دور ولاء خلف في ديوان الخدمة المدنية هو 53 على لواء المزار الشمالي، حيث تنتظر منذ ثلاث سنوات تعيينها معلمة كيمياء في وزارة التربية والتعليم. إذا حصلت ولاء، التي لا تحمل مؤهلًا تربويًا إلى جانب بكالوريوس تخصصها، على التعيين، فإن الوزارة ستتكفل، وفق ما هو مطبق حاليًا، بتغطية تكاليف تأهيلها تربويًا، فتُخضعها لدورة تدريب معلمين جدد (Induction)، أو تبتعثها لتنال دبلوم تأهيل المعلمين ما قبل الخدمة، الذي تمنحه أكاديمية الملكة رانيا.
لكن ولاء ستتمتع بهذه المزية فقط إذا حصلت على التعيين خلال السنوات الخمس القادمة. فبعد ذلك، لن يعود هناك اعتراف بدور ديوان الخدمة المدنية، وستختار وزارة التربية معلميها، فقط، من المؤهلين تربويًا بشكل مسبق لممارسة التعليم، حتى لا تضطر، كما يقول مسؤولوها، لتأهيلهم بنفسها بعد ذلك.
ولضمان هذا التأهيل، تنفذ الوزارة بالمشاركة مع أكاديمية الملكة رانيا، وبتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، مشروعًا ضخمًا لإعادة بناء قطاع تأهيل المعلمين قبل الخدمة. يتكون هذا المشروع من ثلاثة مسارات، أولها التوسّع في إطلاق دبلوم «ما قبل الخدمة» في مختلف الجامعات. والثاني تأسيس برامج بكالوريوس جديدة، تخرّج معلمين في مختلف التخصصات. والثالث تعديل ما هو قائم من برامج تربوية في الجامعات الأردنية، وهي بكالوريوس «معلم الصف» ودبلوم أساليب التدريس، لتتناسب ومعايير رخصة مزاولة المهنة الجديدة.
وبحلول عام 2025، فإن المعلمين المعيّنين سيكونون حصرًا من الذين اختاروا واحدًا من هذه المسارات الثلاثة. وهذا يعني أن ولاء، إن لم تعيّن قبل تلك السنة، سيكون عليها أن تعود للدراسة للحصول على مؤهل تربوي، إذا أرادت البقاء في ساحة التنافس على الوظائف. ولأنها لن تعود للدراسة من الصفر، فإن الخيار الأقرب سيكون، في الغالب، دبلوم «ما قبل الخدمة»، الذي تبلغ رسومه حاليًا ثلاثة آلاف دينار.
هذه أبرز التغيرات التي ستدخل على شروط مزاولة التعليم، في حال نفاذ نظام مزاولة المهن التعليمية، الذي أقرته رئاسة الوزراء في نيسان الماضي، والذي بات يعرف بالمسار المهني في سياق إضراب المعلمين اليوم. هذا الإضراب يبدأ أسبوعه الرابع دون انفراجات فعلية، بل بتصعيد إلى المزيد من التأزيم.
وكان المعلمون قد أعلنوا إضرابهم للمطالبة بعلاوة مهنية مقدارها 50% من الراتب الأساسي؛ مطلبهم المرحّل من العام 2014. فهذه العلاوة كانت ضمن قائمة من ستة مطالب، نفذ المعلمون على خلفيتها إضرابًا مشابها تلك السنة، توقف وقتها، إثر وساطة نيابية تمّ في إطارها التوافق على خمسة مطالب، في حين عُلّقت هذه العلاوة، وتعهّد المجلس بأن يدفع باتجاه جدولتها على ثلاث سنوات، الأمر الذي لم يحدث.
والآن، تصر الحكومة على رفض صرفها لجميع المعلمين، مكررةً أنها مستعدة لمنحهم علاوات، ولكن ضمن نظام متكامل لمزاولة المهنة تصرف فيه العلاوات استنادًا للأداء. يقول المعلمون إن هذا التكرار يوحي بأنهم يرفضون مبدأ ربط الحوافز بالأداء، وهو ما ليس صحيحًا، كما يقول عضو مجلس نقابة المعلمين الحالي، غالب أبو قديس. فما يرفضونه، هو «الخلط» بين قضيتين يرون أنهما منفصلتان؛ الأولى هي مطالبتهم بعلاوة كانوا وُعدوا بها قبل خمس سنوات، ولم ينفذ الوعد، والثانية، نظام للتعيين والترقية، يقبلونه من حيث المبدأ، لكنهم يعترضون على العديد من بنوده. وهم مستعدون لمناقشتها، لكن بعد اعتراف الحكومة بحقهم في العلاوة.
في المقابل، يفسّر مدير سياسات التنمية المهنية في وزارة التربية، حفص أبو ملوح هذا الربط بأن العلاوة التي يطالب بها المعلمون، هي علاوة مهنية، وهذا يعني أن صرفها يجب أن يتم وفق معايير مهنية، وهذا ما يفعله نظام مزاولة المهن التعليمية. فليسموها علاوة «غلاء معيشة»، يقول أبو ملوح، ووقتها لن يكون هذا مطلب المعلمين وحدهم، بل كل الموظفين الخاضعين لنظام الخدمة المدنية.
لا يبدو في خضم السجال المحتدم حاليًا بين المعلمين ووزارتهم أن هناك بوادر لانفراج قريب. ومع ذلك، فإن هذا التقرير ليس لنقاش الإضراب القائم، بل لعرض نظام مزاولة المهن التعليمية الذي يحضر بقوة في في كل الجدل الدائر حول الإضراب، ومناقشة أبرز اعتراضات المعلمين عليه. وهو نظام ما زال من المزمع تنفيذه، رغم تناقل وسائل الإعلام تصريحات للناطقة الإعلامية، جمانة غنيمات، مفادها أن الحكومة قررت «التنازل» عن «المسار المهني»، مقابل أن يتنازل المعلمون عن مطالبتهم بعلاوة الـ50%. فقد علمت حبر من مصدر رفيع في وزارة التربية، غير مخول بالتصريح، أن التصريحات فُهِمت خطأً، والوزارة ما زالت مصممة على تطبيق النظام. لكن ما تنازلت عنه هو «حرفية» تطبيقه بالصيغة المعروضة. وهي مستعدة لفتح حوار حوله مع نقابة المعلمين.
إذن، في حين يختلف المعلمون والحكومة بشأن علاوة الـ50%، فإن الطرفين متفقان على ضرورة تطبيق تشريع ينظم مزاولة المهنة. وهذا يعني، أنه بعد أي توافق على حلّ الإضراب القائم، سيكون هذا النظام على الأغلب، هو موضوع النزاع القادم بين المعلمين ووزارتهم. ذلك أن المعلمين أبدوا، طوال الفترة الماضية، اعتراضات جوهرية على النظام، في حين أصرت الوزارة أنه جاء حصيلة توافق بينها ومجلس نقابة المعلمين السابق، وبناءً على هذا التوافق تقول إنها مضت قدمًا في الخطوات التشريعية لإنفاذه، فرفعته إلى رئاسة الوزراء التي أقرته في نيسان الماضي، لكنه أمر ينفيه نقيب وأعضاء المجلس السابق.
ما الذي سيغيره النظام الجديد؟
يخضع المعلمون حاليًا، مثل غيرهم من موظفي القطاع العام، لنظام الخدمة المدنية الذي ينظّم التعيين، والرواتب، والترفيع، والعلاوات وغيرها. وبحسب أبو ملوح، فإن نظام مزاولة المهن التعليمية، لن يكون بديلًا عن ذلك، إذ سيظل المعلمون خاضعين لـ«الخدمة المدنية»، يترفعون على درجاته، ويتقاضون تبعًا لذلك ما يستحقونه من علاوات، بوصفهم موظفين ضمنه. في حين سيطبق نظام مزاولة المهن التعليمية، بوصفه تشريعًا موازيًا سيأتي بديلًا عن نظام مشابه قائم حاليًا، هو نظام رُتب المعلمين، الذي بدأ تطبيقه عام 2002. هذه الأنظمة (رتب المعلمين ومزاولة المهن التعليمية)، وفق أبو ملوح، ضرورية لتنظيم عمليات التعيين والترقي والتقييم في قطاع التعليم بآلية تنسجم مع كونه مهنة لها خصوصية، تميزها عن باقي وظائف «الخدمة المدنية».
تقترح الوزارة نظام مزاولة المهن التعليمية بوصفه أكثر شمولية من نظام رتب المعلمين، وأعلى حوافز، ويتطلب زمنًا أقصر للترقي من مستوى إلى آخر. فما الفرق بينهما؟
وفق نظام رتب المعلمين، المنشور على موقع الوزارة، فإن ترفيع المعلمين يمر بثلاث درجات بعد التعيين، هي معلم، ثم معلم أول، ثم معلم خبير. وتتدرج معها العلاوات وفق الآلية التالية.
علمًا بأن أعداد المعلمين في كل رتبة، بحسب أرقام أعلنها رئيس الوزراء عمر الرزاز، في إطار حديثه عن زيادات اقترحتها الحكومة على المعلمين، بديلًا عن علاوة الـ50%، هي على النحو الآتي: عدد المعلمين الذين يحملون رتبة «معلم مساعد» هو 36755 معلمًا ومعلمة، وعدد من هم برتبة «معلم» 31013 معلمًا ومعلمة. وعدد من هم برتبة «معلم أول» هو 18253، وعدد من هم برتبة «معلم خبير» 335 معلمًا ومعلمة. يشكلون في المجمل 87 ألف معلم ومعلمة تقريبًا وهو عدد المعلمين في وزارة التربية، وفق تقريرها الإحصائي للعام الدراسي 2017-2018.
في المقابل، فإن المسار المهني المطروح وفق نظام المزاولة الجديد (الذي يتضمن هو أيضًا مسارات خاصة بفئات تربوية أخرى، كالوظائف الإدارية والفنية)، يتضمن خمسة مستويات: المستوى (صفر) وهو معلم متدرب، والمستوى (1) وهو معلم مرخص، المستوى (2) وهو معلم أول، المستوى (3) وهو المعلم الخبير، والمستوى (4) وهو المعلم القائد.
المستوى (صفر) هو المعلم المعين حديثًا، والذي لا يحمل مؤهلًا تربويًا معتمدًا في مجال تأهيل المعلمين قبل الخدمة. حيث يكون تحت التدريب لسنة واحدة، عليه خلالها أو في نهايتها أن يستوفي متطلبات الحصول على الرخصة المهنية، كي يصبح معلمًا مرخصًا. هذه المتطلبات تشمل أداء المعلم في الصف، ونتائج طلبته، ونشاطاته اللامنهجية، وفعاليته في اللجان المدرسية. وبالإضافة إليها، فإن عليه أن يجتاز تدريبًا إلزاميًا مدته 150 ساعة، إضافةً إلى برنامج اختياري مدته 50 ساعة، وأي برامج أخرى «مبنية على الحاجة»، وهي حاجة يُتخذ القرار بشأنها، وفق أبو ملوح، بالتشارك ما بين المدير والمعلم والمشرف. وإذا أخفق المعلم، فإن لديه فرصة واحدة لتكرار المحاولة، يستغنى عن خدماته بعدها.
خلال فترة التدريب هذه، سيقل راتب المعلم المعين حديثًا بحسب النظام الجديد عن راتبه في الوضع الحالي. ففي وقت يتلقى فيه المعلم الجديد وفق النظام القائم علاوة مهنية تبلغ 100% من راتبه الأساسي، فإن نظام المزاولة المزمع تنفيذه، يخفض هذه العلاوة للمعلم المتدرب إلى 50%، ترتفع إلى 100% بعد حصوله على الرخصة. مثلًا، الراتب الإجمالي للمعلم الجديد حاليًا هو 360 دينار تقريبًا، والراتب الأساسي منه هو 156 دينارًا تقريبًا، وهذا يعني أن راتب المعلم فترة التدريب سيصبح بحسب النظام الجديد 280 دينارًا تقريبًا.
بعد حصوله على الرخصة، وتحوله إلى معلم مزاول، يحتاج المعلم إلى البقاء في هذا المستوى 3-5 سنوات، كي ينتقل إلى مستوى المعلم الأول. ويُشترط هنا، إضافة إلى نتائج الطلبة وغيرها من معايير مذكورة في المستوى السابق، أن يجتاز المعلم برنامجًا تدريبيًا مدته 150 ساعة. وهناك برامج تدريب اختيارية مدتها 50 ساعة، إضافةً إلى برامج تدريب مبنية على الحاجة. ويحصل في هذا المستوى على علاوة مقدارها 35% من الراتب الأساسي.
كي يصبح معلمًا خبيرًا، يحتاج المعلم الأول 3-5 سنوات في مستوى معلم أول. وعليه، إضافةً إلى تحقيق المعايير المتعلقة بنتائج الطلبة وغيرها، أن يجتاز تدريبًا مدته 50 ساعة، يضاف إليه تدريب اختياري مدته 20 ساعة. علاوة المعلم الخبير هي 50% من الراتب الأساسي.
يرقى المعلم الخبير ليصبح معلمًا قائدًا، بعد 3-5 سنوات في المستوى السابق، وبعد اجتيازه تدريبًا مدته 50 ساعة. يضاف إليه تدريب اختياري مدته 20 ساعة. يضاف إليها معايير أخرى، مثل الأداء داخل الصف، ونتائج الطلبة، ونشاطات اجتماعية، وأبحاث إجرائية. ويتلقى هنا علاوة 100% من الراتب الأساسي.
ويضاف إلى العلاوات السابقة علاوة إضافية تبلغ 50% من الراتب الأساسي، تسمى «التميز»، ويتقاضاها من ينالها لسنة واحدة فقط. وهذه العلاوة تمنح للمعلم وفق أدائه، بغض النظر عن سنوات الخدمة، أو المستوى الذي يكون فيه المعلم.
جميع هذه الدورات التدريبية، وفق أبو ملوح، هي «خليط» من دورات تقدم داخل الوزارة، ودورات يقدمها «مزود خدمة معتمد» خارج الوزارة. وبحسبه، فإن المزود المعتمد الوحيد حاليًا لبرامج تأهيل المعلمين ما قبل الخدمة، هو أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين.
يقول أبو ملوح، إن نظام مزاولة المهن التعليمية سيكون إجباريًا لكل المعلمين الذين سيعيّنون بعد إقراره، في حين لدى المعلمين القدامى حرية الانضمام إليه، أو البقاء ضمن نظام الرتب الحالي. لكنه يستدرك بأن الحصول على ما يسمى الرخصة المهنية سيكون إجباريًا حتى للقدامى.
الرخصة المهنية هي إذن لمزاولة التعليم، تعطى لمن حققوا المعايير اللازمة لذلك. وبالنسبة للمعلمين الذين عُينوا قبل نفاذ أحكام هذا النظام، فإن لديهم مهلة حتى عام 2025 ليستكملوا متطلبات هذه الرخصة. وسيكون الأمر خلال «فترة السماح» هذه وفق الآتي: المعلمون المؤهلون تربويًا، أي الذين تخرّجوا من أحد برامج إعداد المعلمين، مثل بكالوريوس «معلم صف»، و«معلم مجال» و«تربية ابتدائية»، أو الذين تلقوا سابقًا دورة تدريب المعلمين الجدد، المسماة بالـ(Induction)؛ هؤلاء، سيأخذون تدريبًا لـ«سد الفجوة»، مدته 50 ساعة، يخضعون بعدها لاختبار نيل الرخصة. أمّا المعلمون غير المؤهلين تربويًا، أي من غير خريجي البرامج البكالوريوس السابقة، أو الذين لم يأخذوا دورة تدريب المعلمين الجدد، فإن عليهم الخضوع لهذه الدورة المكونة من 150 ساعة تدريبيّة. وهذه الدورة، كما يشرح أبو ملوح، استحدثت عام 2012، وهي أكثر تطورًا من دورات تأهيل المعلمين الجدد التي خضع لها الجيل الأقدم من المعلمين، والتي لم تكن أكثر من «برامج توعية عامة».
وبعد أن يحصل المعلم على الرخصة، فإن النظام ينص على أنه إن لم يحقق أي تقدم مهني خلال مدة أقصاها سبع سنوات، فإن عليه تجديدها بالخضوع لاختبار يثبت أنه ما زال محققًا للمعايير التي تؤهله لمزاولة التعليم.
وبالنسبة للمدارس الخاصة، فإن هذا النظام يلزمها بتطبيقه على كل المعلمين والمعلمات المعينين بعد نفاذ أحكامه.
متطلبات جديدة، وشروط ستطبق بعد خمس سنوات
وفق أبو ملوح، جاء هذا النظام ليسد العديد من الثغرات في قطاع التعليم، على رأسها آلية تعيين المعلمين، التي باتت تورد إلى الميدان معلمين يحملون مؤهلات علمية، لكنهم غير مؤهلين لإيصال المعرفة، ولا لإدارة البيئة الصفية، والتعامل مع الطلبة. ففي الوضع القائم، يمنح المعلم المعين في وزارة التربية «إجازة التعليم»، التي هي عمليًا رخصة لمزاولة المهنة، بناءً على المؤهل العلمي الذي يحمله، من دون اشتراط أن يكون قد خضع لأي تدريب تربوي قبل تعيينه، يكون قد أهّله فعليًا لأن يكون معلمًا.
هذا الواقع، يقول أبو ملوح، فرضَه قصور برامج التأهيل التربوي، بعد انحسار مؤسساته التي رفدت تاريخيًا قطاع التعليم بالمعلمين المؤهلين، وهي معاهد إعداد المعلمين، التي حلّ محلها في الثمانينيات ما كان يسمى بالتخصص الفرعي التربوي، للراغبين في العمل في التعليم من طلبة الجامعات في التخصصات المختلفة، قبل إلغائها في التسعينات.
وفق الخطة الاستراتيجية لوزارة التربية 2018-2022، فإن برامج إعداد المعلمين المتوفرة حاليًا في الجامعات على مستوى البكالوريوس، هي «تربية الطفل»، الخاص بإعداد معلمي رياض الأطفال، و«معلم صف»، لإعداد معلمي الصفوف الثلاثة الأولى.
علمًا بأن كليات العلوم التربوية في الجامعات الأردنية كانت تضم إضافة إلى البرنامجين السابقين، برامج أخرى على مستوى البكالوريوس لإعداد المعلمين مثل «معلم مجال»، و«معلم تربية ابتدائية»، والتي أُلغيت في وقت سابق. لكن هناك برنامج دبلوم التربية المهني (بعد البكالوريوس)، الذي يؤهل المعلمين في مجال أساليب تدريس التخصصات المختلف. وهذا الأخير ما زال قائمًا، وكان الحصول عليه، وفق أبو ملوح، يعطي المتقدم لديوان الخدمة المدنية أفضلية سنة، لكن ديوان الخدمة، ألغى هذه الميزة، وبات يتعامل معه بوصفه «دورة تدريبية». ووزارة التربية أيضًا، لم تعد، بحسبه، تعطي أفضلية للحاصل عليه.
بعد انحسار دور المعاهد والجامعات في تأهيل المعلمين، يقول أبو ملوح إن التعليم تحوّل إلى وظيفة يتم شغلها بالاستناد حصرًا إلى شهادة التخصص والدور في ديوان الخدمة المدنية. ومن هنا، جاء المشروع السابق الذكر المتعلق بإعادة بناء برامج إعداد المعلمين. ويشير أبو ملوح في هذا السياق إلى خطة لـ«إصلاح كليات التربية في الجامعات» تعمل عليها حاليا وزارة التعليم العالي بالشراكة مع أكاديمية الملكة رانيا. وهي خطة تنظم العمل على المسارات الثلاثة السابق ذكرها، وهي التوسع في تدريس دبلوم تأهيل المعلمين قبل الخدمة الذي تقدمه أكاديمية الملكة رانيا حاليًا بالتعاون مع الجامعة الأردنية. وسيبدأ خلال شهر كانون الأول \ديسمبر القادم في جامعة مؤتة. وفي السنة التي تليها، سيكون هناك ثلاث جامعات أخرى موزعة على المحافظات. وستتولى الأكاديمية، وفق أبو ملوح، تزويد هذه الجامعات بالمواد التدريبية، وتدريب أعضاء هيئة التدريس عليها.
المسار الثاني من هذه الخطة، يقول أبو ملوح، هو تعديل البرامج التربوية القائمة حاليًا في الجامعات بما يتناسب مع معايير منح الرخصة المهنية، وذلك بالتعاون مع أكاديمية الملكة رانيا، وسيتم في هذا الإطار تقسيم برنامج «معلم الصف» إلى برنامجين: الإنسانيات والعلوم. كما سيتم تعديل برنامج دبلوم التربية المهني السابق الذكر، أيضًا بما يتناسب مع المعايير الجديدة، وبذلك تعود إليه أهميته بوصفه مؤهلًا تربويًا.
أما المسار الثالث، فهو تأسيس برامج بكالوريوس لإعداد معلمي الصفوف من الرابع إلى التوجيهي، في مختلف التخصصات، مثل معلم لغة إنجليزية، ومعلم لغة عربية وغير ذلك من تخصصات، أيضًا بالتعاون مع أكاديمية الملكة رانيا.
إن نظام مزاولة المهن التعليمية، يقول، أبو ملوح، هو الجانب التشريعي من هذا المشروع الضخم، الذي تضمن مساراته الثلاث للخريج الحصول على الرخصة المهنية مباشرة. وبهذا سيمكن رفد الميدان بمعلمين مؤهلين قبل التعيين، عكس ما هو حاصل حاليًا، حيث تضطر الوزارة إلى تأهيل المعلمين بعد تعيينهم. وهذا ليس من مهامها فـ«وزارة التربية مش جامعة» كما يقول، وإن كانت في الوقت الحاضرة مضطرة لممارسة هذا الدور.
وفي هذا السياق، يشير أبو ملوح إلى التعاون بين وزارة التربية وأكاديمية الملكة رانيا في تأهيل المعلمين من خلال دبلوم تأهيل ما قبل الخدمة للمعلمين، الذي طرحته الأكاديمية قبل أربع سنوات، وهو برنامج يستمر تسعة أشهر، على فصلين دراسيين، يدمج بين التدريب العملي في المدارس والدراسة النظرية، حيث يداوم المعلمون يومين في الأسبوع لحضور المحاضرات النظرية.
رسوم هذا الدبلوم ثلاثة آلاف دينار، لمن يريد دراسته على نفقته الخاصة، لكن الوزارة، يقول أبو ملوح، تبتعث للسنة الرابعة على التوالي، معلميها المعينين لنيل هذه الدرجة. فقد ابتعثت الدفعة الأولى وعددهم 181 طالبا، إلى الأكاديمية، وعينتهم جميعهم قبل الابتعاث. ثم ابتعثت 500 للدفعة الثانية، عيّنتهم بعد انتهاء ابتعاثهم، ثم 800 طالب في الدفعة الثالثة، لم يعينوا، لكن وُعدوا بأن الأولوية في التعيين ستكون لهم بعد التخرج. أما الدفعة الأكبر من المبتعثين، فهي الرابعة، وتضم 1200 معلم. وتغطي البعثة كلفة الرسوم الدراسية، وبدل مواصلات. وفي حالة المبتعثين من مناطق بعيدة عن العاصمة، يقول إنه دُفع لهم بدل أجرة منزل.
يقول أبو ملوح إن الوزارة في أول دفعتين تجاوزت عن «دور الخدمة المدنية»، إذ نشرت إعلانًا مفتوحًا طلبت فيه من الراغبين في الدراسة في الأكاديمية ومن ثم العمل في «التربية» التقدم. وعُقد امتحان تنافسي للمفاضلة بين المتقدمين، وتم اختيار المرشحين بناء على نتائج هذا الامتحان. وهذا أدى إلى تعيين معلمين لم تكن لهم الأولوية وفق دورهم في ديوان الخدمة. وكان الهدف من ذلك، كما يقول، المساعدة في إطلاق برنامج الدبلوم، وتشجيع المعلمين على الإقبال عليه. لكن الوزارة، عادت والتزمت بالدور في آخر دفعتين، يقول أبو ملوح بسبب «الضغط المجتمعي»، أي ردود الأفعال الاحتجاجية التي أعقبت عمليات التعيين الأولى.
لكن التزام الوزارة بدور «الخدمة المدنية» لن يستمر. فبحلول العام 2025، سيكون معيار المفاضلة الوحيد بين المتقدمين للتعيين هو مؤهلاتهم التربوي. والمؤهل تربويًا، وفق أبو ملوح، هو المعلم الحاصل على بكالوريوس خاص بإعداد معلمين، من بين البرامج التي عملت الوزارة مع الأكاديمية على تعديلها أو تأسيسها في الجامعات، أو بكالوريوس في أي تخصص، لكن مرفق بدبلوم تأهيل المعلمين ما قبل الخدمة، والذي من المقرر أن تكون الوزارة مع الأكاديمية قد أتمّت عملية التوسع في إطلاقه في مختلف الجامعات. حيث سيصبح، وفق أبو ملوح، ملكًا لهذه الجامعات، إذ تصدر الشهادات باسمها، كما هي الحال الآن في الجامعة الأردنية.
إلى أن يحلّ العام 2025،، فإن وزارة التربية يقول أبو ملوح في «مرحلة انتقالية»، فهي تأخذ حاليًا من «مخزون ديوان الخدمة» وتؤهل المعينين، لكن مع السير قُدمًا في خطة إصلاح برامج إعداد المعلمين في الجامعات، والتوسع في الجامعات التي تمنح دبلوم أكاديمية الملكة رانيا، ليغطي باقي المحافظات، ستصبح أمام الأردنيين فرص متساوية، للوصول إلى هذه البرامج. ووقتها، سيصبح نيل الرخصة المهنية شرطا مسبقا للتعيين.
لهذا ينصح أبو ملوح أن يقرر الطلبة مباشرة بعد تخرجهم من الثانوية العامة أنهم يريدون التعليم مهنة، ويلتحقوا من البداية بأحد برامج إعداد المعلمين في الجامعات، مثل «معلم صف»، وباقي البرامج التي تعمل الوزارة مع الأكاديمية في التأسيس لها، حتى لا يتكبدوا كلفة السنة الإضافية بعد التخرج في حال لم يفعلوا. أما في حال التحق أحد بتخصص غير تربوي، ثم قرر بعدها أنه يريد أن يصبح معلمًا، واضطر بسبب ذلك إلى دراسة سنة إضافية ليتأهل تربويًا «فهاي مشكلتك، مش مشكلة الوزارة».
لكن هناك من هم حاليًا على مقاعد الدراسة الجامعية، وقطعوا شوطًا في تخصصات غير تربوية ويرغبون بالعمل في التعليم. وهناك الذين تخرجوا فعلا، مثل ولاء، وينتظرون منذ سنوات حلول دورهم في ديوان الخدمة المدنية، ولكنهم يجدون أنهم بعد نفاذ قرار اشتراط الترخيص قبل التعيين، سيكونون، على الأرجح، مضطرين للالتحاق ببرنامج دبلوم «تأهيل ما قبل الخدمة» حتى تظل لهم فرصة في التوظيف.
فهل يعني خروج وزارة التربية من مهمة ابتعاث معلميها لدراسة الدبلوم، أن على الراغبين مستقبلًا في العمل معلمين دفع كلفة دراسته؟ يقول أبو ملوح «مسألة إن كان الطلبة سيدفع رسوم أو ما رح يدفع رسوم، هذا مش واضح، بس حتى لو دفع رح تكون (…) للجامعة».
وعند سؤاله عن العدل في أن تصبح أولوية التعيين في المستقبل لمن يملكون المال لدراسة دبلوم يكلف ثلاثة آلاف دينار، تضاف إلى ما دفعوه أصلًا نظير دراستهم الجامعية، يقول أبو ملوح «أنا في وزارة التربية والتعليم مش مكان لعلاج مشكلة البطالة. أنا حقي وحق المجتمع آخذ أحسن الكفاءات». هذا ما يحدث، كما يقول في باقي القطاعات المهنية، وليس على التعليم أن يكون استثناء.
إذن هي مشكلة ولاء خلف المتزوجة وأم لطفلين، والمصدومة لمعرفة أنه من المرجح أن تكون مضطرة، ليس فقط لدراسة سنة إضافية، بل وأيضًا لدفع ثلاثة آلاف دينار كلفتها. وهذا يجعلها تتساءل إن كانت ستكون قادرة على القيام بذلك. «بدي التعيين، بس هسة مش عارفة. كثير صعب، كثير صعب». إنه أمر لو حدث فعلًا، فإنه بالتأكيد سيقضي على فرصتها في التعيين. «لو يحكولي هسة بدك 3 آلاف دينار دراسة، بقولك أنا معيش».
التدريب ليس فقط هاجس المقبلين على التعيين، إنه أحد الاعتراضات الأساسية على النظام الجديد للمعلمين بشكل عام ممن هم على رأس عملهم، ممن يعترضون على المساحة التي تحتلها الدورات التدريبية في الترقي. إذ يحدد النظام ما نسبته 50% من النقاط اللازمة للترقي من رتبة معلم مرخص إلى معلم أول. وما نسبته 40% من نقاط الترقي إلى رتبة معلم خبير، و20% للانتقال إلى رتبة معلم قائد.
هذا يعني عمليًا أنه لا يمكن للمعلم أن ينتقل من مستوى لآخر من دون الخضوع لهذه الدورات التدريبية. الاعتراض، كما تنوه ازدهار الشبول، التي عُينت معلمة رياضيات قبل ست سنوات، وتعمل حاليًا في مدرسة في الرمثا، ليس على مبدأ ربط الحوافز بتطور المعلم المهني، ولكنها في حصر فكرة التطوير المهني بآلية محددة هي الخضوع لدورات تدريبية. في حين أنه في هذا العصر من التقدم التكنولوجي، وتوفر موارد التنمية المهنية على الإنترنت، يمكن للمعلم أن يطوّر نفسه من خلال هذه الموارد. والمفروض أن يكون المعيار في النهاية، بحسب الشبول، هو أداؤه داخل الصف وانعكاس هذا الأداء في نتائج الطلاب.
تقول الشبول إن ثقل متطلبات التدريب في هذا النظام يجعل الكثير من المعلمين يتساءلون عن «واقعية» فرص الترقي، لمن ليس لديهم الفراغ ولا الإمكانيات للخضوع لهذه الدورات، وبالتحديد المعلمات، اللواتي سيكنّ أول ضحايا هذا النظام، وستكون فرصهن في التثبيت والترقي أقل، لأن أعباءهن وفق ما هو سائد اجتماعيًا أكبر بكثير. كما أنهن أقل حرية في الحركة، حتى لو لم يكن متزوجات وأمهات. والصعوبة أكبر للمعلمات اللواتي يسكن في مناطق نائية، خاصة وأن هذا النوع من التدريب، يكون دائمًا في مراكز المحافظات. «أنا ممكن أطوّر نفسي بالبيت بموضوع معين. أنا بدرّس توجيهي. ممكن أشوف حلقات يوتيوب بالبيت بالليل بوقت فراغي بأريحية. أما أفرّغ نفسي بعد الدوام أروح على منطقة ثانية، ما بقدر».
أمر آخر تقول الشبول إنه يزيد الاعتراض هو أن المعلمين لديهم خبرة سابقة بفعالية ربط حضور الدورات التدريبية بالترقي، فهو موجود في نظام رتب المعلمين القائم حاليًا، وهم يعرفون كيف أن هذا لم يكن ينعكس بالضرورة على أداء المعلم. «عادي، بكون فاضي أشغال وبروح بتدرب، بس أداؤه في الصف بظلّ زفت»، تقول الشبول. ورغم ذلك كانت تتم عملية الانتقال من مستوى إلى آخر.
هنا، يقول أبو ملوح إن النظام أتى بآلية جديدة تعالج ثغرة في عملية التقييم التي يتم بناء عليها الترقية. ففي الماضي، تمت عملية التقييم من خلال التقرير السنوي الذي يعطي تقييم مدير المدرسة وزن 70% من النتيجة النهائية، والمشرف التربوي 30%. لكن دور المشرف التربوي في التقييم، ألغي بعدها، لأن الوزارة وجدت أن التقييمات في المجمل لم تكن تعكس واقع أداء المعلمين. فحوّلت الأمر كليةً إلى مدير المدرسة، وهي آلية وجدت الوزارة أيضًا أنها تعاني من اختلالات لأنها الأخرى لم تكن تعكس الأداء الحقيقي للمعلمين، وكانت تتأثر بالعلاقة الشخصية بين الطرفين. بالتالي، وفق النظام الجديد، يشترك في عملية التقييم التي تغطي الجانبين السلوكي الوظيفي والمهني من أداء المعلم، عدة أطراف من داخل المدرسة وخارجها، وهو أمر يُأمل أن يحفز المعلم ليكون أكثر مبادرة ليس فقط داخل مدرسته، بل وفي المجتمع المحلي أيضًا.
تعلق الشبول إن «الكلام ممكن يكون حلو على الورق»، لكن المعلمين اختبروا مثله من قبل.
الولاية على التدريب و«احتكاره»
اعتراض كثير من المعلمين يتجاوز آلية التدريب والمساحة التي يحتلها في النظام الجديد إلى التساؤل بشأن أكاديمية الملكة رانيا، التي تأسست العام 2009، وتصاعد منذ تلك السنة دورها في تدريب المعلمين. يقول أبو قديس إن المعلمين يتساءلون لماذا تسحب من وزارة التربية الولاية على التدريب الذي كان تاريخيًا ضمن مهامها الأساسية؟
ويتساءل عن الأمر نفسه عضو مجلس نقابة المعلمين في الدورة السابقة، حسن العتوم، الذي يصف هذا بالـ«احتكار» الذي يفترض أن يكسر، ويفتح المجال أمام هيئات أخرى لتشارك في عملية التدريب، وعلى رأسها نقابة المعلمين. فهذا، كما يقول، سيخلق تنافسًا، سيؤدي في النهاية إلى رفع مستوى الخدمة.
لقد أشارت بالفعل «الخطة الاستراتيجية» سابقة الذكر إلى ضرورة الانتقال «لنظام متعدد من مزودي الخدمة». لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى «محدودية القدرات الفنية والصلاحيات اللازمة» لتحقيق ذلك. في حين يقول أبو ملوح إن الأكاديمية بالفعل هي حاليًا مزوّد الخدمة الوحيد في ما يتعلق بتأهيل المعلمين ما قبل الخدمة، لكن مع توسع البرنامج الذي تشرف عليه الأكاديمية في الجامعات الأخرى، ستنضم هذه الجامعات بوصفها مزوّدي خدمة آخرين.
وفي مواجهة احتجاجات في أوساط المعلمين على ما يقولون إنه تمييز يمارس لصالحها في ما يتعلق بحصر عمليات التدريب بها. وهو «تمييز» يتمثل في جعلها عضوًا في مجلس الاعتماد، وهو هيئة تأسست بموجب النظام، من بين مهامها منح الرخصة المهنية، ووضع معاييرها، واعتماد المواد التدريبية والمؤسسات المقدمة لخدمة التدريب. في مواجهة هذه الاحتجاجات، أصدرت الأكاديمية الأسبوع الماضي بيانًا أشارت فيه إلى أنها لم تعد موجودة في مجلس الاعتماد، وأنه ليس في النظام ما يشير إلى منحها «أي أفضلية على غيرها من مزودي الخدمة».
يُذكر أن نسخًا أولى من النظام المطروح كانت تتضمن اسم «الأكاديمية» ضمن أعضاء هذا المجلس، قبل أن يُحذف في النسخة الأخيرة. وفي هذا السياق يشير العتوم إلى اعتراض آخر، هو عدد ممثلي نقابة المعلمين فيه، فهم ثلاثة من أصل 13 عضوًا، تسعة منهم إمّا من مسؤولي وزارة التربية، أو ممن يسميهم وزيرها. هذا المجلس، يقول العتوم، هو «عصب النظام»، وهناك خوف كبير في أوساط المعلمين من أن يكون هناك شروط «تعجيزية» في ما يتعلق بالتدريب ومؤشرات الأداء. وهو أمر لو حدث، لن يكون بإمكان المعلمين مواجهته في ظل تهميشهم المتمثل في تمثيلهم الضعيف في المجلس.
يقول العتوم إن «تهميش» المعلمين، واستثناءهم من صياغة السياسات التربوية، من بين الأسباب الأساسية لأزمتهم، وليس فقط تردي الرواتب. لقد «تم اغتيال المعلم الأردني لأنه لم يكن شريكًا حقيقيًا في أي برنامج تطرحه الوزارة»، وكل هذه المنح الذي أنفقت على التعليم، يقول العتوم اختزلت في «ورق بِنْحطّ على الجدران أو في الملفات».
في هذا السياق، يذكّر أبو ملوّح بـ(المادة 5 د) من قانون نقابة المعلمين التي تمنعها من «التدخل بسياسات التعليم والمناهج والبرامج والمعايير المهنية وشروط مزاولة مهنة التعليم والمسار المهني والوظيفي للمعلمين». ويقول إن الوزارة، مع ذلك، تجاوزت هذه المادة، وعينت منهم أعضاء في المجلس. وهي فوق هذا، تفاوضت معهم على النظام الحالي، ولم ترفعه إلى رئاسة الوزراء إلا بعد التوافق عليه مع مجلس النقابة السابق.
الاتفاق الذي يشير إليه أبو ملوح، وزوّد حبر بنسخة منه، كان أحد فصول التجاذب بين الوزارة والنقابة. لقد وُقع هذا الاتفاق مع مجلس النقابة السابق في تشرين الثاني الماضي، إبان أزمة إعلان ديوان الخدمة المدنية تطبيق ما يسمى بـ«المنحنى الطبيعي». وهو بند يتعلق بتقييم أداء الموظفين، يلزم المؤسسات بتوزيع موظفيها على درجات التقدير المختلفة بنسب محددة مسبقًا، بما فيها تقدير «ضعيف». ويتضمن آلية لفصل من يحصلون على هذا التقدير. البند، الذي أثار احتجاجات واسعة في أوساط المعلمين، ألغاه «الخدمة المدنية» مطلع العام الحالي لجميع الموظفين، لكن نقابة المعلمين تمكنت قبلها بشهرين، من استثناء تطبيقه على منتسبيها، مقابل اتفاق مع وزارة التربية، كان من بنوده الموافقة على المادة 18 من نظام مزاولة المهن التعليمية، المتعلق بتحديد العلاوات الفنية التي نص عليها نظام مزاولة المهن التعليمية لكل مستوى، وسبق ذكرها في هذا التقرير.
وفي وقت تصر الوزارة على أن هذا الاتفاق هو دليل قبول مجلس النقابة السابق بالنظام، ينفي النقيب السابق، باسل فريحات، أن يكون لهذا الاتفاق علاقة بعلاوة الـ50% التي يطالب بها المعلمون حاليًا، أو أنه يمثّل موافقة على النظام بكل تفاصيله. ويقول إن الوزارة وعدت بألا ترفعه إلى الرئاسة إلا بعد اتفاق مع النقابة، لكنها استغلت فترة «الفراغ» النقابي إبان إسبوع الانتخابات، ورفعته إلى رئاسة الوزراء، التي أقرته، كما سبق الذكر، في نيسان الماضي.
إن كان المجلس السابق قد وافق على النظام أم لم يوافق، ليس هذا مهمًا الآن، لأن المعلمين في الميدان أوضحوا بقوه أنهم يرفضون هذا النظام بصيغته الحالية. وكما سبق القول، هم سيتفاوضون عليه، ولكن بعد أن تعترف الحكومة بعلاوة الـ50%. ووقتها سيحلون إضرابهم وهنا يقول العتوم إن طرفا ثالثًا يجب أن يتدخل لفض هذا الاشتباك بين المعلمين والحكومة. فالإضراب في النهاية، ليس الغاية، إنه فقط رسالة من المعلمين «إنو يا جماعة حدا يشوفنا».