كيف أثر ارتفاع أسعار الذهب على سوقه المحلي في ظل الجائحة؟

الخميس 17 أيلول 2020
ارتفاع اسعار الذهب في الاردن
مصوغات ذهبية في أحد محال عمّان. تصوير ليلى العاجيب.

في شهر آب الماضي، وصلت أسعار الذهب أعلى رقمٍ لها في التاريخ المسجّل لأسعار الذهب. إذ وصل سعر غرام الذهب، عيار 24، إلى 45 دينارًا، أمّا عيار 21 فوصل سعره إلى 40 دينارًا. ويأتي هذا الارتفاع لأسباب عديدة، لكنه يرتبط بالأساس بارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية بفعل تأثير جائحة كورونا.

الذهب ميزان حرارة للاقتصاد العالمي، يقول الخبير الاقتصادي الأردني فهمي الكتوت، وبالتالي فإن أسعار الذهب مؤشّر واضح على أوضاع الاقتصاد في العالم؛ فارتفاع أسعاره دليل على أن الاقتصاد ككل ليس بخير، وإن انخفض فهذا يعني أن الوضع الاقتصادي مستقر.

الذهب «ملاذ آمن»

هذه الأهمية الخاصة للذهب، بحسب الكتوت، مردّها أن الذهب معدن ثمين ونادر، على خلاف العملات النقدية، حتى القوي منها، التي تفقد جزءًا من قيمتها تبعًا لأوضاع الاقتصاد العالمي. ويرى الكتوت أن سبب اتجاه الدول وكبار المستثمرين نحو الذهب يعود لكونه «ملاذًا آمنًا»، خاصة أن الأزمة التي ضربت الاقتصاد العالمي، والتي لم تصل ذروتها بعد، قد أوقفت تعافي الاقتصاد من أزمة العام 2008، وأثّرت على قيمة الدولار.

«تبعات الجائحة وباقي الأزمات مستمرة. الذهب سلعة مطلوبة كأمان، كملاذ، في كل الأوقات الصعبة السياسية أو الاقتصادية».

 «إذا بدنا نرصد الذهب خلال السنتين أو الثلاث الأخيرات، كان سعره واقف عند 1200/1300 دولار للأونصة [أي 31.1 غرامًا من الذهب]، خلال هذه المرحلة قفز لـ2000 دولار وأكثر»، يقول الكتوت. ويتفق ربحي علّان، أمين سر النقابة العامة لأصحاب محلات تجارة وصياغة الحلي والمجوهرات، مع الأسباب المذكورة لارتفاع أسعار الذهب، وهو فوق هذا يتوقّع ارتفاع الأسعار في الفترة المقبلة أكثر. «تبعات الجائحة وباقي الأزمات مستمرة. فترة التعافي الاقتصادي مش رح تكون في يوم وليلة، وهذا بأثّر على سعر الذهب ارتفاعًا، الذهب سلعة مطلوبة كأمان، كملاذ، في كل الأوقات الصعبة السياسية أو الاقتصادية».

هدى* (61 عامًا)، أمٌ لأربعة،  تقول إن اهتمامها بالذهب بدأ منذ 40 عامًا تقريبًا، أمّا متابعتها الحثيثة لأسعاره فتعود لـ30 سنة. وتقول إن تقديرها للذهب يعود لاعتقادها بكونه مصدر أمان مادي، خاصة للمرأة. وفي الوقت نفسه، يختلف الذهب عن المقتنيات الثمينة الأخرى، مثل الأثاث، في سهولة بيعه. 

على مدى هذه السنوات كانت هدى تشتري الذهب كلما انخفض سعره وأتيح لها ذلك، وتركّز شراءها على قطع «الليرات الإنجليزية»، وهي قطعٌ ذهبية يكون تركيز الذهب فيها عالٍ، وتصكّ على شكل عملة إنجليزية قديمة، على أحد وجهيها صورة للملك جورج الخامس، وعلى الوجه الآخر صورة للقديس مار جرجس يركب الفرس ويمسك سيفًا بيده، وتزن ثمانية غرامات. 

أحد محال الذهب في عمّان. تصوير ليلى العاجيب.

أما سبب اختيار هذه القطعة تحديدًا فمردّه إلى أنها، بحسب هدى، الأكثر محافظة على سعرها. وبين حين وآخر ترفق هذه الليرات بقطع تستطيع ارتداءها، وتراعي في هذه القطع أن تكون متناسبة مع الموضة الرائجة، وتكون مصنعيتها غير مرتفعة، والمصنعية هي قيمة المواد الأخرى مثل أحجار الزيركون الموجودة في القطعة، بالإضافة لقيمة الشغل المبذول في إعدادها. «ما بتاجر فيه، بس لما يكون رخيص بحب أشتري، لما يكون غالي ما بحب أبيع إلا إذا في حاجة».

بحسب هدى، يبلغ سعر الليرة الإنجليزية هذه الأيام 300 دينار، لكنها كانت تشتريها قبل سنوات بـ100 دينار، ولذا تقول «مو متشجعة إني اشتري، ومو مستعدة أشتري».

شراء أقل، وبيع أكثر

يقول فارس شنودي (52 عامًا)، الذي يعمل مساعد مديرٍ في أحد محال الذهب، في وسط البلد في عمّان، منذ 20 سنة، إن بيع محالّ الذهب للزبائن، خلال الفترة الماضية، قلّ بنسبة 80%، بينما ارتفع شراء المحال للذهب من الزبائن بنسبة تفوق 300%. ويضيف شنودي أن موسم سوق الذهب مرتبط عادة بمواسم الاحتفالات، وكذلك بمواسم أخرى مثل بدء المدارس وموسم بيع الزيتون. لكن الموسم هذه السنة اختلف، ويعود هذا في جزء منه إلى توقف صالات الأفراح عن العمل، ومنع تجمّعات الاحتفالات لأي مناسبة أخرى. كما يعود هذا الاختلاف إلى وضع السوق الأردني بشكل عام، ووضع السيولة المتداولة فيه، وتضرر بعض القطاعات المهمة وتراجع عملها بسبب جائحة كورونا. يقول شنودي: «إذا تحرك السوق كلّه، أنا بتحرك».

بينما يعزو علّان الانخفاض في مقدار شراء الذهب محليًا لعوامل عدة نتجت عن الجائحة. ويوضح قائلًا إن سوق الذهب في الأردن يعتمد في الأساس على المواطنين والمغتربين الأردنيين، بالإضافة للوافدين العرب الذين يفضلون الأردن، بصفته بلدًا يقيمون فيه مناسباتهم العائلية، لتعذر ذلك في بلدانهم بسبب الأوضاع الأمنية.

أما عن ازدياد نسبة بيع الزبائن ذهبهم للمحال، فيقول شنودي إن الزبائن صاروا يأتون لبيع قطع بسيطة، مثل الخواتم والأقراط والدبل. وهي قطع لا تعود على أصحابها بمبلغ كبير، لكنها توفر لهم مبلغًا يؤمّنون به احتياجاتهم المستعجلة؛ «الناس بدها تصرف». وهو ما حصل مع خولة، (33 عامًا) والتي تعمل منسّقة برامج في واحدة من المنظّمات الإنسانية، إذ اضطرّت قبل فترة لبيع قطعة من ذهبها لتسديد فواتير الكهرباء وشراء احتياجات منزلية.

«بقدرش أحط مصاري بالبنك، بصرفها، بس لما يكون عندي ذهب بستخسر أبيعه، كثير بحس بقيمته»

تعيل خولة عائلتها المكوّنة من خمسة أفراد منذ أن تقاعد والدها من الجيش. ولأن عملها لا يوفّر لها أمانًا وظيفيًا، فإنها تفكر بالذهب على أنه ضمان مستقبليْ، إذ يمكنها بالاحتفاظ به وعدم بيعه، والعمل على زيادته كلما أمكنها ذلك، جمع رأس مال جيد، يمكّنها من فتح مشروع خاص بها مستقبلًا، أو على الأقل سيكون لديها مدخرات تنفق منها.

بدأت خولة بالنظر إلى الذهب على أنه استثمار منذ حوالي ثماني سنوات، حين اشترت إسوارة ذهب براتبها، وكانت سعيدة أنها لم تهدر المبلغ، فالذهب يحتفظ بقيمته، برأيها، وفي الوقت نفسه تحب ارتداءه. «بقدرش أحط مصاري بالبنك، بصرفها، بس لما يكون عندي ذهب بستخسر أبيعه، كثير بحس بقيمته». تلبس خولة قطع الذهب من عيار 18، أمّا القطع من عيار 21 فتكتفي بحفظها. «اللي ما بلبسه مخبيته، ضابيته ودايره بالي عليه، وكل فترة بتفقده». وتقول إنها تنتقي القطع التي تشتريها لغاية الاحتفاظ بها، من القطع ذات المصنعية المنخفضة، ورغم أنها تهتم كثيرًا لشكل هذه القطع فلا تشتري إلا ما يعجبها، وتميل للقطع التي تصفها بأنها ملائمة للموضة الدارجة، وذات شكل رقيق، فهي تراعي قيمة القطع في السوق، ومدى إمكانية تعرضها للخسارة عند البيع.

ورغم ارتفاع أسعار الذهب حاليًا، إلّا أن خولة وضعت عينها على إحدى القطع، وتعتزم شراءها بمجرّد امتلاكها لثمنها، فمن واقع خبرتها الشخصية تعرف أنه ورغم تغيّر سعر الذهب بشكل يومي إلّا أن القطعة الجيدة تحافظ على سعرها، ولو خسرت فإنها لا تخسر فيها مبلغًا كبيرًا. 

اختلاف عادات الشراء لدى المقبلين على الزواج

يقول شنودي إن المقبلين على الزواج يشكّلون الأغلبية فيمن يشترون الذهب هذه الأيّام، ويفضلون، عادةً، شراء عدد قليل من القطع بنيّة شراء قطع أخرى عند انخفاض الأسعار مستقبلًا.

قبل عدة أيام من خطبتها، ذهبت بيان (24 عامًا)، لإصلاح أقراطها، فلاحظت ارتفاع أسعار الذهب بشكل كبير. وعندما قررت أنها لن تصلحه، بسبب كلفة الإصلاح المرتفعة، صار صاحب المحل يقنعها ببيعه، نظرًا لأن ذلك سيعود عليها بربحٍ. هذه الحادثة دفعتها لتأجيل شراء الذهب الخاص بحفل خطوبتها، والاكتفاء بشراء الدبل. «الباقي بخليه لبعدين، يعني كونه أصلًا العرس مطوّل، وأنا ناوية أجيب قبل العرس، يعني معي سنة تقريبًا».

هذا التغيّر في أحوال سوق الذهب أدى لارتفاع الصادرات الوطنية من الحليّ والمجوهرات، في النصف الأول من 2020، بنسبة بلغت 353% مقارنة بالعام الماضي.

أثّر التغير في نسب البيع والشراء، على أرباح أصحاب محال الذهب، كما يخبرنا شنودي، فهم الآن كالعادة يشترون من الزبائن كل القطع الموثّقة بفاتورة. لكنهم قبل هذه السنة كانوا يرسلونها للصهر والصب ثم يحولونها لسبائك، ثم يعيدون تصنيعها على شكل مجوهرات وحلّي، ويبيعونها من جديد للزبائن، الأمر الذي يؤمن لهم ربحًا قائمًا على المصنعيّة، التي تكون في المتوسط سبعة دنانير للقطعة.

أمّا اليوم فهم بعد انخفاض الطلب الفردي على الحليّ، يصهرون القطع، ويحوّلونها إلى سبائك، لكنهم بعد ذلك يوردونها لتجار الجملة، الذين يشترونها بسعر الذهب العالمي، ويصدّرونها. ويتحقق ربحهم من الفوارق بين سعر الذهب يوم شرائه وسعره يوم بيعه. 

هذا التغيّر في أحوال سوق الذهب أدى لارتفاع الصادرات الوطنية من الحليّ والمجوهرات، في النصف الأول من 2020، بنسبة بلغت 353% مقارنة بالعام الماضي. وكان بين أبرز الجهات التي صُدّرت المجوهرات لها سويسرا والإمارات وتركيا، وفقًا لعلّان.

ليرة إنجليزية ومصوغات ذهبية أخرى في أحد محال الذهب في عمّان. تصوير ليلى العاجيب.

وفي الوقت الذي يرى فيه علّان أن على الأفراد أن يشتروا الذهب بوصفه زينة واستثمارًا، خاصة في ظل توقعه لارتفاع أسعاره مستقبلًا بشكل أكبر، يجد الكتوت أنه من الصعب تقديم النصيحة للأفراد بالتوجه نحو شراء الذهب أو الامتناع عن شرائه، نظرًا لأن السوق العالمي تحكمه المضاربات التجارية القادرة على إسقاط شركات كبيرة ومستثمرين كبار. ويرى أن الفرد العادي، غير الخبير، لا يكون على علم، متى يبيع في حال شراء الذهب، مما قد يعرضه لخسارة كبيرة تعني له أكثر بكثير من خسارة مستثمر أعد نفسه لتغيرات السوق. 

ويعمل في قطاع المجوهرات والحلي 800 محل تجاري ومَشغل، 50% منها في عمّان، والباقي موزع على المحافظات. ويعمل في القطاع بحسب علّان حوالي 5000 عامل، موزعين بين حرفيين في المشاغل، وأصحاب محال، وموظفين في المحال. يقول علّان إن أكثر ما يقلقهم هذه الفترة، هو العودة للإغلاق، ويفضّل لو تعيد الحكومة التفكير بشكل جدي في التبعات التي سيتحمّلها الاقتصاد بشكل عام وقطاع المجوهرات بشكل خاص.

* اسم مستعار بناء على طلب صاحبته.

تنويه: تم تعديل هذه النسخة من التقرير بسحب بعض التفاصيل بناء على طلب أصحابها.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية