«إسرائيل» والحرب في أوكرانيا: من «الوساطة» إلى «كسب الوقت»

الخميس 06 نيسان 2023
إسرائيل أوكرانيا
مستوطن يحمل العلمين الإسرائيلي والأوكراني خلال خلال تجمع في تل أبيب للاحتفال باستقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي في عام 1991، في آب 2022. تصوير جاك جويز. أ ف ب.

خلال تجمع في تل أبيب للاحتفال بعيد استقلال أوكرانيا (من الاتحاد السوفيتي في عام 1991) ومعلم ستة أشهر من الحرب ، في 24 أغسطس 2022.مع تبدّل الحكومة الإسرائيليّة وعودة نتنياهو إلى الحُكم، كان أحد أكثر الأسئلة أهمية، هو كيف سيتصرّف في ساحة دوليّة متغيّرة، خاصة وأن حكومة بينيت-لابيد، كانت مقرّبة جدًا من الإدارة الأمريكية الديمقراطية، في مقابل كون علاقة نتنياهو بالديمقراطيين مركّبة وشهدت الكثير من التوتّرات. وفي هذا السياق، تُشكّل الحرب في أوكرانيا، إحدى أهم الساحات التي تتصارع فيها أقطاب العالم المتغيّر، وإن كان هُناك ما يُمكن قوله بثقة عنها فهو حقيقة أنّها مُحاولة لتحدّي النظام القائم دوليًا، ما سينتج عنها مفتوح على احتمالات كثيرة، من الصعب جدًا التنبؤ بها، خاصةً وأن الاستقطاب يزداد.

هذه الحقيقة، بحد ذاتها، تجعل «إسرائيل» في موقع حرج له أبعاد استراتيجيّة كثيرة، ما يُعيد الصهيونيّة إلى مربّعها الأول وإلى أفكارها التأسيسيّة، كحركة ومشروع يستند وجوديًا إلى ترتيبات وموازين قوى دوليّة وإقليميّة. مشروع غير قادر على العيش بشكل مُستقل، ولا يستطيع البقاء جانبًا بمعزل عن الأقطاب الآخذة بالتكتّل. وهو ما يبدو واضحًا في قراءة الموقف الإسرائيليّ من الحرب في أوكرانيا، الذي يغدو مركبًا أكثر، ومتردّدًا أكثر، مع استمرار الحرب واتّساع حلقة تأثيرها في العالم.

من الواضح أن الموقف الأكثر راحة بالنسبة لـ«إسرائيل» مع بداية الحرب كان «الوساطة». فمن جهة، يجعلها هذا قريبة من روسيا، التي تُسيطر على الأجواء السورية؛ ومن جهة أخرى، كان مقبولًا من الدول الغربية التي كانت ستستفيد من هذه القناة الإسرائيليّة المفتوحة. حينها، كان رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت يسافر إلى روسيا ليلتقي بالرئيس الروسي، ويعود إلى ألمانيا للقاء المستشار الألماني، ويتحدّث مع زيلينسكي من الطائرة، لينقل له تطمينات بأن الرئيس الروسي لن يقوم باغتياله، بحسب ما قاله بينت ذاته في مقابلة تلفزيونية. هذا الموقف بدا مثاليًا، لكن مع تطوّر الأحداث، وتبيّن قدرة أوكرانيا على المقاومة، وتحوّل الناتو لفاعل مباشر في الحرب، بات المشهد أكثر خطورة.

يتتبّع هذا المقال الموقف الإسرائيلي من الحرب في أوكرانيا، ويضعه في السياق المركّب الذي تعيشه الصهيونيّة استراتيجيًا من جهة؛ وفي سياق ما تعيشه «إسرائيل» -التجسيد المادّي للفكرة الصهيونيّة- من صراع في الإقليم تنعكس عليه الحرب الأوكرانية. وكلاهما، يتكاملان في صورة واحدة، تكثّف أزمة الصهيونيّة العميقة، ومكانتها الاستثنائية التي تجعلها تعيش حالة تناقض: عدم القُدرة على الحسم كليًا وتزويد أوكرانيا بالسلاح كالدول الغربية؛ وعدم القدرة في الوقت نفسه على البقاء جانبًا.

«الجبهة الشمالية» مفتاحًا لفهم الموقف الإسرائيلي

تكمُن أهميّة العلاقات الروسيّة-الإسرائيليّة في أهميّة ما يُسمّى إسرائيليًا بـ«الجبهة الشمالية»، التي يعتبرها التقرير الاستراتيجيّ الصادر عن معهد أبحاث الأمن القومي للعام 2023، الجبهة الأكثر خطورة. وتتضمن هذه الجبهة كُلًا من سوريا ولبنان، وجميع اللاعبين هُناك. أمّا خطورة هذه الجبهة، فتكمُن في كونها ممرًا يربط ما بين إيران، التي يصفها التقرير على أنّها القائد والمركز الفكري والروحانيّ على هذه الجبهة، وبين العراق، وصولًا إلى سوريا ومن ثم لبنان. ورغم اتّساع هذه المنطقة وكثرة اللاعبين السياسيين فيها، إلّا أن التقرير يعتبرها عن قصد، منطقة واحدة بالمفهوم العسكري بالنسبة إلى «إسرائيل»، رغم اعترافه بأنها متنوّعة وفيها فُرص «مدنيّة» و«سياسية» كثيرة.[1]

تُشكّل سوريا حلقة مركزيّة هنا على عدّة أصعدة: أولًا على صعيد التمركز الإيراني العسكري فيها الذي يعوّض بعد المسافة عن «إسرائيل» ويشكّل قاعدة متقدّمة؛ وثانيًا، في كونها حلقة الوصل مع لبنان بريًا، حيث يتواجد «حزب الله» الذي تسعى «إسرائيل» إلى منعه من مُراكمة المزيد من القوّة.

لدى روسيا القدرة على جعل «إسرائيل» تخسر أهم المعارك التي تخوضها لمنع بناء قوّة عسكرية أكبر من الموجودة الآن، أو بأقل تقدير ترفع من خطورة هذه المعركة وتكلفتها.

تلعب روسيا دورًا مركزيًا في هذه الجبهة لكونها المُسيطر الأساسي على الأجواء السورية.[2] وهي من يسمح عمليًا، للطيران الإسرائيليّ بقصف مواقع داخل سوريا، من خلال منظومة تنسيق عسكري مفتوحة تمنع الصدام ما بين القوّات العسكرية للدولتين. وبالتالي، فإن روسيا قادرة على تقليص مساحة العمل العسكري الإسرائيلي في سوريا إن لم يكُن وقفها عبر عدّة أدوات ضغط، مثل تقليل التنسيق أو وقف قناة التنسيق المفتوحة، وهو ما سيزيد من الخطورة على سلاح الجو الإسرائيلي؛ أو عبر حماية القواعد الإيرانية ووضعها بالقرب من الروسية؛ أو حتّى تزويد إيران بطائرات مُقاتلة. وجميعها، سيناريوهات يمكن أن تكون لها إسقاطات استراتيجية على الوضع الإسرائيليّ في الإقليم: تمركز إيراني على الحدود القريبة في سوريا؛ حصول حزب الله على أسلحة استراتيجيّة تغيّر من ميزان الردع؛ ووصولًا إلى مساعدة روسيا لإيران في المجال النووي.[3] وبكلمات أخرى: لدى روسيا القدرة على جعل «إسرائيل» تخسر أهم المعارك التي تخوضها لمنع بناء قوّة عسكرية أكبر من الموجودة الآن، أو بأقل تقدير ترفع من خطورة هذه المعركة وتكلفتها.

في الشرق الأوسط، صورة الصراع مختلفة بعض الشيء عن غيره من الأماكن لسببين: الأول وجود «إسرائيل» ودورها كقاعدة غربيّة قادرةٍ على فرض نوع من أنواع الهيمنة ومنع قيام أي قوى إقليميّة تتحدّى الهيمنة الأمريكية؛ أمّا الثاني فهو أن الولايات المتحدة في مسار انسحاب أصلًا من الشرق الأوسط لصالح مواقع نزاع أكثر أهمية. وكلا السببين يجعلان «إسرائيل» في موقع حرج استراتيجيًا، حيث من جهة عليها أن تُبرّر أهميتها للإمبراطورية الأم، للحصول على المساعدات العسكرية والدعم الدبلوماسي؛ ومن جهة أخرى تنسحب الإمبراطورية الأم وتتركها أمام تحدّيات أكبر منها في صراعاتها الإقليميّة مع القوى الصاعدة. يبدو هذا بوضوح في المعضلة الإسرائيليّة بشأن إيران، حيث لا تدعمها الولايات المتحدة في هجوم عسكري؛ وفي الوقت ذاته عليها أن تُهاجم لكبح إيران التي تُهدد هيمنتها وهيمنة الولايات المتحدة؛ وهي لا تستطيع المهاجمة لما في الهجوم من خطورة، في ظل تشكيك بجدوى وقدرة الضربة العسكرية.[4] 

وهو بالمناسبة، ما يجعل الموقف الإيراني أسهل بكثير من الموقف الإسرائيلي؛ إذ لا تعاني إيران من معضلة التخبط بين إمبراطورية تُقاتل للحفاظ على مكانتها، وقوى كثيرة تنهش فيها.

«إسرائيل» والحرب: من «الوساطة» إلى «كسب الوقت»

خلال عام من الحرب، حصل تطوّران هامّان بالنسبة إلى الموقف الإسرائيليّ: الأول هو قدرة الصمود الأوكرانية، التي جعلت حلف الناتو يعوّل عليها في التصدّي للتوسّع الروسي، ويمدها بالسلاح والمعلومات الاستخبارتيّة بشكل مُباشر، وهو ما جعل المعسكرات تتكتّل مع امتداد زمن الحرب دون حسمها من طرف روسيا، التي كان يُعتقد بدايةً أنها ستحسمها بسُرعة.[5] أمّا التطوّر الثاني والمُهم جدًا، بالنسبة لـ«إسرائيل»، فهو دخول السلاح الإيراني إلى ساحة المعركة عبر المساعدات العسكرية التي تقدّمها إيران لروسيا.[6] ولكُل منهما، تأثيره على الموقف الإسرائيلي.

استمرار القتال على الجبهة والشعور بأن أوكرانيا قادرة على كبح روسيا، يدفع بالولايات المتحدة للضغط على «إسرائيل» لتُساهِم بما هو أكثر من مجرّد «مساعدات إنسانية»، ولم تعُد الوساطة ممكنة مع رغبة الغرب بهزيمة روسيا في أوكرانيا وليس التفاوض معها؛ كما ويدفع دخول المسيّرات الإيرانية أوكرانيا إلى طلب مساعدات من «إسرائيل»، خاصة وأن الثانية في حالة صراع مع إيران، ولديها الكثير لتتعلّمه عن الأسلحة الإيرانية المشاركة في المعركة. هذا بالإضافة إلى تأثير غاية في الأهمية، وهو تورّط روسيا في أوكرانيا، وبالتالي وجودها في حالة دفاعيّة في سوريا، ما يجعل «إسرائيل» أقل تخوفًا منها، وهو ما يُشير إليه عاموس يادلين، رئيس شعبة الاستخبارات سابقًا، في مقالة كتبها مع تشكيل الحكومة الجديدة.[7]

«هُناك أمور لم تتغيّر في الصهيونيّة منذ تأسيسها رغم مرور الوقت ومُحاولات التطبيع مع أنها باتت «دولة». أحدها التموضع الاستراتيجيّ والعلاقة مع القوى العظمى المُختلفة».

في نهاية ولاية حكومة لابيد-بينت، بدأ الموقف الإسرائيليّ يتغيّر بحذر شديد في أعقاب هذه التطوّرات: إدانة مُباشرة لروسيا بعد هجوم صاروخي؛ دعم استخباراتي لأوكرانيا حول الأسلحة الإيرانية من خلال الناتو وليس بشكل مُباشر لتجنّب كسر العلاقات مع روسيا؛ وتمويل شراء ما سُمي بـ«مواد استراتيجيّة» رفضت الجهات الإسرائيليّة الإفصاح عن تفاصيلها؛ وموافقة إسرائيليّة على تحويل أسلحة من صناعاتها موجودة لدى دول غربية، إلى أوكرانيا. هذه كانت بداية تغيير كان يحصل دون إعلانات أو بيانات، واستند بالأساس إلى تسريبات في الصحافة، وأشار المحلّل لشؤون الاستخبارات يوسي ميلمان، صراحةً وبوضوح، إلى أنه جاء في أعقاب هذين التطوّرين: ضغوطات أمريكيّة؛ ومسيّرات إيرانية. إلّا أن هذه التغييرات لم تكتمل بسبب تفكّك الحكومة وعودة نتنياهو إلى الحكم بائتلاف يمينيّ-دينيّ، حيث كان التصريح الأول لوزير خارجيته إيلي كوهين: «علنًا، سنتحدّث أقل عن أوكرانيا».[8] 

يُعد هذا تراجعًا صريحًا وواضحًا عمّا قامت به الحكومة السابقة من انزياح ولو كان طفيفًا. وهو ما استمر خلال زيارة كوهين لأوكرانيا، التي كانت الزيارة الأولى لمسؤول إسرائيلي على هذا المستوى، منذ اندلاع الحرب. وخلالها، تطرّق إلى الجرائم التي حصلت في أوكرانيا، دون الإشارة إلى روسيا، ولم يدنها.[9] أمّا نتنياهو ذاته، ففي كُل مرّة طُلب منه التطرّق إلى موضوع الحرب في أوكرانيا، رد: «سنبحث».[10] وهو ما يُضاف إلى التوتّر الذي حصل في أعقاب طلب نتنياهو من أوكرانيا التصويت ضد قرار الأمم المتحدة طلب وجهة نظر قضائيّة من محكمة الجنايات الدولية بشأن الاحتلال الإسرائيليّ للأراضي الفلسطينيّة، ورفضت الأخيرة التصويت ضد القرار بسبب امتناع «إسرائيل» عن تقديم المساعدات العسكرية. 

عمليًا، يمكن القول إن ما حصل هو تراجعٌ ممزوج بمُحاولة لكسب الوقت، تبدو منطقية إن تم النظر إليها في إطار قراءة سياسة نتنياهو العامة، التي يمكن القول إنها مُحاولة لبناء سياسة إسرائيلية مستقلة عن الولايات المتحدة إلى حد ما في الشأن الإقليميّ، على طريق تحويل «إسرائيل» إلى قوّة قائمة بحد ذاتها إقليميًا، غير متعلّقة كليًا بالولايات المتحدة وسياساتها ومصالحها وأولوليّاتها المتغيّرة، في عالم تتوزّع فيه جبهاتها بين الصين وروسيا وأوكرانيا وتايوان. ويُعد نقل الأسلحة الذي قامت به أمريكا من المخازن الإسرائيليّة لأوكرانيا، إشارة إلى هذه الأولويات المتغيّرة.[11]

أمّا فيما يخص المسيّرات الإيرانية، فيبدو أن الموقف الإسرائيليّ هو استغلال وجودها ومشاركتها في الحرب الأوكرانية، بهدف تحويل «الخطر الإيراني» من خطر على «إسرائيل» إلى خطر على العالم برمّته، وهو ما يتماشى مع خطاب نتنياهو العام الذي لطالما أراد تجنيد العالم لمُحاربة إيران والإشارة إلى أن خطرها غير محصور بالشرق الأوسط؛ وهذا، دون أي مُساهمة عسكريّة مُباشرة وعلنية.

لماذا اليوم تحديدًا؟

إن كان هذا هو الحال؛ لماذا لا تُحافظ «إسرائيل» على الحياد كليًا؟

للإجابة على هذا السؤال، يجب العودة إلى جذور «إسرائيل» التأسيسيّة، وخاصة تلك التي تتعلّق بكونها مشروعًا غير ثابت يهدّده خطر وجودي دائم، وبالتالي لا بد من غطاء من قوّة عظمى يضمن استمراره عبر أمرين: الدعم العسكري؛ والدعم الدولي الدبلوماسي والشرعيّة الدولية. وهُنا بالذات يكمُن تمايز وتركيب الموقف الإسرائيليّ الذي لا يحتمل المجهول بهذا الخصوص، ولا الرهانات الثقيلة.

«إسرائيل» نتاج الوضع القائم، وتغيير الوضع القائم يُزعزع تمركزها الاستراتيجي، ومن هُنا يشتق الوضوح الإيراني، والضباب الإسرائيلي في أوكرانيا.

فمثلًا، لا تستطيع «إسرائيل» أن تكون كنقيضتها الإقليميّة إيران، التي حسمت موقفها لصالح روسيا بشكل صارخ ودون كثير من التردد. ويأتي هذا لأن «إسرائيل» لا تعرف بعد كيف ستنتهي الأمور، وهو ما سيكلّفها الكثير إن حصل تطوّر رجّح كفّة طرف آخر غير أمريكا. في المقابل، تُراهن إيران على العالم المتغيّر، وتسعى لأن يتغيّر، وموقعها محسوم على النقيض من أمريكا، أمّا «إسرائيل» فإن موقعها يشتق من مكانة أمريكا، والعالم المتغيّر بالنسبة إليها أزمة متصاعدة لا فُرصة. «إسرائيل» نتاج الوضع القائم، وتغيير الوضع القائم يُزعزع تمركزها الاستراتيجي، ومن هُنا يشتق الوضوح الإيراني، والضباب الإسرائيلي في أوكرانيا. كما أن «إسرائيل» لا تستطيع أن تكون كالسعودية التي تلعب على التناقضات بين المعسكرات لمصلحتها، وذلك لأن الولايات المتحدة قادرة فعليًا على تهديد وجود «إسرائيل» برمّته في حال تمادت في تمايزها عن الإمبراطورية الأم.

في هذا السياق، يشكّل كسب الوقت أساس الوضع الاستراتيجيّ، وذلك لأنه قادر على توضيح عدّة أمور هامّة جدًا لاتخاذ موقف سيكون تاريخيًا في عالم يعيش فعلًا مفاصل تاريخيّة: أولًا وبالأساس، الوقت قادر على توضيح بعض الاتجاهات التي لا تزال تبدو مجهولة اليوم، وهو ما حصل خلال عام من الحرب، حيث بيّن الوقت نقاط قوّة اللاعبين المختلفين في المعركة ونقاط ضعفهم؛ وثانيًا، يشكّل وجود السلاح الإيراني في أوكرانيا، فُرصة لـ«إسرائيل» بهدف دراسة هذا السلاح ومراقبة أداء التكنولوجيا التي تسيّره، على اعتبار أن المعركة في أوكرانيا هي صورة عن شكل المعركة المستقبلية من حيث التكنولوجيا والتقنيّات العسكرية الجديدة، وخاصة المسيّرات، التي يمكنها أن تكون شبيهة جدًا بما ستعيشه «إسرائيل» في حال معركة إقليميّة مع إيران أو حزب الله أو غيرهما من القوى الإقليميّة الفاعلة على الجبهة الشمالية، وهو بالمناسبة عنوان ورقة وزّعها الجيش على هيئة الأركان.[12] وفي هذه النقطة الثانية تحديدًا -دراسة السلاح والمعركة- يجب ترك مساحة كبيرة جدًا للعمل الاستخباراتي السرّي، الذي لا يتعارض مع رؤية حكومة نتنياهو كما أشار إليها كوهين بالقول «علنًا، سنتحدّث أقل»، ما يترك مجالًا واسعًا للدراسة وتبادل المعلومات بشكل سرّي لا يصل عادة إلى الإعلام.

أخيرًا، هُناك أمور لم تتغيّر في الصهيونيّة منذ تأسيسها رغم مرور الوقت ومُحاولات التطبيع مع أنها باتت «دولة». أحدها التموضع الاستراتيجيّ والعلاقة مع القوى العظمى المُختلفة، وهو الموضوع الذي تهمّش الحديث عنه طيلة سنوات هيمنة الولايات المتحدة ما بعد الحرب الباردة على العالم، ولم يَكُن هناك حاجة مطلقًا حتّى للتطرّق إليه في واقع كانت فيه الصهيونيّة تعيش حالة من الاستقرار النابع من استقرار الإمبراطوريّة الأم، وهو ما يتغيّر اليوم ويُغيّر معه جميع توازنات الصهيونيّة التي كانت أشبه بالنعيم خلال هيمنة الولايات المتحدة المُطلقة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية