هل تحتكر الدول الغنية اللقاحات؟

الأربعاء 09 كانون الأول 2020
لقاح فايزر-بيونتك يجهز للاستخدام في مستشفى في لندن، 8 كانون الأول 2020. تصوير فكتوريا جونز، أ ف ب.

نشر هذا المقال بالأصل بالإنجليزية في مجلة بروجيكت سنديكيت، بتاريخ 16 تشرين الثاني 2020.

أعلنت شركة الأدوية الأمريكية فايزر وشركة بيونتك الألمانية أن لقاح كوفيد-19 الذي تطورانه بشكل مشترك فعال بنسبة تزيد عن 90% في التجارب السريرية المبكرة. رفعت الأخبار الآمال في جميع أنحاء العالم بأن الحياة قد تعود قريبًا إلى طبيعتها التي كانت عليها قبل الجائحة.

لكنّ هذه الآمال قد لا تدوم طويلًا. إذ دفع الإعلان الحكومات إلى التدافع مطالبةً بجرعات اللقاح، لتدرك نبوءة قاتمة على ما يبدو؛ تتلخص في أن الأغنياء من الدول والأفراد سيحتكرون الجرعات المبكرة من أيّ لقاح فعال.

من أجل منع هذه النتيجة بالتحديد، أنشئ برنامج «كوفاكس» لإتاحة لقاحات كوفيد-19 عالميًا، بقيادة منظمة الصحة العالمية، وتحالف ابتكارات التأهب الوبائي، والتحالف العالمي للقاحات والتحصين، «غافي». يهدف «كوفاكس» إلى تسريع تطوير لقاح كوفيد-19 وتأمين جرعاته لجميع البلدان، وتوزيع هذه الجرعات بشكلٍ عادل، بدءًا من الفئات الأكثر عرضةً للخطر. بعبارة أخرى، تم إنشاء البرنامج جزئيًا لمنع حكومات الدول الغنية من تكديس اللقاحات.

حتى الآن، انضمت أكثر من 180 دولة إلى «كوفاكس»، تمثل ما يقرب من ثلثي سكان العالم. وهذا يشمل 94 دولة مرتفعة الدخل، جميعها قدّمت تعهّدات ملزمةً قانونيًا. ستتمكن جميع الدول الموجودة في قائمة «كوفاكس» من الوصول إلى اللقاحات، ودفع ثمن جرعاتها بشكلٍ فرديّ. فيما ستتلقى الدول ذات الدخل المنخفض في «كوفاكس»، وعددها 92 دولة، جرعاتها مجانًا.

ستعمل خطة «كوفاكس» على توزيع اللقاحات على مرحلتين. في المرحلة الأولى، ستتلقى جميع البلدان المشاركة جرعات تتناسب مع عدد سكانها. وسيبدأ التوزيع بكمية لقاحات كافية لتحصين 3% من السكان الأكثر عرضةً للخطر، خاصةً العاملين في الخطوط الأمامية في الرعاية الصحية والاجتماعية. بعد ذلك، سيجري تسليم جرعات إضافية، حتى يغطي التحصين 20% من سكان كلّ بلد، بدءًا من الفئات الأخرى الأكثر عرضةً لخطر كوفيد-19، مثل كبار السن والذين يعانون من أمراض مصاحبة.

نظرًا إلى أنه لا يمكن التغلّب على الجائحة إلا عندما يتم التغلب عليها في كل مكان، فإن تبني نهج «كلّ دولة لنفسها» قد يبدو غير منطقي. ومع ذلك، فإن هذا هو بالضبط ما فعلته العديد من الدول.

في المرحلة الثانية، سيكون تسليم اللقاحات إلى بلدان محددة، بناءً على سرعة انتشار الفيروس فيها، وما إذا كانت مسببات الأمراض الأخرى (مثل الحصبة) تنتشر فيها أيضًا، ومدى ضعف البنية التحتية الصحية لهذه البلدان أمام ضغط الجائحة. نظرًا لقيود التطبيق العملي، من الصعب تخيّل نظام أكثر عدلًا. فلقاح فايزر-بيونتك على سبيل المثال، يجب أن يُعطى على جرعتين بفاصل ثلاثة أسابيع بينهما، وستُنتج 1.35 مليار جرعة منه فقط على الأكثر بحلول نهاية العام المقبل.

ومع ذلك، هناك عوائق كبيرة أمام تنفيذ هذه الخطة. أولًا وقبل كل شيء، فبينما انضمت الصين أخيرًا إلى «كوفاكس» في أوائل تشرين الأول، لم تنضم الولايات المتحدة إليه حتى الآن.

بالطبع، بالنظر إلى نهج «أمريكا أولًا» الذي يتبناه، لم يفاجئ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أحدًا برفضه الانضمام. ومع ذلك، هناك سبب للأمل في أن يكون الرئيس المنتخب جو بايدن أكثر تقبلًا. فبايدن بعد كل شيء يخطط لإعادة الانضمام إلى العديد من الاتفاقيات الدولية التي انسحب منها ترامب، وقد أنشأ بالفعل لجنة عمل خاصة بفيروس كورونا المستجد. كما من المقرر أن يجري سيث بيركلي، رئيس تحالف اللقاحات «غافي»، محادثات مع فريق بايدن.

في غضون ذلك، تعمل الصين بقوة وبشكل مستقل إلى حدٍ كبير على تطوير واختبار لقاح خاص بها. تخضع أربعة لقاحات مرشحة على الأقل حاليًا لتجارب المرحلة الثالثة من الدراسات السريرية. ورغم عدم إثبات شيء حتى الآن، يُقال إنّ المسؤولين الصينيين حاولوا تلقيح عشرات الآلاف من الأشخاص -وربما أكثر بكثير- خارج عملية الاختبار التقليدية.

لكن هناك مشكلة أخرى؛ إذ لا تزال الأطراف المشاركة في «كوفاكس» تتنافس لتأمين صفقات ثنائية مع شركات الأدوية، حيث لا توجد قاعدة تمنع ذلك. المملكة المتحدة، على سبيل المثال، حجزت 40 مليون جرعة من لقاح فايزر-بيونتك. كما قامت العديد من الحكومات الأوروبية الأخرى بتقديم الطلبات للحصول على اللقاح أو تجري الآن مفاوضات لإبرام الصفقات.

علاوة على ذلك، وضع الاتحاد الأوروبي اللمسات الأخيرة على صفقة تصل إلى 300 مليون جرعة. كما طلبت الولايات المتحدة، التي يبلغ عدد سكانها 328 مليون نسمة، 100 مليون جرعة، مع حقوق الحصول على 500 مليون جرعة إضافية، وهو هدفٌ مرتفعٌ للغاية، لدرجة يبدو معها كمحاولة لاحتكار السوق. البرازيل -وهي مشارك آخر في «كوفاكس»- تجري أيضًا محادثات مع شركة فايزر، مثلها مثل العديد من الدول الأخرى.

باعت شركة فايزر في غضون أيام من إعلانها، أكثر من 80% من جرعات اللقاح التي ستكون قادرة على إنتاجها بحلول نهاية العام المقبل، لحكومات تمثل فقط 14% من سكان العالم. بعبارة أخرى؛ إذا كان هذا هو أول لقاح آمن وفعّال يتم طرحه في السوق، فلن تتمكن الغالبية العظمى من سكان العالم تقريبًا من الوصول إليه.

في الوقت نفسه، يجري الحديث عن العديد من اللقاحات الأخرى المرشحة، إذ يوجد حاليًا أكثر من 200 لقاح، حوالي 50 منها في مرحلة التجارب السريرية. فقد أبرمت حكومات الدول الغنية بالفعل صفقات لضمان امتياز الحصول على اللقاحات التي طورتها شركة موديرنا (التي أبلغت أيضًا عن نتائج واعدة من التجارب السريرية)، وشركة جونسون آند جونسون، وشركة أسترا زينيكا، وغيرها، إذا نجحت لقاحاتها في اجتياز عملية الموافقة. ومن الواضح أن البلدان منخفضة الدخل ليس لديها هذا الخيار.

نظرًا إلى أنه لا يمكن التغلّب على الجائحة إلا عندما يتم التغلب عليها في كل مكان، فإن تبني نهج «كلّ دولة لنفسها» قد يبدو غير منطقي. ومع ذلك، كما تشير المنافسة الفجة على جرعات اللقاح، فإن هذا هو بالضبط ما فعلته العديد من الدول. ما لم نغيّر المسار، سيصبح الأبارتايد الصحيّ العالميّ راسخًا بشكل متزايد، وسيأخذ معه انعدام المساواة إلى مستويات جديدة، وزيادةً على ذلك سيظلّ الوباء معنا. كل ما سنفعله هو أننا سنضيف فقط مشاكل جديدة إلى المشكلة التي لم نقم بحلّها.


جاياتي غوش هي السكرتيرة التنفيذية لمنظمة (International Development Economics Associates) وعضو اللجنة المستقلة لإصلاح ضرائب الشركات الدولية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية