«إسرائيل» و تصدير أسلحتها «المختبرة في المعركة»

شرطة الاحتلال الإسرائيلي ترش مياه الظربان على فلسطينيين خلال مواجهات في أعقاب مظاهرة ضد مصادرة أراضٍ فلسطينية في قرية كفر قدوم قرب نابلس، في آذار 2016. تصوير جعفر اشتية. أ ف ب.

«إسرائيل» و تصدير أسلحتها «المختبرة في المعركة»

الثلاثاء 22 حزيران 2021

نشر هذا المقال للمرة الأولى بالإنجليزية في مجلة ترانزليشينال إنستيتيوت، في أيار 2021.

وسط رعب تصعيد «إسرائيل» للعنف في أيار 2021، من قصف غزة إلى اعتداء عصابات المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين، كانت هناك أيضًا تغطية لسلاح تستخدمه القوات الإسرائيلية حاليًا «للسيطرة على الحشود»: مياه الظربان، الذي طورته شركة «أودورتيك». وصفت الكاتبة الفلسطينية يارا هواري كيفية تطوير «الظربان» ضد الاحتجاجات الشعبية في الضفة الغربية، واستخدامه على نطاق واسع، بما في ذلك في حصار العائلات الفلسطينية التي تقاوم الطرد من الشيخ جراح في القدس، والذي أشعل شرارة جولة العنف الأخيرة. مياه الظربان عبارة عن مزيج من مواد كيميائية تفوح منها رائحة مياه الصرف الصحي والجثث المتعفنة التي تسبب الغثيان الشديد والتقيؤ.

وهو أيضًا سلاح متوفر في الولايات المتحدة، توفره شركة «ميسترال سكيوريتي» (Mistral Security)، التي توصي باستخدامه في «المعابر الحدودية، والمنشآت الإصلاحية، والمظاهرات والاعتصامات». وقد اشترته العديد من أقسام الشرطة بالفعل، بما في ذلك في فيرجسون بولاية ميسوري، بعد احتجاجات عام 2014 ضد وحشية الشرطة والعنصرية المؤسسية. على حد تعبير الهواري: «لا يضطر مصنعو الأسلحة الإسرائيليون إلى الاستثمار في تسويق أسلحتهم. القنوات الإخبارية التي تبث لقطات لهجمات وحشية من قبل الجيش الإسرائيلي تقوم بالمهمة نيابة عنهم».

شرطة الاحتلال الإسرائيلي ترش مياه الظربان على فلسطينيين خلال مواجهات بعد صلاة الجمعة في 23 تشرين الأول، 2015 في مدينة الخليل. تصوير حازم بادر. أ ف ب.

تكشف قصة مياه الظربان (ورائحته الكريهة) الطريقة التي أصبحت بها صناعة الأسلحة والأمن الإسرائيلية جزءًا جوهريًا من نظام الفصل العنصري، موجودة في كل من العنف الوحشي لتطهير الأحياء العرقي، وفي المضايقات المستمرة للفلسطينيين وسلب ممتلكاتهم. كما تكتب هواري: «لا تستخدم القوات الإسرائيلية [مياه الظربان] لقمع الاحتجاجات فحسب. تمر شاحنات الظربان [أيضًا] عبر الأحياء الفلسطينية وهي ترش المباني انتقامًا من السكان المحليين المحتجين على الاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري. نتيجة لذلك، تضطر الشركات إلى إغلاق أبوابها لعدة أيام، والعائلات إلى مغادرة منازلها لفترات طويلة من الوقت، حتى تختفي الرائحة الكريهة. وهذا ما يجعلها أداة عقاب جماعي وحشية».

لذا، في حين أن الدافع وراء هجمات «إسرائيل» هو العنصرية المتطرفة والاستعمار، والتي تكمن في جذور الدولة الإسرائيلية، فمن الواضح أيضًا أن قمع «إسرائيل» للفلسطينيين مربح للغاية لنظام الفصل العنصري. تُظهر دولة «إسرائيل» ومؤسساتها العسكرية كيف تتداخل الرأسمالية الوحشية مع الاستعمار. من خلال صادراتها، تقوم «إسرائيل» بدورها بتشكيل الأبعاد القمعية للدول في كل مكان، حيث تنقل سياسات الاحتلال ومنهجيته إلى ساحات دولية أخرى. وبالتالي، فإن تلك الدول التي تشتري منتجات عسكرية وأمنية من «إسرائيل» متواطئة في كل من التطهير العرقي للفلسطينيين، وفي استيراد سياساتها الوحشية للقمع.

أرباح «إسرائيل» وحلفائها من قمع الفلسطينيين

إسرائيل هي واحدة من أكثر دول العالم عسكرة وأمننة. وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، كانت «إسرائيل» في عام 2020 من بين الدول الخمس التي تمتلك أعلى ميزانيات عسكرية في العالم، بنسبة 5.6% من ناتجها المحلي الإجمالي. «إسرائيل» هي أيضا ثامن أكبر مصدر للأسلحة في العالم. شكلت صادرات الأسلحة الإسرائيلية 3% من الإجمالي العالمي في 2016-20 ، بزيادة 59% عن الفترة 2011-2015.

لا يضطر مصنعو الأسلحة الإسرائيليون إلى الاستثمار في تسويق أسلحتهم. القنوات الإخبارية التي تبث لقطات لهجمات وحشية من قبل الجيش الإسرائيلي تقوم بالمهمة نيابة عنهم.

جعلت «إسرائيل» نفسها مركزية في الصناعة الدولية للأسلحة والأمن الداخلي من خلال تصدير معدات وتقنيات وتكتيكات عسكرية متطورة إلى دول أخرى. تصدّر «إسرائيل» إلى ما يقدر بـ130 دولة في جميع أنحاء العالم، ويوضح الرسم البياني أدناه تتبع SIPRI لصادرات الأسلحة إلى 65 من تلك البلدان منذ عام 2008. كما تذكر سحر فاردي، من المستحيل العثور على قائمة كاملة بهذه البلدان. بصرف النظر عن تقاريرها إلى سجل الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية، لا تنشر «إسرائيل» أي معلومات رسمية حول صادراتها من الأسلحة. بعض زبائن «إسرائيل» متورطون في ديكتاتوريات وانتهاك حقوق الإنسان. بما في ذلك نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والمجلس العسكري في الأرجنتين، والجيش الصربي خلال الإبادة الجماعية في البوسنة، ورواندا في السنوات التي سبقت الإبادة الجماعية في البلاد. باعت «إسرائيل» مؤخرًا أسلحة إلى جنوب السودان والمجلس العسكري في ميانمار. وبدأت دول مثل المغرب والمكسيك والمملكة العربية السعودية وغيرها في استخدام برامج التجسس الإسرائيلية ضد الصحفيين والمعارضين السياسيين.

لكنّ «إسرائيل» لا تصدّر الأسلحة فحسب، بل تصدّر أيضًا تقنيات الشرطة والمراقبة إلى الأنظمة القمعية والديمقراطيات «الليبرالية» على حدٍ سواء. لقد صاغت «إسرائيل» دورًا استراتيجيًا في نشر مستوى من المراقبة والسيطرة اليومية، برز دوليًا في طليعة جهود الدول في مكافحة التمرد والسيطرة على السكان في كل مكان. وتجادل مارين مانتوفاني وهنريك سانشيز أنه «في عالم معولم، يجب أن يأخذ أي تحليل للعسكرة والأيديولوجيات والمنهجيات والتقنيات القمعية في الاعتبار ديناميكيات استيراد وتصدير هذه المفاهيم والأدوات عبر الحدود. «إسرائيل» هي بلا شك واحدة من أبرز مصدري إيديولوجيا وتكنولوجيا القمع في العالم».

أظهر تقرير صادر عن المنظمة الإسبانية غير الحكومية «نوفاك» (Novact) في عام 2014 كيف نظمت شركة (Guardian-Homeland Security) الإسرائيلية تدريبات لقوات الشرطة الإسبانية في «إسرائيل». أدرجت العديد من هيئات الشرطة الإسبانية كعملاء على موقع الشركة. في مقاطع الفيديو التي نشرتها الشركة، يمكنك الاستماع إلى فرد من الشرطة الوطنية الكاتالونية (Mosso d’Esquadra) أتم التدريب الذي مدته أسبوعين في «إسرائيل»، يقول فيه «لقد تعلمنا الكثير خلال هذين الأسبوعين (..) لقد تعلمنا مِنَ الأفضل». تسبب هذا في ضجة عامة كبيرة في ذلك الوقت، حيث ظهر بعد أن قمعت شرطة الدولة الإسبانية بوحشية احتجاج 15-م بعد الأزمة المالية. في كاتالونيا، خلال الاحتجاجات المؤيدة للاستقلال في عام 2019، استخدمت الشرطة دبابة مسلحة بمياه الضغط العالي لتفريق الاحتجاجات لأول مرة. اشتري الخزان من شركة صناعات بيت ألفا (Beit Alfa Industries) الإسرائيلية في عام 1994. وتُستخدم هذه الدبابات أيضًا في الضفة الغربية المحتلة، وقد استخدمها نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا من قبل.

تصدير الاحتلال والحروب

منذ حملة «الرصاص المصبوب» الإسرائيلية في غزة عام 2008 ، صدّرت «إسرائيل» الأسلحة إلى أكثر من 65 دولة في العالم.

من خلال الحفاظ على نظام الاحتلال والفصل العنصري على الشعب الفلسطيني، تحقق «إسرائيل» مكاسب اقتصادية عبر امتلاكها ساحة اختبار لتطوير الأسلحة والأنظمة الأمنية ونماذج وتكتيكات السيطرة على السكان، التي بدونها لن تكون «إسرائيل» قادرة على التنافس في أسواق الأسلحة والأمن الدوليين. إن هذا يمنح «إسرائيل» مكانة كقوة عسكرية كبرى.

يسمح الاحتلال لـ«إسرائيل» بتجربة معدات عسكرية وأمنية جديدة، ثم تصديرها. على سبيل المثال، شهدت أكبر شركة عسكرية وأمنية في «إسرائيل» وهي «إلبيت سيستمز» (Elbit Systems)، التي تسوق نفسها كمورد لجيش الاحتلال الإسرائيلي، زيادة أرباحها بنسبة 6.1%، في شهر تموز 2014 وحده، في ذروة هجوم «إسرائيل» على غزة . تبيع الشركة أنظمة الأمان والأسلحة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل والهند والفلبين وأذربيجان، بالإضافة إلى العديد من الدول الأخرى. تقوم الشركة بتسويق منتجاتها على أنها «مختبرة في المعركة» وتزعم «قدراتها المتميزة» بناءً على «الخبرة العملية المكتسبة من خلال عشرات الآلاف من الطلعات الجوية التي قام بها جيش الاحتلال الإسرائيلي». بعبارة أخرى، يتباهون بالطريقة التي تم بها اختبار تقنياتهم على السكان الفلسطينيين، لتحسين درجة وسرعة القتل والتشويه.

في أعقاب قصف عام 2014، كان الرئيس التنفيذي لشركة تصنيع الأسلحة الإسرائيلية «ميبرولايت» (Meprolight) صريحًا بنفس القدر بشأن الاستفادة من الحرب. «بعد كل حملة من النوع الذي يحدث الآن في غزة، نشهد زيادة في عدد العملاء من الخارج». وأضاف: «بالطبع، نحن نقوم بالتسويق في الخارج بقوة، لكن عمليات الجيش الإسرائيلي تؤثر بالتأكيد على النشاط التسويقي».

دور الولايات المتحدة المحوري في ظهور صناعة الأسلحة الإسرائيلية

من المهم أن نلاحظ أن الولايات المتحدة لعبت دورًا محوريًا في ظهور صناعة الأسلحة والأمن في «إسرائيل». منذ الرئيس ليندون جونسون عام 1967، كرر جميع رؤساء الولايات المتحدة التزامها بالحفاظ على «التفوق العسكري النوعي» لـ«إسرائيل». هذا هو المفهوم الإسرائيلي الجوهري الذي حدده بن غوريون، قائلًا إن «إسرائيل» لا يمكنها ضمان وجودها إلا إذا تمكنت من الدفاع عن نفسها عسكريًا. سعت الولايات المتحدة إلى ضمان بقاء حليفتها في الشرق الأوسط من خلال تسليحها عسكريًا، من بتوفير الأسلحة بشكل مباشر، بالإضافة إلى تمكينها من إنشاء صناعتها العسكرية الخاصة. علاوة على ذلك، تسهل المساعدة الأمريكية أيضًا تطوير العلاقات العسكرية الدولية لـ«إسرائيل»، مما ساعدها على التصدير إلى جميع أنحاء العالم.

منذ حملة «الرصاص المصبوب» الإسرائيلية في غزة عام 2008 ، صدّرت «إسرائيل» الأسلحة إلى أكثر من 65 دولة في العالم.

العلاقات العسكرية بين «إسرائيل» وغواتيمالا تقدم مثالًا توضيحيًا. في عام 1977، قطعت الولايات المتحدة المساعدات العسكرية لغواتيمالا على أساس انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها الجيش. ثم بدأت «إسرائيل» في بيع الأسلحة إلى الحكومة الغواتيمالية، وبحلول عام 1980 أصبحت «إسرائيل» أكبر مورد للأسلحة والتدريب العسكري وتكنولوجيا المراقبة للبلاد. نُقل عن وزير التنسيق الاقتصادي الإسرائيلي يائوف مريدر، في عام 1981، قوله إن «إسرائيل» ستعمل كوكيل للمساعدات العسكرية الأمريكية في البلدان التي علقت فيها الولايات المتحدة بيع الأسلحة لأسباب سياسية. في العديد من الدوائر العسكرية في غواتيمالا، كان الإعجاب بالجيش الإسرائيلي علنيًا لدرجة أن العديد من قادة الجناح اليميني في غواتيمالا «تحدثوا بصراحة عن «فلسطنة» هنود المايا المتمردين في البلاد».

بدعم من الولايات المتحدة، ازدهر القطاع العسكري والأمني ​​في «إسرائيل»، وأصبح جزءًا استراتيجيًا من الاقتصاد المحلي والموجه نحو التصدير. في عام 2017، أصدرت وزارة الدفاع الإسرائيلية 29655 رخصة تصدير لـ1546 شركة خاصة وتاجرًا مستقلًا. في عام 2020، بلغ إجمالي صفقات الصادرات الدفاعية الإسرائيلية 8.3 مليار دولار، وهو ثاني أعلى رقم على الإطلاق، ويشكل حوالي 15% من إجمالي صادراتها. في نفس العام، خصصت «إسرائيل» للدفاع ما مقداره 2508 دولار للفرد، أو ما يعادل 12% من إجمالي الإنفاق الحكومي.

تنشئ الشركات من خلال المعرفة العسكرية المكتسبة في سياق احتلال طويل الأمد، والتي تُتداول بعد ذلك وتُنشر إلى بقية العالم. حتى إن الجيش الإسرائيلي يشجع العاملين في مجال التكنولوجيا الفائقة وأرباب العمل على استخدام المعرفة المكتسبة أثناء الخدمة العسكرية لبناء شركاتهم الناشئة. إن التعاون الوثيق بين المؤسسات الأمنية والدولة أمر حاسم لقطاع الأمن والمراقبة في «إسرائيل» ويخلق ثقافة الأبواب الدوارة: منصب رفيع في الجيش سيفتح الأبواب لمنصب في شركة للأمن القومي.

إسرائيل وسوق التكنولوجيا الإلكترونية

أصبح قطاع التكنولوجيا الفائقة في الجيش الإسرائيلي أيضًا لاعبًا رئيسيًا في سوق التكنولوجيا الإلكترونية العالمية، والذي يركز الكثير منه على مراقبة السكان والسيطرة عليهم.

تقوم الشركة بتسويق منتجاتها على أنها «مختبرة في المعركة» وتزعم «قدراتها المتميزة» بناءً على «الخبرة العملية المكتسبة من خلال عشرات الآلاف من الطلعات الجوية التي قام بها جيش الدفاع الإسرائيلي.

خلص بحث عن الجارديان، وإل باييس، و«سيتزن لاب» (Citizen Lab) في معهد الأمن السيبراني في جامعة تورنتو، في عام 2020، إلى أنه تم التجسس على السياسيين الكاتالونيين المؤيدين للاستقلال من خلال «بيغاسوس» (Pegasus)، وهو برنامج أنشأته شركة التكنولوجيا الإسرائيلية مجموعة «إن إس أو» (NSO) للتكنولوجيا. قبلها بعامين، حذرت «سيتزن لاب» من أن «بيغاسوس» كان قيد الاستخدام في أكثر من 45 دولة، بما في ذلك البحرين وكازاخستان والمكسيك والمغرب والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وجميع البلدان المعروفة باضطهادها لنشطاء حقوق الإنسان. كما كشفت عن دور مجموعة «إن إس أو» في مقتل الصحفي جمال خاشقجي.

تدعي مجموعة «إن إس أو» أنها تبيع منتجاتها إلى الحكومات لمحاربة «الإرهاب والجريمة»، ولكن كما أشار المرصد الأورومتوسطي لمنع العنف المتطرف، فإن هذا التصريح العام لا يعني الكثير بالنظر إلى عدم وجود توافق في الآراء بشأن ماهية الإرهاب، والطريقة التي يُساء بها استخدام المصطلح سياسيًا لإدانة المعارضة وإضعاف احترام حقوق الإنسان. في أكثر الأحيان، تستعمل الروايات المهيمنة عن الإرهاب و«الأمن القومي» للدفاع عن الأهداف الجيوسياسية، والعنصرية على وجه الخصوص، وتُستخدم لقمع شعوب بأكملها، معتبرين مجموعة معينة «أعداء داخليين» خطرين. يعد استخدام السرديات الأمنية نموذجيًا للحكومات التي تسعى إلى تبرير أفعالها أو تقليل التساؤلات بشأنها. إن لجوء «إسرائيل» إلى هذا الخطاب لاضطهاد الفلسطينيين ليس فريدًا.

«إسرائيل» تحقق مكاسب من جائحة كوفيد-19

في حين أن الجائحة كانت أزمة صحية لا أمنية، إلا أن هذا لم يمنع «إسرائيل» من السعي لبيع تقنياتها الأمنية نفسها لتتبع ومراقبة السكان. في آب 2020، مُنح الجيش الإسرائيلي دورًا بارزًا في حرب البلاد ضد فيروس كورونا. كما أعلنت شركة مجموعة «إن إس أو» الإسرائيلية، المذكورة سابقًا، عن خدماتها التي يمكن الاستفادة منها في الرقابة اللازمة لإدراة أزمة كوفيد-19 الصحية والسيطرة على تحركات السكان في جميع أنحاء العالم.

إن الجرائم التي ترتكبها «إسرائيل» بحق الشعب الفلسطيني لا تبقى في الأراضي المحتلة، إذ تُحوّل إلى معرفة يتم بيعها بعد ذلك حتى تتمكن الشركات الإسرائيلية والدولية من الاستفادة منها.

تقوم «إسرائيل» الآن بتسويق تقنياتها للتعامل مع العواقب الاجتماعية للوباء. ناقشت مناقصة من قبل مديرية التعاون الدفاعي الدولي التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية (SIBAT)، والتي تعرض التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية دوليًا، أن الدول ستحتاج إلى السيطرة على السكان وقمعهم بسبب الدمار الاقتصادي نتيجة كوفيد-19. وقد قدمت للمشترين المحتملين تكنولوجيا جمع البيانات الحيوية وأنظمة تتبع البشر والمركبات والتعرف على الوجه ومراقبة لوحة الترخيص والمراقبة الخلوية والإلكترونية، بالإضافة إلى برمجيات حظر المعلومات واعتراضها التي قامت بإحكامها خلال الوباء. الدول الوحيدة المستثناة من العرض كانت إيران ولبنان وسوريا.

في غضون ذلك، استبعد برنامج التطعيم الإسرائيلي، الذي نال استحسانًا كبيرًا، ملايين الفلسطينيين وقمع أي مبادرات فلسطينية للتعامل مع الوباء. أدى الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة إلى تفاقم الوضع الصحي فيها. دمر العدوان 17 مستشفى وعيادة، ومختبر القطاع الوحيد للكشف عن فيروس كورونا، وأرسل مياه الصرف الصحي النتنة إلى شوارع المدينة، وكسر أنابيب المياه التي تخدم 800 ألف شخص على الأقل. وكان الدكتور أبو العوف، وهو المسؤول عن الإشراف على الاستجابة للجائحة في مستشفى الشفاء في مدينة غزة، من بين 280 ضحية للعدوان (أكثر من 60 منهم من الأطفال). 

تشكيل وتوسيع أبعاد قمع الدول لمواطنيها في جميع أنحاء العالم

طالما أن الدول تشتري وتبيع المنتجات العسكرية من «إسرائيل»، فهي لا توافق ضمنيًا على دولة «إسرائيل» الاستعمارية الاستيطانية وتمول صناعتها العسكرية فحسب، بل تتبنى أيضًا إجراءاتها القمعية.

في أعقاب حملة المجتمع المدني الأخيرة، أنهى الاتحاد الأوروبي عقده مع الطائرات الإسرائيلية بدون طيار التي قدمتها شركة «إلبيت سيستمز» للسيطرة على المهاجرين الباحثين عن اللجوء، لكن الضغط لا يزال يدفع الاتحاد الأوروبي لإلغاء عقدي فرونتكس (وكالة الحدود وخفر السواحل الأوروبية) إضافيين مع «إلبيت سيستمز». خلال رئاسة أوباما في عام 2014، تلقت شركة إلبيت 145 مليون دولار لتركيب «جدار افتراضي» من أبراج المراقبة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، في المنطقة الحدودية الأمريكية في جنوب أريزونا، بما في ذلك أراضي السكان الأصليين من شعب توهونو أودهام. رغم قيام بايدن بإلغاء تمويل الجدار المادي الذي تم بناؤه خلال ولاية ترامب، فلا توجد مؤشرات على أن بايدن سيلغي ما يسمى بالجدار «الذكي» الذي شاركت تقنيات «إلبيت سيستمز» في بنائه.

طالما أن الدول تشتري وتبيع المنتجات العسكرية من «إسرائيل»، فهي لا توافق ضمنيًا على دولة «إسرائيل» الاستعمارية الاستيطانية وتمول صناعتها العسكرية فحسب، بل تتبنى أيضًا إجراءاتها القمعية.

نرى تواطؤًا مشابهًا، بل وأقوى، بين «إسرائيل» والعديد من [قادة] الأنظمة اليمينية المتطرفة: لقد دعم كل من الهندي ناريندرا مودي، والبرازيلي جاير بولسونارو، والمجري فيكتور أوربان، والكولومبي دوكي، والبريطاني بوريس جونسون، والأمريكي دونالد ترامب سياسات «إسرائيل». (في حالة الولايات المتحدة، كان ترامب الأكثر انفتاحًا في دعمه غير المقيد لليمين المتطرف في «إسرائيل»، ولكن في كثير من النواحي كان يواصل تاريخًا طويلًا من العلاقات الأمريكية الإسرائيلية التي سهلت ظهور الصناعة العسكرية الإسرائيلية). لا يقتصر الأمر على إعجاب اليمين المتطرف بكفاءة الأجهزة العسكرية والأمنية الإسرائيلية في قمع المعارضة والمقاومة، بل هم أيضًا متحالفون أيديولوجيًا ويقيمون علاقات عسكرية قوية. ويصيب استيراد هذه الأنظمة لإطار عمل الأمن الإسرائيلي الفئات المهمشة بالضرر الأكبر.

تشتري الهند حاليًا 50% من صادرات الأسلحة الإسرائيلية. كما قامت حكومة مودي مؤخرًا بتعديل قانون الجنسية الهندي، مما أدى إلى تعجيل الحصول على الجنسية لغير المسلمين من الدول المجاورة، وهو ما يشبه إلى حد كبير «قانون العودة» الإسرائيلي. يمهد إلغاء الوضع الخاص لكشمير الطريق لمستوطنات على الطراز الإسرائيلي في الوادي. حتى إن القنصل العام الهندي في مدينة نيويورك، سانديب تشاكرافورتي، ذكر في عام 2019 المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة كمثال على ما تأمل الهند في تحقيقه في كشمير. هناك تقارب أيديولوجي قوي بين الصهيونية والقومية الهندوسية (هندوتفا). قال فيناياك دامودار سافاركا، والد هندوتفا الأيديولوجي، إنه استلهم من ألمانيا النازية والحركة الصهيونية في دعوته إلى أن تصبح الهند دولة هندوسية إثنوقراطية تعامل المسلمين «مثل الزنوج» في الولايات المتحدة في عصره.

تسير العلاقات الاقتصادية الوثيقة جنبًا إلى جنب مع تبادل المعرفة العسكرية، بما في ذلك التدريب العسكري مع «إسرائيل»، وتقنيات قمع الحشد الاجتماعي، واستراتيجيات السيطرة على المعارضة، وترهيب المدافعين عن حقوق الإنسان، واستراتيجيات الآليات القضائية وغير القضائية للتعذيب والاختفاء.

تلقت كولومبيا، على سبيل المثال، دعم الموساد لعقود، وأثبتت العلاقات بين المرتزقة الإسرائيليين والجماعات شبه العسكرية اليمينية المتطرفة في المحكمة. أنشأت مجموعة عمل ثنائية حول الحوار السياسي-العسكري بين الحكومة الكولومبية والإسرائيلية، والتي تقول وزارة الدفاع الكولومبية إنها «ليست لتبادل المعرفة والتكنولوجيا فحسب، ولكن أيضًا لتبادل المعلومات الاستخباراتية والمبادئ». قدّم مدربون في الجيش الإسرائيلي تدريبات على تقنيات مكافحة الإرهاب والقتال لجنود فرقة القوات الخاصة في الجيش الكولومبي. تعمل العديد من الشركات الإسرائيلية في كولومبيا بما في ذلك «إلبيت سيستسمز»، وشركة صناعات الفضاء الإسرائيلية (IAI)، ومجموعة «إن إس أو»؛ شاركت «إلبيت سيستسمز» في ورش عمل رائدة ضمن ندوات للجيش الكولومبي.

تمضي البرازيل قدمًا في «إضفاء الطابع الإسرائيلي» على سياساتها، وتبني المزيد من ممارسات «إسرائيل». على سبيل المثال، عندما قال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق إنه «لا يوجد أشخاص أبرياء في غزة»، فإن هذا له صدى في الأحياء الفقيرة في البرازيل، حيث يصنف كل شخص أسود أُغتيل على أنه «تاجر مخدرات» من قبل الحكومة البرازيلية، وأصبحت الشوارع تشهد عسكرة ومراقبة أكثر من أي وقت مضى. تقول جيزيل مارتينز، الناشطة والعاملة في التواصل المجتمعي، من واحدة من أكبر الأحياء الفقيرة في ريو دي جانيرو: «إن الهدف المركزي الذي تسعى إليه «إسرائيل» والحكومات الحليفة الأخرى مثل الحكومة البرازيلية هو السيطرة على السكان الفقراء من أجل الحصول على الأرض، واستعمار حياتهم، والسيطرة على الأرض والثقافة. أرى هذا المشروع يتقدم بسرعة هنا في ريو دي جانيرو. لتحقيق هذه الخطة، تعمل نخب العالم معًا، و«إسرائيل» وأسلحتها وممارساتها مفيدة جدًا لهذه الحكومات».

وبالمثل، في آب 2016، أعلن رئيس هندوراس، خوان أورلاندو هيرنانديز، أنه سيؤسس اتفاقية عسكرية مع حكومة «إسرائيل»: «أُرسل اتفاقية مهمة للغاية إلى المؤتمر الوطني، أساسية لنمو الأمة الهندوراسية، اتفاقية مع دولة «إسرائيل». سيؤدي هذا إلى تعزيز قواتنا المسلحة، وهو شيء لم نمتلكه أبدًا». تضمنت الاتفاقية توفير المعدات بالإضافة إلى التدريب من قبل متخصصي الأمن السيبراني في «إلبيت سيستمز». وصل مدربوهم في وقت تتعرض فيه الحركات الاجتماعية للقمع الشديد في هندوراس من قبل الحكومة، ردًا على الاحتجاجات ضد انعدام الشفافية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

الخلاصة: مقاطعة «إسرائيل»

تنشر التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية الموت والقمع في جميع أنحاء العالم. إن سياق نظام الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني والاحتلال الإسرائيلي البالغ من العمر 73 عامًا يؤكد أيضًا الروابط بين الكفاحات، والصلات بين المضطهِدين. إن الجرائم التي ترتكبها «إسرائيل» بحق الشعب الفلسطيني لا تبقى في الأراضي المحتلة، إذ تُحوّل إلى معرفة يتم بيعها بعد ذلك حتى تتمكن الشركات الإسرائيلية والدولية من الاستفادة منها.

كما هو الحال مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، لن تكون «إسرائيل» ملزمة بإنهاء نظام الفصل العنصري حتى يتم عزلها سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا.

وكما صرحت عضو الكونجرس الأمريكي كوري بوش: «إن الكفاح من أجل حياة السود والكفاح من أجل تحرير الفلسطينيين مترابطان. نحن نعارض ذهاب أموالنا لتمويل الشرطة العسكرية والاحتلال وأنظمة القمع والصدامات العنيفة». ما يقرب من أربعة مليارات دولار ترسلها الولايات المتحدة إلى «إسرائيل» كل عام، يمكن استخدامها لتمويل المدارس أو توفير نظام صحي مناسب في الولايات المتحدة.

طالما أن «إسرائيل» تستفيد من القمع، فسوف يستمر العنف ضد الفلسطينيين. وقف إطلاق النار في غزة لم يضع حدًا لقمع الفصل العنصري الإسرائيلي والوحشية الاستعمارية ضد جميع الفلسطينيين. رغم أن عنف «إسرائيل» يظهر بين حين وآخر فقط في وسائل الإعلام الدولية، إلا أن الفلسطينيين يعانون من الوحشية بشكل يومي.

إنهم جزء من النكبة المستمرة؛ التطهير العرقي الإسرائيلي للفلسطينيين والذي استمر حتى الآن 73 عامًا. إنهم جزء من مشروع عنصري واستعماري يهدف إلى طرد وقمع وقهر الشعب الفلسطيني. كما أن «إسرائيل» تنشئ فصلًا عنصريًا وهو وصف صاغه الفلسطينيون منذ فترة طويلة، وهو الآن مدعوم من قبل منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية والدولية، مثل «هيومن رايتس ووتش».

هذا الفهم للنضال الفلسطيني على أنه جهد أساسي مناهض للعنصرية والاستعمار، قد جمع الحركات من جميع أنحاء العالم معًا من أجل فلسطين، في تضامن متعدد الجوانب. في الأسابيع الأخيرة شهدنا عرضًا هائلًا لمثل هذا التضامن، وهناك شعور مشترك بأن شيئًا ما قد تغير، حيث أن الكثيرين ممن لم يجرؤوا على الحديث عن حقوق الفلسطينيين اتخذوا موقفًا ضد الفصل العنصري الإسرائيلي. إن نجاح الإضراب العام الذي حدث في 18 أيار دليل أيضًا على زيادة الوحدة بين الفلسطينيين، سواء كانوا فلسطينيين داخل أراضي 48 أو فلسطينيين تحت الحصار في غزة، رغم السنوات العديدة التي حاولت فيها «إسرائيل» تقسيم الشعب الفلسطيني وقهره، من خلال إعطاء القليل من الحقوق لبعض الفلسطينيين أكثر من غيرهم.

ولكن، بينما يحاول سكان غزة إعادة بناء حياتهم بعد الدمار الذي لا يوصف، وفي سياق الحصار المستمر، يمكننا أن نتأكد من أن «إسرائيل» ستسوق مرة أخرى صناعتها الأمنية والعسكرية، والتي كما قالت يارا هواري كانت معروضة بالكامل على كل شاشة تلفزيون. إن اندفاع وسائل الإعلام اتجاه الحديث عن كفاءة «القبة الحديدية» الإسرائيلية دليل على ذلك. بالفعل في عام 2017 ، اشترت المملكة المتحدة نظام دفاع إسرائيلي يعرف باسم Sky Saber، استنادًا إلى التكنولوجيا المطورة للقبة الحديدية، مقابل 92.3 مليون دولار، للمساعدة في الدفاع عن جزر فوكلاند قبالة سواحل الأرجنتين. لن يمر وقت طويل قبل أن يتدفق ممثلو الحكومة إلى «إسرائيل» لشراء أحدث الأسلحة والتكنولوجيا الإسرائيلية «التي أثبتت جدارتها في القتال» لحروبهم الخاصة على جيرانهم أو شعوبهم.

منذ عام 2005، دعت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، التي يقودها الفلسطينيون والمناهضة للعنف والعنصرية، المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات بحق «إسرائيل» حتى تحترم حقوق الفلسطينيين. المزيد والمزيد من المجموعات مثل النقابات العمالية والفنانين والمنظمات الطلابية تتخذ موقفًا من الحقوق الفلسطينية. قررت صناديق التقاعد والشركات سحب استثماراتها من نظام الفصل العنصري الإسرائيلي على سبيل المثال. يمكن للمجتمع المدني -ويجب عليه- أن يمارس الضغط لإنهاء إفلات «إسرائيل» من العقاب. كما هو الحال مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، لن تكون «إسرائيل» ملزمة بإنهاء نظام الفصل العنصري حتى يتم عزلها سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا. بالنظر إلى أن «إسرائيل» هي أيضًا ركيزة أساسية في تصدير قمع المعارضة في أماكن أخرى، يمكن لحركة BDS كأداة متجاوزة للحدود ومعادية للاستعمار أن تساهم أيضًا في إنهاء العلاقات مع المضطهدين في كل مكان. وهذا هو سبب الحاجة إلى مقاطعة «إسرائيل» بشكل عاجل، من أجل الشعب الفلسطيني ومن أجلنا جميعًا.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية