آن للنكبة ألّا تستمر

من المسيرة التي اتجهت اتجهت صوب حدود الأردن مع فلسطين المحتلة في 14 أيار 2021. تصوير شربل ديسي.

آن للنكبة ألّا تستمر

الإثنين 17 أيار 2021

تمرّ ذكرى النكبة هذا العام وسط ظروف مختلفة كليًا عن كل عام، مع انتفاض الشارع الفلسطيني في الضفة والقدس والداخل المحتل، واستمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة، ومتابعة المقاومة إطلاق الصواريخ من القطاع تجاه البلدات والمستوطنات الإسرائيلية.

خلال الأيام الفائتة، توجهنا بالسؤال لعدد من المشاركين في المظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها الأردن، نصرةً وتضامنًا مع فلسطين المحتلة، حول نظرتهم للنكبة واستمراريتها، في ظلّ ما تشهده فلسطين من تصاعد للمقاومة والاشتباك مع الاحتلال.

«هاي السنة في أمل»

تاليا عطية (48 عامًا)

«الناس صار عندها أمل مختلف، كل سنة دايمًا في شعور بالإحباط يوم النكبة، هاي السنة في أمل». تتحدث تاليا عن ذكرى النكبة الـ73، وهي تشارك في الاعتصام اليومي المستمر منذ ستة أيام في ساحة مسجد الكالوتي القريب من سفارة الاحتلال في الرابية، للمطالبة بإلغاء معاهدة وادي عربة وطرد السفير.

تقول تاليا إن ذكرى النكبة لهذا العام تعود بشكل مختلف، وهي تجلس في ساحة الاعتصام بجانب بناتها، تقول إن أجيالًا وأعمارًا مختلفة وجديدة تشارك في الاعتصامات الجارية هذا الأسبوع، ولم تكن تشاهدها مسبقًا، «أعتقد وصلنا لمرحلة إنه صار عنا قناعة إنه لازم يصير في تحرك شعبي، الموضوع مش إنه نستنى قرارات من المجتمع الدولي، ولا قرارات من حكوماتنا، يمكن الموضوع في إيدينا». يعود هذا «الاختلاف» في التعاطي الشعبي مع التطورات الحاصلة في فلسطين لعاملين رئيسين بالنسبة لتاليا، الأول هو ردود الفعل والاحتجاجات في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948، والثاني هو دور مواقع التواصل الاجتماعي، والتي لعب فيها النشطاء في فلسطين دورًا كبيرًا في التعريف عن القضية ونقل الصورة أولًا بأول، بحسبها.

«حاسة إنه قربنا، في تغيير، صار في تقدم، مش زي كل سنة، الناس صار عندها أمل مختلف (..) الشعب الفلسطيني بكفيه ظلم وعذاب، صار وقت يرتاح شوي».

الشعوب العربية حية تستمر بالمقاومة

مالك أبو الهيجا (26 عامًا)، عضو في حزب الوحدة الشعبية

يقف مالك أمام المئات من الشباب الذين يهتفون للقدس وفلسطين في ساحة مسجد الكالوتي، يؤشر مالك عليهم، وهو يتحدث عن ذكرى النكبة الـ73، «أنا من الأجيال اللي ما عاشت النكبة، لكن لا شك إنه المراهنة الصهيونية ومراهنة العدو والأنظمة التي تلف لفيف هذا العدو على أن هذا الشعب سينسى، على أن القضية ستموت مع الشعب الذي تعرض للنكبة عام 48، تسقط الآن أمام هذه الجماهير التي تقف خلفنا، تنادي منذ ثلاثة أيام في الشمس من أجل تحرير فلسطين»، يقول مالك. 

يرى مالك أن ذكرى النكبة تعود اليوم وسط تفاعل شعبي كبير مع ما يحدث من اعتداءات على أهالي القدس وتأييد كبير للمقاومة الفلسطينية، «الشعوب العربية حية تستمر بالمقاومة، وتؤكد بشكل لحظي ودائم على إيمانها بمحور المقاومة وخيار المقاومة، كخيار استراتيجي لمواجهة العدو الصهيوني». 

على مدار 27 عامًا مضت، كانت الأردن ترتبط بها بمعاهدة سلام مع الاحتلال، لم يتحقق أي شيء في مسار القضية الفلسطينية بحسب مالك، «الواقع يتحدث عن 27 سنة من السلام والمعاهدات، والعمل الدبلوماسي، ماذا قدم؟ لم يقدم أي شيء، لم يحرر أي شبر من فلسطين، الذي يحرر فلسطين اليوم والذي يثبته الواقع (..) هو الصاروخ، السلاح، الشباب التي تخرج للساحات. تطالب بحرية فلسطين وعروبة القدس».

يقول مالك، إن الشعب الفلسطيني لطالما أحيا ذكرى النكبة على مدار السنوات الماضية، لكن اليوم، تمرّ الذكرى بوجود انتفاضات شعبية في الوطن العربي، وتفاعل واسع مع القضية الفلسطينية، بعد استفزاز الشعوب العربية بالاعتداء على أهالي القدس والمصلين في المسجد الأقصى، وهذا التحرك وهذه الانتفاضة الشعبية في فلسطين تتطلب وجود ردّ رسمي أردني بحجم التضحيات المقدمة من الشعبين الأردني والفلسطيني على مرّ التاريخ، وتتطلب إسقاط اتفاقية الغاز مع الاحتلال الإسرائيلي، وطرد السفير وإغلاق السفارة.

«لأول مرة نشعر بالانتصار»

نايف سلطان (70 عامًا)

«الكيان الصهيوني يتساقط تدريجيًا الآن»، يقول نايف، في إجابته على سؤال ما الذي اختلف في ذكرى النكبة الفلسطينية اليوم، وهو يصف الصواريخ التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية باتجاه الاحتلال في الأيام الماضية، ردًا على اعتداء شرطة الاحتلال على المصلين في المسجد الأقصى والفلسطينيين في حي الشيخ جرّاح في الأسابيع السابقة.

صواريخ المقاومة لم تقصف الاحتلال فقط كما يراها نايف، لكنها أيضًا خلقت وحدة شعبية في الداخل الفلسطيني، ووحدت الشعوب العربية خلف خيار المقاومة، «اليوم إحنا نعيش حالة مختلفة تمامًا، حالة انتفاضة جماهيرية كبيرة، (..) انتفاضة حدودها من عدن لدمشق إلى طهران، انتفاضة شعبية كبيرة، تعبر عن طموح كل الشعب العربي والاسلامي».

لكن المطلوب الآن حتى تحقيق النصر الأكبر أن يلتف الجميع حول هدف واحد، وهو «استمرار الانتفاضة»، ورفض عقد المساومات والتسويات مع الاحتلال ورفض كل السلطات التي عقدت تلك التسويات والمعاهدات سابقًا، يقول نايف، الذي تحدثنا إليه في اعتصام ساحة الكالوتي، ومن خلفه أعداد كبيرة تطالب بإسقاط اتفاقية السلام الأردنية مع الاحتلال، «كل الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني كانت لخدمة الكيان الصهيوني، كل واحد بطبع مع إسرائيل هو جزء من الكيان الصهيوني يجب محاسبته على التاريخ كله».

في ذكرى النكبة الـ73، يشعر نايف بشعور غير مسبوق على الاطلاق كما يقول، «لأول مرة نشعر بالانتصار ونشهد الصواريخ وهي تهز مدينة تل أبيب». هذه الصواريخ، والتفاف الشعب العربي حولها، هي أول خطوة في انهيار الكيان، كما يرى نايف المهجّر من القدس عام 1948، « نحن أقرب للعودة».

سنوات من حلول سياسية تعيدنا للوراء

أحمد محمد عامر (26 عامًا)

كان أحمد في سيارته في منطقة الشونة الجنوبية، يستعد للعودة إلى بيته في منطقة ناعور في عمّان يوم الجمعة، بعدما قضى يومًا كاملًا في محاولة عبور الحدود الأردنية باتجاه فلسطين، من أجل تقديم «أي شيء» من الممكن تقديمه للشعب الفلسطيني. ضمن دعوة للتظاهر ذلك اليوم قرب الحدود الأردنية الفلسطينية. حاول المشاركون فيها تجاوز الحدود والعبور للأراضي الفلسطينية، قبل أن تمنعهم الشرطة وقوات حرس الحدود. وتعتقل العديد منهم وتطلق الرصاص في الهواء، والقنابل المسيلة للدموع.

مع ختام ذلك اليوم، وعلى بعد أمتار من مكان التظاهر، يتحدث أحمد عن ذكرى النكبة الفلسطينية دون أن يفصلها عن غيرها من أحداث تجري حاليًا، «بدنا ننتهي من الاحتلال الصهيوني»، يقول، وهو يصف المظاهرة ذلك اليوم، ومحاولة العبور للأراضي الفلسطينية بأنها نقطة بداية لمسيرات ومظاهرات هدفها الوصول لفلسطين ومساعدة الشعب هناك. يقول أحمد «في ظل الظروف اللي يعانيها الشعب الفلسطيني، وفي ذكرى النكبة، طلعنا مظاهرات إنه نقدر نتخطى الحدود، ونقدم أي شي نقدر عليه للشعب الفلسطيني الشقيق، بس للأسف لاقينا الحكومة بوجهنا (..) إن شاء الله المظاهرات مش بس اليوم إن شاء الله كل يوم خلص هاي نقطة بداية».

يرى أحمد أن الجديد اليوم هو انتفاضة الشعب الفلسطيني كاملًا في داخل فلسطين، بما فيها الأراضي المحتلة عام 1948، وأبرزها الأحداث في مدينة اللد المحتلة، والتي شهدت على مدار الأيام الماضية احتجاجات شعبية أدت لاستشهاد أحد مواطنيها. «ما في ناس قاعد ببيته، كلهم مو قابلين اللي قاعد يصير». 

يقول أحمد إن المطلوب تقديمه للقضية الفلسطينية اليوم «ولأكبر تهديد إلنا كدولة أردنية وكعرب» هو وقفة حقيقية، «لا كلام ولا مساعدات مادية ولا إشي، (..) إحنا بدنا وقفة عسكرية». وذلك بعد سنوات طويلة من محاولات للتعامل مع القضية سياسيًا، لكنها محاولات لم تفض لحلول كما يرى، «يعني حاولنا من 40 سنة لـ60 سنة، لحد اليوم ما طلعنا بفايدة، يعني بالعكس القضية كل ما فيها ترجع لورا، ما في تقدم ما في إنجاز»، يقول.

«المربى كتّال»

أم محمد الفرحات (86 عامًا)

بعد أكثر من ستين عامًا على تهجيرها من فلسطين تتذكر الحاجة أم محمد الفرحات تفاصيل الأرض في قرية المنسي في قضاء حيفا، حيث كانت تعيش في بيت شعر ويعمل أهلها في رعي 500 رأس من الأغنام. 

وتحفظ كذلك أسماء الكثير من بلدات حيفا وفلسطين المحتلّة في العام 1948، فيما لا تعرف هنا في الأردن غير البلدة التي تسكن فيها، بلدة الريّان بالأغوار الشماليّة، وبلدتين مجاورتين لها. «أعطيك اسم 200 بلد [في فلسطين]. هين ما اندل غير المشارع والشونة، هناك أعرفها كلها».

تستخدم أم محمد المولودة في العام 1935 مفردة بلادنا حين تتحدث عن قرية المنسي رغم أن لا بيوت لهم فيها، وتتذكر من مات يوم هُجّروا من القرية بالاسم. «تكتلّت ناس كثيرة. لما تشوف البلا هذا، تحط عيالك تحت الكتل؟ هجّت الناس».

توجّهت أم محمد مع عائلتها بعد النكبة إلى قضاء جنين وسكنوا بيوت الشعر. ومن ثم في العام 1958 رحلت إلى الأغوار الشماليّة حيث تعيش الآن في بلدة الريّان، لا تسمع أم محمد الأخبار، عندما أخبرناها بما فعل الشباب في مسيرة الجمعة 14 آيّار ونيّتهم قطع النهر قالت «وبلكي انكتلوا لا سمح الله؟». 

بعد أكثر من ستة عقود في الأردنّ تقول أم محمد عن العودة «المربى كتّال»، أي أنه من الصعب عليها فراق المكان الذي عاشت فيه معظم حياتها. «سلامتهم اللي بدهم يرجعوا، أنا بدي أرجع؟ أنا عمري انتهى»، ثم تعود وتسأل: «الله يعلم بينا. نعاود ولّا لأ؟».

«هذا جيل بيعرفش يسكت»

أحمد القرعان (28 عامًا)

«الحكومات العربية هي اللي أعطت للكيان الصهيوني عين». يقول أحمد القرعان، الذي يسكن الطيبة، في مدينة إربد، ويدرس علم الاجتماع بجامعة اليرموك.

اختير القرعان من بين مجموعة شباب من قرى إربد كضابط ارتباط مسيرة اتجهت للشونة الجنوبيّة يوم الجمعة 14 أيّار. تلقى القرعان عشرات الاتصالات من شبابٍ يُريدون المشاركة في المسيرة، و«الفعالية كانت بحق الله». 

«كنت بدي أحط أجري على أرض فلسطين» يقول القرعان، رغم أن النية لم تكن دخول فلسطين بالنسبة له، بقدر ما كانت خطوة رمزيّة للتضامن مع الفلسطينيين.

«اللي فجّر الموضوع كاملًا و[مبادرة] يلا على الحدود هي السيدة الماجدة الفلسطينية من غزة اللي ودّت لشباب الأردن مقطع فيديو [تقول فيه] مشان الله يا أردن يلا. فإحنا لبينا النداء». 

يعتقد القرعان -وهو أحد أحفاد الشهيد الشيخ سعيد القرعان الذي استشهد مع الشهيد كايد المفلح العبيدات في فلسطين بدايات القرن الماضي- إن ما جرى منذ العام 1948 وحتّى ما قبل الاعتداء على حي الشيخ جرّاح شيء، وما يجري الآن من المظاهرات في داخل الأرض المحتلة العام 1948 ورد المقاومة وما سيحدث مستقبلًا شيء آخر مختلف. 

«هذا جيل بيعرفش يسكت، السوشيال ميديا فتَّحت أعين الناس، اللي معاه تلفون ما ينخفاش عليه. [في المقابل] بالـ48 كان فيه مجازر ما حدا بعرفها». 

فرصة للتكفير عن سنوات الصمت

أسامة أبو حسيّان (27 عامًا)

«ربما أن تصل متأخر أفضل من ألا تصل. لعلها تكون هاي مع ذكرى النكبة بداية صحوة للشعوب العربية». 

يُمنّي الشاب أسامة أبو حسيّان الذي يسكن مخيم الحصن، وينحدر بالأصل من بيسان في فلسطين، النفسَ أن يكون ما يجري الآن من تفاعل غير مسبوق مع أهل القدس والشيخ جرّاح بدايةً وعيٍ جديد، خاصة في الذكرى الـ 73 للنكبة. 

يرى أبو حسيّان إن ما يجري مناسبةٌ للتكفير عن سنوات الصمت والخطيئة وإعادة ترتيب الحسابات، والابتعاد عن ردات الفعل الخطابية، إذ «ليس على الحكومات العربيّة أن تستنكر؛ الاستنكار فعل [أمام] شخص لم تعتد منه على تكرار الذنب». 

«هذا العدو والغرب بكامل أطيافه، بحاول يوازن بين الظالم والمظلوم، بين أصحاب الأرض والمغتصِبين، فإذا إحنا بلشنا نتساوى معهم في هذا الخطاب، إحنا بنخلي حقنا يتراجع.. والطريق الوحيد لمواجهة هذا العدو هو الكفاح المسلح بعيدًا عن كل الخطابات والوعود والتنديدات».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية