي للمدينة وقاطنيها كأساس معنوي وأخلاقي لجعلهم خاضعين للمراقبة والسيطرة.[32] ويعتبر تهويد النقب التوسع الأكبر للدولة الصهيونية حتى الآن. ولا ننسى ما قاله بن غوريون: «في النقب يمتحن الشعب الإسرائيلي ودولته».

كما يعتبر تهويد النقب أمرًا حيويًا لاستمرار وجود الهوية العنصرية، عبر خلق قاعدة صناعية وزراعية وسياحية تستوعب مئات الآلاف من المهاجرين اليهود الجدد القادمين من أقاصي المعمورة. ذلك أن النقب يمثل خزانًا هائلًا يتيح للدولة الصهيونية العنصرية أن تتنفس وتنتعش على أنقاض العرب الفلسطينيين القاطنين فيه منذ آلاف السنين.

وقد بشر أرئيل شارون عندما تولى رئاسة الحكومة عام 2001، بأنه سيتولى أمر عرب النقب شخصيًا، وتوالت منذ ذلك الحين مخططات وإجراءات طردهم من أراضيهم. وقد جرى هدم 133 منزلًا عربيًا في النقب عام 2003، وهدم 150 مبنى بما فيها أماكن للعبادة في 2004، وأما في عام 2005 فتجاوز الهدم 220 منزلًا ومبنى، وكل ذلك بالاستناد إلى قانون «طرد الغزاة» بحسب حسن مواسي، الذي يستخدم ضدّ عرب النقب ممن لا يملكون أوراق طابو تثبت ملكيتهم لأراضيهم. وقد أقر الكنيست في قراءة أولية في 24 حزيران 2013 ما بات يعرف بمخطط أو «قانون برافر»، نسبة إلى إيهود برافر، مستشار التخطيط في ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية، الذي أوصى من خلال هذا القانون بتهجير سكان القرى البدوية وتجميعهم في بلدات التركيز، وأوكلت المهمة هذه إلى لجنة برافر. بيد أن الحكومة الإسرائيلية قامت بسحب المشروع من الكنيست في كانون الأول 2013، بعد مواجهات عنيفة مع سكان النقب، فضلًا عن الجليل والمثلث والمدن المختلطة التي هبت لمساندة أهالي النقب. ويهدف مخطط برافر التهجيري إلى اقتلاع ما يزيد عن 35 قرية في النقب، وترحيل أكثر من 70 ألفًا من أهاليها، ومصادرة ما يزيد عن 800 ألف دونم من أراضيهم.[33]

 قرب بئر السبع، حوالي عام 1950. المصدر: أرشيف مكتبة الكونغرس.

وإذا ما عدنا إلى نظام التخطيط الحيزي الوطني في «إسرائيل»، نجد أنه أداة التطوير الحيزي الرئيسة، حيث يخصص الأراضي التي يمكن للسلطات المحلية والمناطقية والوطنية أن تطور داخلها المشاريع الاجتماعية-الاقتصادية والبيئية، إلى جانب الفضاءات المفتوحة. «ويشير مصطلح التخطيط الحيزي في «إسرائيل»، إلى تخصيص وإدارة واستخدام الأرض في عمليات التخطيط. فنظام التخطيط الحيزي الإسرائيلي الذي يرشد عملية تخصيص الأرض لـ«التطوير» العمراني، الحضري والريفي، يعمل في ظل إطار مركزي (التوجه من الأعلى إلى الأسفل)، أي أن الطبقة العليا وهي اللجنة القومية، تلزم الطبقات الأدنى، وهي اللجان المناطقية والمحلية. وبدون مثل هذه المخططات لا يمكن إجازة البناء، أو توفير خدمات الدولة مثل الكهرباء والماء والهاتف».[34] وكما يشير سنان عبد القادر في مقاله «العمارة والحيز الثالث وما بينهما»، فإن السلطة المركزية في «إسرائيل» تقوم بتنفيذ خططها الإستراتيجية عبر المخطّطات القطرية واللوائية والمحلّية. «نتيجة لهذا المبنى المركزي الهرمي لتخطيط الحيز، والذي يتم من خلال التخطيط الرسمي، فإن سكان المدن يبقون بدون تأثير في تشكيل حيزهم وأحيائهم».[35] ويضيف بأنه لا تتوافر أمام «الفئات المهمشة أي إمكانية أو قدرة سياسية للمشاركة في صنع القرار، إلا بشكل اعتراضات رسمية على المخططات المقدمة لمختلف الدوائر الحكومية في أجهزة الدولة، المبنى المؤسسي الدستوري والعرقي السياسي لدولة «إسرائيل»».[36] 

يعتبر التخطيط الحيزي الفضائي في «إسرائيل» لبّ برنامج المستوطنات الحضرية، والمبني على الطبيعة الأيديولوجية للتخطيط الحيزي وتوزيع السكان اليهود في كافة أنحاء الأرض، والذي ما يزال أحد أهم أهداف التخطيط القومي في «إسرائيل».

لقد مثلت المستوطنات البدوية المنتشرة على نطاق واسع، والاستخدام المكثف للأرض حتى داخل المناطق المحظورة، فضلًا عن مطالبات البدو بملكية الأرض، عائقًا أمام الاحتلال الصهيوني الذي يسعى لزراعة المناطق الصحراوية «الحدودية»، مما حدا بالدولة الصهيونية إلى العمل على إزاحتهم عن الأرض وتوطينهم في بلدات مكتظة لتقليص مطالباتهم بالأرض وبعث نشاطات استيطانية تلقائية، لتدمير أسلوب الحياة التقليدية تدميرًا كليًا.

وعلى مستوى آخر، فقد استدعى الاقتصاد الاسرائيلي المتنامي سريعًا عددًا متزايدًا من القوى العاملة، فباتت القوة العاملة البدوية غير المؤهلة والتي خسرت مواردها المعيشية التقليدية في البلدات الحضرية، تشكل عمالة رخيصة في تطوير الاقتصاد والصناعة في البلدات اليهودية في النقب.

أما العوامل الثقافية التي نفرت البدو من المستوطنات الحضرية بحسب لو-إيفون، فهي كون تلك المستوطنات قد استبدلت بهرميات الفضاء المبنية على الهيكلية العشائرية الاجتماعية، أبنية متكررة بحجم وشكل واتجاه موحد. كما استبدلت بتدرجات القرب والإحاطة والانفتاح في الصحراء، المنطق الفضائي الحيزي للشكل الحضري الأوروبي. فتم تطعيم مجتمع له عاداته وتقاليده بتعريفات جديدة وغريبة للميادين الخاصة والعامة.[37] 

العمارة والتقسيم وإعاقة الحركة

يعيش في النقب قرابة 200 ألف عربي فلسطيني في 15 بلدة، بينما يقيم ما يقارب 100 ألف في قرى أخرى تدعوها السلطات الإسرائيلية «غير شرعية»، بينما يتواجد بمحاذاتهم حوالي 360 ألف يهودي يحتلون 126 بلدة وقرية زراعية.

يناضل البدو لصد عملية التهويد الجارية لطردهم من قراهم وبلداتهم. وتجري خطة طريق النبيذ الإسرائيلية لربط مزارع إسرائيلية صغيرة صودرت من أهالي النقب الفلسطينيين ومنحت لأولئك المزارعين اليهود. وقد وافق الكنيست الإسرائيلي على المصادرات لإقامة 100 مزرعة يهودية على مساحة 80 دونمًا لكل عائلة. وقد جرت هذه الموافقات لمنع أصحاب الأرض من مقاضاتهم، أي أن الكنيست قد قام بشرعنة هذه السرقة. ومن الجدير بالذكر أن النقب يشكل حوالي 60% من فلسطين التاريخية، والخطة تتضمن عصر سكانه العرب في ثلاث مجموعات في ديمونة وعاراد وبئر السبع، وفي سبع قرى فقط بدلًا من 70 قرية، تعتبر 45 منها غير شرعية بحسب السلطات الإسرائيلية.

وبحسب الناشطة السبعاوية بدور آل عقبة من بلدة العراقيب، فإن المخططات الصهيونية الرامية لتهويد النقب بالكامل تشمل ترحيل أهالي مجموعة من القرى والتجمعات المحيطة بعدد من المدن والبلدات إلى داخلها، بحيث يتركز السكان في مدينة رهط وبلدات اللقية وحورة وكسيفة وعرعرة وتل السبع وسعوة وشقيب السلام وأبو تلول وقصر السر أو قرينات وبير هداج ورخمة. وفي المقابل، تتوسع مستوطنات كركور وحيران عمريت وعينيم وكدمات وكسيف وقبعات نبطيم ولقيت وغيرها، فضلًا عن استخدام التشجير من أجل اقتلاع قرى نقع بئر السبع والغرا وكرنب ووادي المشاش، بالإضافة إلى مدّ عدة طرق تفصل بين القرى والبلدات والتجمعات الفلسطينية.[38]

الطرق والفصل العنصري في التخطيط

استخدمت الطرق الشريانية الرئيسية كوسيلة للفصل والعزل والاستثمار اليهودي. حيث حولت «إسرائيل» عامدةً بنية النقل التحتية إلى ممتلكات تخلق التكوين المكاني المزدوج، عبر شبكات تمر كليةً عبر خطوط عنصرية. مما يعني إعادة تصميمها سياسيًا ورمزيًا كأدوات في المشروع الكولونيالي الإسرائيلي. حيث تم استخدام البنى التحتية لإعادة مفصلة الفضاء بطرق تخدم كمصدر لربط جماعة بعينها، ولكن كوسيلة لفك الارتباط والسيطرة على، والتحيز ضد جماعة أخرى.[39] وقد تم العمل على إنجاز نظام طرق يعكس دولة كولونيالية، ويقسم المناطق الفلسطينية إلى جيوب مقطعة الأوصال، كي يضمن ويفرض إقصاء وعزل الشعب المستعمر، سعيًا وراء الهدف النهائي المتمثل بمحو الوجود الفلسطيني من فلسطين. تركز بناء الطرق على ربط المستعمرات التي أنشأها الصندوق القومي اليهودي بالمناطق الرئيسية الأخرى، من أجل الاستثمار السريع والثقيل في هذه المناطق، للإيحاء بالتأصل اليهودي في أرضها. واستحوذ الصندوق القومي اليهودي بحلول عام 1948 على 975 ألف دونم في النقب، وأسس قرابة 35 مستعمرة متمركزة حوالي بئر السبع على وجه التحديد.[40] 

وبحسب الكاتب ياريف موهار، فإن مئات البلدات اليهودية ومعظم الكيبوتسات واليشوفيم مقامة على أراضي الدولة. و«إسرائيل» تؤجرهم إياها لأجيال وأجيال، وبأسعار رمزية جدًا. ولا تشطب الدولة وجودهم ولا تمنع عنهم الماء والكهرباء، فهذه السياسات محفوظة للعرب والبدو وحدهم. إذ ليس الهدف بناء بلدات لليهود بجانب البدو بل في مكانهم.[41]

بازار في بئر السبع، بين الأعوام 1920 و1946. المصدر: أرشيف مكتبة الكونغرس.

وتعتبر قرية العراقيب نموذجًا على إصرار الحكومة الإسرائيلية على تهجير فلسطينيي النقب، وتمسك أهل النقب بأراضيهم في الوقت عينه. تقع قرية العراقيب شمال مدينة بئر السبع في صحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة. وهي أكبر البلدات بعد بئر السبع، وواحدة من أصل 45 قرية عربية في النقب لا يعترف الكيان الصهيوني بها. ويقطن القرية 700 نسمة من عشائر الطوري والعقبي وأبو مديغم وأبو فريح وأبو زايد. وتعتبر الأغنام والمواشي مصدر رزقهم الوحيد.

تفتقر القرية إلى جميع الخدمات ويعيش أهلها في بيوت من الصفيح والخيام. هدمت العراقيب كاملة وجرفت في 2010، حيث جرى هدم 40 منزلًا وأجلي 300 من سكانها تحت ذريعة البناء بدون تراخيص. وأعيد بناء القرية مع تكرار الهدم 180 مرة ليعاد بناؤها من جديد. يشكل هذا الصمود المشرف لأهالي العراقيب أسطورة في تحدي سياسات التهويد والأمر الواقع.[42] أما ذريعة «إسرائيل» لهدم القرية فهي إقامة غابتين كبيرتين برعاية الصندوق القومي اليهودي. وقد تم رش محاصيل أهل القرية الزراعية عامي 2003 و2004 بمواد سامة تؤذي المحاصيل والمواشي والإنسان على حد سواء. ومن ثم أقرت المحكمة العليا عام 2007 بعدم قانونية هذا العمل، مما دفع بالدولة إلى جرف المحاصيل بدلًا من تسميمها. وشرعت ببناء الغابة على أرض القرية عام 2006 وافتتحت غابة السفير في الشق الجنوبي من العراقيب. كما بادر التلفزيون الكنسي الأنجليكاني بالتعاون مع الصندوق القومي اليهودي بزراعة ألف شجرة في الأراضي غربي القرية عام 2009. إلا أن المحكمة أصدرت أمرًا عام 2011 بالوقف المؤقت لعمل الصندوق القومي في غرس الأشجار، لكن القاضي رفض تمديد أمر المنع عام 2012. وما تزال عملية الغرس مستمرة حتى الآن، مترافقة مع عملية اقتلاع وهدم مستمرة. بينما لا تزال ملفات الالتماسات التي يقدمها أهالي القرى عالقة في المحاكم الإسرائيلية دون البتّ فيها.

خرائط وأشجار وأسماء

يضيف جاري فيلد أداةً ثالثة في عملية الاستحواذ على المشهدية الفلسطينية، ألا وهي رسم الخرائط، «فالخرائط والقانون والعمارة هي ثلاثة أدوات للاستيلاء والسيطرة على الأرض المشتهاة وإعادة تنظيمها».[43] حيث تستخدم الخرائط في رسم الحدود، وتعيين مناطق سيادة وسيطرة جديدة على المشهد؛ بينما يستخدم القانون للتصنيف والشرعنة؛ والعمارة للتقسيم وإعاقة الحركة.[44] 

كان الصندوق القومي اليهودي لاعبًا رئيسًا في استعمار فلسطين، من خلال شراء الأراضي الفلسطينية، وبناء المستوطنات على هذه الأراضي، وتأهيلها بمهاجرين يهود من أوروبا الشرقية على وجه الخصوص. وقد أوكل إلى الصندوق القومي اليهودي تخليد أسطورة فلسطين كأرض فارغة وقاحلة قبل وصول الصهيونية. أعدّ الصندوق القومي اليهودي عام 1948، وجهز الأرضية للنكبة الفلسطينية بملف القرى، وهو تعيين خرائطي لكل قرية فلسطينية بما يخدم المخططات الواقعية التي تهدف إلى قتل النخب الفلسطينية، وتخريب مصادر العيش، ومخزون المياه، والطرد الممنهج الكلي للفلسطينيين من وطنهم.[45] 

وإلى جانب كون الصندوق القومي اليهودي الذراع الضاربة فيما يخص استملاك الأراضي في فلسطين، فقد كان له دور في رسم الخرائط أيضًا، وذلك لتقديم تمثيل مختلف عن فلسطين إلى العالم، وإلى اليهود على وجه التحديد. فقُدمت فلسطين في هذه الخرائط على أنها «أرض إسرائيل»، وموقع للاستيطان الإسرائيلي في فضاءٍ خالٍ فيما عدا ذلك، صوِّر على الخرائط بالأبيض، دون الإشارة إلى الوجود العربي، أو حتى إلى الدول العربية المجاورة. وقد استخدم الصندوق القومي اليهودي إحدى هذه الخرائط على «العلبة الزرقاء»، (الحصالات المعدنية التي جرى عبرها جمع التبرعات للصندوق في أنحاء العالم) والتي كانت ترمز إلى جهود الصهيونية في شراء الأراضي، وتشجيع الاستيطان في فلسطين، والتي قدمت رسالةً واضحةً عن فلسطين وسكانها على أنها أرض يهودية، عبر محو الفلسطيني، وجعله مغيبًا عن الأرض التي يقيم عليها.[46]

إن العمليات العمرانية والديناميات الحيزية لا تتم في فراغ، بل هي الواقع الملموس الذي يشكل ويتشكل من خلاله الخطاب السياسي الأوسع.

كما كان للصندوق القومي وما زال دور في عملية التشجير الحرجي، التي جرت وما زالت تجري في فلسطين، على أنقاض القرى الفلسطينية، حيث يتفاخر الصندوق القومي اليهودي على موقعه، بأنه قد «زرع 240 مليون شجرة في «إسرائيل» (..) ولكن ما لم يجر ذكره أن تلك الأشجار هي الصنوبر الأوروبي، سريع النمو، والذي يفيد في إخفاء أنقاض المنازل والقرى الفلسطينية التي ترزح تحت هذا الخضار الدائم، وأن الصندوق قد أتلف أنواعًا أصيلة، لإفساح المجال أمام هذا الصنوبر».[47] وفي هذا السياق يسلط الان بابيه الضوء على الدور المركزي للمتنزهات القومية الإسرائيلية قائلًا: «لقد حلّت الغابات الصنوبرية المستوردة من أوروبا محل أشجار الزيتون واللوز والتين الفلسطيني الأصيل، لتمحو ذكرى النكبة. ذلك أن المتنزهات المبنية فوق القرى الفلسطينية المدمَّرة، والتي تم تطهير سكانها عرقيًا، وباتوا يقيمون حاليًا في مخيمات اللاجئين، أو في الشتات، قد استبدلت مواقع الجرح والذكرى الفلسطينية، بفضاءات إسرائيلية مناسبة بيئيًا للهو والاستمتاع»[48] وهذا ما يجري بالضبط في قرى النقب.

من جهة أخرى، فإن أسماء الأماكن جزء لا يتجزأ من المشهد الطبيعي، وتزخر الأسماء بالمعاني ما وراء تركيب الأحرف وبناء جملها، فهي مشربة بالنصوص الفرعية الحقيقية والمتخيلة. ويمكن اعتبار أسماء الأماكن كأدوات خطابية. أي أنها توصل حسًا بالمشهد الذي تلتصق به. لذلك تعتبر أسماء الأماكن أداتية، فالقدرة على تسمية مكان هي ممارسة سلطة وقوة. ومجرد فعل تسمية المشهد هو عمل سياسي، والسم يُعطى لشيء أو شخص من جانب قوة خارجية تملك شرعية القيام بذلك. فالتسمية الجغرافية تلعب دورًا في شرعنة الهويات الثقافية والسياسية. كما تستخدم للمقاومة وتعزيز نظام الهيمنة.[49] 

بالنسبة لنعوم ليشيم، فهنالك في الأبعاد الرمزية لمشروع «الفضاء العبراني» ميدانان مهمان لبناء المشهدية الذهنية والمادية، وهما إعادة إنتاج الخرائط العبرية، والتركيز على إعادة تسمية القرى الفلسطينية بأسماء عبرية جديدة، أو أسماء لها وقع عبري.[50] وتتم عملية الاستحواذ بمحو أسماء الأماكن الموجودة، واستبدالها أو إعادة تسميتها على الخرائط، بأسماء بديلة. ويشير جاري فيلد بأن هذه العملية قد قام بها الإنجليز في بريطانيا ونقلوها معهم إلى أمريكا، ليعاد استخدامها في محو المكان الأصيل، واستبداله بتسميات إنجليزية، «فكما كان الإنجليز يتممون خطابًا وطاقمًا من الأدوات للاستيلاء على الأراضي العامة في الوطن، كانوا يستخدمون التحديثات ذاتها، وخطاب حقوق الملكية، والأدوات ذاتها، المتمثلة في الخرائط والقانون والبيئة المبنية، للاستيلاء على أراضي الهنود في فيرجينيا ونيو إنغلاند وما ورائها».[51] ويضيف أن «عملية التسمية الجديدة لمكان هي كأنها استملاك للمكان، كغيرها من طقوس الاستحواذ على الأرض، مثل رفع العلم. كما أن محو اسم المكان عن الخارطة، هي عملية سلب فعالة بالتساوي، تجعل المكان وناسه غير مرئيين».[52]

وهكذا، تَشارَك ملاك الأرض الإنجليز، والآباء الأمريكيون، والصهاينة الإسرائيليون جميعهم في سلب الآخرين، من خلال «إعادة تخيل مكانهم في المشهد، وجعلوا أنفسهم في النهاية الأسياد والمشرفين على الأرض».[53] كتب بن غوريون في رسالة موجهة إلى لجنة إعادة تسمية الأماكن بالعبرية، من جبال ووديان وينابيع وغيرها في النقب قائلًا: «علينا أن نزيل الأسماء العربية لأسباب سياسية، فبقدر ما لا نعترف بالملكية السياسية للعرب على الأرض، فكذلك لا نعترف بملكيتهم الروحية وأسماءهم».[54] فكما المشاريع الاستعمارية الأخرى كان لا بد من تجاهل السكان الأصليين ومحوهم وإبعادهم عن أرضهم ومحو أي أثر لوجودهم فيها وطرق معيشتهم وأي احتمالية لعودتهم. وقد اعتمدت السردية الصهيونية على خلو النقب لتنفيذ مخططاتها بمصادرة الأرض. ومتى ما تمت المصادرة، منحت الأرض هوية جديدة من خلال تسمية الأماكن وبناء بلدات يهودية وقرى زراعية وتعاونيات.

فضاءات رمادية

إن الفضاءات الرمادية ليست مندمجة وليست مقصية، بل تشكل هوامش دائمة زائفة ووهمية للمناطق الحضرية، وتتواجد خارج رؤية سلطات الدولة ومخططات المدن.[55] ونتيجة للسياسات الإسرائيلية الواضحة والرافضة الاعتراف بملكية البدو لأرض أجدادهم، تولدت فضاءات رمادية حول بئر السبع اليهودية تشكل مساحات مترامية الأطراف من بلدات وقرى الصفيح والأكواخ الخشبية للبدو العرب. كما تتوضح الفضاءات الرمادية في بلدات التطوير العربية المخطط لها حول بئر السبع، من حيث تزايد عدد واضعي اليد الذين يحتلون الفضاءات العامة المفتوحة الواقعة على الأراضي المختلف عليها، وتزايد المقيمين العرب في متروبوليس بئر السبع اليهودية الحديثة، ممن يقيمون في مركز المدينة العثماني المتداعي، والأحياء الفقيرة المجاورة.

بدوية تحرث قرب بئر السبع، حوالي عام 1950. المصدر: أرشيف مكتبة الكونغرس.

ويشكل بضعة آلاف من العرب البدو «ظلًا مدينيًا»، حيث إنهم غير مسجلين كقاطنين للمدينة، وغير ممثلين في حكومتها المحلية، لذلك فهم محرومون من الخدمات المجتمعية الأساسية، مثل التعليم ودور العبادة والتمثيل السياسي. وبذلك تتشكل أشكال جديدة من العلاقات الإثنية الطبقية في مثل هذه المدن، تكون مبنية على التكوينات المكانية لمكان الإقامة والقوة ومصادر رأس المال.

وتقع قرى البدو في بعض أكثر الأماكن خطورة في «إسرائيل»، حيث يعيشون إلى جانب مكب نفايات ديمونة، وإلى جوار سجن بير شيفع وتحت هدير الطائرات العسكرية الدائمة الإقلاع من قاعدة نيفاتيم الجوية، وبين أعمدة الكهرباء العملاقة لمحطة طاقة جنوب «إسرائيل»، وتحت أبخرة سامة تنبعث من مصنع كيماويات رامات هافوف، وموقع النفايات السامة الخاص بالمصنع، والأهم أن هذه المنشآت تم تشييدها بعد تأسيس البدو لبيوتهم في هذه المناطق بفترات طويلة.[56]

يمكن تخيل هذا النظام الحضري المتولد على أنه «استعمار جديد»، يتشكل من شكل حكم متروبوليتاني بحكم الواقع، مسهلًا توسع المصالح المسيطرة، من خلال الاستغلال والنفي والفصل العنصري. وهذا يعرض بدو النقب لنوعين من العلاقات الكولونيالية قديمة وحديثة في آن معًا. إذ تلمّح الأولى للتوسع الإثني القومي، أي من الأعلى، حيث يسيطر السكان المهيمنون على الجماعات الأصلية ومواردها، في حين تشير الثانية إلى مرحلة جديدة من الكولونيالية الجاذبة إلى المركز، والتي يخلق في غضونها السكان المهمشون فضاءات رمادية من الأسفل. فيصبحون خاضعين للاستغلال والتفرقة العنصرية، ويتم احتواءهم في أحدث منتوج للعولمة الرأسمالية؛ الأبارتيد الحضري الزاحف.[57] 

من المهم جدًا بحسب يفتاحئيل، أن تتم دراسة هذه السمة للوجود البدوي، من حيث إنهم يواجهون طبقة جديدة من الإقصاء، تتجلى في العلاقات الاقتصادية المصطنعة في ظل العصر النيوليبرالي الحالي.[58]

الصمود والمقاومة المجتمعية

في العديد من الحالات، يجد السكان المستعمَرون طرق حاذقة لتحدي واختراق علاقات القوة القمعي، وحتى التسيد عليها. وقد نمت عملية تمكين ذاتي وتسييس بين عرب النقب، خلال العقود الماضية، مع صمود عنيد. وقد تم هذا من خلال تشكيل مجلس تطوعي محلي للقرى غير المعترف بها، الذي اتخذ دورًا رياديًا في توجيه نضال البدو. وقد شكل العرب المقيمون في القرى غير المعترف بها في النقب مجلسًا مناطقيًا لهم كحركة اجتماعية قاعدية، رسمت خططها لتطوير المنطقة وقدمتها لوزارة الداخلية. إلا أن الوزارة لم تقبل بالخطة المقترحة وأصرت على المضي قدمًا بذات النموذج الحضري غير الناجح مع تحسينات ظاهرية، والذي يواجه بدوره مقاومة من المجتمع البدوي على عدة مستويات.

يرفض الناس جماعات الانتقال إلى البلدات المدرجة في التخطيط، رغم التدابير القسرية العديدة المتخذة ضدهم. وكذلك يعملون على توسيع أماكن معيشتهم لتلبي احتياجات نموهم السكاني الطبيعي، كما قاموا ببناء أماكن للعمل والعبادة وبيوتًا حجرية. وجاء ردهم على الهدم بإعادة البناء بدلًا من الرحيل، وما زالوا مصرين على رفض التعاون مع الخطط الحكومية الساعية إلى إعادة توطينهم ويصرون على نموذج تطوير مبني على قاعدة زراعية.[59] وفي مستوى آخر من المقاومة، بدأ عدد من المنظمات البدوية المحلية جنبًا إلى جنب مع منظمات عالمية، بإقامة دعاوى قانونية استباقية، من خلال العثور على ثغرات في الهيكلية القانونية الإسرائيلية لاستخدامها في معارضة الممارسات التعسفية العنصرية التي تدفعها سياسات التهويد.[60] 

كان الصندوق القومي اليهودي لاعبًا رئيسًا في استعمار فلسطين، من خلال شراء الأراضي الفلسطينية، وبناء المستوطنات على هذه الأراضي، وتأهيلها بمهاجرين يهود من أوروبا الشرقية على وجه الخصوص. 

كذلك، كان لمواقع التواصل الاجتماعي والفيسبوك على وجه التحديد، دورًا بارزًا في الحراك الشبابي في مواجهة المخططات، وتم تفعيل النشاط في 10 قرى من قرى النقب في وقت واحد وخلف مضمون واحد، حيث يرتبط مخطط برافر بذكرى النكبة. وقد ساهم هذا في رفع سقف الخطاب وإحداث تحول نوعي في أسلوب النضال في أعقاب ما جرى يومي الغضب في 15 تموز و1 آب 2013. وبحسب أمير أبو قويدر، القيادي في الحراك الشبابي: «أصبح السؤال الذي يراود الشخص حين تتجلى له قرية عربية في النقب، ليس كيف يعيش الناس هنا، بل ما يجب أن أقوم به كي أعيش هنا».[61] إن إعادة ارتباطات البدو بالفضاءات التي سلبت منهم واسترجاع مثل هذه الارتباطات هي وسيلة للمقاومة وإعادة تشكيل الفضاء، ومقاومة للسلطات التي تعيد صناعة هويتهم.

هنالك ظهور أولي لاستراتيجية سياسية جديدة، بذاتية جديدة، بدأت تنمو بين البدو العرب الذين يعيشون في عشرات القرى والبلدات الصغيرة «غير المعترف بها» حول بئر السبع. إنها السياسة الجديدة «للفضاء الرمادي»، التي تنبثق من النضال من أجل التطور غير الرسمي، على «أطراف الأطراف»، من جانب البدو في مواجهة الدولة اليهودية.

«فالتخطيط الكولونيالي وسياسة فبركة فضاء جديد يهودي بغالبيته لم يستطع منع وإعاقة وجودٍ فلسطينيٍ متنامٍ (..) فالمجتمعات الفلسطينية قد تزايدت أيضًا بحيث ما زالت تشكل الأكثرية في ثلاثة مناطق رئيسة في فلسطين: وهي الجليل والمثلث والنقب».[62] وستبلغ نسبة العرب في النقب 45% عام 2040.[63]

وبحسب الناشطة بدور آل عقبة فإن العائلات التي كانت في الماضي تواجه الأمور كل عائلة لوحدها، باتت في الفترة الأخيرة هناك وحدة بين عشائر البدو، وقد تجلت هذه الوحدة في الهبة الأخيرة في قرية الأطرش وكذلك في مؤازرة أهلنا في اللد. حتى إن الثارات بين العائلات تم تجاوزها في ظل تلك الظروف، وكانت المواجهة الأولى التي تشارك فيها الجميع نساء ورجالًا. كما تضيف بأن العنصرية القبلية قد تلاشت حاليًا. وعلى حد قولها «لم نقبل بحكم «إسرائيل» في البدايات، وكانت هناك مجازر، وقد تم تغييبنا عن الساحة الفلسطينية والعربية، فضلًا عن أن الرواية السبعاوية مفقودة».[64] 

ليس الترانسفير أو تهجير السكان ناجم عن القوة العلنية الصريحة التي تستدعي تغيرًا في موقع السكان فحسب، بل هو أيضًا عملية أكثر حذقًا تستدعي تغيرًا في المكانة الاجتماعية للسكان أيضًا. فتصبح عملية تحريك ونقل السكان فضائيًا واجتماعيًا لإعادة تشكيل الأرض آلية وهدفًا نهائيًا للتطويق في الوقت ذاته. ففي أعقاب الطرد والتهجير يتم إضعاف المراسي التي كانت تؤمن مجموعة من الناس على الأرض وتستحوذ بالتالي مجموعة أقوى على الملكية والسيطرة على الأرض. وعندما تحقق المجموعة الجديدة أنماطًا مختلفة من النشاطات الاجتماعية-الاقتصادية على الأرض، يتحقق التطويق وتتخذ الأرض هوية جديدة.[65] إن التطويق ليس عملية محددة مسبقًا، والمقاومة جزء من علاقة مستمرة بين الجماعات المسيطرة والمسيطر عليها، والتي تشكل الكيفية التي سينفذ بها التطويق. أما بالنسبة للنقب وبئر السبع، فإلى أي مدى «ستبدل المقاومة نتائج الإغلاق والتطويق في المشهدية الفلسطينية ما زال غير معروف ولم تنته الرواية بعد».[66]

  • الهوامش

    [1] Michael Todd Friedman and Cathy van Ingen, Bodies in Space: Spatializing Physical Cultural Studies, Sociology of Sport Journal, 2011, 28, 85-105

    [2] N. Brenner, (1997). Global, fragmented, hierarchical: Henri Lefebvre’s geographies of globalization, Public Culture, 10(1), 135–167, quoted in Michael Todd Friedman and Cathy van Ingen, Bodies in Space: Spatializing Physical Cultural Studies, Sociology of Sport Journal, 2011, 28, 85-105.

    [3] Edward Said, Invention, memory and place. Critical Inquiry, 26 (2), 175_192, quoted in Gary Fields, «This is our land’’: collective violence, property law, and imagining the geography of Palestine, Journal of Cultural Geography, Vol. 00, No. 00 Month 2012, 1-25.

    [4] عارف العارف، تاريخ بير السبع وقبائلها. مكتبة مدبولي، 1999 في في مقتطفات من تاريخ عرب النقب وقضاء بئر السبع، منصور النصاصرة، مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، ملف 1، 2013.

    [5] مقتطفات من تاريخ عرب النقب وقضاء بئر السبع، منصور النصاصرة، مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، ملف 1، 2013.

    [6] سلمان أبو ستة، النصف المنسي من فلسطين قضاء بئر السبع والنكبة المستمرة، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد 19، عدد 73، 2008.

    [7] الأرشيف الشخصيّ للورد أكسفورد -جوليان أسكويتث-، جنوب غرب بريطانيا.

    [8] سلمان أبو ستة، النصف المنسي من فلسطين قضاء بئر السبع والنكبة المستمرة، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد 19، عدد 73، 2008.

    [9] في مقابلة مع اللورد أكسفورد، عام 1943، بريطانيا 2009.

    [10] مقتطفات من تاريخ عرب النقب وقضاء بئر السبع، منصور النصاصرة، مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، ملف 1، 2013.

    [11] سلمان أبو ستة، النصف المنسي من فلسطين قضاء بئر السبع والنكبة المستمرة، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد 19، عدد 73، 2008.

    [12] سلمان أبو ستة، النصف المنسي من فلسطين قضاء بئر السبع والنكبة المستمرة، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد 19، عدد 73، 2008.

    [13] سلمان أبو ستة، النصف المنسي من فلسطين قضاء بئر السبع والنكبة المستمرة، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد 19، عدد 73، 2008.

    [14] سلمان أبو ستة، النصف المنسي من فلسطين قضاء بئر السبع والنكبة المستمرة، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد 19، عدد 73، 2008.

    [15] حيث كان من المفترض أن تظل منطقة العوجا بحسب اتفاقية الهدنة خالية من السلاح إلا أن القوات الصهيونية احتلتها.

    [16] سلمان أبو ستة، النصف المنسي من فلسطين قضاء بئر السبع والنكبة المستمرة، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد 19، عدد 73، 2008.

    [17] MERIP, Winter 2009 Monica Tarazi, Planning Apartheid in the Naqaba.

    [18] MERIP, Winter 2009 Monica Tarazi, Planning Apartheid in the Naqaba.

    [19] سلمان أبو ستة، النصف المنسي من فلسطين قضاء بئر السبع والنكبة المستمرة، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد 19، عدد 73، 2008.

    [20] سلمان أبو ستة، النصف المنسي من فلسطين قضاء بئر السبع والنكبة المستمرة، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد 19، عدد 73، 2008.

    [21] Abu Hussein, H. and F, McKay, Access Denied: Palestinian Land Rights in Israel, London, New York: Zed Books, 2003.

    [22] Gazi Falah, The 1948 Israeli-Palestinian war and its aftermath: the transformation and designification of Palestine’s cultural landscape, Annals of the Association of American Geographers, 86 (2), 256-285, quoted in Gary Fields, This is Our Land: collective violence, property law, and imagining the geography of Palestine, Journal of Cultural Geography, Vol. 00, No, 00 Month 2012, 1-25.

    [23] Geremy Forman and Alexandre (Sandy) Kedar, From Arab land to `Israel Lands’: the legal dispossession of the Palestinians displaced by Israel in the wake of 1948, Environment and Planning D: Society and Space 2004, volume 22, pages 809 – 830.

    [24] Kassem Egbaria, Two spatial systems for one land, in Viktoria Waltz, ed., The Fabrication of Israel: About the usurpation and destruction of Palestine through Zionist spatial planning, Dortmund, 2009.

    [25] Ismael Abu Saad, Introduction: State rule and indigenous resistence among Al Naqab Bedouin Arabs. HAGAR Studies in Culture, Polity and Identities Vol.8 (2) 2008.

    [26] Ismael Abu Saad, Introduction: State rule and indigenous resistence among Al Naqab Bedouin Arabs. HAGAR Studies in Culture, Polity and Identities Vol.8 (2) 2008

    [27] Ismael Abu Saad, Introduction: State rule and indigenous resistence among Al Naqab Bedouin Arabs. HAGAR Studies in Culture, Polity and Identities Vol.8 (2) 2008

    [28] Ismael Abu Saad, Introduction: State rule and indigenous resistence among Al Naqab Bedouin Arabs. HAGAR Studies in Culture, Polity and Identities Vol.8 (2) 2008

    [29] حسن مواسي، في مواجهة التهويد: النقب والمثلث ووادي عارة والجليل: كسر الديموغرافيا بالتهويد وتبادل السكان، مجلة الدراسات الفلسطينية 99 صيف 2014.

    [30] Oren Yiftachel, Haim Yacobi, Urban ethnocracy: ethnicization and the production of space in an Israeli `mixed city’, Environment and Planning D: Society and Space 2003, volume 21, pages 673-693.

    [31] A.D. King, Urbanism, Colonialism and the World Economy: Cultural and Spatial Foundation of the World Urban System (London: Routledge, 1990), p.57, cited in Mrinalini Rajagopalan, Dismembered Geographies: The Politics of Segregation in Three Mixed Cities in Israel, T D S R Volume X I I I, Number I I, 2 0 0 2

    [32] Haim Yacobi, The architecture of ethnic logic: Exploring the Meaning of the ‘Mixed’ City of Lod – Israel, Geografiska Annaler, Series B, Human Geography Vol. 84, No. 3/4, Special Issue: The Dialectics of Utopia and Dystopia (2002), pp. 171-187.

    [33] حسن مواسي: في مواجهة التهويد: النقب والمثلث ووادي عارة والجليل: كسر الديموغرافيا بالتهويد وتبادل السكان، مجلة الدراسات الفلسطينية 99 صيف 2014.

    [34] Kassem Egbaria, Two spatial systems for one land, in Viktoria Waltz Editor The Fabrication of Israel: About the usurpation and destruction of Palestine through Zionist spatial planning, Dortmund, 2009

    [35] سنان عبد القادر، العمارة والحيز الثالث وما بينهما، بناة، العمارة والبناء، 27 نوفمبر 2010.

    [36] سنان عبد القادر، العمارة والحيز الثالث وما بينهما، بناة، العمارة والبناء، 27 نوفمبر 2010.

    [37] Law-Yone, H. (2003). «From sedentarization to urbanization: State policy towards

    Bedouin society in Israel.» In D. Champagne and I. Abu-Saad (Eds.), The

    Future of Indigenous Peoples: Strategies for Survival and Development (pp.

    175–183). Los Angeles: American Indian Studies Center, UCLA.

    [38] بدور ال عقبة، لقاء على الزوم: 5/2/2022 الساعة 14:47

    [39] Omar Salamanca, «Road 443: Cementing Dispossession, Normalizing Segregation and Disrupting Everyday Life in Palestine,» in Stephen Graham and Colin McFarlane (eds.), Infrastructural Lives: Urban Infrastructure in Context (London & New York: Routledge, 2015), 114-135, in Forced Population transfer: The case of Palestine, ed. Nidal Alazza and Melissa Yvonne, Badil Resourse Center, 2020.

    [40] Omar Salamanca, «Road 443: Cementing Dispossession, Normalizing Segregation and Disrupting Everyday Life in Palestine,» in Stephen Graham and Colin McFarlane (eds.), Infrastructural Lives: Urban Infrastructure in Context (London & New York: Routledge, 2015), 114-135, in Forced Population transfer: The case of Palestine, ed. Nidal Alazza and Melissa Yvonne, Badil Resourse Center, 2020.

    [41] ياريف موهار، عدم الاعتراف بالقرى البدوية… على أي أساس؟ مجلة عدالة الألكترونية العدد 104، أيار 2013.،

    [42] حسن مواسي: في مواجهة التهويد: النقب والمثلث ووادي عارة والجليل: كسر الديموغرافيا بالتهويد وتبادل السكان، مجلة الدراسات الفلسطينية 99 صيف 2014.

    [43] Gary Fields, Enclosure Landscapes: Historical Reflections on Palestinian Geography, Historical Geography Volume 39 (2011): 182-207.

    [44] Gary Field, Enclosure Landscapes: Historical Reflections on Palestinian Geography, Historical Geography Volume 39 (2011): 182-207.

    [45] Ronit Lentin, ed. Thinking Palestine, Zed Books, 2008.

    [46] Yoram Bar Gal, «The blue Box and JNF Propaganda Maps, 1930-1947,» Israel Studies 8 (2003): 1-19. Devised in 1904 to draw donations for JNF land purchases in Palestine, The blue Box emerged in the next two decades as a fixture in Jewish homes and synagogues worldwide, becoming the largest source of funds for the JNF, quoted in Gary Fields, Enclosure Landscapes: Historical Reflections on Palestinian Geography, Historical Geography, Volume 39 (2011) 63-82.

    [47] Susan Nathan, The Other Side of Israel: My Journey Across the Jewish–Arab Divide, HarperCollins, London, 2005, quoted in Jonathan Cook, Disappearing Palestine: Israel’s Experiments in Human Despair, Zed Books, 2008.

    [48] I. Pappe, The Ethnic Cleansing of Palestine, One world Publications, Oxford, 2006, p229, quoted in Ronit Lentin, ed. Thinking Palestine, Zed Books, 2008.

    [49] Gertrude Szili, The Naming Game: The Politics of Place Names as Tools for Urban Regenerative Practice, University of south Australia, email: [email protected]

    [50] Noam L Leshem, ‘Memory Activism : reclaiming spatial histories in Israel.’, in The Politics of Cultural Memory, Newcastle upon Tyne: Cambridge Scholars Publishing, pp. 158-182.

    [51] Gary Field, Enclosure Landscapes: Historical Reflections on Palestinian Geography, Historical Geography Volume 39 (2011): 182-207.

    [52] Gary Field, Enclosure Landscapes: Historical Reflections on Palestinian Geography, Historical Geography Volume 39 (2011): 182-207.

    [53] Gary Field, Enclosure Landscapes: Historical Reflections on Palestinian Geography, Historical Geography Volume 39 (2011): 182-207.

    [54] Ismael Abu Saad, Introduction: State rule and indigenous resistence among Al Naqab Bedouin Arabs. HAGAR Studies in Culture, Polity and Identities Vol.8 (2) 2008

    [55] Oren Yiftahchel, Epilogue: Studying Naqab/Negev Bedouins-Towards a Colonial Paradigm? Hagar Studies in Culture, Polity and Identities Vol. 8 (2) 2008.

    [56] خارج حدود الخريطة: انتهاك حقوق الأرض والإسكان في قرى البدو الإسرائيلية غير المعترف بها، Human Rights Watch, مجلد 20، رقم 5 آذار 2008.

    [57] Oren Yiftahchel, Epilogue: Studying Naqab/Negev Bedouins-Towards a Colonial Paradigm? Hagar Studies in Culture, Polity and Identities Vol. 8 (2) 2008.

    [58] Oren Yiftahchel, Epilogue: Studying Naqab/Negev Bedouins-Towards a Colonial Paradigm? Hagar Studies in Culture, Polity and Identities Vol. 8 (2) 2008.

    [59] Ismael Ab-Saad< Introduction: State rule and indigenous resistance among Al Nqab Bedouin Arabs, HAGAR Studies in Culture and Identities Vol.8 (2) 2008.

    [60] Ismael Ab-Saad< Introduction: State rule and indigenous resistance among Al Nqab Bedouin Arabs, HAGAR Studies in Culture and Identities Vol.8 (2) 2008

    [61] Oren Yiftachel, Critical Theory and Gray Space: Mobilization of the Colonized, in Cites for People Not for Profit: Critical Urban Theory and the Right to the City, edited by Neil Brenner, Taylor and Francis 2011.

    [62] Kassem Egbaria, Two spatial systems for one land, in Viktoria Waltz ed. The Fabrication of Israel: About the usurpation and destruction of Palestine through Zionist spatial planning, Dortmund, 2009

    [63] بدور ال عقبة، لقاء على الزوم: 5/2/2022 الساعة 14:47

    [64] بدور ال عقبة، لقاء على الزوم: 5/2/2022 الساعة 14:47

    [65] Gary Fields, Landscaping Palestine: reflections of enclosure in a historical mirror, Int. J. Middle East Studies. 42 (2010), 63–82

    [66] Gary field, Landscaping Palestine: Reflections of Enclosure in a Historical Mirror, International Journal of Middle East Studies, 42 (2010), 63-82. P. 79

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية