«إسرائيل» في إفريقيا: موجز تاريخ التغلغل الصهيوني

إثيوبية في مدينة غوندار، تشرين الأول 2020. تصوير إدواردو سوتيراس.

«إسرائيل» في إفريقيا: موجز تاريخ التغلغل الصهيوني

الإثنين 15 تشرين الثاني 2021

على مدى عقود من القرن الماضي، رأى الثوريون وقادة التحرر الوطني الأفارقة الصهيونيةَ باعتبارها الجسر الذي يعبر عليه الاستعمار الحديث إلى القارة الإفريقية وبلدان الجنوب. حارب معظم هؤلاء مثل كوامي نكروما في غانا، وأحمد سيكوتوري في غينيا، وتوماس سانكارا في بوركينا فاسو، وأميلكار كابرال في غينيا بيساو، وغيرهم من الوحدويين الأفارقة (Pan Africanists)، من أجل عدم منح أي عضوية لدولة الاستعمار الصهيوني في الاتحاد الإفريقي (منظمة الوحدة الإفريقية سابقًا).

بعد سنوات على ذلك، دخلت «إسرائيل» إلى الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب، بقرار منفرد اتخذه رئيس مفوضية الاتحاد موسى فكي محمد، في 22 تموز الماضي، دون مشاورات موسعة مسبقة مع جميع الدول الأعضاء؛ قرار لا يحمل أية صفة أو قدرة لإضفاء الشرعية على ممارسات وسلوكيات المراقب الجديد، التي تتعارض تمامًا مع القيم والمبادئ والأهداف المنصوص عليها في القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي.

لكن رغم ما بدا مفاجأة للكثيرين، فإن حضور الكيان الصهيوني في القارة الإفريقية ليس جديدًا. ومن أجل فهم هذه النتيجة التي آلت إليها العلاقات الإسرائيلية-الإفريقية، علينا العودة للوراء لفهم تاريخ محاولات التغلغل الصهيوني في القارة.

جذور الاهتمام الصهيوني بإفريقيا

اتجهت أنظار الصهيونية إلى إفريقيا منذ أواخر القرن التاسع عشر. ففي عام 1897 انعقد أول مؤتمر صهيوني عالمي في بازل بسويسرا بزعامة ثيودور هرتزل لإنشاء وطن قومي يجمع اليهود من جميع أنحاء العالم. حينها، فكر الصهاينة في مشروعات كثيرة لتحقيق هذا الهدف، إذ درسوا استعمار أوغندا وقبرص وبعض دول أمريكا اللاتينية وأستراليا وغيرها. وحينما انعقد المؤتمر الصهيوني الرابع في ربيع عام 1903 في لندن، عرضت الحكومة البريطانية على المنظمة الصهيونية أن تعطيها في شرق إفريقيا مستعمرة كينيا، وقد عرف المشروع بعد ذلك خطأً بأنه مشروع أوغندا، لكن الصحيح كما هو ثابت في سجلات وزارة المستعمرات البريطانية أن كينيا هي التي كانت موضوع المفاوضات. وعندما اجتمع المؤتمر الصهيوني السابع في تموز عام 1905 بعد وفاة هرتزل، قرر نهائيًا رفض مشروع شرق إفريقيا، وتركيز مجهودات المنظمة على الهجرة إلى فلسطين.

احتل الكيان الصهيوني موقعًا متميزًا في ملتقى قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا، بسواحل على امتداد البحرين المتوسط والأحمر. مع إغلاق قناة السويس في وجه الملاحة الإسرائيلية بفعل المقاطعة العربية، ازداد اهتمام الكيان الصهيوني بخليج العقبة الذي يعطيها اتصالًا بإفريقيا، كنقطة ارتكاز تسهل لها تصريف منتجاتها والحصول على المواد الخام. كما انعكس ذلك على التفكير في إقامة قناة بديلة لقناة السويس داخل الأراضي المحتلة. كذلك، صرح أحد وزراء الاتصالات الصهاينة قبل خمسين عامًا بأن شركة الملاحة الصهيونية «زيم» تأخذ على عاتقها مسؤولية إنشاء منظمة للنقل بطريق البر بين إيلات على البحر الأحمر وأسدود على البحر المتوسط لنقل التجارة القادمة من إفريقيا إلى أوروبا والعكس. من هنا، يتضح أن وضع «إسرائيل» الجيوسياسي أثر على اهتمامها بخليج العقبة ومن ثم إفريقيا.

لقد تأكدت أهمية القارة الإفريقية بالنسبة لـ«إسرائيل» على لسان الكاتب الصهيوني مردخاي كرينين في كتابه «إسرائيل وإفريقيا» بقوله: «ثمة مميزات واضحة لسعي «إسرائيل» من أجل كسب أصدقاء لها في الكتلة الأفروآسيوية المتزايدة الأهمية. فبسعيها ذلك، تكسر طوق العزلة الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها في الشرق الأوسط». ولهذا، فإن التغلغل الإسرائيلي في القارة الإفريقية تصاعد مع الزمن وتحول إلى قوة اقتصادية وسياسية تستقطب عددًا وافرًا من الدول الإفريقية، في استغلال لحاجة هذه الدول للنظم التكنولوجية والعلمية الحديثة. 

من هنا، يجب النظر إلى التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا على أنه: أولًا، عمل مكمل للنشاط الاستعماري في القارة الإفريقية وحلقة وصل بين الدول الصناعية الاستعمارية سابقًا والدول النامية؛ ثانيًا، مجال للجهد الصهيوني الهادف إلى كسب أكبر عدد ممكن من الأصدقاء وتأمين التأييد السياسي لـ«إسرائيل» في المحافل الدولية. وثالثًا؛ ميدان عمل للاقتصاد الإسرائيلي وتأمين الأسواق الخارجية. 

مداخل «إسرائيل» للقارة

يمكن هنا تفصيل عدد من المؤثرات الاقتصادية والديموغرافية والسياسية التي خلقت الفرصة لمثل هذا التغلغل. 

فقد افتقرت «إسرائيل» بصفة عامة إلى الموارد الطبيعية والقوى المحركة، إذ اقتصرت الثروات المعدنية التي تسيطر عليها في الأراضي المحتلة على النحاس والفوسفات وأملاح البحر الميت (على الأقل قبل السنوات الأخيرة التي شهدت اكتشاف مخزونات من النفط والغاز في المتوسط)، وساعدتها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تكنولوجيًا في استغلال هذه الموارد. لهذا، كان الكيان الصهيوني يتحرك في استجابة طبيعية لتركيبته التوسعية، باعتباره مركزًا اقتصاديًا صناعيًا يتحرك لحساب نفسه ولحساب المصالح الاقتصادية الأوروبية الأمريكية التي تسانده. فإفريقيا تعتبر قارة الكنوز المعدنية والمواد الخام التي يسيل لها لعاب الغرب والدول الاستعمارية. لذا، حاولت هذه الدول الاستفادة من وجود «إسرائيل» والمساهمة في تنشيط علاقتها بالدول الإفريقية، في ما يمكن وصفه بدور «حامل الميكروب»، فضلًا عن الاهتمام بإفريقيا كسوق لتصريف المنتجات الإسرائيلية.

كذلك، كان الاقتصاد الصهيوني بحاجة لاستقبال وإسكان وتشغيل المهاجرين الجدد ولا سيما القادمين من دول أفرو-آسيوية فقيرة. ديموغرافيًا، لم يكن عدد السكان اليهود في فلسطين يتجاوز 650,000 نسمة عندما قام الكيان الصهيوني على الأراضي المحتلة عام 1948، وفي سنة 1962 وصل عددهم أكثر من مليوني نسمة، ثم إلى 2.3 مليون نسمة عام 1966. حينها، كان الكيان قد استنفد جزءًا كبيرًا من يهود إفريقيا عن طريق الهجرة إلى الأراضي المحتلة. وجدير بالذكر أن تعدد الدول التي قدم منها الأفارقة اليهود إلى الأراضي المحتلة ساهم في فهم وزارة الخارجية الصهيونية لمشكلات هذه الدول، وساعد أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في التعرف بسهولة على الشخصيات التي يمكن التأثير عليها في تلك الدول الإفريقية في سبيل خدمة الكيان الصهيوني. كما لا يمكننا أن نتجاهل هنا دور الصهاينة من يهود إفريقيا في دعم الأهداف السياسية للكيان الصهيوني. فـ«إسرائيل» كانت تنظم دورات خاصة ليهود الشتات عن طريق مؤسسات عديدة، منها الوكالة اليهودية، لتكريس ارتباط اليهود بها. وعملت بعثاتها الدبلوماسية في إفريقيا على تنظيم زيارات ليهود إفريقيا إلى الأراضي المحتلة، واستقطاب المتطوعين الصهاينة الذين أنهوا خدمتهم العسكرية.

جانب آخر من المؤثرات التي استغلتها «إسرائيل» لدخول القارة ارتبط بموجة الاستقلال الإفريقي. فمنذ العام 1960، الذي يسمى عام الاستقلال الإفريقي، حصلت دول إفريقية عديدة على استقلالها. هذه الدول كانت تواجه عدة مشاكل أهمها التخلف الاقتصادي، ومحاولة تحقيق النمو والتنمية، ومشاكل دخول المجتمع الدولي وإقامة شخصية دولية مستقلة، وانعدام وجود الكوادر اللازمة لبناء الدولة على أسس حديثة. كل ذلك استغلته «إسرائيل» عبر الإسراع بالاعتراف بهذه الدول وإقامة علاقات دبلوماسية معها، وإبرام اتفاقيات في المجال الاقتصادي، وتوطيد أواصر التعاون الفني والثقافي وإيفاد الخبراء.

يذكر هنا أن السياسة التي اتبعتها الدول الاستعمارية كانت تقضي بترك المستعمرات الإفريقية التي منحت الاستقلال في وضع الحاجة والنقص والخبط في المشاكل الداخلية والخارجية، من النزاعات على الحدود إلى مشاكل التنمية الداخلية ومتطلبات الحكم الحديث. ووجدت الدول الاستعمارية في الكيان الصهيوني بديلًا لها يمكنها من خلاله المحافظة على ما تبقى من مصالحها في القارة. فقد حرصت هذه الدول قبل جلائها على ربط الدول الإفريقية بالكيان الصهيوني عن طريق عقد اتفاقيات اقتصادية وخلق صداقات بين بعض زعماء هذه الدول والكيان، وإفساح المجال أمام ممثلي الحكومة الصهيونية واتحاد النقابات (الهستدروت) لاستغلال أراضي المستعمرات الإفريقية التي كانت تحت سيطرتها. ولم يقتصر الدعم الغربي لـ«إسرائيل» على استقبال بعثاتها الدبلوماسية والتمثيلية في إفريقيا، وإنما تعداه إلى تمكين المنظمات الإسرائيلية وهيئاتها النقابية والاجتماعية والمهنية والطلابية من إقامة اتصال مستمر مع مثيلاتها في إفريقيا، وقد استمر هذا الدعم حتى بعد الاستقلال. 

لافتة ترحب بزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي إشكول إلى العاصمة الليبيرية مونروفيا عام 1966.

بدايات تطور العلاقات الإسرائيلية – الإفريقية

مع مرور الزمن، اتخذ تطوير الكيان الصهيوني لعلاقاته مع دول القارة الإفريقية مسلكًا ذا طابع خاص. إذ بدأ الكيان بدراسة ظروف القارة واستطلاع أفضل المنافذ للتسلل إلى داخلها، لتهيئة المناخ المناسب للوجود الإسرائيلي. وقد تحقق لها الكثير مما كانت تصبو إليه حتى كان عام 1967 الذي يمثل ذروة النشاط الإسرائيلي في إفريقيا، وفي الوقت نفسه يمثل بداية التدهور الفعلي في اتجاه العلاقات الأفرو صهيونية. 

ويمكن تقسيم تاريخ هذه العلاقات إلى خمس مراحل: مرحلة الاستطلاع 1948-1956؛ مرحلة التغلغل وخلق التعاطف 1957-1962؛ مرحلة الدعم من عام 1962-1967؛ مرحلة التدهور في العلاقات 1967-1978؛ وأخيرًا مرحلة الانحسار العربي مع اتفاقات التسوية.

في سنواتها الأولى، لم تملك «إسرائيل» الثقل السياسي الذي يمكّنها من دخول القارة الإفريقية، كما كانت لدول القارة في ذلك الوقت أهمية ثانوية بالنسبة لـ«إسرائيل» نتيجة تركيزها على العلاقات مع الدول الكبرى. لذا فإن جهودها السياسية لم تتجه فعليًا تجاه إفريقيا إلا بعد مؤتمر باندونغ سنة 1955، الذي اعتبرته ضربة عملت على عزلها عن الدول الأفرو آسيوية. فانعقاد المؤتمر دون حضور «إسرائيل» كان يعني تبني هذه الدول لوجهة نظر الدول العربية من القضية الفلسطينية، وهو ما أكده قرار المؤتمر بشأن فلسطين. لذا، شرعت «إسرائيل» بعدها بالبحث عن مرتكزات لها في القارة لكسر الحصار العربي المفروض حولها ومواجهته، ووضعت استراتيجية جديدة على أساس ضرورة اختراق الدول الأفرو آسيوية المتحررة أو التي هي في طريقها للتحرر الوطني. 

من اليمين: رئيس يوغوسلافيا جوزيف تيتو، الرئيس الإندونيسي أحمد سوكارنو، جمال عبد الناصر، رئيس غانا كوامي نكروما، ورئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو، في مؤتمر باندونغ عام 1955.

توضحت خطورة عزل الكيان الصهيوني عن بلدان الجنوب إثر تأييد هذه الدول لمصر في أعقاب العدوان الثلاثي. كما أن موقف مصر الصريح المضاد للسياسة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط جعل «إسرائيل» تتخوف من آثار هذا الوضوح الفكري واحتمالات نموه في المنطقة، لما يمثله اضمحلال النفوذ الغربي في الشرق الأوسط من خطر على وجودها، ولا سيما في هذه المرحلة المبكرة من عمر الكيان. ولقد تيقنت «إسرائيل» من خطورة عزلتها بشكل أكبر مع ما أبدته كتلة باندونغ في الأمم المتحدة من تقارب وتفاهم سياسي، كما توضح في مؤتمر بريوني 1956، واتفاقها على اعتبار «إسرائيل» أداة تمثل الاستعمار القديم. 

رغم ذلك، كان لـ«إسرائيل» اتصالات مبكرة متفرقة ومحدودة مع القارة، اقتصرت على دولتين هما ليبيريا وإثيوبيا، اللتين كانتا تقبعان تحت حكم سلطوي «إمبراطوري» محلي. كما كانت لها اتفاقات تجارية مع كل من كينيا، ونيجيريا، ومدغشقر، والغابون، كان قد تم إبرامها مع السلطات الاستعمارية. 

حصلت «إسرائيل» على أول تأييد إفريقي من ليبيريا عام 1947، حين صوتت لصالح قرار التقسيم (ومعها جنوب إفريقيا)، ثم افتتحت سفارة لها في العاصمة مونروفيا عام 1954. طورت «إسرائيل» تغلغلها داخل الأراضي الليبيرية عبر العلاقات غير الرسمية. ففي عام 1955 أقيمت في مونروفيا أول شركتين برؤوس أموال صهيونية-ليبيرية، وهما تعتبران فرعين لشركة ماير للاستثمارات في تل أبيب، وتقوم إحداهما بأعمال البناء والتعمير، والأخرى باستثمار رؤوس الأموال الإسرائيلية. ورغم أن ليبيريا تعتبر أول دولة إفريقية يعقد معها الكيان الصهيوني معاهدة صداقة وتعاون، إلا أن الموقف الليبيري الرسمي كان يتسم في بعض الأحيان تجاه «إسرائيل» ببعض الحذر والتحفظ. وإذا كانت بورما تعتبر ركيزة العلاقات الصهيونية في آسيا، فإن ليبيريا لعبت الدور نفسه في إفريقيا. ولا يمكن تجاهل الفوائد التي جنتها «إسرائيل» من علاقتها المبكرة معها والتي استثمرتها في فهم الواقع الإفريقي والتغلغل في باقي الدول الإفريقية بعد ذلك.

أما إثيوبيا، فلم تكن تريد تعقيد علاقاتها السياسية مع مصر والسودان وبعض الدول الإفريقية المؤيدة لفلسطين، وكانت تأمل الحصول على تأييدها في مسألة إريتريا، لذلك امتنعت عن التصويت على قرار التقسيم عام 1947، وأخّرت اعترافها بالكيان الصهيوني حتى عام 1961، رغم وجود تعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية. كما لم تتمكن «إسرائيل» من النفاذ إلى إثيوبيا ومنطقة شرقي إفريقيا عن طريق ميناء إيلات إلا بعد حرب السويس عام 1956. 

في السنوات التي تلت الحرب، وُضعت سياسة الكيان الصهيوني موضع الاختبار، وطرأ كثير من التعديلات على الأهداف والمواقف الإسرائيلية تجاه القارة في هذه المرحلة، التي شهدت كثافة في البعثات والزيارات التي أرسلتها «إسرائيل» إلى إفريقيا على مستوى رسمي عالٍ. فقد ساعدت موجة الاستقلال التي اجتاحت الدول الإفريقية عام 1960 على ازدهار الدبلوماسية الإسرائيلية في القارة، إذ حرص الكيان الصهيوني على تدعيم علاقته التي قد كان بدأها مع بعض الدول الإفريقية قبل الاستقلال والاعتراف بها رسميًا عن طريق البعثات الدبلوماسية، وعلى إنشاء علاقات جديدة مع الدول التي لم تكن لها علاقات بها من قبل.

زار موشي ديان ليبيريا وغانا عام 1957، تلتها زيارة غولدا مائير عام 1958 لكل من ليبيريا وغانا ونيجيريا والسنغال وساحل العاج، في أول زيارة رسمية على مستوى عالٍ إلى القارة، أجرت فيها محادثات هامة مع زعماء هذه الدول، أسفرت عن ضرورة إرسال الكيان الصهيوني معونات لها. كما وجهت مائير خلال زيارتها الدعوة لبعض رؤساء الدول الإفريقية لزيارة الأراضي المحتلة، وخلال عامي 1958 و1959 قام بعضهم بهذه الزيارة بدافع الاطلاع على «التجارب الجديدة» في مختلف مجالات التنمية التي روجت لها الصحف الإفريقية كثيرًا. وبعد ارتقاء العلاقات الدبلوماسية بينها وبين غانا بين عامي 1957 و1959، أعلنت «إسرائيل» في شباط 1959 عن توسيع شبكتها الدبلوماسية في القارة بإنشاء قنصلية في السنغال وسفارة في غينيا.

غولدا مائير خلال زيارة لكينيا عام 1960.

حين أعلنت غينيا استقلالها عن فرنسا وخروجها من مجموعة دول الفرانكفون في غرب إفريقيا، وقعت «إسرائيل» في مأزق. إذ أن حرصها على تدعيم مواقعها في إفريقيا كان يحفزها للاستجابة لنداء غينيا للاعتراف بها على الفور، في حين أن ذلك قد يغضب فرنسا، الحليف المقرب والداعم للكيان. لذا فضلت تأجيل هذا الاعتراف، وأبلغت الحكومة الغينية ذلك مع تأكيدها الشديد على تنمية علاقات التعاون معها على جميع المستويات. واستطاع الدبلوماسيون الصهاينة إقناع الحكومة الفرنسية بضرورة الاعتراف بالنظام الغيني من أجل الأمن الإسرائيلي واكتساب مزيد من المواقع في إفريقيا. وتم فعلًا تبادل السفراء عام 1959، بعد أن أبلغت «إسرائيل» فرنسا في ذلك الحين بكل الخطوات التي اتخذتها في هذا الشأن.

بسبب ملكية معظم الصحافة الإفريقية لشركات أجنبية وخضوعها للرقابة الاستعمارية أو الإجراءات السلطوية، فقد اتسم موقفها بالتعاطف الكامل مع الكيان الصهيوني، مما أوجد مناخًا ملائمًا لتجنيد كثير من الأقلام للترويج للكيان، من خلال توجيه الدعوات لهم لزيارة «إسرائيل» والتعرف على المسؤولين فيها، مما ساعد في النهاية على خلق رأي عام إفريقي متعاطف مع الكيان الصهيوني. وأصبح هؤلاء الصحفيون من أهم أجهزة الرد على الدعاية المضادة لـ«إسرائيل» التي كانت تقوم بها السفارات العربية والبلدان الإفريقية المناهضة للصهيونية في القارة. 

هذه الزيارات تمددت إلى مجالات عدة، كان بعضها ذا أهمية خاصة لإفريقيا. ففي بداية عام 1959 وصلت إلى «إسرائيل» بعثة من النيجر للاطلاع على الإنجازات في العمل الزراعي والاجتماعي، تلتها بعثة من تشاد. وفي تشرين الثاني 1959، وصلت بعثة من نقابات عمال غينيا لدراسة الحركة التعاونية والاقتصادية، وأعقب هذه البعثة وصول وفد نقابي في منحة دراسية لمدة ستة أشهر. ولاقت «إسرائيل» ترحيبًا حارًا بالأخص في دول غربي إفريقيا (الفرانكفون)، بسبب العلاقة الوثيقة التي كانت تربط فرنسا بالكيان الصهيوني، وقد ظهر هذا جليًا عندما زار رئيس جمهورية الغابون الأراضي المحتلة عام 1961. فالتعاون الإسرائيلي-الفرنسي كان بمثابة موافقة فرنسية مسبقة على تغلغل «إسرائيل» في الدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية.

مزارعون من غانا يحصدون البطاطا في رحلة تدريبية إلى مستوطنة رامات يوحنان الزراعية قرب حيفا عام 1965.

ذروة الحضور الصهيوني وبداية انحداره

بلغت العلاقات الإسرائيلية-الإفريقية ذروتها في أواخر الستينيات، إذ اتسمت هذه المرحلة بدعم العلاقات الإسرائيلية مع دول شرقي إفريقيا وإجراء اتصالات واتفاقات جديدة مع زعماء الحركات الوطنية في بعض المناطق الإفريقية التي لم تكن قد نالت استقلالها بعد، ووصل نجاح التغلغل الصهيوني قمته عقب حرب 1967.

أدركت «إسرائيل» أهمية العمق الاستراتيجي لكيانها وارتباطه العضوي بأمنها وقدرتها على التوسع العسكري، وبذلت في هذه السنوات جهودًا مضنية في سبيل تعزيز علاقاتها بالذات في الشرق الإفريقي المطل على البحر الأحمر، باعتباره ممرًا مصيريًا بالنسبة لها. وأصبحت «إسرائيل» خلال تلك الفترة من أوائل الدول المساعدة لدول القارة التي تشكو حاجتها الماسة للخبرة الفنية في مجالات الاقتصاد والزراعة. من هنا، يمكن القول بأن الاهتمام الصهيوني بالشرق الإفريقي، وخاصة المناطق المطلة أو القريبة من مياه البحر الأحمر، كان أكثف بكثير من دورها في قلب القارة الإفريقية وباقي أرجائها. ففتح خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية قدم لـ«إسرائيل» فرصة ذهبية لمد نشاطها، ليس فقط لدول شرق القارة، وإنما إلى دول آسيا والشرق الأوسط أيضًا.

لكن كما سبق ذكره، إذا كان عام 1967 يمثل ذروة النشاط الإسرائيلي في إفريقيا، فهو أيضًا يعد بداية التدهور الفعلي في العلاقات الأفرو-إسرائيلية، ويرجع ذلك إلى أسباب عديدة ومتداخلة، سيتلو شرحها، ساهمت جميعها في كشف حقيقة النوايا التوسعية للكيان الصهيوني في القارة الإفريقية.

هناك مجموعة من الأسباب المالية والاقتصادية التي حالت دون تملك «إسرائيل» للنفوذ الذي سعت إليه. فقد افتقرت في تلك المرحلة للمصادر التمويلية واعتمدت أساسًا على المساعدات الأجنبية لسد العجز في ميزانها التجاري، مما شكل عقبة رئيسة حالت بينها وبين تلبية طلبات الدول الإفريقية. فقد تحملت «إسرائيل» كثيرًا من النفقات المالية جراء بعثاتها الدبلوماسية في القارة وإرسالها الخبراء أو استقبال المتدربين الأفارقة، فضلًا عن القروض والإعانات التي قدّمتها. كما أنها عاشت ظروفًا استثنائية منذ حرب حزيران 1967 زادت من متطلبات الأمن، بعد بروز المقاومة الفلسطينية وتزايد الخسائر المادية والبشرية تبعًا لذلك. ونتيجة لهذا الوضع أيضًا، انخفضت معدلات السياحة، وتناقص تدفق رأس المال الأجنبي والاستثمارات الخاصة. وفي هذا السياق، زادت ديون «إسرائيل» الداخلية والخارجية، وترتب على ذلك نشوء اختناقات صناعية وعدم القدرة على الاستجابة لاحتياجات التصدير، بالإضافة إلى التضخم وزيادة الضرائب والنقص الكبير في الاحتياطي في النقد الأجنبي. كل هذه المشاكل الاقتصادية أدت إلى عجز «إسرائيل» عن تنفيذ تعاقداتها والتزاماتها مع الدول الإفريقية.

بالإضافة لذلك، واجه نشاط «إسرائيل» نفسه داخل إفريقيا عددًا من المشاكل. فقد فشلت بعض المشروعات الزراعية التجريبية، على غرار ما اتبع في الأراضي المحتلة، وذلك بسبب عدم ملاءمتها للظروف الاجتماعية والسياسية السائدة في القارة. كما أن طابع السرعة الذي اتسمت به المشروعات الإسرائيلية أدى إلى نشوء ثغرات كبيرة أساءت لسمعة الشركات والمؤسسات الصهيونية، وأوقفت في بعض الأحيان أي احتمال لتجديد تعاقدها مع الدول الإفريقية. فمثلًا، أثيرت مشكلة بعدما جرى بناء مطار العاصمة الغانية أكرا على غير المواصفات التي تم الاتفاق عليها، كما حدث عند إعادة بناء البرلمان ودار البلدية في مونروفيا. ولم تستطع «إسرائيل» تلبية الطلبات المتزايدة من الدول الإفريقية في مجال الخبرة الفنية، وخاصة من المهندسين الفنيين والممرضين، في ظل افتقار الاقتصاد الإفريقي للأيدي العاملة المدربة والمعدات الحديثة، فضلًا عن انعدام وسائل الاتصال الداخلي، وهو ما أعاق بذاته بعض المشاريع. وأخيرًا، واجه الخبراء الصهاينة الموفدون للعمل في الدول الإفريقية صعوبة في التكيف مع المناخ الاجتماعي وصعوبات الحياة اليومية، بالإضافة إلى افتقاد اللغة المشتركة. فضلًا عن أن العلاقات الاجتماعية للإسرائيليين الذين عملوا في إفريقيا اتسمت بالعنصرية والعزلة وانعدام الاندماج.

مهندسون إسرائيليون ونيجيريون في موقع بناء فندق في نيجيريا، عام 1962.

لقد تنبهت الدول الإفريقية بعد 1967 إلى موقف الكيان الصهيوني الحقيقي إزاء الكثير من القضايا الإفريقية، سواء من الاستقلال أو من الحركات الانفصالية التي أيدتها في نيجيريا، والكونغو، وأنغولا، وموزمبيق، وتعاونها مع أنظمة الأبارتايد في جنوب القارة. هذا التذبذب في موقف «إسرائيل» في القارة أدى إلى إدانتها من قبل قطاعات كبيرة من الرأي العام الإفريقي، التي اعتبرت الكيان الصهيوني متواطئًا مع المعسكر المعادي لحركات التحرر الثورية. كما أن «إسرائيل» واجهت عددًا من التناقضات التي أضعفت موقفها في إفريقيا، منها المنافسة الحادة التي واجهتها السلع الإسرائيلية أمام المنتجات الفرنسية والبريطانية والأمريكية واليابانية، التي لم تستطع أن تصمد طويلًا أمامها، بالإضافة إلى التباين بينها وبين دول الكتلة الاشتراكية، خاصة مع تصاعد موقف الاتحاد السوفييتي والصين الشعبية ويوغسلافيا بالتنديد بالصهيونية واعتبارها قاعدة للاستعمار الحديث في بلدان الجنوب.

مصر والجزائر والتقارب العربي الإفريقي

أخذ هذا الافتراق الصهيوني الإفريقي منعطفًا حادًا مع تزايد التقارب العربي الإفريقي، الذي يعتبر من أبرز الأسباب التي ساهمت في انكماش الوجود الصهيوني وتدهوره في عديد من الدول الإفريقية. فقد افتتحت الجامعة العربية عدة مكاتب إعلامية في شرق وغرب إفريقيا، وأجرت عدة اتصالات سياسية واقتصادية مع الدول الإفريقية عن طريق البعثات والوفود العربية، وشاركت في معظم المؤتمرات التي انعقدت في القارة. كانت دول شمال إفريقيا، وبالأخص مصر والجزائر، المساهم الأكبر في تحقيق هذا التقارب بين فلسطين والدول الإفريقية، ذلك بحكم موقعها الجغرافي ودورها في منظمة الوحدة الإفريقية، فقد تبنت حركاتِ التحرر الإفريقية وقدمت تسهيلات عديدة تضمن لها حرية الحركة. وفي ظل الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية، بُذلت جهود إفريقية عربية منسقة في مجال المقاطعة، وتطور التبادل التجاري بين الدول العربية والإفريقية، وزاد التمويل المصري والجزائري للمشروعات الإفريقية، كما جرى تقديم منح دراسية وإرسال الخبراء والاشتراك في المعارض التجارية الإفريقية.

الرئيس الجزائري أحمد بن بلة مناديًا بتحرير إفريقيا على غلاف صحيفة «Muhammad Speaks» الصادرة عن حزب «أمة الإسلام» في شيكاغو، في تشرين الأول 1962.

شكلت الجمهورية المصرية في حقبة جمال عبد الناصر رأس حربة في هذه الجهود، إذ عملت في المؤتمرات الإفريقية من أجل استصدار قرارات تدين الصهيونية وتبرز القضية الفلسطينية ومخاطر التغلغل الصهيوني في القارة. ساهمت في ذلك مواقف مصر المشرفة في دعم القارة في عدة ميادين، مثل موقفها تجاه الكونغو عام 1960، ودعمها للحركات التحررية في أنغولا وموزمبيق ضد الفاشية البرتغالية، وموقفها الداعم للوحدة الإفريقية وصيانة استقلال الدول الإفريقية، ومقاطعتها للحكومات العنصرية في جنوب إفريقيا وروديسيا الجنوبية (زيمبابوي) والشمالية (زامبيا).

في مقالته الشهيرة عام 1975 المعنونة «إفريقيا السوداء والعرب»، يقول المفكر الكيني علي مزروعي إنه «نتيجة للجهود المصرية، لم تستطع إسرائيل دخول أي تجمع آسيوي أو إفريقي، أو الاشتراك في أي مؤتمر من مؤتمرات دول الجنوب، ولم تنجح حتى في الانضمام لمجموعة الدول الأفرو آسيوية في الأمم المتحدة ولو بصفة مراقب في اللجان الأفرو آسيوية، رغم أن الكيان الصهيوني كان لديه علاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع عدد من الدول الإفريقية والآسيوية».

وفي الميدان الاقتصادي والفني، أملت الجهود المصرية ضرورة مجابهة الكيان الصهيوني من خلال شركات وهيئات متخصصة، أبرزها شركة النصر للتصدير والاستيراد، التي كان لديها 21 فرعًا في 25 دولة، ونظمت مؤتمرين عامي 1963 و1969 بهدف تنمية التبادل التجاري مع باقي الأشقاء الأفارقة، بالإضافة للشركة العربية للتجارة الخارجية، والشركة التجارية الاقتصادية. كما قدمت مصر أيضًا بعض القروض، وعقدت اتفاقيات تجارية، وسيّرت خطًا ملاحيًا يربطها مع دول القارة، وكانت تصدر إليها الكثير من السلع، أهمها المنسوجات والإسمنت والأرز ومستلزمات البناء والإطارات والأغذية المحفوظة والأدوية والثلاجات والأجهزة الكهربائية. أدى ذلك إلى تطور حجم التبادل التجاري مع القارة بشكل ملحوظ، فبين عامي 1969 و1970، بلغ حجم التبادل التجاري (صادرات وواردات) لشركة النصر مع دول القارة 12 مليون جنيه، بعد أن كان 2.6 مليون فقط بين سنتي 1961 و1962. 

أرسلت مصر الأطباء، وأوفدت خبراء في الزراعة لنيجيريا وتنزانيا والصومال، كما أوفدت بعثة من كبار مهندسي الري لتنزانيا. واستقبلت الآلاف من الطلبة الأفارقة في جامعاتها ومعاهدها العلمية، كما نظمت دورات تدريبية قصيرة وطويلة الأجل في ميادين الزراعة والتعاون الجيولوجية والطب. وكانت تحرص على تقوية الصلات الثقافية مع الدول الإفريقية، فأوفدت أساتذتها للتدريس وتبادل الخبرات في المدارس والجامعات الإفريقية. ووجهت القاهرة جهازًا إعلاميًا متكاملًا لدول القارة، وبثت عشرات البرامج الإذاعية باللغات المحلية الإفريقية.

متظاهرون مصريون يحملون صور رئيس وزراء الكونغو باتريس لومومبا عقب اغتياله عام 1961، ويحملون شعار الدرع البلجيكي الذي انتزعوه من بوابة السفارة البلجيكية في القاهرة واستبدلوه بصورة لومومبا.

معاداة الصهيونية من منطلقات إفريقية

تمثلت ترجمة ما سبق من تقارب في الدور الذي لعبته مؤتمرات منظمة الوحدة الإفريقية تجاه القضية الفلسطينية. ففي الخامس من حزيران 1967، وفي الساعة الأولى التي تلت العدوان الصهيوني، هب الزعيم الغيني أحمد سيكوتوري لدعوة المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الغيني إلى الاجتماع، ثم اتخذ قرارًا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، وطرد السفير الاسرائيلي والخبراء والفنيين الصهاينة من جميع أنحاء البلاد. أخذ هذا الموقف صداه مع باقي الزعماء الأفارقة في منظمة الوحدة الإفريقية، إذ طالب المجلس الوزاري للمنظمة في أديس أبابا جميع الدول الأعضاء بتقديم مساندتهم المادية والمعنوية لمصر وباقي الدول العربية، ووصف «إسرائيل» بأنها كيان عدواني. وهو ما أثار رد فعل عنيف في الأوساط الصهيونية التي طالبت بقطع المساعدات عن الدول الإفريقية التي أيدت هذا القرار. 

وفي المؤتمر السادس للمنظمة، الذي عقد في الجزائر في أيلول 1968، طالب المؤتمر بانسحاب القوات الأجنبية من جميع أنحاء الأراضي العربية التي احتلت في حزيران 1967 طبقًا للقرار 242 الصادر عن مجلس الأمن، وناشد جميع الدول الأعضاء في المنظمة استخدام نفوذها من أجل ضمان تنفيذ القرار. وفي العام اللاحق في أديس أبابا، أدرج المؤتمر السابع أزمة الشرق الأوسط للمرة الأولى في جدول أعماله كبند قائم بذاته، وأكد على ضرورة تطبيق القرار الذي اتخذه في دورته بالجزائر، وهو ما أكده مجددًا في الدورة التالية. وفي المؤتمر التاسع عام 1971، تصاعد الموقف داخل منظمة الوحدة الإفريقية، ما أدى لاتخاذها قرارًا بتشكيل لجنة من عشر دول إفريقية للمساهمة في حل أزمة الشرق الأوسط. وحثت المنظمة جميع الدول الأعضاء بالمنظمة على تقديم مساعداتها لمصر، وتكثيف العمل في المحافل الدولية ومجلس الأمن والجمعية العامة من أجل انسحاب الكيان الصهيوني الفوري غير المشروط من الأراضي المحتلة.

أما المؤتمر الحادي عشر في أيار 1973، فقد أحدث نوعًا جديدًا من العلاقات الأفروعربية، وأثبت مدى عمق العلاقة التي وصل لها الطرفان. إذ اعترفت منظمة الوحدة الإفريقية في هذه الدورة بأن احترام حقوق شعب فلسطين يشكل عنصرًا أساسيًا في أي حل عادل ومنصف لأزمة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تحذيرها الذي وجهته إلى «إسرائيل» من أن موقفها قد يحمل الدول الأعضاء في المنظمة على أن تتخذ على المستوى الإفريقي بصورة فردية أو جماعية تدابير سياسية أو اقتصادية ضدها. 

إثر ذلك، توسع تيار المقاطعة الإفريقي ليشمل كلًا من غينيا وأوغندا والكونغو الشعبية ومالي وتشاد والنيجر وبوروندي وتوغو وزائير (الكونغو الديمقراطية حاليًا). وقد كانت لكل من هذه الدول أسبابها الخاصة في قطع علاقاتها مع «إسرائيل»، بالإضافة للموقف من القضية الفلسطينية. فعلى سبيل المثال، اعتبرت الحكومة الأوغندية أن السفارة الصهيونية في عاصمتها كامبالا مسؤولة عن أنشطة تخريبية ضدها، وأنها أدخلت أعدادًا كبيرة من الصهاينة إلى الدولة بطرق غير شرعية، كما أنها باعت أسلحة فاسدة لأوغندا. وفي جمهورية الكونغو الشعبية، ساهمت طبيعة النظام السياسي الكونغولي الماركسي في النظر لـ«إسرائيل» باعتبارها قاعدة للاستعمار الأمريكي في الشرق الأوسط. واعتبرت تشاد أن وجود الإسرائيليين على أرضها يهدد أمنها وأمن الدول الإفريقية المجاورة. أما بوروندي، فكانت مقتنعة بمساندة الكيان الصهيوني للمتمردين الذين حاولوا السيطرة عليها في أيار 1973.

مناحيم بيغن وموشي ديان وإسحاق رابين مع رئيس وزراء النظام العنصري في جنوب إفريقيا، جون ڤورستر (الثاني من اليمين)، أثناء زيارته للقدس عام 1976.

إن التضامن مع الحقوق العربية المشروعة لا يكفي لتفسير قطع الدول الإفريقية علاقتها بالكيان الصهيوني. فقد تزايد في العقل الإفريقي الاقتناع بأن الكيان الصهيوني مستوطنة استعمارية، وهو مثيل أنظمة الفصل العنصري في القارة، وجزء لا يتجزأ من مطامع الاستعمار الحديث فيها. فقد حارب المرتزقة الصهاينة إلى جانب الاستعمار البلجيكي ضد باتريس لومومبا والقوى الثورية في الكونغو، وإلى جانب الفاشية البرتغالية في أنغولا وموزمبيق وغينيا بيساو، وضد استقلال الجزائر. ووقف الكيان الصهيوني أيضًا عام 1956 ضد مشروع الامتناع عن إجراء التجارب الذرية في الصحراء الإفريقية، وعارض عام 1959 مشروع الأمم المتحدة لإجراء انتخابات عامة في الكاميرون تحت إشراف الهيئة الدولية، كما عارض مشروع ليبيريا الخاص بمنح الحكم الذاتي للأقاليم المستعمرة، ودعم الحركة الانفصالية في بيافرا في نيجيريا وزود الانفصاليين بالأسلحة. وامتنع عن التصويت لمنح تنجانيقا ورواندا وبوروندي الاستقلال، كما امتنع عن التصويت لإدانة النظام العنصري المحتل جنوب إفريقيا عام 1961 في الأمم المتحدة. كما أن بروز المقاومة الفلسطينية بالتزامن مع نمو حركة التحرر الوطني في إفريقيا كان ذا أثر كبير في ربط القضية الفلسطينية بقضايا التحرر الإفريقية واعتبار النضال الفلسطيني قضية إفريقية. كل ذلك عزز الرفض الإفريقي لـ«إسرائيل»، حتى وصفها الزعيم الغاني كوامي نكروما في أحد المؤتمرات الإفريقية بأنها استعمار مقنع ينخر في جسد القارة الإفريقية.

تبعات حرب أكتوبر 1973 على العلاقات العربية الإفريقية

جرت كل هذه التطورات قبل أشهر على حرب السادس من أكتوبر. وعلى إثر الحرب، تزايد عدد الدول الإفريقية التي قطعت علاقاتها مع «إسرائيل» حتى بلغ 29 دولة، بالإضافة إلى تسع دول لم تكن قد تبادلت التمثيل الدبلوماسي معها. ولم يبق خارج الإجماع الإفريقي على هذا الموقف سوى ثلاث دويلات هي ملاوي وليسوتو وسوازيلاند، بالإضافة للأنظمة العنصرية في جنوب إفريقيا وروديسيا. 

بعد أيام على اندلاع الحرب، أعلنت الدول العربية المصدرة للنفط، ومن بينها دول شمال إفريقيا، حظر تصديره للولايات المتحدة والدول الداعمة لـ«إسرائيل» في الحرب، وخفضت إنتاجها منه، ما أدى لتضاعف أسعار النفط أربع مرات خلال أسابيع قليلة. أرهق هذا الارتفاع الحاد ميزان المدفوعات في الدول الإفريقية، التي أصابها الضرر مرتين؛ الأولى حين زادت أسعار النفط الخام، والثانية عند استيرادها السلع النفطية المصنعة من الدول الغربية، ما زاد في ارتفاع الأسعار. 

قدمت السكرتارية الإدارية لمنظمة الوحدة الإفريقية تقريرًا إلى مجلس وزرائها عند انعقاده في مقديشو عام 1974، تضمن استعراضًا لآثار الحظر النفطي على الدول الأعضاء. وعلى إثر ذلك، اقترحت الوفود الإفريقية أن تُمنح الدول الإفريقية أسعارًا تفضيلية أو خصومات على الأسعار، أو أن يُقدم الفرق في الأسعار كمنحة لهذه الدول في إطار برنامج التعاون العربي-الإفريقي. وعليه قرر وزراء الدول النفطية العربية في المنظمة الإسراع في العمل على إنشاء البنك العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا، وإنشاء صندوق برأس مال قدره 200 مليون دولار يلحق بالبنك فيما بعد، لتقديم القروض للدول الإفريقية بفائدة رمزية ولمدة معقولة، بالإضافة إلى إحكام الرقابة لمنع وصول النفط إلى الأنظمة العنصرية في جنوب إفريقيا وروديسيا. 

توالت كذلك بعد الحرب القمم العربية التي أصدرت العديد من القرارات الداعمة للتعاون الاقتصادي العربي الإفريقي. ففي كانون الأول 1973، اجتمع المجلس الاقتصادي لجامعة الدول العربية بالقاهرة، وعلى نهج قرارات مؤتمر القمة في الجزائر، أصدر قرارًا بإنشاء البنك العربي للتنمية الصناعية والزراعية في إفريقيا. وفي العام اللاحق، اجتمعت «لجنة السبعة» الإفريقية بدار السلام في تنزانيا لتحديد معايير توزيع أموال صندوق القروض المنشأ حديثًا. وأوصت بتنازل الدول الإفريقية من أعضاء جامعة الدول العربية عن حقها في الانتفاع من هذا الصندوق، بالتنسيق مع هذه الدول، وناشدت اللجنة الإفريقية المنتجة للنفط للمساهمة في هذا الصندوق. وفي القمة العربية اللاحقة في الرباط عام 1974، جرت الموافقة على عقد مؤتمر قمة عربي-إفريقي، وإيفاد بعثة من وزراء خارجية عرب إلى دول إفريقية دعمًا للتضامن العربي-الإفريقي. 

وعام 1976، إثر اعتداء حكومة الأبارتايد في جنوب إفريقيا على جمهورية أنغولا الشعبية، واستمرار احتلال فرنسا لجزيرة مايوت التابعة لجزر القمر، قرر مجلس جامعة الدول العربية إدانة النظم العنصرية بجميع أشكالها في إفريقيا وفي فلسطين، والتأكيد على التزام الدول العربية بمقاطعة النظم العنصرية، وإدانة العدوان على أنغولا والاحتلال الفرنسي لمايوت، ومساعدة حركات التحرر الإفريقية. شكل ذلك ربطًا واضحًا للكفاح العربي ضد الصهيونية في فلسطين بكفاح الشعوب الإفريقية من أجل التحرر.

بالمحصلة، نتج عن حرب أكتوبر والقرارات التي اتُخذت على إثرها تقاربٌ أكبر بين الدول الإفريقية والعربية وتأييدٌ إفريقي أوضح للحق الفلسطيني. وأصبح التعاون العربي الإفريقي بعدًا أساسيًا من أبعاد سياسات جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية. لكن هذه المهمة المشتركة لم تدم طويلًا.

التسوية والانحسار العربي في إفريقيا

في 26 آذار 1979، تم توقيع معاهدة كامب ديفيد سيئة الصيت، لتبدأ مصر عهدًا جديدًا من التبعية السياسية والاقتصادية، وتفقد مكانتها ونفوذها السياسيين، وحتى سيادتها على أراضيها، وتراجع وصولها للعمق الإفريقي، الذي كانت قد بنته بالدبلوماسية والتعاون الشعبي والاقتصادي. وفي الوقت الذي كانت فيه المؤتمرات المتعاقبة لمنظمة الوحدة الإفريقية تؤيد الحق العربي وتسعى لفرض العزلة على «إسرائيل» على المستويات الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية والعسكرية، كانت مصر هي من كسر هذه العزلة.

هذا الانحسار في الدور المصري والعربي عمومًا كان قد بدأ منذ عام 1977، حيث ضعف الاهتمام العربي بإفريقيا، مع تخلِّي مصر عن الدور الذي لعبته أثناء الفترة الناصرية، وتحولها إلى محاربة الأنظمة الإفريقية ذات الخط التقدمي أو الاشتراكي، اتساقًا مع تغير سياساتها الاقتصادية نحو اللبرلة. ومع الوقت، اتسع الشرخ الذي أحدثته كامب ديفيد في العلاقات الأفرو عربية، وانتهز الكيان الصهيوني هذه الفجوة ليعيد اختراق القارة الإفريقية. ففي هذه الفترة، كان الكثير من أنظمة التحرر الوطني التي كان لها مواقف تقدمية تجاه القضية الفلسطينية إما قد تم الانقلاب عليها عبر عملاء الاستعمار الحديث أو فشلت ذاتيًا. 

في الثمانينيات، أجرى إسحاق شامير، رئيس الوزراء الصهيوني زيارات إما سرية أو رسمية إلى كل من كينيا، وتوغو، والكاميرون، وليبيريا، وساحل العاج. دارت الزيارات حول تجديد العلاقات مع إغراء الجانب الإفريقي بالمساعدات العسكرية والأمنية، والتوقيع على جملة اتفاقيات تجارية. وبهذه الجولات، نجح الكيان الصهيوني في اختراق الحصار الذي كان مفروضًا عليه في القارة الإفريقية.

رئيس توغو غناسينغبي إياديما يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق شامير عام 1987.

ومما لا شك فيه أن اتفاقيات أوسلو عام 1993 كانت دافعًا قويًّا لاستئناف العلاقات مع بعض الدول الإفريقية. حيث أقام الكيان الصهيوني علاقات دبلوماسية كاملة مع 44 دولة إفريقية من أصل 54، وأصبح لديه 15 سفارة في القارة. وساهم تراجع القضية إثر انطلاق قطار التطبيع العربي برعاية أمريكية في إسكات موقف بعض الدول الإفريقية التي كانت تصطف مع القضية الفلسطينية. تزامن ذلك مع حماسة إثيوبيا وعدد من دول شرق إفريقيا ذات العلاقات الوطيدة مع «إسرائيل» في توسيع العلاقات معها؛ حماسة أفضت في النهاية إلى منح تل أبيب صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي.

إذن، يبدو أن نفوذ «إسرائيل» داخل القارة الإفريقية آخذ بالازدياد، نظرًا إلى تقزم الدور العربي في الساحة الإفريقية وعدم سعيها لمجابهة المشاريع الصهيونية الضخمة في إفريقيا. هذا ما شجع بنيامين نتنياهو في تموز 2016 ليصبح أول رئيس وزراء إسرائيلي يزور القارة منذ عقود، حين زار كلًا من أوغندا وكينيا ورواندا. وفي العام نفسه، استضاف ثمانية وزراء والعديد من كبار المسؤولين الآخرين من أكثر من 15 دولة في غرب إفريقيا، في مؤتمر زراعي في «إسرائيل» رعته بشكل مشترك المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) والوكالة الإسرائيلية للتعاون الإنمائي الدولي (ماشاف). حينها، قال نتنياهو إن «إسرائيل تعود إلى إفريقيا بشكل كبير، وإفريقيا قد عادت إلى أحضان إسرائيل».

«إسرائيل» في الاتحاد الإفريقي

مرّ خبر نيل الكيان الصهيوني صفة عضو مراقب في الاتحاد الإفريقي في 22 تموز الماضي مرور الكرام، بعد الخطة التي أعدها رئيس المفوضية الإفريقية، موسى فكي محمد. تجاوز القرار القواعد الإجرائية المعمول بها في الاتحاد الإفريقي، والتي تبدأ بقيام الدولة الراغبة في الحصول على وضع مراقب بتقديم طلب لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، الذي ينظر بدوره في الطلب على أساس مبادئ وأهداف القانون التأسيسي والقرارات ذات الصلة الصادرة عن أجهزة الاتحاد الإفريقي، ويخطر الدول الأعضاء لإبداء تعليقاتها وملاحظاتها. وفي حال عدم وجود اعتراض خلال فترة 45 يومًا من تاريخ الإخطار، يقبل الرئيس خطاب اعتماد رئيس البعثة أو ممثل الدولة غير الإفريقية. وفي حال إبداء اعتراض، لا يجوز لرئيس المفوضية معالجة الطلب وعليه إدراجه في جدول أعمال المجلس التنفيذي. لكن هذه الإجراءات لم تُحترم.

لا يمكن إنكار المساعي الدبلوماسية لبعض الدول لإبطال تلك العضوية، فقد رأت 20 دولة (مصر والجزائر وتونس وليبيا وجيبوتي وجزر القمر وموريتانيا وجنوب إفريقيا وناميبيا وبوتسوانا وإريتريا والسنغال وتنزانيا والنيجر والغابون ونيجيريا وزيمبابوي وليبيريا ومالي وسيشل) أن القرار اتخذ بشكل فردي دون التشاور مع الدول الأعضاء في الاتحاد، بل ويتعارض مع أهداف ومبادئ القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي الداعم للقضية الفلسطينية. وأشارت بعض هذه الدول أيضًا إلى أن القرار اتخذ في عام تعرض فيه الشعب الفلسطيني لقصف مدمر. إلا أن هذه المساعي لم تثمر بشكل جدي. ولا شك أن اتفاقات التطبيع مع المغرب والسودان وتدشين العلاقات مع تشاد وغينيا أسهمت في التمهيد لقبول الكيان الصهيوني في الاتحاد الإفريقي. كما يمكن القول إن الولايات المتحدة دعمت هذه الخطوة على أمل أن يساهم التغلغل الصهيوني في القارة في مواجهة تصاعد النفوذ الصيني فيها. 

نتنياهو في زيارة إلى العاصمة الرواندية كيغالي عام 2016. النيويورك تايمز.

بالنسبة للكيان الصهيوني، يعتبر هذا القرار مكسبًا سياسيًا واقتصاديًا كبيرًا. وأحد أهم المكاسب يتعلق بحجم الكتلة التصويتية للدول الإفريقية في المنظمات الدولية. فقد نظر الكيان الصهيوني إلى الدول الإفريقية منذ البداية كوعاء تصويت داعمٍ لها في الأمم المتحدة، يساهم في فك العزلة عنها، حتى تتمكن من إحكام قبضتها على الأراضي المحتلة، وتخفيف الانتقادات الموجهة إليها في هذا الصدد.

لكن البعد الاقتصادي لا يقل أهمية عن البعد السياسي لتحركات «إسرائيل» في القارة. فإفريقيا بالنسبة لها سوق ضخم لمنتجاتها الاستهلاكية والأمنية والاستخباراتية. كما أنها تسعى فعليًا للاستحواذ على تجارة الألماس الإفريقي، لا سيما أنها أحد أكبر مصدري الألماس في العالم، بفضل الشبكة التي أسَّسها الملياردير الإسرائيلي ليف ليفايف، المعروف باسم «ملك الألماس»، والذي تأسست إمبراطوريته بفضل نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وأيضًا لتجاهله القوانين الدولية المتعلقة بتجارة السلاح وتصديره. إذ ساهم في تصدير الكيان الصهيوني للأسلحة والعتاد الحربي لإفريقيا، لتغذية الصراعات والحروب الداخلية والعرقية والإثنية والمناطقية فيها، مقابل الألماس. وفي النهاية، كان ليفايف يوظف العائدات في دعم بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية.

خاتمة

لقد أثار دخول الكيان إلى الاتحاد الإفريقي اتهامات من البعض للأفارقة بالخيانة وبيع القضية الفلسطينية. لكن هذه الاتهامات لا يمكن أن تجد ما يسندها في ظل غياب التضامن العربي اليوم، وتنصل السياسة العربية أساسًا من السعي لإيجاد حل جذري للقضية الفلسطينية. 

لا يختلف الاتحاد الإفريقي بشكله الحالي عن أي من المؤسسات الإقليمية أو الدولية الدائرة في فلك ما يسمى المجتمع الدولي، وهو لا يمثلني كإفريقي كما لا تمثل هذه المؤسسات الكثير من شعوب الجنوب التي تؤمن بأن صراعها ضد الكيان الصهيوني صراع حياة أو موت. إن التخاذل الذي أبداه بعض الساسة الأفارقة من داعمي قرار دخول «إسرائيل» الاتحاد الإفريقي لا ينكره أحد، لكن مراجعة تاريخ إفريقيا إزاء القضية الفلسطينية يؤكد أن هذا التخاذل لم يكن موقفًا إفريقيًا حتميًا. نتذكر هنا كيف كان الثوري الإفريقي توماس سانكارا يعبر عن تضامنه مع القضية الفلسطينية في مؤتمرات منظمة الوحدة الإفريقية، بنبرة جارفة أخاذة، تفيض بالحماسة تجاه الحق والعدل، بلا تلعثم، ولا تردد:

«إسرائيل غرسة مشؤومة في دنيا العرب، تثمر سمًا زعافًا، وموتًا زؤامًا، وعقارب وأفاعي، لا تعالج بالاستنكار واللعن. (..) فلا بد من قطعها، واستئصال جذورها، واجتثاث أصغر بقاياها. إن المرونة الدبلوماسية والدهاء السياسي من الأدوات التي لا أراها [مناسبة] في قضية فلسطين. (..) قضية فلسطين مأساة. كارثة إنسانية عظمى. صراع موت أو حياة». 

إن ما يحدث الآن في العالم الثالث أو دول الجنوب تجاه الكيان الصهيوني لا يمكن أن يسمى تطبيعًا، لأن الهدف ليس مجرد بناء علاقات «طبيعية» مع كيان استعماري عنصري مغتصب، بل يتجاوز ذلك إلى السعي الدؤوب لإقامة علاقات خاصة جدًا بهذا الكيان، تستبطن تقديس هؤلاء لتفوقه وسيطرته وسياساته وممارساته المنحطة، كما تستبطن الاعتراف الصريح بدونيتهم الشديدة تجاهه. عن المهرولين إلى تل أبيب أتحدث.

  • المراجع

    1- Africa guide company: the economist intelligence unit, 1977.

    2- Asfor, M.M.: the red sea basin, Cairo 1969.

    3- Baulin, j: the Arab role in Africa, London 1962.

    4- Churba ,j.: Israel rivalry over aid and trade in Sub Saharan Africa, 1965.

    5- Kreinin, M.G.: Israel and Africa – a study in technical cooperation, New York, 1964.

    6- Tettegah, t.: How Israel’s secret agent subverted Africa, Ghana, 1968.

    7- Vladimirov, V: Israel policy in Africa, international Affairs, Moscow, 1965.

    8- رياض قنطار: التغلغل الاقتصادي الإسرائيلي في إفريقيا وطرق مجابهته، مركز أبحاث المنظمة الفلسطينية، 1968. 

    9- عبد الملك عودة: النشاط الإسرائيلي في إفريقيا، منشورات معهد البحوث والدراسات العربية، 1966.

    10- محمد علي العريني: سياسة إسرائيل الخارجية في إفريقيا، 1972.

    11- محمد عبد الغني سعودي: الاقتصاد الإفريقي والتجارة الخارجية، 1973.

    12- يوسف مروة :المؤسسات العلمية والثقافية والفنية في إسرائيل، مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، 1967.

    13- نبيه الأصفهاني: التضامن العربي الإفريقي، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، 1977.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية