مسارات جديدة: إفريقيا بين البريكس ومجموعة السبع

الإثنين 22 آب 2022
بريكس
رؤساء الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا، خلال قمة البريكس في جنوب إفريقيا، في تموز 2018. تصوير جيانلويجي غيرسيا. أ ف ب.

في ظل التغير المناخي الآخذ في الازدياد، فضلًا عن الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة والنفط التي جلبتها معها الحرب الروسية-الأوكرانية، يزداد تصارع الدول الكبرى من أجل توفير الموارد والأسواق. من تابع مؤتمرات الأخيرة لمجموعة الدول السبع (G7) ومجموعة البريكس (BRICS) سيلاحظ بشكل جلي تنافس هذه الأطر للتعاون مع القارة الإفريقية لإيجاد موطئ قدم من أجل تحقيق أهداف متعددة، أهمها توسعة الآفاق الاقتصادية.

لذا، فإن السؤال المشروع هنا هو ماذا تريد هذه الكيانات من إفريقيا، وما الذي تريده إفريقيا من هذه الكيانات؟ تقتضي الإجابة عن هذا السؤال أن ننظر إلى الوراء قليلًا لنستعرض تاريخ هذه التكتلات وعلاقتها بالدول الإفريقية.

يشير مصطلح «بريكس» إلى كتلة الاقتصادات الناشئة في البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. وقد صاغه منذ سنوات جيم أونيل، الرئيس السابق لشركة غولدمان ساكس، الذي رأى أن هذه البلدان «أسواق واعدة لرأس المال في القرن الحادي والعشرين». لكن بعيدًا عن نشأة التسمية، فإن دول البريكس كانت ستلتقي على كل حال نظرًا إلى ما يجمعها كبلدان كبيرة سريعة النمو وذات علاقة متناقضة مع اقتصادات المركز التقليدية في الغرب.

عام 2001، توقع أونيل أن تصبح دول البريكس «محركات النمو العالمي»، وبدا في السنوات القليلة التالية أنه على حق، حيث تجاوز أداؤها في جميع مؤشرات النمو الرئيسة -بما في ذلك معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، ومعدل نمو دخل الفرد، ومعدلات عائد الاستثمار- نظيرتها في الولايات المتحدة والاقتصادات الأخرى في الشمال.[1]

عندما اندلعت الأزمة المالية العالمية عام 2008، بدا أن دول البريكس تتدهور بسبب انهيار أسواقها في الشمال، مع تباطؤ معدلات نموها. لكن رغم ذلك، كان الانتعاش سريعًا، من خلال إعادة تحفيز الدورة الاقتصادية. في الصين، فاقت نتيجة برنامج التحفيز البالغة قيمته 586 مليار دولار نتيجة خطة تحفيز أوباما في الولايات المتحدة، البالغة قيمتها 787 مليار دولار. إذ أدى البرنامج الصيني إلى عكس مسار الانكماش الاقتصادي، ليس فقط في الصين، بل أيضًا في الاقتصادات الآسيوية المجاورة التي أصبحت تعتمد بشكل كبير على السوق الصيني لاستيعاب منتجاتها.

بعد الأزمة، توقع الاقتصادي مايكل سبنس في كتابه «التقارب التالي: مستقبل النمو الاقتصادي في عالم متعدد السرعات» أن تحل دول البريكس محل الولايات المتحدة وأوروبا كمحرك رئيس للاقتصاد العالمي. توقع سبنس أيضًا أن حصة البريكس من الناتج المحلي الإجمالي العالمي سوف تتجاوز 50%، في غضون عقد من الزمن، وقال إن الكثير من هذا النمو سينبع من «محركات النمو الذاتية في الاقتصادات الناشئة التي ترتكز عليها الطبقة الوسطى الآخذة في التوسع». علاوة على ذلك، مع زيادة التجارة بين دول البريكس، رأى سبنس «أن مستقبل الاقتصادات الناشئة يعتمد على تقليل الاعتماد على طلب البلدان الصناعية».

إفريقيا والبريكس: شراكة مربحة للجانبين

في السنوات العشر الأخيرة، باتت إفريقيا تنظر إلى قمم البريكس كفرصة لتعزيز علاقاتها مع هذه الاقتصادات الناشئة الرئيسية، أو بهدف «شراكات من أجل التكامل والتصنيع». في الواقع، أظهرت إفريقيا إمكانات هائلة من حيث آفاق التنمية الاقتصادية، ووفرة الموارد الطبيعية، وتزايد القوة الشرائية، والتركيبة السكانية المواتية. لذا، وسعت دول البريكس مشاركتها في إفريقيا في السنوات الأخيرة، وشهد نصيبها في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وفي حجم التجارة ارتفاعًا سريعًا. فقد أكدت الهيئة الوطنية العامة للجمارك ببكين، أن حجم التجارة بين الصين وإفريقيا بلغ 254.3 مليار دولار عام 2021، بزيادة بنسبة 35.3% على أساس سنوي. كما عززت الشراكة بين الهند وإفريقيا بشكل كبير تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة في القارة. وفي الوقت نفسه، تشارك البرازيل وروسيا بشكل كبير في صناعة التعدين والطاقة في إفريقيا من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص.[2]

على عكس الصين وروسيا، كان الدور الذي لعبته البرازيل في ظل حكومة حزب العمال اليسارية -قبل أن يتولى الرئيس اليميني الشعبوي جايير بولسونارو السلطة- في مجالات الاستثمار والتعاون ضئيلًا، لكن كان له انعكاسات إيجابية ملموسة من خلال إطار استراتيجية الحزب للتعاون بين بلدان الجنوب. ففي مجال الزراعة، أُدخل برنامج دعم تطوير صناعة القطن في خمس دول إفريقية (بنين، وبوركينا فاسو، وتشاد، ومالي، وتوغو). كذلك نجحت وكالة البحوث الزراعية البرازيلية في استخدام التكنولوجيا لتطوير أنواع دقيقة من المحاصيل الزراعية، وعملت على نقل هذه التكنولوجيا إلى البلدان الإفريقية لتطوير غابات السافانا. وصنّعت وكالة البحوث الزراعية البرازيلية بالتعاون مع علماء الأحياء المجهرية في غانا نوعًا من الأسمدة الطبيعية غير الكيميائية قادر على مضاعفة إنتاج اللوبيا والكاسافا بتكلفة أرخص وأضمن بكثير من أسمدة الشركات متعددة الجنسيات.

إن الشعوب الإفريقية التي ذاقت مرارة الاستعباد والاستعمار واستنزاف الموارد، لا بد أن يكون لديها من الوعي ما يمكنها من التمييز بين من يأتيها رافعًا شعارات براقة ويضمر أهدافًا خفية، ومن يأتيها للتعاون والمنفعة المتبادلة دون ابتزاز سياسي.

في مجال الصحة، وتحت اتفاقيات طبية ترعاها البريكس، وفرت البرازيل العديد من الأدوية لمكافحة العديد من الأمراض المستعصية، مثل الملاريا، والالتهاب السحائي، ومرض الدرن، والكوليرا، والتليف الكبدي، والإيدز، مما أدى إلى انخفاض معدلات الوفيات وحدوث العدوى. كما أنشأت الحكومة البرازيلية العديد من مصانع الأدوية في زيمبابوي، وأنغولا، وتنزانيا، وموزمبيق. أما في مجال التعليم، فقد كلّف حزب العمال الاتحادَ الوطني البرازيلي للتدريب التعليمي والمهني ومؤسسة «باولو فريري» بتشييد عدد من المدارس في أنغولا، والرأس الأخضر، وموزمبيق، وغينيا بيساو، وساو تومي وبرينسيب، وجنوب إفريقيا، فضلًا عن توفير التدريب للأساتذة والإداريين.

تعتبر دول البريكس اليوم من أكبر شركاء إفريقيا في قطاعات التصنيع والإنتاج المختلفة. وفيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي المباشر، عززت دول البريكس وجودها في القارة مقارنة بالشركاء «التقليديين»، أي الولايات المتحدة وأوروبا. إذ بلغ نصيب مجموعة بريكس في أرصدة الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى إفريقيا مستويات عالية. فمثلًا، بلغت حصة بلدان البريكس في القيمة الإجمالية لمشاريع الحقول الخضراء الإفريقية 25% في عام 2012 مقارنة بنسبة 19% في عام 2003. وارتفعت التجارة بين دول البريكس وإفريقيا إلى ما يصل إلى 340 مليار دولار في عام 2012، أي عشرة أضعاف القيمة مسجلة في عام 2002.

يمثل استكشاف موارد الغاز والنفط والمعادن في إفريقيا أحد دوافع تعاون دول البريكس معها. لكن مع ذلك، فإن استغلال الموارد الطبيعية ليس الاستثمار الرئيسي للمجموعة في إفريقيا. فوفقًا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) عام 2013، فإن 75% من قيمة مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر للبريكس في إفريقيا بين عامي 2003 و2012 هي في التصنيع والخدمات. فقط 10% من عدد المشاريع و26% من قيمتها، كان في الموارد الطبيعية والقطاعات الزراعية، فضلًا عن فرصة الاستثمار ونقل التكنولوجيا والمعرفة التي تستهدف شرائح الطبقة الوسطى المتنامية.

من جهة أخرى، يشكل البحث عن التنويع والأسواق الجديدة عاملًا مهمًا بالنسبة للبريكس. فتنوع الاقتصادات الإفريقية يجذب دول البريكس، بالإضافة إلى إمكانية الدخول في سوق كبير غير مستغل يضم ملايين المستهلكين الأفارقة، خاصة مع تنامي الطبقة الوسطى في القارة. على مر السنين، جمعت دول البريكس كميات كبيرة من الاحتياطيات التي تم استثمارها بشكل رئيسي في العالم المتقدم. لكن الأزمة المالية العالمية، التي أصابت البلدان المتقدمة بشكل خاص، حفزت دول البريكس على التوجه لتحويل جزء من استثماراتها نحو وجهات ناشئة أخرى من أجل تعظيم العوائد مع تقليل المخاطر. لذا، تتيح إفريقيا لدول البريكس فرصة التنويع والتوجه نحو أسواق جديدة.

فضلًا عن ذلك، أعلنت الحكومة الصينية  آب الحالي أنها تنازلت عن 23 قرضًا بدون فوائد لـ 17 دولة أفريقية، بالإضافة إلى إلغائها أكثر من 3.4 مليار دولار الديون وإعادة هيكلة حوالي 15 مليار دولار من الديون في إفريقيا بين عامي 2000 و2019. ورغم أن لبكين تاريخ متكرر من التنازل عن القروض، لا تزال هناك اتهامات لا أساس لها وذات دوافع سياسية بأن الحزب الشيوعي الحاكم يستخدم «استراتيجية فخ الديون» للهيمنة على القارة الإفريقية.

إن النموذج الذي تدعمه مجموعة البريكس هو عولمة «يربح فيها الجميع»، على عكس النموذج القائم على إضعاف القوى الرأسمالية الأمريكية-الأوروبية لتنمية الاقتصادات الإفريقية، الذي يربح الغربيون فيه ويخسر الأفارقة، عن طريق دفعهم لتصدير المواد الخام الرخيصة واستيراد البضائع المصنعة ذات القيم الأعلى. لا شك أن نموذج دول البريكس يخدم مصالحها، ولكنّه يساهم أيضًا في تنمية للبلدان الإفريقية. تتبع أغلب دول البريكس سياسة «عدم التدخل في الشؤون الداخلية»، ما يسهل التعاون مع النخب المحلية، غير أنها تفضل اقتصادًا مختلطًا وتشجع ملكيّة الدولة في بعض القطاعات.[3]

ماذا تريد الـG7 من إفريقيا؟

مجموعة الـG7 هي تكتل غير رسمي للدول الرأسمالية السبع الكبرى، الإمبراطورية سابقًا (أو حاليًا)، وهي الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا واليابان. وتجتمع سنويًا لتنسيق سياسات الحوكمة الاقتصادية العالمية، ولمعالجة القضايا العابرة للحدود الوطنية والأمن الدولي وسياسة الطاقة. لكن الكثيرين يشككون في مصداقيتها أو إنصافها، كونها لا تضم عددًا كبيرًا من الدول، وتستبعد القوى الناشئة المهمة، بالإضافة إلى أن القرارات الصادرة عنها كثيرًا ما تفتقر إلى المتابعة.

شكلت الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة وألمانيا الغربية مجموعة الست عام 1975، لتوفير مكان للقوى «غير الشيوعية»، لمعالجة المخاوف الاقتصادية الملحة، والتي شملت التضخم والركود، ثم أضافت على جدول أعمالها سياسات الحرب الباردة. انضمت كندا في العام التالي، فيما بدأت «المجموعة الأوروبية»، سلف الاتحاد الأوروبي، تشارك كعضو غير محدد عام 1981، يمثله رئيسا المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية.[4] بالنسبة لقادة الـG7، يمكن تلخيص التعاون الأوروبي-الإفريقي بالاستمرار في نهب خيرات القارة الإفريقية اللازمة للاقتصاد الأوروبي، من أدمغة وأيد عاملة، ورد البؤس والفقر لها بالمقابل.

منذ أشهر، دعمت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي حظر بيع السيارات الجديدة التي تستخدم البنزين أو الديزل بحلول عام 2035، وزيادة الطلب على السيارات الكهربائية، من خلال استغلال قدرة الكونغو الديمقراطية على توفير الطلب الهائل على المعادن الرئيسية التي تدخل في صناعة البطاريات الكهربائية، مثل الليثيوم والنيكل والكوبالت والمنغنيز والبلاديوم. ولأن معادن البطاريات تكتسب أهمية استراتيجية من نواحٍ كثيرة مماثلة للدور المركزي الذي لعبه النفط لفترة طويلة، فسيكون من الصعب جدًا على البلدان الإفريقية التي لديها موارد كبيرة الحفاظ على مسارات التنمية الخاصة بها من أن تختطفها الجيوسياسة. فالتحول المتسارع نحو البطاريات يهدد الآن بتكرار واحدة من أكثر الديناميكيات تدميرًا في تاريخ الاقتصاد العالمي، أي تجفيف مصادر السلع الخام من القارة الإفريقية بطريقة تجعل البلدان المتقدمة غنية بشكل لا يمكن تصوره، فيما تترك أثرًا من التدهور البيئي، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتخلف شبه الدائم في جميع أنحاء القارة.

بالنسبة لقادة الـG7، يمكن تلخيص التعاون الأوروبي-الإفريقي بالاستمرار في نهب خيرات القارة الإفريقية اللازمة للاقتصاد الأوروبي، من أدمغة وأيد عاملة، ورد البؤس والفقر لها بالمقابل.

جاءت قمة الـG7 في 26 حزيران، في ظل شن حرب بالوكالة في أوكرانيا بهدف تقويض روسيا، مع تصعيد الخطاب الغربي المناهض للصين وتقويض مبدأ الصين الواحدة بشكل متهور، وإرسال السفن الحربية وطائرات التجسس إلى مياه الصين وسمائها، وإحياء الإفتراءات حول أوضاع حقوق الإنسان في شينجيانغ. في ضوء ذلك، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في أوروبا ضم الدول الإفريقية إلى حربها، لكن امتنعت معظم الدول الإفريقية عن اتخاذ مواقف علنية واضحة من الحرب في أوكرانيا؛ أعلن البعض حياده، وأيد البعض الآخر موقف موسكو، بينما امتنعت 24 دولة إفريقية من أصل 54 عن التصويت لصالح القرار الأممي بإدانة روسيا، كما امتنعت جنوب إفريقيا عن تأييد قرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة. جاء ذلك في ظل انحسار نفوذ البنك الدولي وصندوق النقد، مقابل اتساع نفوذ ما تقدمه الصين من إمكانات تمويلية، لدرجة جعلت المصرف الصيني أكبر مزود للقروض الجديدة على مستوى القارة الإفريقية. لا يجد الصينيون أي حرج في التصريح بأن دورهم في إفريقيا اقتصادي بحت، دون تغليفه بادعاءات حقوق الإنسان أو إرساء قيم الديموقراطية. لذلك، فهم يتعاملون مع الوضع القائم بلا مثاليات، إذ تمتنع الصين عن التورط في صراعات داخلية أو إملاء شروط سياسية، وهذا ما يجعلها محل ثقة الأفارقة.[5]

 لذلك، تحاول مجموعة الـG7 بشكل حثيث ضرب وجود البريكس في القارة الإفريقية. وأكد المجلس الأوروبي بأن الجولة الإفريقية التي أجراها المستشار الألماني أولاف شولتس قبل شهر من انعقاد مؤتمر الـG7 لا يمكن فصلها عن خطة الاتحاد الأوروبي المعروفة باسم «REPowerEU»، التي تم الاتفاق عليها قبل زيارة شولتس بنحو أسبوع واحد فقط، وتضمنت سعي أوروبا الحثيث للتوسع في مشروعات الغاز والطاقة المتجددة مع السنغال والنيجر، من أجل خفض اعتماد الدول الأوروبية على الوقود الروسي. (زار شولتس خلال وجوده في النيجر قوة بلاده البالغة 200 جندي، التابعة لبعثة الاتحاد الأوروبي العسكرية، التي تدرب القوات الخاصة النيجرية لمواجهة الإرهاب، والتي تنتهي مهامها بنهاية العام الجاري، فيما ترغب ألمانيا في تمديد بقائها بعد الحصول على تفويض من النيجر).

المحطة الأخيرة الهامة في جولة شولتس في القارة الإفريقية كانت في جنوب إفريقيا؛ الدولة التي انضمت إلى البريكس في عام 2010 بعد تلقي دعوة رسمية من المجموعة، وتعد إلى حد بعيد أصغر دولة في البريكس من الناحيتين الاقتصادية والديموغرافية. يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لجنوب إفريقيا أقل من ربع الناتج المحلي الإجمالي لروسيا. كما أن عدد سكان جنوب إفريقيا، البالغ 50 مليون نسمة فقط، هو أقل بكثير من سكان روسيا البالغ عددهم 140 مليونًا والبرازيل البالغ عددهم 190 مليونًا.[6] لكن جنوب إفريقيا تحتل مكانة متقدمة بين الاقتصادات الإفريقية، سواء من ناحية تنوع القطاعات الإنتاجية الكبيرة، أو الناتج المحلي الإجمالي الذي تجاوز 301 مليار دولار عام 2020، وهو ما يمثل ثلث اقتصاد إفريقيا جنوب الصحراء. كما جاءت جنوب إفريقيا عام 2020 في المرتبة 35 عالميًّا من جهة حجم الناتج المحلي الإجمالي، وتحتل اليوم المركز الأول عالميًا في صادرات البلاتينيوم، والمنجنيز، والكروم، والذهب، والبلاتينيوم، والفحم الحجري، والألماس. لذا، فهي تشكل نقطة دخول لدول البريكس إلى السوق الاستهلاكية في إفريقيا والتي تبلغ ملياري دولار. لذا، سعى شولتس لاجتذاب سيريل رامافوزا، رئيس جنوب إفريقيا، ودعاه للانضمام إلى القمة السنوية لمجموعة الـG7، واعدًا إياه بأنه سيكون أكثر المستعدين لشراء الفحم من جنوب إفريقيا.[7]

رغم الانتقادات التي تطال دول البريكس، كاتهام الصين بسوء معاملة عمال المناجم في جنوب القارة، أو اتهام روسيا بأنها دعمت الانقلابات العسكرية الأخيرة في مالي وغينيا والتظاهرات الجماهيرية في منطقة الساحل الإفريقي ضد الوجود الفرنسي، لكن هذا لا يغير فرقًا أساسيًا بينها وبين الـG7. فبينما يتمثل الدور الأساسي لتواجد الـG7 في القارة الإفريقية في تعزيز الهيمنة والدفاع عنها وتوسيع نطاقها، لتنفيذ مشروع قرن أمريكي جديد، فإن استراتيجية البريكس في إفريقيا هي عكس ذلك: توطيد نظام دولي متعدد الأقطاب، قائم على القانون الدولي والأمم المتحدة، وتوسيعه والدفاع عنه، للتغلب على قرون من التخلف وعدم المساواة الراسخة بين شمال الكرة الأرضية وجنوب الكرة الأرضية.

قد يعيدنا بزوغ عالم غير أحادي القطب إلى نسخة جديدة من صراع الحرب الباردة، لكنه سيكون صراعًا مختلفًا تمامًا من حيث المحتوى الطبقي؛ فالقطبان الجديدان المتصارعان كلاهما هذه المرة لهما محتوى ليبرالي أو شبه ليبرالي. باختصار، لسنا بصدد نسخة مشابهة من الصراع بين معسكر رأسمالي وآخر اشتراكي -على علاته- كما كان الحال في القرن الماضي.

إن الشعوب الإفريقية التي ذاقت مرارة الاستعباد والاستعمار واستنزاف الموارد، لا بد أن يكون لديها من الوعي ما يمكنها من التمييز بين من يأتيها رافعًا شعارات براقة ويضمر أهدافًا خفية، ومن يأتيها للتعاون والمنفعة المتبادلة دون ابتزاز سياسي.

  • الهوامش

    [1] Bond P (2006b) Looting Africa. London, Zed Books.

    [2] The structural power of the BRICS (Brazil, Russia, India, China and South Africa) in multilateral development finance: A case study of the New Development Bank.

    [3] Desai, R (2013) The Brics are building a challenge to western economic supremacy, The Guardian, 2 April.

    [4] Escobar, P (2013), Brazil, Russia, India, China and South Africa: BRICS go over the Wall, Asia Times.

    [5] Harvey D (1992) Limits to Capital, Chicago, Chicago University Press.

    [6] Keet, D (2013), Perspectives and Proposals on the BRICS for and from popular Civil Society Organisations, Economic Justice Network, November.

    [7] Martin W (2013) South Africa and the ‘New Scramble for Africa’: Imperialist, Sub-imperialist, or Victim?

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية