أزمة قطاع الطاقة الكهربائية في الأردن: الدعم، وتشوهات التعرفة، وصندوق النقد

أزمة قطاع الطاقة الكهربائية في الأردن: الدعم، وتشوهات التعرفة، وصندوق النقد

الأربعاء 26 شباط 2020

تحدثت وزيرة الطاقة والثروة المعدنية المهندسة هالة الزواتي في أكتوبر الماضي، عن أنّ الوزارة تُراجع هيكلة التعرفة الكهربائية التي يرجّح صدورها مطلع هذا العام، ذلك بعد دراسة جميع السيناريوهات المطروحة لتعديلها وفق ما يحقّق العدالة لجميع الأطراف، ويزيل تشوّهات شرائح التعرفة، ليكون هذا التصريح تكرارًا لسلسلة من التصريحات التي تلاحقت بذات المضامين والوعود منذ حكومة رئيس الوزراء عبد الله النسور عن إصلاح التعرفة إلى يومنا هذا.

تعتمد الحكومات في تصريحاتها الرسميّة استخدام «تشوّهات التعرفة» كتعبير مخفّفٍ عن مشكلات تسعيرة الكهرباء، بدلًا من استخدام التعبير الأكثر واقعيّة «مشكلة الدعم»، وذلك على أمل أن تكون كلمة تشوّهات أقلّ فظاعةً وثقلًا على أذن المواطنين من «رفع الدعم»، فانخفاض عائدات الدولة الماليّة بالتوازي مع ارتفاع مديونية يسهم قطاع الطاقة فيه بنسبة 18% بالمئة،[1] تجعل من رفع الدعم عن أسعار الكهرباء المحكَّ الأخير الذي تحاول الدولة تفادي اللجوء إليه كحلٍّ أخير لعجزها الماليّ. ورغم تكرار الحكومات روايتها الرسميّة بتحميل الربيع العربيّ وِزر ارتفاع مديونيّة قطاع الطاقة وارتفاع التكاليف عليها، إلّا أنّ هذه الرواية هي اجتزاءٌ لمشكلات القطاع التي كان لسوء الإدارة والتخطيط دور كبير في تردّي أوضاعه.

آخر التصريحات بشأن التعرفة جاءت كطمأنةٍ من المدير العام لشركة الكهرباء الوطنية، المهندس أمجد الرواشدة، بأنّ الشركة لن ترفع من أسعار الكهرباء على المشتركين، رغم أنّ تحديد أسعار الطاقة ليس من صلاحيّات الشركة الوطنية وإنّما منوطٌ بهيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن. ليأتي هذا التصريح كإشارة على تخبّط قطاع الطاقة الذي لم يجد منفذًا لمشاكله المتفاقمة بوجود ضغوط اقتصاديّة وسياسيّة واجتماعيّة تؤثّر على صناعة القرار لديه.

يمكن إجمال إشكالات التعرفة الكهربائية بالتباين بين أسعار بيع الكهرباء مع تكلفة إنتاجها، ما ولّد خسائر باهظة حُمّلت على الدين العام للدولة، والتي تدخّل في تضخّم حجمها عاملان: أوّلهما الأسعار ودعم الطاقة المقدّم للمواطنين وبعض القطاعات والذي تتحمّل تكلفته الشركة الوطنيّة (ممثّلة الحكومة) والمستهلكون الكبار للطاقة، والذي أصبح لصندوق النقد دورٌ مباشرٌ في تحديد حجمه، والعامل الآخر هو تكاليف الإنتاج الذي يدخل في ضبطها استراتيجيّات وخطط قطاع الطاقة التي فشلت في إدارة أزماتها وتنفذ رؤاها، إضافةً لهيكل قطاع الطاقة الذي يحمّل الشركة الوطنيّة جميع الأخطار الماليّة في القطاع ويعزل الشركات الخاصّة عن تحمّل جزءٍ منها، ما جعل هذه الشركات تجني أرباحًا مرتفعةً نسبيًّا في الوقت الذي تكبّدت فيه الشركة الوطنيّة خسائر بالمليارات لارتفاع تكاليف إنتاج الطاقة، ليكون هذا العبء الإضافيّ حصاد الخصخصة بعد إدخالها على نشاطات قطاع الطاقة عام 2008.

يقدم هذا المقال، الذي سينشر في جزأين، عرضًا لمشكلات قطاع الطاقة وتأثيرها على أسعار الكهرباء المتوقّع إصدار تعديلاتها هذا العام. بحيث يحلل الجزء الأول منه مسألة الأسعار ودعم الطاقة والتكاليف المباشرة لإنتاجها، فيما يتطرق الجزء الثاني للتشوهات البنيوية في هيكل قطاع الطاقة التي تساهم كذلك في رفع التكاليف، دون أن تنال الحيز ذاته من التحليل والتعليق في النقاش العام.

دعم الطاقة وتشوّهات التعرفة

تشوّهات التعرفة هو اصطلاح تستخدمه الحكومات للدلالة على مشكلات التعرفة الكهربائيّة، التي يمكن القول تجاوزًا بأنّها مجملة في بندٍ أوحد: الدعم. لم يبرز الحديث عن تشوّهات التعرفة إلّا حديثًا مع ارتفاع تكاليف إنتاج الطاقة بعد انقطاع الغاز المصريّ وتضخّم حجم المديونيّة في عهد حكومة الدكتور عبد الله النسور، التي قدّمت روايتها الرسميّة لأزمة الطاقة على أنّها أزمة الربيع العربيّ تلقي بظلالها علينا، وأنّ لا مفرّ من إزالة تشوّهات التعرفة للنجاة بالاقتصاد، أي بعبارة أكثر صراحةً: تقليص الدعم.

التقديرات الأخيرة لمديونيّة الشركة الوطنيّة تصل إلى 5.5 مليار دينار، وهي حصيلة تراكمات في الخسائر سبّبها الفارق بين سعر بيع الطاقة للمستهلكين ومعدّل تكلفة إنتاجها عبر السنوات، وهو ما تفاقم بعد انقطاعات الغاز المصريّ واضطرار الحكومة اللجوء للمشتقّات النفطيّة كبديل مرتفع التكاليف. لكنّ مراجعة أرقام الشركة الوطنيّة تظهر أنه ورغم تفاقم مشكلة الديون بعد العام 2011، إلّا أن هذه المشكلة كانت سابقة لأزمة الطاقة خلال الربيع العربيّ، إذ تجاوزت الـ(200) مليون دينار أردنيّ عام 2010تصاعد مديونية الشركة الوطنيّة قبل سنوات من أزمة الطاقة في 2011، يشير إلى أن الحكومات كانت على وعيٍ بمشكلة التعرفة والدعم قبل تفجّر الأوضاع بكثير، لكنّها اختارت مبكّرًا السير في تحميل الشركة الوطنية قيمة الدعم المتزايدة، مراهنةً على بقاء تكاليف الطاقة في حدودها المعقولة، دون اتخاذ أيّ بدائل أو حلول جذريّة وذلك تحاشيًا للمواجهة وإرجاءً للمشكلة. هذا الطرح يأتي متوافقًا مع رأي الكثير من المختصّين في القطاع بأنّ حلّ مشاكل التعرفة يأتي من سياسة متكاملة للقطاع، تحمّل التعرفة التكاليف بإلغائها التدريجيّ للدعم بالتوازي مع خلق مشاريع طاقويّة وتنمويّة تستهدف الفئة الأقلّ حظًّا وتعوّض انخفاض الدعم عنها، لتصل الحكومة إلى تغطية تكاليفها دون آثارٍ جسيمةٍ على المستهلكين.

لكن بدل التغيير من سياساتها، جعلت الحكومة التعرفة الكهربائيّة جزءًا من مساوماتها السياسيّة مع النوّاب لاستجلاب رضاهم، ما نقل تحديد أسعار الطاقة من كونه إجراءً اقتصاديًّا ليصبح قرارًا شعبويًّا مبنيًّا بالتسويات، ذلك ما لم يدم طويلًا مع الارتفاعات الهائلة في التكاليف، ما اضطر الحكومة لرفع غير مخطّط له في أسعار الطاقة تحت ضغط صندوق النقد الدوليّ. ورغم أنّ قانون الكهرباء لا ينصّ صراحةً على وجوب موافقة مجلس النوّاب على التعرفة الكهربائيّة، إلّا أنّها لا تطبّق دون تمريرها ومناقشتها مع المجلس، فيفسّر ذلك بأن مناقشة التعرفة تأتي ضمن تدارس الموازنة العامّة لاحتوائها بنودًا تتعلّق بإيراد الطاقة. من جهةٍ أخرى، تظهر الحكومة تخوّفًا من حساسيّة وتبعات رفع أسعار الطاقة على المواطنين والقطاعات العاملة، إن كان على صعيد الأثر الاقتصاديّ ونسب النموّ، أو من اصطدام الحكومة بالشارع وارتفاع حدّة الضغوط الاجتماعيّة.

الشقّ الآخر لتشوّهات التعرفة هو تحميل كبار المستهلكين جزءًا من فاتورة الدعم بفرض أسعار مرتفعةٍ جدًّا عليهم، أيّ فرض الدعم البينيّ[2] على التعرفة، ما ترتّب عليه تبعات اقتصاديّة سيئة في السنوات الأخيرة. يقسّم الهيكل الحاليّ للتعرفة الكهربائيّة المستهلكين لقطاعات؛ كالصناعي والمنزلي، ولشرائح سعريّة تصاعديّة مرتبطة بحجم الاستهلاك. ووفقًا لهذا تدفع بعض القطاعات والمستهلكون المنزليّون في شرائح الاستهلاك العليا (أكثر من 500 كيلو واط) أسعارًا مرتفعةً تفوق التكلفة بكثير أغلب الأحيان، لتغطّي بذلك جزءًا من دعم الشرائح الدنيا التي يقلّ استهلاكها عن 500 كيلو واط في القطاع المنزلي وبعض القطاعات المدعومة كالقطاع الزراعي وصغار الصناعيين، ما يخلق فوارق كبيرة في فاتورة الطاقة بين المواطنين والمنتجين، لتخالف التعرفة بهذا مبدأ العدالة بين المشتركين التي ينصّ عليها قانون الكهرباء الأردني. وحسب القانون المادّة (47-ج): «يراعى عند تحديد التعريفة: 5. التخلّص التدريجي من الدعم البينيّ بين فئات المستهلكين المختلفة أو تخفيضه إلّا إذا تعلّقت الحالة بالتعريفة المخفّضة». اليوم وبعد مرور ما يقارب 18 عامًا على صدور هذا البند، لا تزال الحكومة غير قادرة على وضع سياسة سليمة للتخلّص من الدعم البينيّ، الذي بات عبئًا ماليًّا واقتصاديًّا أسهم في هروب شركات وصناعات بسبب التكاليف المرتفعة، إمّا بتصفية أعمالها، أو بتركيب أنظمتهم الخاصة لتوليد الطاقة المتجدّدة، ما يهدد بأزمة جديدة إثر انخفاض إيراد الدولة من قطاع الطاقة.

وما يزيد تشوّه هيكل التعرفة الكهربائيّة هو أن الدعم غير موجّه لمستحقّيه في القطاع المنزليّ، إذ يشمل جميع المستهلكين لمرورهم بالشرائح الدنيا من الاستهلاك، ما يجعل الداعمين أيضًا مدعومين بالقدر الذي يتلقّاه صغار المستهلكين للطاقة.

التوصيات وسيناريوهات الهيكلة المثلى للتعرفة الأردنية كثيرة وجميعها يفضي لوجوب رسم تعرفة تحقّق العدالة للأفراد والقطاعات بما يوازن الحالة الاقتصاديّة، وتجعلها مرنةً بآليّة تسعير متغيّرة حسب الفصول والتوقيت وعاكسةً للتكلفة، دون إلغاء الدعم للشرائح المستحقّة، تضمنه لهم السياسات التنموية للقطاع.[3]

«لماذا لا تنخفض أسعار الكهرباء رغم انخفاض أسعار الوقود؟» الإجابة على هذا السؤال الشائع نجدها في التصريح الأخير لوزيرة الطاقة: «الحكومة تقدّم أكثر من 400 مليون دينار دعمًا سنويًّا لفواتير الكهرباء»، يذهب منها 270 مليون دينار للمدعومين في القطاع المنزليّ والذين تبلغ نسبتهم 87% من المستهلكين في القطاع، أي أنّ التعرفة لا تزال بعيدة عن تغطية تكاليف الطاقة رغم الرفعات المتعاقبة عليها.

أسعار الكهرباء وصندوق النقد الدوليّ

بعد انقطاع الغاز المصريّ في عام 2011، اضطرّت الحكومة لاقتراض ما يغطّي عجز موازنة الشركة الوطنية، والارتهان لخطط صندوق النقد الدوليّ، المانح الأكبر لقروض الشركة، فوضعت خططًا إصلاحيّة لقطاع الطاقة تمركزت حول تنويع خليط الطاقة، وتعديل التعرفة الكهربائيّة برفع أسعارها، مقدّمةً ذلك كحلّ جوهريّ لمعالجة مديونيّة الشركة الوطنيّة.

في شهر آب\أغسطس عام 2012 وافق صندوق النقد الدوليّ على الاستعداد الائتمانيّ[4] للأردن قيمته تقارب الملياريّ دينار، وتنتهي مدّته في العام 2015، أتبعها بموافقة على قرض سياسات التنمية البرامجيّ الثاني في مارس 2014 بقيمة 175 مليون دينار، وينتهي منحه عام 2015 أيضًا. تبعات هذا الاتفاق كانت «برنامجًا كبيرًا لإصلاح الدعم بمساندةٍ من الصندوق» حسب تقرير البنك الدولي، قام بإلغاء الدعم عن مشتقّات النفط لتشهد ارتفاعًا يتراوح بين 14% و33%، ووضع خطّة خمسيّة انطلاقًا من العام 2013 لتعديل التعرفة الكهربائيّة بهدف تمكين الشركة الوطنيّة من استعادة تكاليف الطاقة بشكل كاملٍ في 2017.

وتطبيقًا للخطّة الخمسيّة، قامت الحكومة رفع سعر الكهرباء مرّتين وبمعدّل 15% في كلّ من العامين 2013 و2014، وبمعدّل 7.5% مطلع 2015 بدلًا من 15%، بعد اتفاق الحكومة مع مجلس النوّاب على تخفيض النسبة المخطّط لها، وذلك لانخفاض كلف إنتاج الطاقة نتيجة الهبوط الحادّ في أسعار النفط عالميًّا ليصل سعر البرميل إلى 28 دولار في كانون الثاني/يناير 2016 بعد أن ارتفع إلى 120 دولار في منتصف 2014. وأضيف لذلك زيادة الاعتماد على الغاز المسال بدلًا من الوقود الثقيل والديزل في توليد الطاقة بعد الانتهاء من مشروع ميناء الغاز الطبيعي المسال في العقبة، ما أعطى الشركة الوطنيّة القدرة على تغطية تكاليف إنتاج الطاقة دون خسارات في ذاك العام وأوقف الحاجة للرفع في التعرفة.

حاولت الحكومة تدارك أزمتها مع مطالب صندوق النقد بتعديل التعرفة عبر تسليط رفعاتها لأسعار الطاقة على بعض القطاعات والمستهلكين الكبار، مراهنةً على قدرتهم على تحمّل التكاليف الجديدة، مقابل إبقاء الدعم على حاله لبعض الفئات. التغيّر الملموس الأوّل في القطاع المنزليّ بدأ مع أزمة الطاقة عام 2011 بإضافة شريحتين هما (750-1000 ك.و.س) وشريحة (أكثر من 1000 ك.و.س)، وتحميلهما زيادةً في الأسعار بنسبة 18% و53% على التوالي، لتعاود الحكومة رفع الأسعار على كلتا الشريحتين بنسبة 24% و35% في العام 2012، بحسب بيانات هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن.

أعيد تعديل التعرفة الكهربائيّة عام 2014 بإضافة شريحة استهلاك جديدة (601-750 ك.و.س)، وبرفعٍ جديدٍ للأسعار على الشرائح العليا الثلاثة فقط، تلاه رفعٌ آخر مطلع 2015 يشمل ذات الشرائح، لتستقرّ بذلك أسعار الكهرباء في الأربع سنوات الأخيرة، وليكون مستوى ارتفاع أسعار الكهرباء بالقياس لما كانت عليه قبل 10 سنوات ما نسبته 39% على شريحة الاستهلاك الخامسة، و65% على الشريحة السادسة، و132% على الشريحة السابعة، مقابل ارتفاع بأقلّ من 1% لكلّ من الشريحة الأولى والثانية والثالثة، ما يظهر اتساعًا متزايدًا لاعتماد الدعم البينيّ في القطاع المنزليّ.

 

 

تعديلات التعرفة طالت أيضًا بعض القطاعات الأخرى برفعات أسعار كانت متطرّفة بعض الأحيان، فجاء أعلاها على شركات الاتصالات بنسبة رفعِ بلغت 260% في العام 2015 مقارنةّ بالتعرفة المطبّقة قبل خمسة أعوام فقط، والحال مشابهةٌ في قطاع الصناعيين الكبار والصناعات الاستخراجيّة وقطاع البنوك والمستشفيات الخاصّة وغيرها. ومقابل ذلك ظهرت مشكلة جديدة هي تناقص نمو القطاعات الداعمة سبّبه سوء الأوضاع الاقتصاديّة وارتفاع التكاليف كالقطاع الصناعي مقابل نمو في القطاع المنزلي (المتلقّي الأكبر للدّعم).

 

في العام 2017 استحدثت الحكومة «بند فرق أسعار الوقود» على فواتير الكهرباء، ليكون ذلك جزءًا من عكس تكاليف الشركة الوطنيّة على فاتورة الطاقة، فأعلنت أنّ 55 دولار للبرميل هو الحدّ السعريّ للنفط الذي تستطيع عنده الشركة الوطنيّة استرداد تكاليفها من التعرفة الحاليّة، وعليه استحدثت آليّة لاحتساب فارق التكلفة شهريًّا حال ارتفاع الأسعار النفط عالميًّا عن ذاك الحد، ويحمّل هذا الفارق على كل الشرائح التي تجاوز استهلاكها 300 ك.و.س، ليكون هذا هو الارتفاع الأوّل على شريحتي 301-500 و501-600 ك.و.س في القطاع المنزليّ منذ البدء بتعديلات التعرفة.

 

 

تصرّ تقارير البنك الدوليّ على أنّ سياسات صندوق النقد المخطط لها في قطاع الطاقة ستحقّق وفوراتٍ ماليّة تتيح المجال للاستثمار في برامج تستهدف الطبقات الفقيرة وتتجاوزها لتصبح أنشطةً اقتصاديّةً شاملةً تحسّن من المستوى المعيشيّ في الأردن، إلّا أنّ الوقائع القريبة والأرقام لا تتوافق مع ادعاءات تصحيح المسار الاقتصاديّ المرتبط برفع الدعم، فبعد أن كان «إيقاف الدعم عن المحروقات لا يمسّ 70% من المواطنين»، حسب رئيس الوزراء الأسبق عبد الله النسور عام 2012، و«رفع أسعار الكهرباء لا يلحق الضرر بـ(85)% من المنازل»، بحسبه أيضًا عام 2015 توالت تراجعات في النمو الاقتصاديّ خلال السنوات الماضية وتآكلت الطبقة الوسطى، وارتفعت معدّلات الفقر وانخفضت القدرة الشرائيّة، ذلك ما يزيد التخوّف من تبعات رفع الدعم عن الكهرباء عن الشرائح الصغرى، وحتّى تقرير صندوق النقد يقرّ بأنّ التقديرات تتوقّع ارتفاع معدّل الفقر في الأردن 2.2% حال إزالة الدعم كاملًا عن الطاقة.

الجهات الحكوميّة الرسميّة لا تزال تحجب أيّة صورة واضحةٍ للمشهد العام في القطاع ومستقبله، فاتحةً المجال للتكهّنات والقراءات المائلة غالبًا للتشاؤم ضمن المعطيات الحالية. والتحفّظ الذي يحوط اجتماعات صندوق النقد الدوليّ بالمفاوضين واللّجان الحكوميّة أصبح محطّ تخوّفٍ كبير لدى الشارع الأردنيّ ممّا قد تسفر عنه هذه المفاوضات من تنازلات وتغيّرات على أسعار الكهرباء، خاصّةً أن شروط التمويل ومعاييره التي لم تتضح تفاصيلها للرأي العام حين تم توقيع الاتفاقيّة الحكوميّة مع الصندوق عام 2012. لكن حتّى دون إقرارٍ علنيّ من الحكومة، بات من الواضح أنّ الصندوق يدفع لإزالة الدعم عن التعرفة الكهربائيّة والتوجّه للدعم النقدّي.

  • الهوامش

    [1] نسبة مديونية شركة الكهرباء الوطنية البالغة 5.5 مليار إلى مديونية الدولة البالغة 29.5 مليار

    [2] الدعم البينيّ هي آليّة لتحميل فئات من المستهلكين تعرفة أو أسعارًا أعلى من تكلفة توريد الخدمة، لتستخدم العائدات الإضافيّة المحصّلة في تغطية نقص الإيرادات من فئات استهلاكيّة أخرى، والتي تحمّل تعرفة أقل من تكلفة توريد الخدمة

    [3] المقترحات بشأن السياسات التنموية كثيرة وأغلبها يرتكز على سياسة تكافلية بين مؤسسات القطاع الخاص والعام لإيجاد مشاريع في الطاقة المتجددة وترشيد الطاقة وتوفيرها للمناطق الأقل حظًا أو الفئات المدعومة، تضمن لهم خدمة مستدامة بأقل التكاليف.

    [4] اتفاق لتيسير الحصول على تمويل للدول التي تواجه أزمة اقتصادية يعينها على تجاوز مشكلات ميزان المدفوعات، ويشترط الموافقة على تعديل سياساتها الاقتصادية للتغلب على المشكلات التي أدت إلى طلب التمويل في الأصل. (تعريف صندوق النقد الدوليّ)

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية