اقتحامات المسجد الأقصى: بين حسابات الانتخابات «الإسرائيلية» والعمليات الفلسطينية

الإثنين 26 آب 2019
من اعتداء جنود الاحتلال على المصلين في المسجد الأقصى صبيحة عيد الأضحى. تصوير أحمد غرابلي. أ.ف.ب

أقلّ من شهر يفصل دولة الاحتلال عن الانتخابات العامّة بعد أن حُلّ الكنيست نهاية أيّار الفائت، عقب فشل بنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود، في تشكيل حكومته الخامسة. وعشية هذه الانتخابات، وفي ظلّ ما تظهره استطلاعات الرأي من تقارب في عدد المقاعد التي يمكن أن يحصل عليها حزبا الليكود و«أزرق أبيض»، والتحالفات التي يمكن بناؤها لتشكيل حكومة، يبدو الليكود معنيًا بتعزيز موقعه، ويمكن القول إن نتيناهو أكثر المعنيين بنتائج هذه الانتخابات ليضمن تشكيله الحكومة ويرأسها، إذ يبدو ذلك سبيله الوحيد حتى لا ينتهي به المطاف في السجن نتيجة ملاحقته من النيابة العامة «الإسرائيلية» في عدد من القضايا التي قد تنتهي إلى توجيه اتهامات جنائية ضدّه تتضمّن الرشوة، والاحتيال، وخيانة الثّقة، وإصدار أحكام بسجنه في حال الإدانة

وفي ظلّ الحاجة إلى كلّ صوت يمكن أن يزيد من احتمالية بناء التّحالفات، يطرق مرشحو الليكود باب الأقصى ويجعلونه جزءًا من دعايتهم الانتخابية، ويتناغمون مع مطالب منظمات الهيكل بالنسبة للمسجد، وما تنطوي عليه هذه المطالب من دعوة إلى تغيير الوضع القائم التاريخي فيه.

منذ حلّ الكنيست، أي منذ حوالي أربعة أشهر، شهد الأقصى اعتداءين إسرائيليين بارزين، هما اقتحام الأقصى في 28 رمضان بالتزامن مع احتفال المستوطنين باستكمال احتلال القدس، واقتحام اليوم الأول من عيد الأضحى بالتزامن مع الاحتفال بـذكرى «خراب الهيكل». وجاءت التصريحات التي صدرت، خصوصًا عن رئيس حكومة الاحتلال ووزير الأمن الداخلي، قبل الاقتحامين وبعدهما، لتؤكّد أنّ السماح بهما كان من منطلق المصلحة السياسية والدعاية الانتخابية الموجّهة إلى منظمات الهيكل وأنصارها. 

اقتحام الأقصى أول أيام عيد الأضحى

في اليوم الأول من عيد الأضحى الماضي، سمحت شرطة الاحتلال للمستوطنين باقتحام الأقصى للاحتفال بذكرى «خراب الهيكل». لم تصدر الشرطة قرراها حول السماح بالاقتحام أو منعه قبل يوم الأحد، بل ردّت على التماس قدّمه أفيعاد فيسولي، محامي منظمات الهيكل، بالقول إنّها ستجري تقييمًا للوضع في المسجد مع ساعات الصباح الأولى يوم العيد، وتقرّر بناء على ذلك. وقد حضر المستوطنون باكرًا وتجمعوا عند باب المغاربة، بانتظار قرار الشرطة، ولتشكيل عامل ضغط باتّجاه السماح لهم بالاقتحام. 

سمحت الشرطة للمستوطنين باقتحام الأقصى عند الساعة الحادية عشرة، أي قبل نصف ساعة من انتهاء ما بات يعرف بـ«فترة الاقتحامات الصباحية» التي تستمر في الصيف من الساعة السابعة والنصف صباحًا إلى الحادية عشرة قبل الظهر. كما مدّدت الاقتحام أكثر من نصف ساعة، حتّى الحادية عشرة وأربعين دقيقة. واستعملت شرطة الاحتلال والقوّات الخاصة قنابل الغاز والمطاط ضدّ الفلسطينيين المرابطين في المسجد لمنعهم من التصدّي للاقتحامات، وأوقعت إصابات بينهم واعتقلت عددًا منهم. 

ومع ذلك، فإنّ المستوطنين سلكوا «مسار الهروب»، أي المسار المختصر الذي يقتصر على الدخول من باب المغاربة والخروج بعد أمتار قليلة من باب السِلسلة بدلًا من المسار «الاعتيادي» الذي يبدأ من باب المغاربة ثم يستمر شرقًا نحو باب الرحمة، ومن ثم عودة إلى الغرب والخروج من باب السّلسلة، وهو مسار يستغرق حوالي 30 دقيقة. ويؤكّد اعتماد هذا المسار أنّ المهمّ بالنسبة إلى من سمحوا بالاقتحام لم يكن الكيفيّة التي يتمّ بها، بل أن يتمّ الاقتحام على أيّ حال، وبما يضمن اقتحام أكبر عدد ممكن من المستوطنين للأقصى لتقديم العدد على أنّه إنجاز، كما سيظهر في تصريحات وزير الأمن الداخلي لاحقًا. 

كيف يمكن أن نقرأ السّماح بهذه الاقتحامات؟

في الثامن والعشرين من رمضان الفائت، سمحت سلطات الاحتلال للمستوطنين باقتحام الأقصى للاحتفال بـ«يوم توحيد القدس». وفي ذلك اليوم، حُوّل الاحتلال الأقصى إلى ما يشبه ساحة حرب فاعتدي على الفلسطينيين بالرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع، وأبعد المصلّون عن صحن قبة الصخرة لحماية مسار الاقتحامات، ودهمت قوات الأمن المصلى القـبلي، وأوصدت أبوابه بالسلاسل، وأغلقت شوارع في القدس قبيل مسيرة الأعلام التي جابت القدس القديمة بعد اقتحام الأقصى. 

كان السماح باقتحام الأقصى في 28 رمضان خرقًا لما استقرّ عليه الوضع في المسجد لجهة منع الاقتحامات في العشر الأواخر من شهر رمضان، ثم استكمل باقتحام يوم عيد الأضحى مع أنّ سياسة الاحتلال استقرّت على منع الاقتحامات في المناسبات الإسلامية.

لم يكد اقتحام يوم عيد الأضحى ينتهي حتى خرج رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في مقطع فيديو نشره على حسابه على موقع تويتر، في مشهد لا يمكن أن يوصف إلّا أنّه جزء من دعاية انتخابيّة عشية الانتخابات العامّة. وفي الفيديو يقول نتنياهو إنّه اتخذ القرار بالسماح بالاقتحام منذ يوم الخميس، بعدما تشاور مع رؤساء الأمن في حكومته حول كيفيّة تنفيذ اقتحام التاسع من آب العبري مع أنّه يوم عيد إسلامي، وأشار إلى أنّ الخلاف لم يكن حول تنفيذ الاقتحام أم لا، بل حول الطريقة الفضلى لذلك مع المحافظة على الأمن، وقد «نجحنا في ذلك». 

أمّا وزير الأمن الداخلي غلعاد إردان، رجل جماعات الهيكل في الحكومة، فأصدر بيانًا بعد حوالي ساعة من الاقتحام، قال فيه إنّ سياسته قائمة على «السماح لكلّ يهودي وزائر بالصعود إلى جبل الهيكل بعد تقييم الوضع الأمني وضمان الأمن، وهو سيواصل العمل على تعزيز السيادة الإسرائيلية على جبل الهيكل». ولم يتطرّق إردان إلى مسار الاقتحامات المختصر، لكنّه ركّز على أنّ عدد المقتحمين بلغ 1792 مقارنة بـ1440 العام الماضي، وأنّ عدد المقتحمين تضاعف أربع مرات منذ أربع سنوات.

تصريحاتٌ تحمل الروح نفسها كان الوزير إردان أطلقها بعد اقتحام 28 رمضان، إذ قال حينذاك إنّ مهمته تتمثّل في «ضمان دخول اليهود إلى جبل الهيكل بحرّية»، وهو لم يأمر بوقف دخول اليهود على الرغم من حدوث مواجهات مع المصلين المسلمين، مشيرًا إلى أنّ «جبل الهيكل سيبقى مفتوحًا في وجه من يرغب في دخوله من أيّ ديانة كان، بخاصّة اليهود».

وبعد تفاخر إردان بـ «إنجازاته»، أعلن في مقابلة إذاعية مع «راديو 90» العبرية، في 13 آب 2019، تبنّيه تغيير الوضع القائم في الأقصى حتى يستطيع اليهود الصلاة في المكان بشكل فردي، أو جماعي، في مكان مفتوح أو مكان مغلق». ويحمل تصريح إردان هذا تأييدًا لبناء كنيس في المسجد، أو السّيطرة على أحد المباني فيه وتخصيصه لصلاة المستوطنين، وهذا الأمر هو من ضمن ما تطالب به منظمات الهيكل.

إذا وضعنا هذه التصريحات في سياق واحد تشكّلت لدينا خريطة توضّح الهدف، أو أحد الأهداف، من وراء الدّعم السياسي والأمني الذي قاده نتنياهو وإردان، لاقتحام الأقصى في المناسبات الإسلاميّة، وهو الدعاية الانتخابية التي تخاطب منظمات الهيكل.

وإذا رجعنا إلى الوراء، يتّضح لنا أنّ السلطات الإسرائيلية منعت اقتحام الأقصى في ذكرى «خراب الهيكل» في 2013، و2012، ما يعني أنّ السماح بالاقتحام في المناسبات العبرية لم يكن أولوية لدى سلطات الاحتلال، لكنّها اليوم باتت تستغلّ الاقتحامات وغيرها من الاعتداءات على الأقصى في سياقات المصالح السياسية والانتخابية، خاصة مع قراءة تصريح منظمات الهيكل الذي قالت فيه إنّ شرط دخول أيّ أعضاء أو تكتل من أفرادها في أيّ تحالف حكومي مستقبليّ بعد انتخابات الكنيست، هو التزام الحكومة بفرض صلاة اليهود العلنيّة في الأقصى.

العمليات تردّ على الاقتحامات

بعدما خرج نتنياهو وإردان يفاخران بإنجازهما ويعدان بالمزيد منها، نفّذ فلسطينيان من قرية العيزرية في القدس المحتلة، هما نسيم أبو رومي وحمودة خضر الشيخ، عملية طعن عند باب السلسلة، في 15 آب 2019، وفي اليوم التالي نفّذ علاء الهريمي، وهو أسير محرر، عملية دهس في مستوطنة «غوش عتصيون» بالقرب من بيت لحم.

جاءت العمليّتان كدليل على أنّ تمادي الاحتلال في اعتداءاته على الأقصى لا يمكن أن يمر دون رد، وكذلك للتأكيد أنّ احتمالات تفجّر الوضع في القدس والضّفة على خلفيّة التّطوّرات في المسجد هي احتمالات كبيرة. وهو ما يدركه المسؤولون الأمنيّون في دولة الاحتلال جيدًا، إذ رغم تراجع وتيرة العمليات التي تصاعدت مع انتفاضة القدس في تشرين الأول 2015، إلّا أن رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي «الشاباك»، نداف أرغمان، وصف الهدوء الذي يسود الضّفة الغربية بأنّه «مخادع»، وقال في تشرين الثاني 2018 إنّ العمليات التي أحبطتها الأجهزة الأمنية والخلايا التي فكّكتها، والاعتقالات التي نفّذتها، كلّ تلك معطيات تشير إلى «الإرهاب الكامن تحت السطح». والأمر ذاته أشار إليه مسؤول أمني إسرائيلي مؤخّرًا بالقول إنّ الهدوء في الضفة الغربية هشّ ومضلّل، على الرغم من تسجيل انخفاض في العمليّات الأمنيّة بالضفّة الغربيّة.

وعليه، فإنّ المصالح السّياسية التي قد يحاول أن يجبيَها نتنياهو وإردان عبر التّناغم مع مطالب «منظّمات الهيكل» يمكن أن تكون سببًا في تفجير «الهدوء الهشّ» في الضّفّة، وتاريخ القضيّة الفلسطينيّة حافل بالهبّات والثورات التي ارتبطت خمس منها بالاعتداءات على الأقصى الذي لم يفقد مركزيّته في الصّراع إلى اليوم، وهذا ما ثبّتته انتفاضة القدس 2015، وهبّة باب الأسباط 2017، وهبة باب الرحمة 2019.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية