رئيس وزراء «إسرائيل»، مجرم الحرب المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، يصبح أول زائر رسمي مهنئ لدونالد ترامب على توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية. تقول التقارير الصحفية إن الوفد الإسرائيلي أنهى الليلة وغادر قاعة المؤتمرات بوجوه متهللة وابتسامات عريضة، بعدما حصل على أكثر مما كان يتمنى. يذهب نتنياهو للمكتب البيضاوي باقتراح قديم جديد، كان جاريد كوشنر، صهر ترامب، قد عبر عنه خلال ولاية ترامب الأولى باسم «صفقة القرن». وقتها، أخبرنا كوشنر موظف المبيعات السابق أنه قرأ «عشرين كتابًا حول النزاع العربي الإسرائيلي»، وأنه مستعد الآن لتخطيط مستقبلنا بكفاءة، من أجل مزيد من التقدم والازدهار والمصالح الحقيقية.
تغيرت الأمور خلال هذه السنوات. كان لدينا «الاتفاقات الإبراهيمية» التي ضمنت لعدة عواصم خليجية تصريحًا -مريحًا من عناء التخفّي- بالتطبيع مع «إسرائيل»، متوازيًا مع التمسك بحل الدولتين كأفق لانتظار ما لا يأتي. ثم انهدم هذا كله مع عملية «طوفان الأقصى» التي شنتها حركات المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس. ما حدث بعد ذلك نعرفه جميعًا، حملة إبادة شنتها «إسرائيل» على قطاع غزة تجلت فيها فرصة تاريخية لحل ما لم تستطع «إسرائيل» أبدًا حله جذريًا؛ وجود قطاع غزة نفسه.
بعد 14 شهرًا من الإبادة أسفرت عن تدمير كامل للقطاع، واستشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وصل ترامب ثانية إلى سدة الحكم. وكعادة ترامب المتمرس في عالم المصارعة الحرة، كان تعيينه مشهديًا: عشرات الأوامر التنفيذية والإطلاقات والتخويفات والوعود بقرارات مصيرية، يفكك تحالفات تاريخية في «نكتة»، ويقوض مؤسسات راسخة في السياسة الأمريكية بقرار تنفيذي وبجرة من «قلمه الجميل».
المهم في حالتنا أن ترامب وعد بوقف إطلاق النار في غزة، فتحركت المفاوضات المتعثرة لما يزيد عن عام متلاقية مع إرادته. ثم في مشهد ثانٍ غير بعيد عن الأول، يستقبل نتنياهو. فجأة، ودون أي تشاور معلن مع أي طرف من الوسطاء، أو أي ذكر لإرادة الطرف الثاني من أطراف الصراع «الفلسطينيين»، يقول ترامب كلامًا كثيرًا في كل شيء: تهجير سكان قطاع غزة.. مصر والأردن ستوافقان.. سنمنح «إسرائيل» ما قُيّد عليها من أسلحة إبادة.. يمكن للقطاع أن يكون «ريفييرا» الشرق الأوسط.. سأفكر بشأن الضفة.. سأزور السعودية.. وأيضًا «قد نمتلك نحن القطاع».
هذه هي طريقته في التعبير على كل حال، قد يتراجع وقد يتفاوض وقد تنجح بعض المؤسسات الأمريكية في إقناعه بالعكس، لكنه يغرق مشاهده في بِركة من التفاصيل والاحتمالات، ويفرض «الحد الأقصى» معيارًا للتفاوض. سنتناقش بالفعل، لكن سيجري النقاش على معيار جديد.
لكن المسألة ليست أسلوب «مفاوضة» جديد يتبناه رجل أعمال فرض نفسه على عالم السياسة، هذا تهوين من شأن الآثار المؤسسية والبنيوية، وتهوين أيضًا من شأن شبكة المصالح التي يمثلها الرجل والتراكم التاريخي من الحساسيات والمشاعر التي جعلته «مغريًا» بالنسبة للملايين التي انتخبته. لا نعلم مجرى الأمور في المستقبل القريب ومن سيرفض ماذا، وما هي الآليات التنفيذية والقواعد الإجرائية، ومن الشركاء ومن الخصوم. المهم أن المعيار قد ارتسم: «إسرائيل» هي المعيار. لكن لنعد قليلًا إلى عالم ما قبل هذا المعيار وأطره.
«إسرائيل العدو»: معيار العقلانية السياسية
عادة ما يشير المؤرخون إلى هزيمة يونيو 1967 بوصفها «الصخرة» التي تحطم عليها حلم القومية العربية. وهذا حقيقي في جانب من جوانبه، فحين تتعرض السلطة التي تبشّر بـ«وحدة عربية» لمثل هذه الهزيمة العسكرية الثقيلة، هذا يعني أن مشروع الوحدة قد هُزم. لكن المشاعر القومية العربية لم تكن نابعة من الناصرية وحدها، ومشاعر اليأس والانكسار العربية لم ترادف في هذه السنوات التخلي التام عن الطموح الشعبي والحلم العام والخيال السياسي المشترك.
منذ اختراعها إلى حرب أكتوبر 1973، مرت «إسرائيل» في المخيلة السياسية العربية بتحولات عدة. في البداية، كانت في حرب 1948 عقدةً عسكريةً من عقد الاستعمار البريطاني والفرنسي في المنطقة. استمر هذا التبسيط حتى بعد نجاح ثورة يوليو 1952، رغم أن قادة الثورة شاركوا بأنفسهم في حرب 1948 التي كانت حدثًا مؤسسًا في بناء مخيلتهم السياسية. لكن سرعان ما تحولت «إسرائيل» في الخيال السياسي العربي إلى مشكلة مستقلة تهدد الوجود العربي، لا سيما مع العدوان الثلاثي على مصر في 1956. خلال الفترة الفاصلة بين 1956 و1967، أخذت رؤيتنا العربية لـ«إسرائيل» تتشكل بوضوح أكبر: «عدو» على الأبواب نشترك جميعًا في رفض وجوده، أو على الأقل يشترك جميع «المتنافسين» العرب في إعلان الاتفاق على رفضه؛ عدو لا يهدد مشروع وحلم القومية العربية -غير المتفق عليه تمامًا- وحده، بل يهدد الجمهوريات العربية الناشئة حديثة الاستقلال في وجودها ومستقبلها. كان هذا هو معيار العقلانية السياسية السائد في تلك السنوات؛ معيار له قبول شعبي ويفرضه الواقع وتجري على أساسه أية تفاهمات دولية، حتى لو قبلت بعض الأنظمة العربية أن تتخلى عنه سرًا.
وفق هذا المعيار جاءت حرب أكتوبر 1973 بوعد ضمني، لا بتحرير سيناء أو الجولان وحدهما، بل أكبر من ذلك أن يجد هذا الخيال السياسي العربي المشترك فرصة للتحقق الواقعي. لكن سرعان ما تحول الحلم إلى كابوس، وجاءت كامب ديفيد.
كامب ديفيد: المعاهدة والعالم الذي أنتجته
لم تكن معاهدة كامب ديفيد مجرد ترتيبات لإنهاء صراع عسكري، بل فاتحة لإرساء أمر واقع جديد، وتأسيس معايير سياسية ضمنية لتتعامل والتفكير في الشرق الأوسط. أطلقت المعاهدة شرارة عالم جديد من العقلانية السياسية في المنطقة، عالم تتحول فيه «إسرائيل» من مجموعات دينية متطرفة بنت دولة مخترعة على أرض لا تملكها وتخوض مع جيرانها حروبًا مريرة من أجل الاعتراف بالوجود وتحصيل أي مصدر من مصادر شرعية الأمر الواقع، أي من «العدو»، إلى «معيار» من معايير قليلة تحكم التعامل الدولي -وعلى رأسه الولايات المتحدة- مع الشرق الأوسط.
تضخيم غير مسبوق يحول هذا الكيان العدائي الصغير، الفاقد لكل مقومات شرعية الوجود التاريخي والسياسي، إلى معيار من بين معايير قليلة جدًا يجري على أساسها قياس «تعقّل» الشرق الأوسط، ضمت المعاهدة كذلك تدفق إمدادات الطاقة من المنطقة إلى العالم، وخطوط الملاحة التجارية، وملفات أخرى تظهر وتندثر تاريخيًا، مثل: موقع الشرق الأوسط خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، وصعود «المحور الإيراني»، والحرب الكونية على «الإرهاب الإسلامي».
انطوت الرؤية الأمريكية خلال هذه الفترة على مجموعة من التحفظات والقيود الاستراتيجية تحكم علاقة «إسرائيل» بمن حولها. أولًا: الدول العربية التي حاربت «إسرائيل» سابقًا ستصبح «دول طوق» لها، هذه هي آلية التعريف. ثانيًا: ستحافظ الولايات المتحدة على توازن استراتيجي بين «إسرائيل» ودول الطوق، لا يحرم دول الطوق من مكانتها، ويضمن في نفس الوقت التفوق العسكري النوعي لـ«إسرائيل». ثالثًا: مراعاة الاعتبارات الأمنية لهذه الدول، مثلًا باحترام مصالح الدولة المصرية في الحفاظ على قطاع غزة كامتداد استراتيجي لها، وعدم إطلاق يد «إسرائيل» أكثر من اللازم في الضفة أو جنوب لبنان مما قد يفجر الأوضاع الداخلية في الأردن وسوريا. الباقي تفاصيل، فدخول أنظمة هذه الدول إلى السوق العالمي أو خروجها من «الكتلة الشرقية»، تنميتها أو تخلفها، كيف تدير أمورها داخليًا، كل هذا لا يضير كثيرًا طالما أن المعايير منطبقة، ومحدداتها تحت متابعة فاحصة.
نفس الرفض المتوقع أن تواجهه أفكار ترامب حول «تفريغ قطاع غزة» من سكانه وما تحمله من فرض لأوضاع جديدة، واجهته معاهدة كامب ديفيد وما ترتب عليها من ترتيبات سياسية -لا سيما سياسات الانفتاح الاقتصادي والتخلي عن الإرث الاجتماعي الناصري تدريجيًا- في صورة رفض شعبي جارف للمعاهدة، يمكننا بسهولة تتبع مساره التاريخي وتلمّس تأثيره في أحداث فارقة مؤسسة في تاريخ مصر الحديث: ثورة يناير 1977 التي سماها نظام السادات «ثورة الحرامية»، واغتيال السادات شخصيًا على يد عسكريين في «ذكرى النصر»، و«الصحوة الإسلامية» التي ظن السادات أنها ستعينه في خلافه مع خصومه الداخليين ثم سارت بعكس الخطة.
الواقعة ورفضها أيضًا تضافرا معًا لينتجا عقلانية سياسية جديدة، وليشكلا معالم الحياة السياسية في المنطقة. كامب ديفيد كانت خطوة مؤسسة على طريق العداء بين «الدول العربية» المطبعة ومجتمعاتها. وعلى أساس هذا العداء والريبة والإحساس المتبادل بالعبء، تشكلت حياتنا السياسية العربية طوال عقود.
الأسطرة العربية لفلسطين
بعد تحول مصر وسوريا إلى دول طوق، تحولت قضية وجود «إسرائيل»، التي كانت تواجه عربيًا، إلى عبء حصري على المقاومة الفلسطينية كقضية «محلية» بالنسبة للأنظمة العربية. لكن هذه القضية استمرت في تأدية وظائف سياسية كبيرة يمكن أن ترقى إلى مصدر من مصادر شرعية السلطويات العسكرية العربية. تضمن حصر العبء الإسرائيلي في «مسألة فلسطينية» إقرارًا ضمنيًا بتجاوز سؤال شرعية وجود «إسرائيل»، لا سيما مع ظهور تناقضات أصبحت مع الوقت طبيعية ومتسقة ومقبولة مثل «تطبيع رسمي ورفض شعبي». على جانب آخر، ضمن وجود «إسرائيل» للأنظمة ما بعد الاستعمارية في العالم العربي ابتزازًا لا نهائيًا، بالتخويف بالأعداء، والمؤامرات الخارجية، وضرورة «وحدة الصف» وتماسك المجتمع بوصفه «الجبهة الداخلية». وهي أمور التي لم تزل حاضرة إلى اليوم في الخطاب القومي الشعبوي الذي يتبناه إعلام هذه الأنظمة وأدواتها الثقافية.
تحولت فلسطين إلى أسطورة مقدسة، كعبتها «حل الدولتين» الذي بات يستخدم كمجاز لغوي وشعار لأوضاع ما بعد كامب ديفيد. لم يزل هذا أحد أسس العلاقة المتناقضة بين دول ما بعد الاستعمار العربية ومجتمعاتها، العلاقة التي تتضمن التأكيد الدائم على الأولويات والأخطار الخارجية، والمسؤوليات التاريخية، كأساس لعسكرة المجتمع واحتقاره. كما تتضمن تعطيلًا وتأجيلًا أبديًا لمسألة فلسطين، التي ستحتاج لحل أولًا، قبل أن نفكر في وجود «إسرائيل»، وقبل أن نبدأ في التفكير في معنى الشعب.
بهذا، ليست ترتيبات ما بعد كامب ديفيد أقل من أساس من أسس الاجتماع السياسي العربي، أساس ضمني مقبول من الجميع يحدد معنى «المصلحة» والعقلانية والحنكة السياسية والتريث وتقدير الظروف الدولية. ليست دول ما بعد الاستعمار العربية وحدها من تقبّلت هذه القواعد وعملت على أساسها وبنت عبرها أفقها السياسي، بل أيضًا التيارات المعارضة التي شكلت نخبتها حجر أساس لثورات الربيع العربي، لا سيما التيارات الإسلامية، حيث قبلت بهذه الأوضاع وعملت على أساسها دون حاجة لإعادة تفكير. شاهدنا مثلًا، قبل أكثر من عقد يبدو وكأنه الأمس، المناظرات الانتخابية بين المرشحين لرئاسة الجمهورية في مصر بعد الثورة، وشاهدنا تأكيداتهم جميعًا على وجوب «حفاظ مصر على معاهداتها الدولية»، الأمر الذي لا يأتي منفردًا أبدًا، بل مصحوبًا بتوازن القوى الداخلية والخارجية وأعراف التنسيق وتقدير المواقع التفاوضية، وهلم جرًا.
احتفالية «بيبي»
ما يريده نتنياهو يحب دائمًا أن يعبر عنه بصريًا في شكل خريطة مقسمة بين محورين، شر وخير، لكل منهما لون واضح، أو في شكل صورة فوتوشوب لـ«مستقبل» غزة، يصوره بطريقة تشبه ما يتلقاه الإعلام العالمي من حملات تسويقية عن «دبي». ويقدمه بطريقة تجعل موضوعه «التنمية» و«السكان»، الذين هم موضوع حرب إبادة قادها نتنياهو بدعم أمريكي لأربعة عشر شهرًا هدم فيها القطاع بأكمله وقتل نسبة معتبرة من سكانه وجرح ويتّم وشوه وهجّر أضعافهم، ثم يحدثنا اليوم عن رؤيته لمستقبل «السكان». الواقع يعلن بلسان جليّ عما يريده نتنياهو، الذي أتته فرصة طالما حلم بها لحل مشكلة «وجود» قطاع غزة من جذورها. لن يكفي ههنا القضاء على حماس، ولا تدمير قدراتها العسكرية أو قياداتها. فالمشكلة هي في وجود القطاع نفسه، فلا يمكن بعد هذه الحرب الطويلة والفرصة التاريخية أن تنتهي الحرب بوقف إطلاق النار، ثم السير على الخطى المعروفة من إعادة الإعمار لتعود حماس أو حركة مقاومة أخرى لتعلن حكمها وسيطرتها على القطاع. لا بد أن تنتهي هذه «المشكلة».
لكي تحدث فكرة التهجير التي يطرحها دونالد ترامب، نيابة عن نتنياهو، ثم يعيد نتنياهو تقديمها للجمهور الغربي بوصفها «خطة ترامب الحكيمة»، هناك ثلاثة مسارات، أولها: الضغط على الحكومات العربية المستهدفة، أي مصر والأردن، لقبول الخطة، وما يتضمنه ذلك منح أو تمويلات أو ضغوط. في حالة مصر بالتحديد، لو قبلت الخطة بهذا الشكل الفج، ستوضع السلطة المصرية تحت طائلة غضب شعبي هائل لا ينقصها، وبدلًا من أن تخسر قطاع غزة الذي رأت فيه تاريخيًا عمقًا استراتيجيًا لها إزاء «إسرائيل» فقط، سيزيد خسرانها بتغيير وضع سيناء الاستراتيجي والديمغرافي والأمني، المنطقة التي حافظت عليها السلطة المصرية لعقود كمنطقة مظلمة محرومة من التنمية تارة، ومفرغة من سكانها لدواعي «مكافحة الإرهاب» تارة أخرى. مما يعني تقويض كل ترتيبات كامب ديفيد، لا كمعاهدة فحسب، ولكن كأوضاع ضمنية مفروضة أو مقبولة طوعًا.
المسار الثاني هو أن ترفض الحكومات العربية المعنية كل هذا النزيف من الخسائر، وأن ترفض التهجير، وتتمسك بـ«حل الدولتين» كأفق للمساومة، الأمر الذي أعلنته صراحة وزارات الخارجية في الدول المعنية وأيدتها فيه خارجيات دول عربية أخرى كالسعودية، كما أيدها الاتحاد الأوروبي. لا نعلم بالطبع ما ستحمله الأيام القادمة من ضغوط وفرص، وهل ستستمر تلك الدول في موقفها أم لا.
المسار الثالث، الأقل فجاجة ووضوحًا، والأكثر خطرًا وتأثيرًا على المدى الطويل، أن تتعامل الدول العربية المعنية مع مسألة التهجير بطريقة تدريجية مغلفة بخطابات رافضة. لا بد أن يؤخذ في الحسبان أن استقبال دولة بمساحة مصر وعدد سكانها لنصف مليون أو حتى مليون من سكان القطاع المهجرين ليس أمرًا خطيرًا أو مرشحًا للانفجار الأمني في جوهره كما يدعي بعض الخبراء الأمنيين. خلال العقد الأخير وحده، استقبل المجتمع المصري مئات الآلاف من السوريين والسودانيين واليمنيين، ممن ضاقت بهم السبل بسبب ظروف بلادهم، وعاشوا وانتشروا بين المصريين دون تخوف يذكر. هذه إمكانية تاريخية موجودة، لا سيما إن وجدت الدعم المادي الكافي.
ما هو على المحك إذن، ليس احتمالية نهاية عصر كامب ديفيد فحسب. فخطورة هذا المسار لا تتوقف عند خسارة «الدولة» في مصر أو الأردن لامتداد استراتيجي يحفظ التوازن بينها وبين «إسرائيل»، أو نهاية ما رأته الدولتان «أوراق» تحفظ لها مكانة لدى الساسة الأمريكيين، أو نذيرًا بأن حربًا ما قد أصبحت حتمية. بل سيتعدى ذلك إلى تصفية ما عرف تاريخيًا باسم «المسألة الفلسطينية»، مما يعني بدوره نهاية أوضاع ما بعد كامب ديفيد جميعًا، وميلاد عقلانية سياسية جديدة تتغير معها تصوراتنا السابقة عن «المصلحة» و«الواقعية» والمسار الطبيعي للأمور. لتتحول «إسرائيل» من «معيار» من بين معايير قليلة لتحريك السياسة في الشرق الأوسط، إلى «المعيار».