زمن الحقيقة؟ جوليان أسانج في وجه الإمبراطورية الأمريكية

زمن الحقيقة؟ جوليان أسانج في وجه الإمبراطورية الأمريكية

الأربعاء 17 تشرين الثاني 2021

تنظر المحاكم البريطانية هذه الأيام في طلب الولايات المتحدة ترحيل مؤسس ويكيليكس، جوليان أسانج، لمحاكمته بتهم تتعلق بتسريب الأسرار و«التجسس»، وسط حملة عالمية للمطالبة بإطلاق سراحه. وتكتسب هذه المعركة القضائية والإعلامية زخمًا خاصًا بعد أن كشف تقرير لياهو نيوز في أيلول الماضي عن أن الولايات المتحدة أعدت عام 2017 خطة لاختطاف أسانج أو قتله.

كان أسانج قد لجأ إلى السفارة الإكوادورية في لندن عام 2012 هربًا من قرار بريطاني بترحيله إلى السويد على خلفية اتهامات بالاعتداء الجنسي، وكان يخشى أن يكون ذلك مقدمة لترحيله إلى الولايات المتحدة، حيث كان متهمًا بالتجسس وإفشاء الأسرار، وحيث كانت الحملات الإعلامية تدعو إلى اتخاذ إجراءات ضده تصل إلى حد الإعدام أو القتل خارج إطار القانون.

سقطت التهم السويدية عن أسانج في أيار 2017،[1] إلا أن السلطات البريطانية أعلنت أن أسانج ما يزال مطلوبًا لأنه أخل بشروط الإفراج عنه حين لجأ إلى السفارة الإكوادورية. تبين بعد ذلك، بحسب تقرير ياهو نيوز ذاته، أن هذا القرار القضائي البريطاني كان بإيعاز من الولايات المتحدة ليعطيها الوقت (48 ساعة بحسب التقرير) لكي تصدر لائحة اتهام رسمية لأسانج يصبح بموجبها مطلوبا للولايات المتحدة (مما يتيح للولايات المتحدة أن تطلب من بريطانيا ترحيله بشكل رسمي للمحاكمة). وفي الوقت نفسه كانت المخابرات الأمريكية تعمل على التخطيط لاستهداف أسانج وتدرس إمكانية خطفه أو اغتياله. إلا أن احتمال هروب أسانج إلى روسيا جعل المخابرات الأمريكية تضع هذه الأفكار موضع التنفيذ.

ففي نهاية العام نفسه كانت الإكوادور قد منحت أسانج جواز سفر دبلوماسيًا وكانت، بالتنسيق مع الحكومة الروسية، قد خططت لتعيينه في سفارتها في موسكو. وكان المفترض أن ينتقل أسانج من السفارة إلى المطار يوم الخامس والعشرين من كانون الأول، مستغلًا انشغال الناس وشغور الشوارع بسبب عطلة عيد الميلاد. وفي صباح ذلك اليوم، فوجئ أسانج والإكوادوريون والروس بامتلاء الشوارع المحيطة بالسفارة برجال الأمن والجواسيس مما أجبرهم على إجهاض مخطط الهروب.

 كانت ويكيلكيس بشكل ما تجترح المقاومة من نفس النسيج الذي تغزل منه مراكز القوى الكبرى حقيقتها المهيمنة

تبين فيما بعد أن هذا كان جزءًا من الخطة الأمريكية التي كشفتها ياهو نيوز، والتي كانت تتضمن احتمال صدم السيارة التي تقل أسانج بسيارة أخرى مسرعة، أو إطلاق النار عليه وعلى الفريق الذي يقله أو على عجلات طائرته كي لا تتمكن من السير على مدرج المطار.

أما في وقتها، فقد كشف هذا الوجود الأمني المفاجئ لأسانج ومن معه أن المخابرات الأمريكية تتنصت عليهم وتعلم بمخططاتهم. يتحدث تقرير ياهو نيوز كذلك عن نشاط أمريكي حثيث في التجسس على أسانج وبقية أعضاء ويكيليكس، وثمة شكوك حول ضلوع الشركة الخاصة الإسبانية يو سي غلوبال التي تتولى أمن السفارة الإكوادورية في التجسس على أسانج، خاصة وأن هذه الشركة تمارس نشاطًا في لاس فيجاس مع شركة أمنية خاصة يديرها رجال أمن أمريكيون سابقون (وإن كان صاحب الشركة ينكر هذه الاتهامات).[2] 

لا جديد في الحديث عن استهداف أسانج (وهو لم يكن، كما تحاول بعض وسائل الإعلام تصويره، مجرد ضرب جنون من وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو ومن إدارة ترامب الخرقاء). وإنما كانت لحظة احتمال هروب أسانج هي لحظة بلورة التخيلات الاستخباراتية الأمريكية عن أسانج كعدو وكهدف استخباراتي؛ هذه التخيلات امتدت منذ زمن أوباما ومنذ التسريبات الكبرى التي أذاعتها ويكيليكس ما بين عامي 2010 و2011 وتضمنت وثائق عسكرية ودبلوماسية حساسة. فالحملات الإعلامية والقضائية التي وصلت إلى التحريض على خطف أسانج أو قتله (والتي طالت كذلك إدوارد سنودن وتحدثت عن استهدافه قضائيًا وخارج إطار القانون) تعود إلى زمن باراك أوباما. وقد وصل الأمر بجوزيف بايدن، نائب الرئيس آنئذ، إلى القول بأن أسانج هو أقرب ما يكون إلى «إرهابي تكنولوجي» (High-tech terrorist)، وأن الحكومة الأمريكية ووزارة الدفاع تدرسان السبل للتصدي له. وقد نُسب إلى هيلاري كلينتون قولها في اجتماع مع موظفيها عندما كانت وزيرة للدفاع «لماذا لا نتخلص منه بطائرة مُسَيَّرة؟» (نفت هيلاري كلينتون بعد ذلك أن تكون قد قالت هذا الكلام، وإن كانت تصر على الاقتصاص منه، في حين علق أسانج ساخرًا «أنا رجل أبيض، ولذا أستبعد أن يرسلوا طائرة مسيرة لاستهدافي، إلا إذا دخلت في الإسلام»).

أسانج وجريمة الحقيقة

السؤال الأهم، في رأيي، ليس إذا ما كانت الاستخبارات الأمريكية، على مدى الإدارات المختلفة، قد حاولت استهداف أسانج، ولكن السؤال هو لماذا لا تستهدفه المخابرات الأمريكية ما دامت ترى فيه وفي نشاطه تهديدًا لها؟

أُنشئت ويكيليكس عام 2006 لتكون «مخابرات الشعب»، بتعبير أسانج. اعتمد نظام الموقع على برنامج كمبيوتر يضمن لمن يريد نشر أي نوع من الوثائق أن يرفعها على الموقع بسرية تامة، ليأمن «مطلقو صفارات الإنذار» من الانكشاف. هذه المعادلة يعبر عنها الشعار الذي ترفعه ويكيليكس «الخصوصية للأفراد، والشفافية للمؤسسات».

جاء هذا مع تنامي النشاط السيبراني في مطلع الألفية الثانية وتحول أنشطة القرصنة الإلكترونية والتهكير إلى نوع من «الثقافة المضادة» التي لم تخلُ من المحتوى الاحتجاجي والسياسي (لا ننسى مثلًا أن مجموعة «أنونيموس» ظهرت في المرحلة نفسها). المفارقة هنا أن المحاولات المبكرة لخلق ما بات يعرف بالإنترنت كانت برعاية وزارة الدفاع الأمريكية، وأن مرحلة مطلع الألفية كانت كذلك المرحلة التي حاولت فيها الشركات الكبرى السيطرة على هذا الفضاء الافتراضي وعلى الناس من خلاله، فكأن ويكيلكيس كانت بشكل ما تجترح المقاومة من نفس النسيج الذي تغزل منه مراكز القوى الكبرى حقيقتها المهيمنة[a].

مطلع الألفية كان كذلك الفترة التي حاولت الإمبراطورية الأمريكية فيها احتكار الحقيقة بشكل غير مسبوق، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وفي ظل حربها على الإرهاب التي أصبحت تضع كل معارضيها خارج إطار المقبول. من هنا، فإن ويكيليكس تمثل ردة الفعل الطبيعية، والصورة النقيضة التلقائية، لهذه السلطة التي تريد أن تحتكر الحقيقة وتنتج حقيقة واحدة فقط.[3]

طبعًا، لم يكن هذا الاحتكار الأمريكي للحقيقة ناجحًا بشكل كامل؛ فالكثير من وسائل الإعلام المستقلة، بما فيها بعض المنصات الأمريكية، خرجت عن السرب الأمريكي. إلا أن ما فعلته ويكيليكس مختلف، إذ مارست تخريبًا للشكل السائد لتنظيم الحقيقة وللرقابة المفروضة عليها، بشكل أجبر بعض المؤسسات الإعلامية التابعة للتيار السائد، مثل الغارديان والنيويورك تايمز ذاتها، على الانخراط في نشر الوثائق المسربة. وفي حديث مشترك له مع أسانج، يضع الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك تصنيف الأمريكيين أسانج «إرهابيًا تكنولوجيًا» في هذا السياق، إذ يعتبر أنه يمارس الإرهاب ضد السلطة التي تحاول فرض الحقيقة، والتي تمارس في سبيل ذلك شكلًا أكبر من الإرهاب وأشد ترويعًا.

الإمبراطورية الأمريكية وحرب الحقيقة

سربت ويكيليكس في تشرين الثاني 2007 الوثيقة التي تضم لوائح العمل في معسكر غوانتانامو، وتُظهِر انتهاج الولايات المتحدة بشكل رسمي لأشكال من التعذيب، وتُثبِت أن سلطات الاعتقال قد منعت الصليبَ الأحمر من الوصول إلى بعض المعتقلين (الوثيقة بتوقيع جيفري ميلر الذي «أرسله دونالد رامسفيلد بعد ذلك إلى أبو غريب ليجعل منها غوانتانامو أخرى»، بحسب وصف محرري ويكيليكس).

وفي 2010، سرَّبَت ويكيليكس فيديو يظهر قتلَ طائرةِ أباتشي أمريكية لأعداد من المارّة العراقيين، من بينهم صحفيان في رويترز، في حي بغداد الجديدة (بحجة أن بعضهم كان يحمل السلاح).[4] وفي الفيديو، نسمع قائد الطائرة وهو يتلقى الأوامر بإطلاق النار وبترصد الجرحى الزاحفين وإعادة إطلاق النار عليهم للتأكد من موتهم. ثم تتوقف حافلة صغيرة بجوار هذه المجزرة ويحاول سائقُها إنقاذَ الجرحى، فترصده الطائرة وتطلب الإذن من القيادة بإطلاق النار عليه (نسمع أحد الجنود يقول في نفاد صبر طفولي عندما لم يسمع الإذن بإطلاق النار أول مرة «هيا، دعونا نطلق النار»)، ثم يطلقون النار على السائق الذي يحاول إسعاف الجرحى وعلى الحافلة (يقول أحدهم ضاحكًا ومتباهيًا «انظر [أصبناها] في منتصف الزجاج الأمامي مباشرة»، فيضحك الآخر بعنجهية). وحين يتبين أن الحافلة كانت تُقِلُّ طفلتين أصيبتا برصاص الأمريكيين نسمع أحد الجنود الأمريكيين يقول «هذا جزاؤهم لإحضارهم أطفالَهم إلى ساحة القتال».

سرعان ما اعتقلت السلطات الأمريكية برادلي مانينغ (الذي سيتحول بعدها جنسيًا ويصبح تشيلسي مانينغ) بتهمة تسريب هذا الفيديو. وظلت تشيلسي مانينغ تتعرض لأشكال مختلفة من التعذيب البدني والنفسي حتى العام 2019.[5]

لم يكن فيديو «القتل الجانبي المتعمد» هو الوثيقة الوحيدة ضمن تسريبات مانينغ؛ فقد كان من ضمن التسريبات التي نشرتها ويكيليكس تباعًا الوثائق الرسمية ليوميات الحرب في العراق وأفغانستان؛ والتي كشفت عن كم من المجازر والجرائم الأمريكية بحق المدنيين في البلديْن وعن عمليات «الوحدة الخاصة 373» التي تخصصت في خطف الأفغان أو اغتيالهم. تضمنت التسريبات كذلك مجموع المراسلات السرية الداخلية لوزارة الخارجية الأمريكية. هذه المراسلات السرية بالإضافة لما تحتويه من إحراج للولايات المتحدة، كشفت عن عمليات التدخل والتجسس التي تقوم بها السفارات الأمريكية وشبكات العملاء الذين تعتمد عليهم سفاراتها.

أسانج وجريمة الحقيقة

مع بداية نشر هذه الوثائق، اتهمت أمريكا أسانج بالتجسس وحركت دعاوى قضائية ضده وخرج سياسيوها يتهمونه بأن يديه ملوثتان بالدماء وأن وثائق أفغانستان بالذات تحوي أسماء أفغان تعاونوا مع القوات الأمريكية، وبالتالي تعرضهم لانتقام قوات طالبان. وقالوا الشيء نفسه عن مراسلات الخارجية الأمريكية التي تحوي أسماء المتعاملين معها في بلدان أخرى؛ ولم يلحظوا مفارقة أنهم يلاحقونه بتهمة التجسس لأن الوثائق التي نشرها سوف تعرض الآخرين للملاحقة بتهمة التجسس.

لا نتجاهل، من ناحية، الضرر الذي يلحق بسمعة الإمبراطورية الأمريكية من جراء كشف تفاصيل جرائمها. ولكننا لا نبالغ كذلك في تقدير هذا الأثر، إذ لم تكن تلك الجرائم سرًا في يوم من الأيام وإن غابت بعض التفاصيل.

جاءت ويكيليكس لتذكرنا بأن هناك حقيقة أخرى وراء نسيج الحقيقة الإمبراطوري؛ ربما كنا نعرف، لكن الاختراق الذي قام به أسانج جعل التفاصيل التي كنا نعرف وجودها، وجعل وثائقها الأولية ومادتها الخام، في متناول يدنا

قد يكون لكشف هذه التفاصيل أثر ميداني يحد من قدرة القوات الإمبراطورية الأمريكية على ارتكاب الجرائم أو استقطاب العملاء أو القيام بعملياتها بسرية. إلا أن ويكيليكس لم تُسَلِّم هذه الوثائق، على سبيل المثال، بشكل سري إلى طالبان أو القاعدة أو تنظيمات المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان؛ بل نشرتها بشكل علني يساوي بين كل الأطراف (ويسمح للولايات المتحدة بتغطية آثار أقدامها فتسحب، على سبيل المثال، عملاءها و تعيد تشكيل قواتها الخاصة).

أي أن «جريمة» أسانج تجاه الولايات المتحدة من الناحية العملية والميدانية تبقى محدودة الأثر. جريمة أسانج الكبرى لم تكن في التفاصيل، وإنما كانت الاعتداء على نسيج الحقيقة الإمبراطوري، وإن كانت التفاصيل ضرورية من أجل خرق هذا النسيج.

جاءت ويكيليكس لتذكرنا بأن هناك حقيقة أخرى وراء هذا النسيج؛ ربما كنا نعرف، لكن الاختراق الذي قام به أسانج جعل التفاصيل التي كنا نعرف وجودها، وجعل وثائقها الأولية ومادتها الخام، في متناول يدنا.

يرى الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك في حواره مع أسانج أن ويكيليكس، حتى فيما يتعلق بما كنا نعرفه من قبل، قد غيرت شيئًا في تعاملنا مع الحقيقة وفي طريقة الإيديولوجيا السائدة في إملاء الحقيقة. فالأيديدولوجيا بحسب جيجك قائمة بشكل ما على نوع من التكاذب؛ ثمة تفاصيل نُسقِطُها ونتوافق ضمنيًا على إسقاطها، فتصبح الحقيقةُ التي تنقلها الإيديولوجية مُحَمَّلةً بما هو غائب عنها كما هي محملة بما هو حاضر فيها (ويستخدم للتدليل على ذلك مشهدًا من فيلم يطلب فيه أحد الأشخاص قهوة من دون قشدة، فيعتذر له النادل بأنهم يقدمون الحليب لا القشدة في هذا المقهى، وأنهم يستطيعون أن يقدموا له قهوة من دون الحليب بدلًا من القهوة التي طلبها من دون القشدة). هناك فارق بين أن نتعارف فيما بيننا على أن ثمة حقائق غائبة، وأن نواجه هذه الحقائق بتفاصيلها. يضرب جيجك هنا مثلًا بحكاية «ثياب الإمبراطور الجديدة» الشهيرة، فبينما يعرف الكل أن الإمبراطور عارٍ، فإن الإيديولوجية تفرض عليهم أن يتكاذبوا على بعضهم إلى أن يصيح أحدهم «إني أرى الإمبراطور عاريًا»، فلا يعود التكاذب بعدئذ ممكنًا ويأخذ وعينا بالتفاصيل الغائبة أشكالًا أكثر تأثيرًا.

ولهذا لم يكن مستغربًا أن يأتي الانتقام ضد أسانج من نسيج الحقيقة ذاتها من خلال الاتهام بالاغتصاب الذي تصبح له في عصر الصوابية السياسية قوة الحقيقة.

خيانة الحقيقة: الجزاء من جنس العمل؟

في عام 2010، كان العمل يدور على قدم وساق من أجل تحرير تسريبات مانينغ ونشرها. نُشِر فيديو «القتل الجانبي المتعمد» في نيسان من ذلك العام، وبدأت ويكيليكس العمل مع فريق من عدة صحف على رأسها الغارديان البريطانية على إعداد بقية الوثائق للنشر على نطاق واسع. بدأ نشر وثائق أفغانستان في تموز من ذلك العام على أن تُنشَر بقية الملفات تباعًا. بعدها بشهر واحد بدأت المشاكل في السويد. 

كان جوليان أسانج في زيارة للسويد وكان يدرس اتخاذَها ملجأ ومقرًا لويكيليكس عندما وُجِّهت إليه اتهامات بالاعتداء الجنسي على فتاتين في آب 2010. (ثمة تفصيلة قد تكون ذات مغزى، وهي أن الفتاتين، بحسب إحدى الروايات، كانتا قد توجهتا إلى السلطات أول الأمر لا لتقديم شكوى ولكن لتطلبا إجبار أسانج على إجراء فحص للإيدز مما جعل السلطات تشتبه في أن بعض تفاصيل العلاقة لم تكن بالتراضي وتدفع بالبنتين إلى تقديم شكوى رسمية، ثم أصبحت الأمور في يد القضاء وتصاعدت من هُناك وسُرِّبت إلى الإعلام في صباح اليوم التالي).

تعاون أسانج مع المحققين ثم غادر إلى بريطانيا مُبديًا استعدادَه مواصلة التعاون مع المحققين من هناك بحسب أعراف الاتحاد الأوروبي، وفي تشرين الثاني، استصدرت السويد أمرًا دوليًا بتوقيف أسانج وترحيله إلى السويد من أجل استجوابه. خشي أسانج أن تكون هذه مقدمة لترحيله إلى الولايات المتحدة؛ وانفعل وأدلى بتصريحات تهاجم السويد وسير القضية وتتحدث عن مصيدة مخابراتية أمريكية نُصبت له. وسرعان ما قفز الإعلام السائد (بما فيه صحفيو الغارديان الذين عملوا معه على ملفات برادلي) ليظهر محاولات أسانج لتبرئة نفسه كما لو كانت كذبًا محضًا وليحرّفوا كلامه ليبدو كما لو كان يتهم الفتاتين بأنهما عمليتان للمخابرات الأمريكية (لا دليل على دور للمخابرات الأمريكية ولكن يبقى هذا الأمر غير مستبعد تمامًا، بالذات في حالة آنا آدرين التي تربطها علاقات بدوائر المعارضة الكوبية المرتبطة بدورها بالمخابرات الأمريكية، خاصة وأنه قد سبق للحكومة الكوبية أن طلبت منها مغادرة أراضيها لضلوعها في أنشطة هدامة؛ إلا أن المسألة الأهم ليست إن كانت الاتهامات مدفوعة من قبل المخابرات الأمريكية، وإنما كيف وُظِفت الاتهامات، بقصد أو بدون قصد، ضمن أجندة أمريكية لتشويه أسانج وتجريمه. وبغض النظر عما إذا كانت أمريكا قد لعبت دورًا في تحريك التهم أو تلفيقها أو استغلال أثرها، فلا شك أن هذه التهمة جعلت أسانج أكثر عرضة للملاحقة السياسية والقضائية الأمريكية، وأن أسانج، بريئًا كان أم مذنبًا، وقع في مصيدة تهمة تعد محاولة نفيها، في زمن الصوابية السياسية، جريمة في حد ذاتها).

بعد شهر على اتهام أسانج في السويد، انشق دانيل دومشيت-برغ، الذي كان يقدم نفسه على أنه الرجل الثاني في ويكيليكس. كان دومشيت-برغ قد بدأ، منذ انفجار قضية برادلي مانينغ، بافتعال المشاكل حول حماية المصادر وما قد تمثله الوثائق من خطورة على الأفراد الذين ترد أسماؤهم فيها، ثم حَول تَعَامل أسانج مع اتهامات الاغتصاب. ثم سَرَق مجموعة ملفات من بينها ما تبقى من وثائق أفغانستان، وتمكن مؤقتًا من إغلاق منصة رفع الوثائق على ويكيليكس. قال بعدها إنه سيطلق منصة جديدة للتسريبات مستخدمًا الوثائق التي استولى عليها ونسخة مطورة من نظام تشغيل ويكيليكس ستتحلى بمسؤولية أكبر في حماية مصادر المعلومات وحماية الأفراد الذين ترد أسماؤهم في الوثائق. وبالفعل أطلق في العام نفسه موقعا بعنوان أوبن-ليكس (Open Leaks)، ومنذ ذلك الحين لم ينشر عليه شيئًا (مما يجعلنا نسأل إن كان ما فعله محض نرجسية، أم عملًا استخباراتيًا مدبرًا لتخريب المؤسسة وإخفاء بقية الوثائق، خاصة وقد أتلف، بحسب اعترافه، أكثر من 3500 وثيقة من بينها وثائق أمنية أمريكية).

ألف دومشيت-برغ بعدها كتابًا عن تجربته مع ويكيليكس وأصبح ضيفًا دائمًا في الأفلام الوثائقية التي تحاول أن تناقش شخصية أسانج وتنسب إليه النرجسية والرعونة والاستئثار بالرأي بشكل يطغى على مناقشة دور ويكيليكس السياسي. أحد الأمثلة على ذلك حلقة خاصة من برنامج بانوراما من إنتاج البي بي سي، تعطي مساحة واسعة لدومشيت-برغ وغيره من خصوم آسانج. ومن بين ما ردده دومشيت-برغ في هذا البرنامج اتهامٌ سخيف بمعاداة السامية بسبب مراسلات بين أسانج وبين كاتب مرتد عن اليهودية (يكتب فيما يكتب ضد الصهيونية) يُدعى إسرائيل شامير. وإن كانت المراسلات لا تظهر أي دور مركزي يلعبه شامير في عمل ويكيليكس إلا أن البي بي سي قد ركبت من هذه المراسلات ومن شهادة دومشيت-برغ رواية تجعل من إسرائيل شامير العقل المدبر الذي يقرر أي الوثائق تنشر وأي الوثائق تبقى طي الكتمان. يجنح إسرائيل شامير في بعض كتاباته بالفعل إلى تصورات قد تكون لا سامية أو معادية لليهود؛ إلا أن دومشيت-برغ والبي بي سي يفوتهم أنهم هم الذين ينزلقون إلى صورة نمطية معادية للسامية حين يصورون تداول المعلومات جزءًا من مؤامرة دولية كبرى وراءها يهودي يُدعى إسرائيل.

انضم إلى دومشيت-برغ جوقة من الصحفيين الذين عملوا مع أسانج على تحرير ونشر الوثائق التي سربها برادلي ثم افتعلوا معه المشاكل. وبينما يحاول صحفيو الغارديان أن يظهروا علاقتهم بأسانج كعلاقة تعاون أفسدها هو، كانت النيويورك تايمز أكثر صراحة في نية هذه الجوقة الإعلامية تهميش أسانج والاسئثار بالفضل لأنفسهم؛ يقول الصحفي الأمريكي بيل كيلر في افتتاحية في النيويورك تايمز إنهم كانوا «جميعًا» (يعني صحفيي النيويورك تايمز والغارديان) حريصين على إبقائه بعيدًا عنهم؛ ويقول «كنا ننظر إلى أسانج نظرتنا إلى مصدر للأخبار، لا إلى شخص نشاركه أو نتعاون معه».

تُردد هذه الجوقة، فيما تردد، تنويعات على ادعاء الولايات المتحدة أن يدي أسانج ملوثة بالدماء وتتهمه بأنه حين ينشر الوثائق لا يبالي بحياة الناس الذين ستعرضهم هذه الوثائق للخطر. هذا بالرغم من أن أسانج كان قد وافق بالفعل على حجب مجموعة وثائق تشير إلى أناس بعينهم (حوالي خُمس وثائق أفغانستان)؛ وأبدى استعداده للتعاون معهم (ومع البنتاغون ذاته بحسب إحدى الروايات) من أجل حذف أسماء الأفراد من غير ذوي المناصب أو ما قد يشير بشكل واضح إليهم. في هذا الصدد، يقول محرر الغارديان ديفيد لي إنه حين واجه أسانج بمخاوفه رد عليه أسانج بما معناه أن الذين ستعرض الوثائق حياتهم للخطر يستحقون ذلك لأنهم تعاملوا مع القوات الأمريكية. وكان هذا بالنسبة لصحفيي الغارديان دليلًا على فظاعة هذا الرجل (وبينما نفى أسانج أن يكون قد قال هذا الكلام، فإننا لا ندري إن كان ديفيد لي قد وضع في حسبانه من ستنقذ هذه الوثائق حياتهم حين تكشف شبكات الجريمة المرتبطة بالسفارات الأمريكية أو العاملة ضمن قواتها). إلا أن ديفيد لي كان هو الذي سارع، في شباط 2011، إلى نشر كتاب عن ويكيليكس ضمّنه كلمة السر التي أعطاه إياها أسانج لفتح الملفات المشفرة التي تحتوي على مراسلات وزارة الخارجية الأمريكية المسربة.[6] أصبحت أصول الملفات متاحة للبعض (الذين قرأوا الكتاب وكانت لديهم القدرة للوصول إلى أصول الملفات المحفوظة على أحد خوادم الإنترنت والتي تسربت عبر أحد مواقع التورنت)، ورأى أسانج أن من واجبه في هذه الحالة أن ينشر الملفات كما هي من دون حذف، ما دامت قد وصلت إلى بعض الناس، وأن إتاحتها لكل الناس بدلًا من أن تكون متاحة لقلة من الناس أضمن لأمن الذين ذكرت أسماؤهم فيها وأحرى أن يجدوا أسماءهم ويعمدوا إلى حماية أنفسهم. أما جوقة دانيل دومشيت-برغ وديفيد لي والصحفيين الذين حققوا النجاح والشهرة من وراء وثائق ويكيليكس، فما زالوا يصرون على إلقاء اللائمة على أسانج لأنه أعطى كلمة السر لديفيد لي، لا على ديفيد لي الذي أفشاها.

مصير أسانج وكيف تحمي الحقيقة الإمبراطورية ذاتها

في وثيقة سربتها ويكيليكس في آذار 2010، تعود إلى العام 2008، تتحدث دوائر استخباراتية أمريكية عن خطر ويكيليكس وعن ضرورة مراقبتها ونزع ثقة الناس بها.[7] كان هذا قبل انفجار قضية تشيلسي مانينغ، ولا شك أن تطور الأحداث بعد ذلك جعل الدوائر الاستخباراتية الأمريكية تأخذ استهداف أسانج بجدية أكبر، وهو ما أثبته تقرير ياهو نيوز. يقول التقرير نفسه إن المخابرات الأمريكية درست على مدى الأعوام التالية وسائل استهداف تتعلق بتدمير البنية التحتية لويكيليكس وسرقة ملفاتها، كما تتضمن زرع بذور الشقاق بين أعضائها. هذه المخططات تعيد إلى الأذهان «برنامج مكافحة التجسس COINTELPRO» الذي اخترقت المباحث الفيدرالية (FBI) بموجبه عددًا كبيرًا من الجماعات المعارضة والثورية في الولايات المتحدة من أجل التجسس على هذه الجماعات أو شقها وتخريبها من الداخل (بتعاون، في بعض الأحيان، مع «العناصر الإعلامية الصديقة»). وقد تضمنت أنشطته تزييف الوثائق والمنشورات وإرسال رسائل مزورة لأعضاء «حزب الفهود السود» وأعضاء التنظيمات الحليفة من أجل بث الفتنة بينهم، واستثمار الخلافات القائمة فعلًا بين أعضاء هذه التنظيمات لكي تتطور إلى اقتتال داخلي عنيف. كما تضمنت كذلك حملات تشويه لبعض قادة الفهود السود واختلاق فضائح أخلاقية لهم وتصويرهم عدوانيين تجاه النساء والأطفال على الأخص.

فهل ورثت المخابرات الأمريكية هذا التكتيك من المباحث الفيدرالية وهل وظفته من أجل بث هذه الخلافات ما بين أسانج ورفاقه السابقين أو استثمارها؟ وحده الزمن، أو ربما تسريبات ويكيليكس، ستكشف لنا. ولكن لا شك أن هذه الخلافات أعانت، بقصد أو بدون قصد، المخططات الأمريكية التي تتحدث عنهما الوثيقتان، والاستراتيجية الأمريكية من أجل إفشال ويكيليكس والإيقاع بمؤسسها.

ثمة أسئلة بالتأكيد تتعلق بنوايا الذين شاركوا في هذه الحملات: ألم يعرف هؤلاء بأنهم بتصرفهم بهذه الطريقة يخدمون أهداف المخابرات الأمريكية وإن بشكل غير مباشر وأنهم يعرضون رجلًا، ما زال في مرمى النيران القضائية الأمريكية للمزيد من الخطر؟ ألا يشعر صحفيو الغارديان الذين تكسّبوا من تسريبات أسانج ومانينغ بأي نوع من المسؤولية الأخلاقية تجاه الذين خاطروا بأنفسهم من أجل كشف هذه الوثائق؟ [8]

لكن بغض النظر عن نوايا هؤلاء، وما إذا كانت الولايات المتحدة قد لعبت دورًا في تأجيج هذا الخلاف أو إن كانت استغلته عمدًا، فإن كل ما أوردناه من تفاصيل هو مثال على طريقة نسيج الحقيقة الإمبراطوري في إعادة تنظيم ذاته، وتفاعله ضد هذا الجسم الغريب الذي يحاول أن يقاوم التنظيم الإمبراطوري للحقيقة، ولا فرق هنا بين أن يكون هذا التفاعل بتخطيط مخابراتي أمريكي-أوروبي، أو نتيجة الخواص الذاتية لهذا النسيج الذي يلفظ الغريب والمشاكس تلقائيًا. وفي نفس الإطار يمكن أن نضع، على سبيل المثال، مقاومة الأكاديميا الأمريكية لاستخدام تسريبات الخارجية كمصدر لدراسة العلاقات الدولية وتاريخ الدبلوماسية.[9]

هذا التفاعل المناعي لنسيج الحقيقة يجعل الخارج عليها خارجًا على معايير المألوف والمقبول ويجعل من أسانج شخصًا عدوانيًا كريه الرائحة والمعشر، لا يعرف اللياقة، يتشاجر مع رفاقه، ويعتدي على النساء جنسيًا. في مقال يعلق فيه على الاتهامات السويدية، يقول إسرائيل شامير إنهم إذا أرادوا تشويه أسانج في السويد نسبوا إليه الاعتداء الجنسي، وإذا أرادوا تشويهه في بريطانيا فسيقولون بأنه يعذب القطط الصغيرة. وبالفعل، عندما تخلت سفارة الإكوادور في لندن عن أسانج وأرادت تشويهه أمام الإنجليز قالت إنه كان يسيء إلى قطته (ضمن اتهامات أخرى بالقذارة الشخصية؛ وبالطبع تطوعت الغارديان لنشر هذا الكلام).

هذه الاتهامات، حقيقية كانت أم باطلة، لا تُغيّر من أهمية الدور السياسي الذي لعبه أسانج والذي يحاسب عليه الآن. فالولايات المتحدة لا تطارده وتريد محاكمته أو قتله لأنه كريه الرائحة أو مفتقد للياقة أو معتد على النساء والقطط، ولكن لأنه تجرأ على اجتراح الحقيقة.

  • الهوامش

    1) استأنفت النيابة العامة السويدية التحقيق بعد عامين على إغلاقه، حين سلمت السفارة الإكوادورية أسانج عام 2019، ثم أسقطت التهم مرة أخرى بعد أشهر، بدعوى أن «طيلة أمد المحاكمة أضعفت الأدلة المتوفرة بشدة»، بحسب المدعية العامة السويدية.

    2) بحسب تقرير ياهو، بناء على وثائق تتعلق بشهادات موظفين سابقين في شركة الأمن الإسبانية، فإن الذي توسط ما بين المخابرات الأمريكية والشركة الإسبانية هو صاحب الفنادق والكازينوهات الأمريكي شيلدون آدلسون؛ الذي كان من كبار داعمي ترامب والحزب الجمهوري، وكان في الوقت ذاته من كبار داعمي بنيامين نتنياهو وجسرًا ما بين إدارة ترامب والحكومة الإسرائيلية، وهو الآن مقبور في القدس.

    3) بحسب وثيقة للمخابرات الأمريكية تعود إلى العام 2008، فإن أحد المخاطر التي تمثلها ويكيليكس تكمن في أنها تشجع قراءها على تكوين وجهة نظرهم الخاصة فيما يتعلق بدقة المعلومات.

    4) الفيديو غير واضح بما لا يتيح للعين غير المدربة أن تتثبت إن كان الضحايا يحملون أسلحة أم لا، لكن من الواضح أن أحد هذه «الأسلحة» لم تكن سوى كاميرا مصور رويترز. على كل حال من العبث أن تعتبر طائرة حربية أجنبية وجود السلاح مع مارة من أبناء البلد سببًا كافيًا لإطلاق النار ومبررًا لقتل المارة.

    5) كان برادلي مانينغ يعمل في وحدة تحليل المعلومات في الجيش الأمريكي في العراق، ووجد تحت يديه وثائق عن الجرائم التي ترتكبها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وشعر بمسؤولية أخلاقية لنشرها. حكم على مانينغ بالسجن 35 عامًا وأعلن يوم صدور الحكم نيته التحول الجنسي وتغيير اسمه إلى تشيلسي. تعرضت تشيلسي مانينغ في السجن لأصناف من التعذيب البدني والنفسي ثم أفرج عنها بعفو رئاسي في أيار 2017، ثم اعتقلت مرة أخرى في 2019 على خلفية استدعائها للشهادة ضد جوليان أسانج ورفضها هذا الاستدعاء. تعرضت مرة أخرى للتعذيب النفسي، أو ما وصفه مقرر الأمم المتحدة الخاص لشؤون «التعذيب والمعاملة القاسية وغير الآدمية» بــ«فرض المعاناة النفسية والعقلية بشكل حاد ومتزايد». تدهورت حالتها النفسية في السجن وحاولت الانتحار ثم نقلت إلى المستشفى. أفرج عنها في اليوم التالي على أن تدفع غرامة مالية نظير رفضها تلبية الاستدعاء القضائي. وبينما ما زال هناك اتجاه، من الإعلاميين «المحافظين» واليمينيين بطبيعة الحال، إلى تشويهها فإن الاتجاه «الليبرالي» المتعاطف معها يغلب عليه تصوير قضيتها كما لو كانت قصة اضطراب نفسي لا وعي سياسي. كانت هذه بالمناسبة أحد أسباب الخلاف ما بين أسانج والنيويورك تايمز وهو الخلاف الذي سيستخدمه صحفيو الغارديان للتدليل على نرجسية أسانج وصعوبة التعامل معه.

    6) لم تكن ويكيليكس والغارديان وبقية وسائل الإعلام لم تكن قد أتمت نشر الوثائق بعد، وكان الاتفاق ألا تنشر هي الأخرى إلا بعد حذف أسماء الأفراد؛ إلا أن الأصول المشفرة كانت محفوظة على أحد الخوادم على الإنترنت. يقول ديفيد لي إنه ظن أن هذه الملفات ستزال من على هذا الخادم (ولم يكلف نفسه عناء التحقق في نفس الوقت الذي يتهم فيه أسانج بعدم تحمل المسؤولية). وفي هذا الكتاب يتحدث ديفيد لي كذلك عن مانينغ كمصدر للوثائق، وكان هذا من قبل أن تعترف وقبل أن يبت القضاء في أمرها. وعندما سئل في ندوة صحفية عما إذا كان ما فعله يجعل موقف مانينغ أضعف أمام القضاء الأمريكي تحاشى الإجابة.

    7) تحدثت الوثيقة تحديدًا عن مطاردة مصادر ويكيليكس وتوجيه التهم إليهم أو طردهم من أعمالهم حتى لا تعود ويكيليكس ملاذًا آمنًا لهم ولتسريباتهم وليرتدع من تسول له نفسه تسريب معلومات سرية، وصولًا إلى إمكانية تسريب معلومات مغلوطة إليها لتشارك من دون قصد في الدعاية الأمريكية.

    8) الغارديان التي كانت في طليعة المتكسبين لم تستح أن تنشر مقالًا بقلم المخبر الذي وشى بتشيلسي مانينغ يشرح فيه دوافعه ويبرر ما فعل. وعندما سئل ديفيد لي إن كانت الغارديان قد ساهمت في تكاليف محاميي مانينغ ما دامت قد استفادت من التسريبات رد (بصفاقة إنجليزية) «لقد قدمتُ تبرعًا. هذا كل ما أستطيع أن أقوله».

    9) عبّر أسانج في إحدى إطلالاته عن اندهاشه من عزوف دراسات العلاقات الدولية الناطقة بالإنجليزية عن استخدام هذا المصدر الثري الذي ينقل وقائع العلاقات الدولية بشفافية غير مسبوقة. وقال إنه اكتشف أن دورية «الدراسات الدولية الفصلية» (International Studies Quarterly) اتخذت قرارًا تحريريًا بألا تقبل أي ورقة بحثية تعتمد ضمن مصادرها وثائق ويكيليكس. هذا بالرغم من أن مجالات أكاديمية أخرى قد استفادت من هذه الوثائق، وبالرغم من أن دراسات العلاقات الدولية الناطقة بلغات أخرى قد استفادت منها؛ ويُرجِع أسانج السبب في ذلك إلى أن دراسات العلاقات الدولية في الولايات المتحدة وثيقة الصلة بوزارة الخارجية. وبالفعل فقد وصل الأمر إلى درجة أن مكاتب التوجيه الوظيفي لبعض الكليات الأمريكية التي تتخصص في تفريخ موظفي الدولة وجهت إنذارًا للطلبة بأن تحميل هذه الملفات أو مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي من شأنه التأثير سلبًا على فرصهم في العمل مستقبلًا.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية